(شاهد) في تقرير حقوقي أنقذوا الطفولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ودعوة للمجتمع الدولي للتدخل العاجل لإطلاق سراح 180 طفل فلسطيني في السجون الإسرائيلية


أولاً: إختطاف الطفولة " أحمد مناصرة نموذجاً"

"إنَّ الاستمرار في احتجازه في مثل هذه الظروف اللاإنسانية هو عمل وحشي بالغ الظلم، لقد تمَّ تشخيص إصابته بالفصام، كما أنّه في حالة اكتئاب شديد".

بهذه الكلمات عبرت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية هبة مرايف، حول حجز الشاب أحمد مناصرة وقالت إنه من المريع أن تُجدد السلطات الإسرائيلية فترة احتجاز المعتقل مناصرة في الحبس الانفرادي[1].

تعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي تسريب فيديو جلسة التحقيق الأمني مع أحمد مناصرة، , والتي لم تخلُ من ضروب التعنيف والتهديد للطفل الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة عاماً من العمر. وظهر أحمد في الشريط باكياً وهو يواجه محققا فظا بقوله «مش متأكد» و"مش متذكر"، في وقت ظلّ المحقق فيه يصرخ بصوت عالٍ بوجهه لانتزاع اعترافات تعزز رواية الاحتلال.

أحمد مناصرة هو طفل فلسطيني، أطلق عليه الرصاص ثم جرى دهسه وضربه من قبل مستوطنين بدعوى محاولته تنفيذ عملية طعن في القدس المحتلة برفقة ابن عمه حسن الذي ارتقى شهيداً.

وفي 7 تشرين الثاني 2016 أصدرت المحكمة المركزية حكما بالسجن الفعلي على مناصرة لمدة 12 عاما بزعم طعن مستوطنين، كما فرضت عليه دفع غرامتين ماليتين. وذكر القاضي حينها أن «صغر سن الطفل لا يمنحه الحصانة من فرض العقوبة».

مناصرة محتجز في الحبس الانفرادي منذ مطلع تشرين الثاني 2021. وفي 17 نيسان طلبت مصلحة السجون الإسرائيلية تجديد الحبس الانفرادي لمدة ستة أشهر أخرى. وتدهورت حالة مناصرة الصحية العقلية والنفسية أثناء فترة حبسه. ففي تشرين الأول 2021، شخَّصت طبيبة نفسية إسرائيلية مستقلّة تعمل مع منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل” بأنه يعاني من مشكلات نفسية حادة، وذكرت أن هذه المشكلات نشأت منذ حبسه.

وبعد كل ما تعرض له أحمد من عنف لفظي وجسدي وحبس انفرادي واستجواب تحت ضغط نفسي حاد أصيب الطفل بأمراض نفسية حتى بات يعاني من الفصام ومن تخيلات ذهانية، كما أنه يعاني من اكتئاب حاد مصحوب بأفكار انتحارية. إن هذه الإجراءات يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي مع مئات الأسرى في سجون الاحتلال في سياسة ممنهجة لتقويض فرص العيش للشعب الفلسطيني في أرضه.

ثانياً: الأطفال الفلسطينيين والقوانيين الدولية

أ‌.اتفاقية حقوق الطفل:

تعتبر اتفاقية حقوق الأمم المتحدة لحقوق الطفل من أهم الاتفاقيات التي وقتها دول العالم، والتي هدفت الى تحقيق حماية للأطفال في كل مكان. دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 2 أيلول عام 1990،هي عبارة عن صك دولي وقانوني تلتزم بموجبه الدول المشاركة والتي بلغ عددها إلى الآن 193 دولةً، وتعرّف الطفل على أنه كل شخص تحت سن الثامنة عشر.

وقد تضمنت اتفاقية حقوق الطفل 54 مادة، بالإضافة إلى بروتوكولين اختياريين، وقد بيّنت أنه يجب أن يتمتع الأطفال بحقوق الإنسان الأساسية كحق البقاء والإنماء، وحق الحماية من الأضرار، بالإضافة إلى الحماية من المعاملة السيئة وأي استغلال، والحماية ضد الاعتداء والإهمال ومن الحقوق الأخرى المشاركة في الأسرة وفي نشاطات الحياة الثقافية، والاجتماعية، كما حمت الاتفاقية الأطفال عن طريق وضعها لمعايير خاصة برعايتهم صحياً، وتقديم الخدمات الاجتماعية، والمدنية، والقانونية لهم، كما أقرّت حقهم في التعليم، وحق الاطفال خلال النزاعات المسلحة بالإضافة إلى العديد من الحقوق الأخرى.

ب‌. الأطفال الفلسطينيين المعتقلين واتفاقية جنيف الرابعة:

توفر اتفاقية جنيف الرابعة حماية قانونية خاصة للأطفال المعتقلين في إطار ما توفره لغيرهم من المعتقلين، وتكفل لهم حقوق وواجبات يجب على الاحتلال الاسرائيلي أن يكفلها لهم، منها:

1. الصحة والرعاية الطبية: يجب أن يضم كل مكان اعتقال مشفى مناسبا بإدارة طبيب مؤهل ويجب أن يوفر فحوصات طبية دورية، ويفضل أن يحصل المعتقلون على عناية طبية من أبناء جنسيتهم، كما يجب أن يكون العلاج مجانياً.

2. الممتلكات الشخصية والموارد المالية: يسمح للمعتقلين بالاحتفاظ بممتلكات للاستعمال الشخصي بما في ذلك الوثائق الشخصية، ويجب إعطاؤهم إيصالات مفصلة عن أي شيء أو ملكية تسحب منهم من قبل إدارة المعسكر، ويجب أن يستلم المعتقلون الأطفال مخصصات منتظمة، بحيث تكفيهم لشراء مستلزماتهم الشخصية.

3. النشاطات الدينية والفكرية والرياضية: يجب أن يتمتع المعتقلون الأطفال بالحرية التامة في ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم الدينية مع ضرورة السماح لرجال الدين بزيارتهم، ويجب منحهم الفرصة لممارسة التمارين الرياضية والألعاب الخارجية.

4. العلاقات مع العالم الخارجي: يجب أن يسمح للمعتقلين إرسال واستلام رسائل وبطاقات وطرود شخصية، ويسمح لكل معتقل باستقبال الزوار وخاصة الأقرباء وبفترات منتظمة.

5. نقل المعتقلين: يجب أن يتم نقل المعتقلين الأطفال بطريقة إنسانية وفي ظل ظروف مماثلة على الأقل لتلك التي تتمتع بها قوات سلطة الاحتجاز عند تغييرهم لمواقعهم.

6. الطعام والملابس: يجب أن تكون حصص الطعام اليومية للأطفال كافيةً كمَاً ونوعاً لضمان صحتهم الجيدة ، وعدم تعرضهم لنقصٍ في التغذية، كما يجب تزويدهم بالملابس والأحذية وغيره، ويجب أن لا تحمل الملابس التي تجهزها القوة المحتلة علامات ظاهرة مذلة أو مثيرة للسخرية.

ثالثا الأطفال الفلسطينيين بعيون رقمية

بلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى منتصف حزيران 2022 نحو 170 طفلًا وطفلة في معتقلات "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون"؛ إضافة إلى وجود عددٍ في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلًا عن عدّة أطفال من القدس تحتجزهم في مراكز اجتماعية خاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عامًا[2]. كما بلغ عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال منذ عام 1967 وحتى نهاية حزيران 2022 نحو خمسين ألف (ما دون سن الـ 18 )؛ وأشارت معطيات فرع فلسطين في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إلى استشهاد 83 طفلاً خلال العامين 2021 و2022[3]. كما يقدّر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد الأطفال في فلسطين المحتلة بنحو مليونين و300 ألف، أي قرابة 44.2% من إجمالي السكان.

رابعاً: القوانين والأوامر العسكرية التي تستند عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي في تشريع اعتقالها للأطفال ومحاكمتهم

أ‌. قانون الطوارئ لعام 1945:تستند إسرائيل في اعتقالها للمواطنين الفلسطينيين، خاصة من المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على قانون الطوارئ لعام 1945؛ رغم أن هذا القانون ألغي بمجرد صدور الدستور الفلسطيني؛ ولا يحق لإسرائيل استخدامه عند اعتقالها لمواطنين من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ب‌. الأمر العسكري رقم 1500:الذي أطلق العنان ليد الاحتلال الإسرائيلي في اعتقال أي مواطن فلسطيني، بصرف النظر عن عمره، لمدة 18 يوماً؛ دون عرضه على محكمة، ودون السماح له بمقابلة محاميه. ويسمح هذا الأمر بتمديد فترة الاعتقال هذه، حسب قرار القائد العسكري الإسرائيلي.

ت. الأمر العسكري رقم 101: الذي يسمح بالحبس لمدة أقصاها عشر سنوات؛ كعقوبة على المشاركة في تجمع يضم عشرة أشخاص أو أكثر؛ تعتبره إسرائيل تجمعًا سياسيًا؛ أو المشاركة في توزيع مواد ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ أو حتى رفع العلم الفلسطيني.

ث.. الأمر العسكري رقم 132: الذي يعتبر الطفل الفلسطيني الذي يتجاوز 16 عاماً، شخصًا ناضجاً.

ج. المادة 285 من الأمر العسكري 1651 : تشكل الإطار القانوني الذي يرعى الاعتقال الإداري.

د. المادة 56 من قانون مصلحة السجون لعام 1971:يمنح سلطات الاحتلال امكانية إنفاذ العزل الإنفرادي على المعتقلين.

ه. قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً:أقر الكنيست يوم 25/11/2015 مشروع قانون يسمح بمحاكمة وسجن الأطفال مِن مَن لم يتجاوزوا ال14 عاماً، وهو ما يتعلق بالأطفال الفلسطينيين الذين يخضعون لقانون الاحداث الإسرائيلي المدني كأطفال القدس. وينص القانون على أن المحكمة تستطيع أن تحاكم أطفالاً من سن 12 عاماً؛ لكن عقوبة السجن الفعلي تبدأ بعد بلوغهم سن 14 عامًا؛ بحيث يصبح جيل المسؤولية الجنائية هو 12 عامًا؛ ويمكن اعتقال الطفل والتحقيق معه؛ وبعد إدانته يتم ارساله إلى إصلاحية مغلقة، ويبقى فيها إلى أن يبلغ 14 عامًا.

طبقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر عسكرية عنصرية على الأطفال الفلسطينيين الأسرى، وتعاملت معهم من خلال محاكم عسكرية، تفتقر للحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة، خصوصاً الأمر العسكري (132)وتعديلاته ، الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن (12) عاماً ما يعد انتهاكاً خطيراً يخالف كل المواثيق الدولية.

خامساً: الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال

ابرز شهادات الاطفال انتهاكات وحشية ولا اخلاقية تعرض لها القاصرون خلال اعتقالهم هي:

Ø الضرب الشديد منذ لحظة الاعتقال بواسطة البنادق والارجل والدهس من قبل الجنود.

Øاطلاق الكلاب البوليسية المتوحشة عليهم.

Ø استخدام القاصرين دروعا بشرية خلال عمليات الاعتقال.

Ø التعذيب والشبح والاهانات والتهديد خلال عمليات الاستجواب.

Ø ترك الاطفال الجرحى ينزفون فترات طويلة قبل نقلهم للعلاج.

Ø نقل المصابين الى مراكز التحقيق رغم سوء اوضاعهم الصحية.

Ø اجبار الاطفال على الادلاء باعترافات تحت الضرب والتعذيب والتهديد باعتقال افراد الاسرة.

Ø عزل الاطفال في زنازين انفرادية وحرمانهم من زيارة الاهل والمحامين.

Øتقييد الاطفال المصابين بأسرّة المستشفيات وتحت الحراسة والمعاملة السيئة.

Øالإهمال الطبي: الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، والمماطلة في تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين، عدم تقديم العلاج المناسب، عدم وجود أطباء اختصاصين داخل السجن، عدم وجود مشرفين ومعالجين نفسيين، عدم توفر الأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم أدوية منتهية الصلاحية.

Øالعزل والحبس الانفرادي بحق الأطفال المحتجزين: يعتبر العزل والحبس الانفرادي أحد أقسى أنواع العقاب الذي تمارسه إدارة السجون الاسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين، حيث يتم احتجازهم بشكل منفرد في زنزانة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الصحة، ويشرّع قانون مصلحة السجون محاكم الاحتلال الحق في إصدار قرار بحجز المعتقل في العزل الانفرادي لمدة 6 شهور منفردا، كما يمكنها تمديد فترات العزل لفترات إضافية ولمدة غير محدودة. وفي العام 2020 وثّقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال 27 حالة احتجز فيها الاحتلال أطفالاً في العزل الانفرادي لأغراض التحقيق.

سادساً: التوصيات

أمام الوقع الذي تم عرضه تدعو المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) إلى التالي :

1.دعوة المجتمع الدولي للعمل الجدي والفوري لاطلاق سراح الأطفال في سجون الاحتلال.

2.ضرورة تحرك المجتمع الدولي اللعمل على توفير الحماية اللازمة للأطفال الفلسطينين.

3.دعوة إلى فتح تحقيق حول الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب بحق الأسرى الفلسطينيين بشكل عام والأطفال بشكل خاص.

4.ضرورة توفير الرعاية الأطفال المتضررين نتيجة ممارسات الاحتلال القمعية في حقهم والعمل على تأهيلهم من خلال مؤسسات اجتماعية وثقافية متخصصة.

5.دعوة المجتمع الدولي إلى كسر الصمت تجاه الجرائم الإسرائيلية المتكررة بحق الفلسطينين ولاسيما الأطفال.

6.دعوة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الدولية الأخرى إلى إدانة اعتقال الأطفال في السجون الإسرائيلية.

7.دعوة منظمة اليونسف المعنية بالأطفال إلى بذل جهد أكبر في حماية الأطفال الفلسطينيين من بطش الاحتلال الإسرائيلي.

بيروت، 17/10/2022

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان(شاهد)