البيان الختامي - "القانون الدولي وجرائم الاحتلال في مدينة القدس"

البيان الختامي

للندوة القانونية التي عقدت في بيروت تحت عنوان

"القانون الدولي وجرائم الاحتلال في مدينة القدس"

عقدت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) في 15/10/2015، ندوة قانونية بعنوان "القانون الدولي وجرائم الاحتلال في مدينة القدس"، حضرها نحو 20 شخصية عربية من الخبراء والمختصين في القانون الدولي والمهتمين بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وذلك في فندق لانكستر في بيروت. ترأس الندوة الأستاذ صالح العرموطي نقيب المحامين الأردنيين السابق.

وناقشت الندوة التي انعقدت على مدار يوم كامل ثلاث أوراق عمل متخصصة، توزعت على ثلاث جلسات، سعت من خلالها إلى تحقيق جملة من الأهداف، أهمها: دراسة الوضع القانوني لوضع القدس الحالي، وتقديم تقييم قانوني للأحداث الدامية في القدس على وجه الخصوص، الاطلاع على الموقف الفلسطيني والأردني حيال مدينة القدس المحتلة، دراسة إمكانية الاستفادة من الفرص القانونية على المستوى العربي والدولي، بناء هيئة استشارية لإبداء الرأي القانوني وذلك بهدف تصويب الأداء القانوني بشكل عام.

وقد صدر عن الندوة البيان الختامي التالي:

تحية اعتزاز وإكبار لنضال الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وخصوصاً في مدينة القدس المحتلة ووللمرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى على وجه الخصوص.

شكلت قضية القدس منذ سنة 1948 جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي، حيث قامت سلطات الاحتلال باحتلال الشطر الغربي منها في سنة عام 1948، وأتمت احتلالها بعد حرب1967، وأعطت لنفسها، باعتبارها سلطة محتلة، صلاحيات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية واسعة؛ منتهكة بذلك طبيعة الحكم العسكري الإحتلالي التي وضحتها أنظمة لاهاي 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، واللتان بينتا أن طبيعة الاحتلال تكون مؤقتة وتزول بزواله. كما أنه لا يجوز للقوة المحتلة اعتماد أية مصالح وطنية أو اقتصادية أو اجتماعية لها، ما دامت هذه الاعتبارات لا تتطلبها المصالح الأمنية. وبهذه السياسات والممارسات التعسفية، استطاعت قوات الاحتلال الإسرائيلي اتباع سياسة الأمر الواقع، وتغيير معالم القدس، مما يعدّ ذلك مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة، والعديد من الهيئات والمؤتمرات الدولية؛ التي أكدت على انطباق اتفاقية جنيف على الأراضي المحتلة. وعلى الرغم من المواقف الدولية الواضحة اتجاه مدينة القدس، فإن السياسة الإسرائيلية التهويدية والاستيطانية التوسعية الإحلالية قد زادت حدة واتسعت إجراءاتها التعسفية لتصل إلى تهديد حرمة المسجد الأقصى المبارك ذاته لتقسيمه مكانياً وزمانياً واتخاذ إجراءات عقابية قاسية بحق السكان المقدسيين.

إن استمرار ممارسة سلطات الاحتلال الاسرائيلية بانتهاك حرمة المقدسات الدينية في مدينة القدس، وفي سائر المناطق الفلسطينية المحتلة، والاعتداء على المصلين وقيامها بانتهاك حرية العبادة ومنع المصلين من الوصول الى الأماكن المقدسة وأداء الصلاة فيها، يشكل انتهاكاً صارخاً لحرية العبادة وحق ممارسة الشعائر الدينية التي كفلتها الشرائع والمواثيق الدولية، وخاصة الشرعة الدولية لحقوق الانسان، كما أنها تتناقض مع المادة 53 من بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977، التي حظرت الأعمال العدائية الموجهة ضد أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعوب. وقد اعتبرت المادة (8) فقرة (ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية من قبيل جرائم الحرب.

إن مواصلة سلطات الاحتلال انتهاكاتها لحرية العبادة والوصول الى الأماكن المقدسة لأبناء الديانتين الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، واقتصار حرية التنقل لليهود وتمكينهم من الوصول الى حائط البراق دون أية عراقيل أو قيود، يعد شكلاً من أشكال التميز العنصري. لقد أكدت المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عن حق كل فرد في حرية الفكر والضمير والديانة، والحق في إقامة الشعائر سواءً أكان ذلك سراً أم مع الجماعة. وعليه يثار التساؤل بصدد المسؤولية حول انتهاك حرمة المسجد الاقصى المبارك من منظور القانون الدولي العام بما تضمنه من قواعد خاصة بحماية أماكن العبادة سواءً في وقت النزاع المسلح أو وقت الاحتلال الحربي.[i]

وكانت لجنة العلاقات الخارجية في المجلس التنفيذي لدى "اليونسكو" قد تبنّت في نيسان 2015 قرار الأردن وفلسطين المدعوم من المجموعة العربية والإسلامية حول فلسطين، والذي يؤكد التعريف الأردني والإسلامي التاريخي الثابت بأن المسجد الأقصى المبارك هو كامل الحرم القدسي الشريف، وأن منطقة طريق باب المغاربة جزء لا يتجزأ منه. ويعتبر سلوك الاحتلال في هذا الخصوص انتهاكا صارخاً لاتفاقية حماية الممتلكات الثقافية لعام 1954 والبروتوكلين الملحقين به.

ونتيجة حتمية لسلوك الاحتلال الإجرامي ضد مدينة القدس بشكل عام والمسجد الأقصى بشكل خاص، قام الشعب الفلسطيني بانتفاضة جماهيرية واسعة شملت جميع المدن الفلسطينية بما فيها تلك المحتلة عام 1948، وكعادته فقد قام الاحتلال بعمليات قتل بدم بارد وإعدامات ميدانية الأمر موثقة، فضلاً عن آلاف الجرحى.

إن القضية الفلسطينية قضية قانونية دولية بامتياز، إن هذا التقصير يدل دلالة واضحة على عدم اهتمام فلسطيني وعربي وإسلامي رسمي متواصل بالجوانب القانونية للقضية الفلسطينية فضلاً عن غض طرف الدول الغربية عن جرائم الاحتلال. لعل أشهر حلقات ضعف الاهتمام القانوني ظهرت حين أبرمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية دولية (أوسلو) عام 1993 مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من دون وجود قانوني دولي واحد في الوفد الذي قاد المفاوضات في الجانب الفلسطيني، فيما كان الوفد الإسرائيلي يضم فريقاً من أشهر المحامين الدوليين.

إن روح وأحكام القانون الدولي العام ومبادئه السامية تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لكن ضعف الأداء السياسي وغياب المنظومة القانونية الفلسطينية المستندة إلى أحكام القانون الدولي وخبرات المختصين أفرغت البعد القانوني للقضية الفلسطينية من عناصر القوة.

توصيات:

1.ضرورة احترام اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية لعام 1954 والبروتوكولين الملحقين بها. إن انتهاك سلطات الاحتلال الصارخ لأماكن العبادة قد يشكل جريمة حرب الأمر الذي يدعو لفتح ملف موثق لجرائم الاحتلال في المسجد الأقصى وتقديمه لمحكمة الجنايات الدولية.

2.تفعيل المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة في الجمعية العامة[1]، بعد كل اعتداء يقوم به الإسرائيليون، لنتمكن من محاكمة المسؤولين الإسرائيليين في محاكم دولية، وعدم الاكتفاء بالطلب السياسي في مجلس الأمن كي لا نُواجه بفيتو أميركي في كل مرة، أو أن نحصل على مجرد تنديد من المجلس في أحسن أحواله من خلال بيان رئاسي أو ما شابه.

3.اللجوء إلى محكمة العدل الدولية من أجل استصدار فتوىً بعدم مشروعية الحصار الجائر على غزة، طبقاً للمادة 65(1) من نظام محكمة العدل الدولية، على غرار الفتوى التي أصدرتها المحكمة بشأن الجدار العازل.

4. البحث بجدية في مشروع تعليق عضوية الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة بما في ذلك الجمعية العامة وجميع أجهزتها المنبثقة عنها، كون أن كيان الاحتلال قامت أساساً على شرط تطبيق قراري الجمعية العامة للامة المتحدة القرار 181 والقرار 194، وشرط مبدئي وهو أن تكون محبة للسلام.

5. متابعة فتوى محكمة العدل الدولية تجاه الجدار العازل، من أجل محاسبة الشركات الأوروبية والأجنبية والمحلية التي تورطت في المشاركة في بناء الجدار العازل، مخالفة بذلك اتفاقية جنيف الرابعة 1949، التي وقّعتها حكومات دولها وإجبارها على دفع تعويضات للمتضررين.

6. بناء منظومة قانونية فلسطينية وعربية ودولية من أهل الخبرة والاختصاص للإفادة في الرأي القانوني والبحث عن الخيارات القانونية الممكنة في ملاحقة قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية ضرورة تدريب الشباب الفلسطيني فلسطين بشكل عم في القدس المحتلة بشكل خاص قانونياً وذلك لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية وفق المعايير الدولية المتبعة في هذا الخصوص.

7. رفع مستوى التنسيق والعمل المشترك بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية ومن له الحق في اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بهدف الدفاع عن مدينة القدس بشكل أكثر فعالية.

8. وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال تطبيقاً قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في آذار من العام الجاري.

9. الطلب من السلطات المصرية فتح معبر رفح بشكل طبيعي بما ينسجم مع روح وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 كون أن جمهورية مصر العربية هي طرف في هذه الاتفاقية وجميع ملحاقاتها.

10.بذل جهود إعلامية أكبر لفضح جرائم الاحتلال أمام الرأي العام العالمي ومقاومة الآلة الإعلامية الإسرائيلية التي تزور الحقائق وتظهر الفلسطينيين بمظهر المعتدي.

بيروت في 16/10/2015

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)



[1] تنص المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي: للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضرورياً للقيام بوظائفها.



[i] الدكتور أحمد براك، أنظر الرابط، http://www.ahmadbarak.com/Category/StudyDetails/16