معركة الأيام الستة في مخيم عين الحلوة بين النتائج الكارثية ومفاهيم الأمن الذاتي

معركة الأيام الستة في مخيم عين الحلوة بين النتائج الكارثية ومفاهيم الأمن الذاتي

تقرير

نيسان 2017



وضاعت فرحة الزفاف

عائلة عبد الغني ح ُوصرت داخل المنزل أثناء الاشتباكات لمدة 24 ساعة، واضطرت مكرهة إلى الفرار تحت نيران القذائف لم تقتصر الآلام على ضياع منزل آواهم لسنين طويلة، منزل يكتنز تفاصيل عائلية جميلة، منزل مكون من 4 طبقات وتسكنه 9 عائلات. سرقت المعركة أمراً عظيماً أيضاً... سرقت فرحتهم بزفاف ابنهم أحمد عبد الغني، الذي كان من المقرر أن يكون يوم الأحد 16 نيسان/ أبريل 2017، أي ثالث يوم من الإشتباكات. دُمر المنزل، أُحرق المنزل بالكامل، لم يبق منه أثر يدل على أنه منزل يصلح للعيش الآدمي، فضلاً من أن يكون منزلاً لعريس سيبدأ حياته عما قريب... احترق كل شيء من أثاث وثياب بيضاء تنتظر العريس أن يلبسها. حتى تجهيزات الوليمة، التي كان يعدها، من لحوم، لم يبق منها من شيء، ليتحول الفرح إلى حزنٍ، والحلم إلى كابوسٍ، يصعب التخلص منه بسهولة...

غياب المرجعية السياسية الرسمية وحضور مرجعيات الأمر الوقع:

يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حالة هشاشة كبيرة جداً، جعلت بنية المجتمع الفلسطيني عرضة للأمراض السياسية والمجتمعية. وكان لحالة الضعف الكبيرة في أداء المرجعية الرسمية الفلسطينية (مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية السياسية والخدمية)، وحالة التهميش القانوني، وحالة الحصار والتضييق، التي تفرضها السلطات اللبنانية على المخيمات الفلسطينية، وكذلك التراجع الدراماتيكي لوكالة الاونروا وعجزها —عن قصد أو غير قصد— عن الوفاء في تلبية الحاجات الإنسانية للاجئين، كان لكل ذلك دور سلبي جداً في زيادة الأمراض المجتمعية، وإيجاد بيئات عنف وتطرف، يصعب معالجتها بسهولة.

إزاء هذا الواقع غير الصحي نمت ظواهر وطنية وإسلامية، وكرست أمراً واقعاً، يجزئ المجزأ، ويُضعف كل قوة ممكنة. فالحالات التي تدعي أنها حركات إسلامية سلفية (بكل امتداداتها وأيديولوجياتها) ازدادت، وانقسام حركة فتح الحاد تعزز أكثر من خلال تكريس التيار الإصلاحي. ولكل جزء من هذ الأجزاء مرجعية ومربع أمني يصعب تجاوزه.

مرجعيات الأمر الواقع ترعرعت على حساب المرجعية الرسمية، التي تضعف يوماً بعد يوم. حاولت الفصائل الفلسطينية إيجاد مرجعية سياسية واقعية، تراعي كل هذه التعقيدات، لكن الظروف الميدانية كانت تحول دون نجاحها، أو ربما يمكننا القول إن الوقت قد تأخر فعلاً لتدارك ذلك، ويُعبّر عن ذلك بعنف مسلح بين الفينة والأخرى. ولعل الاشتباك المسلح الأخير بين القوة المشتركة (وعمودها الفقري حركة فتح) ومجموعة بلال بدر هي مثال صارخ على حالة الهشاشة هذه.

ما الذي جرى في حي الطيرة؟

حي الطيرة يتكون من نحو 440 منزلاً. حدوده: شرقاً طريق سيروب والنبعة، وغرباً الشارع الفوقاني الرئيسي، وشمالاً حي الراس الأحمر وعرب الزبيد، وجنوباً حي الصحون.

اندلعت مساء يوم الجمعة 7/4/2017 اشتباكات عنيفة في مخيم عين الحلوة، وذلك إثر محاولة القوة الأمنية المشتركة، المكونة من الفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية والإسلامية، تنفيذ قرار قواها السياسية بالإنتشار والتمركز في مجموعة من النقاط والمحاور الرئيسية في المخيم، بقصد ضبط الأمن، ومنع التجاوزات، التي كانت تحصل بين الحين والآخر.

وفيما استكملت القوة الأمنية بالفعل انتشارها في معظم النقاط المحددة لها، توجهت للانتشار في آخر نقطة لها، والتي تقع بالقرب من مدخل السوق التجاري، قريباً من موقف بليبل للسيارات وحي الطيرة، اعترضتها مجموعة مسلحة تنتمي إلى مجموعة بلال بدر، وحاولت منعها من تنفيذ مهامها، إلا أن القوة المشتركة أصرت على تنفيذ قرار القيادة السياسية بالانتشار في المكان المحدد، فما كان من مسلحي بلال بدر إلا أن أطلقوا النار على القوة المشتركة، وأصابوا عدة أشخاص. على أثر ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة جداً بين القوة المشتركة (وعمودها الفقري حركة فتح) ومجموعة بلال بدر، ميدانها الرئيسي هو حي الطيرة.

استمرت المعركة لمدة ستة أيام متواصلة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المتوفرة، من قذائف صاروخية وقذائف هاون، ومضادات أرضية.

في المقابل فإن مجموعة بلال بدر، والمقدر عددها بحسب ناشطين في مخيم عين الحلوة بثلاثين شخص، استطاعت أن تواجه حركة فتح وأن تنتقل من حي الطيرة إلى أحياء أخرى مجاورة بكل سهولة ويسر، الأمر الذي قد يفتح معركة أخرى في المستقبل المنظور ما لم ينتبه قادة الفصائل الفلسطينية إلى خطورة الأمر.

انتهت معركة الأيام الستة بفرار بلال بدر ومجموعته من حي الطيرة، وأصبح مطلوباً للقوة الأمنية المشتركة، هذا على المستوى الأمني والميداني، أما على المستوى الإنساني فإن النتائج كانت كارثية.

موسى الخربيطي... نزف حتى الموت

موسى الخربيطي، هو أحد عناصر حزب الشعب، وهو أحد المصابين بإطلاق النار على القوة الأمنية من مجموعة بلال بدر. ويتمتع موسى الخربيطي بسمعة حسنة، وهو في الحقيقة من سكان حي الطيرة، وأحد جيران بلال بدر. تُرك الخربيطي ينزف لمدة ثلاث ساعات، وهاتفه مفتوح ويتواصل -وهو مصاب- مع أقاربه ومسؤوليه مستنجداً، حيث لم تتمكن طواقم الإسعاف والطوارئ من الوصول إليه وإنقاذه، إلى أن فارق الحياة، بسبب حدة الاشتباكات التي اندلعت في الحي وجواره.


حصاد الأيام الستة السوداء

قام فريق من مؤسسة شاهد وعلى مدار يومين متتالين (13 و 14 نيسان/ أبريل 2017) بجولات ميدانية في مخيم الحلوة بشكل عام، وحي الطيرة ومنطقة الاشتباك والسوق بشكل خاص، وخلص إلى ما يلي:

الأضرار البشرية الناتجة عن معركة الطيرة (7-12/4/2017)

الرقم

الاسم

الحالة

التاريخ

1

موسى خالد أحمد الخربيطي

القوى الأمنية المشتركة/حزب الشعب

7/4/2017

2

محمد عزات إبراهيم موسى

حركة فتح

9/4/2017

3

فراس محمد عيسى بلعوس

حركة فتح

9/4/2017

4

عبد الحكيم احمد عبد الكريم علاء الدين (عامر الخميني)

حركة فتح

9/4/2017

5

ممدوح الصاوي (أبو علي)

مدني

9/4/2017

6

محمد رمزي محمود زبيدات

حركة فتح

10/4/2017

الأضرار المادية الناتجة عن معركة الطيرة (7-12/4/2017)

نوع الأضرار

منازل

المحال التجارية

دمار كلي

60

16

دمار جزئي

180

35

احتراق

31

12

مجموع الأضرار

271

63

البنى التحتية:

تضررت البنى التحتية في مناطق الاشتباك تضررا بالغاً، وبحسب مشاهدات فريق عمل شاهد وتقارير حقوقية منها تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن شبكة المياه والكهرباء في خمسة أحياء على الأقل قد تضررت. وبالنسبة لشبكة الكهرباء، فإن الكوابل الرئيسية وكوابل اشتراكات المولدات الكهربائية التي تمر بحي الطيرة وتغذي احياء أخرى قد تضررت بشكل بالغ. كما أن شبكة المياه تحتاج لصيانة عاجلة بسبب التلف الهائل في أنابيب المياه هناك.

مفهوم المربعات الأمنية يحل محل الأحياء الوطنية:

من أخطر النتائج التي خلّفتها معركة الأيام الستة أنها كرست مفهوماً خطيراً للغاية، وهو مفهوم المربعات الأمنية. تمتاز المخيمات الفلسطينية في العموم بتسمية أحيائها أسماء ترجع إلى أسماء مدن وقرى فلسطينية، وفي الغالب يسكن هذه الأحياء عائلات هي أصلاً من هذه القرية، أو المدينة، أو تلك. وفي عين الحلوة مثلاً هناك حي صفورية، وحي الراس الأحمر، وحي طيطبا، وحي الطيرة، وحي حطين، وحي الصفصاف وهكذا... ومع ضعف المرجعية الرسمية الفلسطينية، وظهور المرجعيات الواقعية، بات كل حي يشكل مربعاً أمنيا لمجموعة إسلامية أو وطنية. وكان يعيش بلال بدر في حي الطيرة، الذي أصبح يشكل بالنسبة له مربعاً أمنياً. وبعد هذه المعركة أصبح سكان حي الطيرة، وكأنهم كلهم موضع اتهام وشك بالنسبة لحركة فتح، يصعب عليهم التنقل إلى أحياء أخرى. ويحصل هذا الأمر مع سكان بعض الأحياء أيضاً حيث يتعرضون للاستفزاز من القوى المستأثرة بهذا الحي أو ذاك. وسوف تكرس معركة الأيام الستة هذا المفهوم الخطير، ما لم تجر مصالحات حقيقية.

خلاصات وتوصيات:

1. صحيح أن ثمة أسباب ذاتية وراء معركة الأيام الستة، لكن الصحيح أيضاً أن ظروفاً موضوعية أقوى هي السبب في نشوب هذه المعركة. فالظروف الحياتية، والتهميش، والتضييق، وضعف المرجعية الرسمية، والفقر، والحرمان، كلها توفر ظروفاً خصبة للتوتر والعنف.

2. إن معركة الأيام الستة، التي جرت في مخيم عين الحلوة، كشفت وضعاً خطيراً للغاية، وهو غياب العقل، والاستخدام المفرط للقوة.

3. كشفت معركة الأيام الستة سهولة افتعال المشاكل، وسهولة استخدام السلاح، بغض النظر عن الدوافع، وعن حقوق السكان المحليين.

4. كشفت معركة الأيام الستة أنه يصعب تحقيق أي هدف من خلال المعالجة الأمنية من دون توفر قرار سياسي جامع، ومن دون أخذ كل الظروف بمخيم عين الحلوة بعين الاعتبار، لا سيما قضية تسوية ملف المطلوبين، وقضية محاربة الارهاب الدولي، وقضية الأزمة السورية، والأزمة السياسية اللبنانية الداخلية..

توصيات:

1.ندعو الدولة اللبنانية إلى أنسنة إجراءاتها الأمنية، وعدم التضييق على سكان المخيم، وتغليب الجوانب الإنسانية دائماً، وفسح المجال أمام الطاقات الفلسطينية، والكفاءات المهنية، للانخراط أكثر في عملية الانتاج، بما يحقق المصلحة اللبنانية، وينزع فتائل التطرف والعنف. وأن يكون تدخل الدولة اللبنانية إيجابياً.

2.ندعو الاعلام اللبناني للتعاطي بمسؤولية ومهنية مع وضع المخيمات، بعيداً عن التهويل، الذي يحول المخيمات وكأنها بؤر أمنية، وسكانها وكأنهم مطلوبون للعدالة.

3.منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية كاملة، التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والصكوك الدولية الأخرى، وعلى رأسها حق العمل والتملك، وتشكيل الجمعيات، والحق في مسكن لائق.

4.ندعو الأطراف الفلسطينية كلها إلى عدم السماح لأحد بالعبث بأمن واستقرار المخيم، ودعم القوة الأمنية المشتركة في كل المخيمات الفلسطينية.

5.كما ندعو منظمة التحرير الفلسطينية، بما تمثل من إنجاز وطني، لأخذ دورها الحقيقي في رعاية مصالح اللاجئين الفلسطينيين على مختلف المستويات، لا سيما السياسية منها، والدعوة لتطويرها بما يحقق مصالح الفلسطينيين وحقوقهم الإنسانية.

6.ندعو وكالة الأونروا إلى زيادة خدماتها، بما يلبي احتياجات اللاجئين الفلسطينين، وإشراك منظمات دولية خدمية أخرى لتقديم مزيد من الدعم للاجئين الفلسطينيين، والعمل الجاد مع السلطات اللبنانية إلى زيادة مساحة المخيمات.

7.ندعو وكالة الإونروا إلى إنشاء صندوق طوارئ خاص بالأزمات، بعيداً عن الموازنة التقليدية، بحيث يستخدم هذا الصندوق عند الكوارث والطوارئ الأمنية وسواها.

8.ضرورة أن يلعب المجتمع المدني الفلسطيني دوراً أكثر حيوية في المصالحات والتعويضات.

بيروت في 19/4/2017

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)