قراءة قانون التملك

قانون تملك الأجانب
 يصيب إنسانية الفلسطيني في جوهرها
 مخالف للدستور وللقوانين الدولية والعربية له أبعاد سياسية سلبية يضر بالاقتصاد اللبناني ولا يمنع التوطين
 
  
أقر مجلس الوزراء اللبناني في جلسته التشريعية المنعقدة يوم الأربعاء 21/3/2001 مشروع قانون يرمي الى تعديل لمرسوم رقم 11614 تاريخ 4/1/1969 المتعلق "باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان". وجاء في نص القانون الجديد المادة الأولى "… لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين". ونص القانون على أنه: "لا يجوز لأي شخص غير لبناني طبيعيا كان أم معنويا، كما لا يجوز لأي شخص معنوي لبناني يعتبره هذا القانون بحكم الأجنبي، أن يكتسب بعقد او عمل قانوني آخرين الأحياء، أي حق عيني عقاري في الأراضي اللبنانية و أي حق عيني من الحقوق الأخرى التي يعينها هذا القانون إلا بعد الحصول على ترخيص يعطى بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية. ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا في الأحوال المنصوص عليها صراحة في هذا القانون او في نص خاص".
  •   لماذا جرى تعديل المرسوم السابق وكيف برز هاجس التوطين؟
    تقدمت الحكومة اللبنانية بمشروع تعديل قانون تملك الأجانب في إطار الإصلاحات التي تقدم عليها الحكومة لمعالجة الوضع الاقتصادي، حيث برزت مؤخراً الحاجة الى تشجيع الاستثمار وتحفيز المستثمرين والشركات العربية والأجنبية على الاستثمار في لبنان في مختلف المجالات. ورأت الحكومة ن تعديل قانون التملك سيسهل انتقال الشركات والأموال للاستثمار في لبنان. لكن لدى مناقشة القانون في لجنة الإدارة والعدل النيابية وتالياً في الجلسة العامة لمجلس النواب أبرز بعض النواب مخاوفهم من قضية التوطين، وشككوا في أن يكون القانون المعدل الجديد إحدى الأدوات المساعدة على تمرير مشروع التوطين. وقدم أحد النواب إحصائية تظهر شراء الفلسطينيين لعدد من الشقق السكنية معتبراً نسبة الشراء كبيرة. ودعا بعض النواب وضع مادة في القانون تمنع الفلسطينيين من تملك العقارات تحت ذريعة مواجهة التوطين "الذي لا يستطيع لبنان ان يتحمله نظراً لضيق مساحته ولكثافته السكانية ولأوضاعه الاقتصادية التي تؤدي الى هجرة الشباب".
  
 لذلك جاء نص القانون الجديد ليمنع اللاجئ الفلسطيني المقيم في لبنان منذ ما يزيد عن خمسين عاما من تملك العقارات والشقق السكنية الا بأذن خاص من مجلس الوزراء اللبناني، وهذا يعني حرمان الفلسطيني من امتلاك المسكن والمأوى تحت أي ظرف من الظروف. أين يتعارض هذا القانون مع الدستور اللبناني والقوانين الدولية والقرارات العربية؟ في مخالفته للدستور اللبناني
  
 1 . ان هذا القانون مخالف لمقدمة الدستور اللبناني التي تنص على أن "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة"، التي من بينها كما هو معروف حرية الإقامة والتملك.
 
 2. هذا القانون مخالفا أيضاً لمقدمة الدستور اللبناني الذي يؤكد التزام لبنان بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويؤكد تجسيد الدولة لهذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات.
 
3. هذا القانون مخالف لأحكام المعاهدات الدولية التي وقعها لبنان والتي تعنى بشؤون اللاجئين وحقوق الإنسان وتدعو لإعطاء اللاجئين كافة حقوقهم المدنية .
 
4. هذا القانون مخالف للتراتبية القانونية حيث تصبح المعاهدات الدولية التي توافق عليها الحكومات في موقع متقدم عن القوانين المحلية في مصادر التشريع.
  
  •  ثغرات قانونية   يعتري قانون التملك ثغرات قانونية كبيرة أهمها:
1. منع أي شخص - من التملك - إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة التوطين" . فالفقرة الأولى من العبارة تبيح للفلسطيني التملك فيما إذا قامت دولة فلسطينية واعترف بها لبنان وحمل الفلسطيني المقيم في لبنان جنسيتها. والفقرة الثانية تمنعه من ذلك لجهة رفض التوطين. وهذا تناقض لا يصح في أن يكون قانون.
 
 2 . إن عبارة "إذا كان التملك يتعارض من أحكام الدستور لجهة التوطين" عبارة مطاطة وغير دقيقة، فهي تمنع الفلسطيني من التملك بشرط محدد "إذا.." مما يعني أن تملك الفلسطيني قد يخالف أحكام الدستور لجهة التوطين، وقد لا يخالفها. ولكن من الذي يبت في هذا الأمر؟ هل يملك رئيس السجل العقاري أن يحدد ما إذا كان تملك الفلسطيني يخالف الدستور؟ أم المحاكم العادية" أم المحكمة الدستورية؟ أما إذا كان القصد أن تملك الفلسطينيين المطلق يؤدى إلى التوطين ويعارض الدستور، فلماذا استخدام "إذا" .
 
  •  في القانون الدولي
 ان القانون الذي أقره المجلس النيابي يتعارض مع القوانين والاتفاقيات الدولية في عدة اوجه أبرزها: 1. هذا القانون يخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو الى احترام الحقوق الإنسانية للإنسان وتحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي وان يدفع بالرقي الاجتماعي قدما وان يرفع مستوى الحياة في جو من الحرية.
 
 2. هذا القانون يتعارض مع المادة الثانية من الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على ما يلي: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر.. او الرأي السياسي.. او الأصل الوطني او الاجتماعي".
 
3. هذا القانون مخالف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام 1966 الذي يلزم الأعضاء الموقعين عليه بما يلي: "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق او اللون او الجنس.. او الرأي.. و الأصل القومي او الاجتماعي".
 
 4 . ان هذا القانون مخالف للمادة الرابعة والعشرين من اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين والموقعة بتاريخ 28/7/1951 والتي أعطت اللاجئين المقيمين في الأقطار التي لجأوا وهاجروا أليها الاستفادة من الامتيازات التي يستفيد منها مواطنو تلك الدول.
 
 5 . هذا القانون مخالف للمادة السابعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الذي وقع عليه لبنان) لجهة التملك، بحيث يحق لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره كما لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا.
 
  •  في القرارات العربية
 1 . هذا القانون مخالف لبروتوكول الدار لبيضاء الصادر عام 1965 والذي يدعو لان يعامل اللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم و أقامتهم وتيسير فرص العمل لهم.
 
 2. هذا القانون مخالف للقرار الصدر عن جامعة الدول العربية عام 1959 والذي يدعو الدول العربية "لبذل كافة الجهود للحيلولة دون تهجير اللاجئين الفلسطينيين".
 
 3 . هذا القانون مخالف للقرار رقم 2600 الصادر عن مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، والذي يدعو الى تخفيف المعاناة عن اللاجئين.
 
  •   من الناحية السياسية
         1. ان منع اللاجئ الفلسطيني من التملك جاء تحت ذريعة منع التوطين، وفي هذا الأمر تجنّ كبير على الإنسان الفلسطيني الذي أعلن رفضه مرارا وتكرارا لكل مشاريع التوطين وواجهها. وفي السنوات الأخيرة التي ازدادت فيها أخطار التوطين بعد اتفاق أوسلو أكد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تمسكهم في العودة الى وطنهم، ونظموا الأنشطة السياسية والإعلامية التي تؤكد تمسكهم بحق العودة.
 
   2. لقد غاب عن بال معظم النواب الذين اقروا قانون منع تملك الفلسطينيين ان التوطين هو قرار سياسي لا علاقة له بالشقق والعقارات. وان قرارا كهذا من المستحيل ان يمر اذا رفضه اللبنانيون والفلسطينيون، حتى لو جاء تحت ضغط دولي شديد.
 
           3. ان هذا القانون وإذ يرى واضعوه انه يقفل الباب على التوطين، الا انه ربما يسهل "التوطين المقنع" الذي يأتي عبر منح الفلسطينيين المقيمين في لبنان الجنسية الصادرة عن السلطة الفلسطينية ويبقيهم كجالية عربية تقيم بشكل دائم في المخيمات. اذ ربما يساعد هذا الخيار ساعتئذ الفلسطينيين على تملك الشقق والعقارات بعدما يكونوا حصلوا على جنسية معترف بها، وفق ما ينص عليه قانون التملك الجديد.
 
        4. ان هذا القانون لا يمكن أن يساهم ولا بأي شكل من الأشكال في عملية تجاوز المرحلة الأليمة التي عاشها الفلسطينيون واللبنانيون، والتي تأكد للجميع انه لا يمكن تجاوزها الا من خلال الحوار والنقاش الهادئ والرغبة الصادقة في طي صفحة الماضي وتغليب صوت الاعتدال واحترام خصوصية الآخر والاجتماع على القواسم المشتركة التي تحفظ المصالح المشتركة للشعبين.
 
          5. ان قرار منع تملك الفلسطيني جاء في وقت سيئ يتعرض فيه الفلسطينيون داخل فلسطين لأسوأ أنواع الإرهاب الإسرائيلي، وتطلق فيه التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا. الأمر الذي يستدعي من الجميع التكاتف لمواجهة المرحلة الشارونية التي تستهدف الجميع دون استثناء، عوضاً عن التلهي في حسابات خاسرة.
 
         6. إن هذا القانون لا يمنع تملك الفلسطينيين في لبنان. فهناك الآلاف من الذين يحملون الجنسيات الأردنية والألمانية والأميركية والدنمركية والأسترالية وغيرها قادرون إذا شاءوا تملك أراض وعقارات في لبنان، فكيف يحارب التوطين إذن؟
       7 . إن قانون منع تملك الفلسطيني جاء ليساوي الفلسطيني المضطهد بالإسرائيلي القاتل، بحيث يمنع القانون على الإسرائيلي أن يتملك في لبنان ما دام لبنان في حالة حرب معه. وفي الحالة هذه فإن الصهيوني لا يختلف من حيث المضمون عن الفلسطيني الذي منع أيضا.
 
أضرار القانون في نظرة عاجلة يلاحظ أن القانون المانع لتملك اللاجئ الفلسطيني سيؤدي الى نتائج وخسائر جسيمة ستصيب المجتمعين الفلسطيني واللبناني وهنا أهمها:
 1. سيؤدي هذا القانون إلى تفاقم مشكلة السكن في المجتمع الفلسطيني الذي يعاني من مشكلة سكنية حادة ومتفاقمة ناتجة عن قرار السلطات اللبنانية منع البناء والترميم في المخيمات. خاصة وانه يمنع تمدد المخيمات إلى غير مساحتها المعروفة ويمنع التوسع الأفقي او الرأسي في البناء، بينما تحافظ معدلات النمو والولادة على مستوياتها(ازداد عدد السكان الفلسطينيين اكثر من ثلاث أضعاف عندما لجئوا إلى لبنان). وهذا ربما يلحظ أخطاره الباحثين في المجال الاجتماعي.
 
 2. سيضر هذا القانون بآلاف الفلسطينيين الذين اشتروا شققاً سكنية منذ سنوات طويلة وعجوزا لأسباب متعددة بعضها مالي وبعضها إداري عن تسجيلها في السابق الأمر الذي يؤدي الى استحالة تسجيلها بعد هذا القانون وصعوبة بقائها معلقة.
 
 3. سيؤدي هذا القانون إلى هبوط في قيمة الشقة التي يضطر مالكها الفلسطيني الى بيعها، وإذا كان و اضطرا لذلك أو اذا كان سيستحيل عليه تسجيلها، وإذا كان القانون اللبناني يمنع بقاءها دون تسجيل في الدوائر الرسمي، فإن ذلك سيوجد مشكلة معقدة لدى أصحاب هذه الحالات.
 4. سيضر هذا القرار بسوق العقارات في لبنان، اذ تظهر الإحصائيات ان الفلسطينيين هم من اكثر الفئات شراء للعقارات التي أصيب سوقها بضرر كبير نتيجة الركود الاقتصادي. ومغتربوهم من اكثر المغتربون إنفاقا في على ذويهم.
 5. انه وبهذا القرار اصبح اللاجئ الفلسطيني محروم في لبنان من عدة حقوق أهمها: حق العمل والتملك والاستشفاء، ولم يبق أمامه الا حقوق بسيطة يبدو ان الاتجاه يسير نحو شطبها أيضاً.
 6. سيؤدي هذا القرار الى إصابة رجال الأعمال والمستثمرين الفلسطينيين في السوق العقاري بخسائر كبيرة ذلك لان مبيعات هؤلاء تنحصر في المعتاد في المجتمع الفلسطيني، الذي بات غير قادراً على شراء العقارات. إضافة الى كل ما ذكر
  •   فان منع الفلسطيني من التملك يثير جملة أسئلة وملاحظات أهمها:
 1. ان بعض اللبنانيين لم يدرك بعد خفايا وتعقيدات قضية اللاجئين وارتباطاتها الإقليمية والدولية، ويصر على التعاطي معها من خلال منظور محلي لا بل طائفي ومذهبي أحياناً حيث يعامل الفلسطيني دائماً على قاعدة أنه عنصر في مشروع التوطين ويعاقب من خلال قرارات وقوانين على جريمة وجوده في لبنان التي ليس هو مسؤولاً عنها ولا يتحمل وزر سببها.
 
 2. ما هو الدور الذي ستلعبه منظمة الأمم المتحدة التي أنشأت الاونروا وجعلت من مهامها تنظيم وترتيب أوضاع الفلسطينيين والتعاون مع حكومات الدول المضيفة لاجل مصلحة اللاجئين. وبعد هذا القرار ما الدور الذي ستقوم به الاونروا لمعالجة مشكلة السكن، وهل يعنيها هذا القانون وبأي شكل ستتحرك أثره؟
 
 3. في الوقت الذي يمنع الفلسطيني من العودة ويستمر النمو السكني في نفس معدلاته وتمنع السلطات اللبنانية بناء وترميم المنازل، ما هي إذا الحلول المرتقبة لمشكلة لسكن، وهل توافق لحكومة اللبنانية على بناء مخيمات جديدة؟
 
4. هل رفض التوطين يعنى إلحاق الظلم بالفلسطينيين الذين اخرجوا من وطنهم ودفعتهم الظروف للجوء إلى لبنان، فيمنع عنهم كل أسباب العيش الكريم ويمنعون داخل المخيمات من البناء وحتى الترميم ثم يمنعون خارجها من التملك ويمنعون من كل حقوقهم الإنسانية المدنية؟
 
 5 . هل هذا القانون سيحرك السلطات اللبنانية نحو تطبيق القوانين التي تتعرض للاجئ الفلسطيني وتمنعه من معظم حقوقه الإنسانية. وما النتائج التي ستحدث فيما لو طبقت الحكومة إجراءاتها لمنع الفلسطيني من العمل والانتقال والتعلم والعلاج وغير ذلك؟
 
برشور قانون التملك الصادر عن المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)