تحديات استكمال إعمار مخيم نهر البارد متواصلة ودعوة الأطراف المسؤولة إلى التعامل بديناميكية أكبر

   

تستمر معاناة اللاجئين الفلسطينيين بالتفاقم مع الانهيار المتصاعد للوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان، والانعكاسات السلبية عليهم نتيجة الازمات السياسية الدولية والاقليمية والمحلية منها والتي شكّلت عبئا إضافيا على اللاجئين في مختلف المخيمات الفلسطينية الواقعة في لبنان. وتتقاطع المخيمات الفلسطينية في لبنان بالعديد من المشكلات والازمات المتشابهة، إلا أنّه تبقى هناك مجموعة عقبات ينفرد بها كل مخيم ويتميز بها عن غيره، وفي هذا التقرير سنبحث في ملف مخيم نهر البارد ونتناول أبرز المشاكل التي يعاني منها.

وفي هذا الإطار قامت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) بجولة ميدانية في مخيم نهر البارد، حيث التقت باللجنة الشعبية ولجنة ملف إعادة الإعمار، وكذلك مدير مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد حيث رصدت فيها العديد من التحديات التي تواجه اللاجئين في مخيم نهر البارد.  

لمحة مختصرة عن مخيم نهر البارد:

يقع مخيم نهر البارد شمال لبنان على بعد 16 كلم من مدينة طرابلس، أنشأ عام 1949 بمساحة تقدر حينها بحوالي كيلو متر مربع، لتوفير الإقامة للّاجئين الفلسطينيين الذين قدِموا من شمالي فلسطين من مدن وقرى عكا وصفد والناصرة والجليل وبحيرة الحولة وغيرها من المناطق الفلسطينية، وقُدِّر عدد سكان المخيم حينها بـحوالي 6000 نسمة، أما اليوم فيقدر عددهم بحوالي 38 ألف نسمة.

وفي العام 2007، اندلعت مواجهات عنيفة بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام الذين سيطروا على المخيم بقوة السلاح، مما أدى إلى مواجهات عنيفة انتهت بهجرة أهالي المخيم جميعًا إلى المخيمات الفلسطينية الأخرى وتدمير مخيم نهر البارد بالكامل.

في الثاني من تشرين أول من العام 2008 عاد أهالي المخيم الجديد إلى منازلهم المدمرة بشكل جزئي، وقاموا بالسكن بها وإعادة ترميمها على نفقتهم الخاصة وبمساعدة بسيطة من بعض المؤسسات الأوروبية والإغاثية، دون أي مساعدة من قبل الأونروا التي وَضعت لإعادة ترميم المخيم الجديد والتعويض عن الخسائر والممتلكات المدمّرة مبلغ يقدّر ب 122 مليون دولار، ولا يزال الكثير منهم ينتظرون تلك التعويضات.

 أما المخيم القديم والذي دمر بشكل كامل، واجه مشاكل عديدة أثناء عملية إعادة الإعمار أدت إلى تأخير الإنتهاء من عملية الإعمار حيث لا يزال حوالي 1200 عائلة حتى يومنا هذا خارج منازلهم يقيمون في منازل مستأجرة سواء في مخيم البداوي أم بجوار مخيم نهر البارد، وأصبح التأخير هاجسًا لديهم لما لذلك من ضغوط مالية ونفسية عليهم.

وقد انعكست الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالدولة اللبنانية بعد 17 تشرين أول من العام  2019  وما تبعها من إغلاق للطرقات وإقفال للمؤسسات وفقدان فرص العمل وارتفاع أسعار السلع والمحروقات وانهيار القدرات الشرائية للعملة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي أيضا على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، ولا سيما المقيمين في منطقة الشمال في ظل غياب شبه كامل  للأونروا و غياب محاولتها التدخل و التخفيف من شدة هذه الضائقة الطارئة.

كما وثَّقت العديد من المطالب لأهالي المخيم يتركز معظمها حول تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وضمان الكرامة الإنسانية لهم.

فقد أشارت اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد خلال لقائها لفريق (شاهد) بالتالي:

·       أن هناك تأخير بتسليم العقار رقم 39 وبناية البهلول إلى أصحابهم من قبل الأونروا، بالرغم من جهوزيتهم منذ ثلاثة شهور، وذلك بدعوى أنّ أمر التسليم يحتاج لكتاب رسمي من لجنة الحوار.

·       المطالبة بالإسراع بإعمار البلوكات المتبقية من المخيم لإعادة سكانها إليها.

·       المطالبة باستمرار تأمين بدل إيجار شهري مستدام لمن لم تبنى منازلهم بعد، بما فيهم موظفي الأونروا.

·        المطالبة بإعمار مسجد الجليل الذي ما زال مدمراً منذ العام 2007.

·       ضرورة إيجاد حلول وتأمين منازل للأهالي الذين كانوا يقطنون على المشاعات البحرية والنهرية.

·       ضرورة تأمين مولدات كهرباء مستقلة لكلٍ من مركز سبلين وثانوية عمقا ومتوسطة جبل طابور.

·        تأمين القرطاسية بشكل كافي للطلاب الفلسطينيين، للتخفيف من الاعباء المالية على ذويهم.

·        تغطية تكلفة المواصلات للطلاب، ولاسيما من هم خارج المخيم.

·       التراجع عن الغاء برنامج "الرميديال" للمرحلة الأولى، والذي يُعنى بتحسين مستوى الطلاب الذين يعانون من ضعف في بعض المواد الدراسية.

·       التخوف من امتلاء المقبرة وعدم توافر عقار جديد لدفن موتى المخيم بكرامة.

·        النقص الحاد في تأمين المياه، نتيجة عدم تشغيل مولدات الضخ لفترات كافية تغطي حاجة المخيم.

·        ضرورة توفير مادة المازوت لمولدات الآبار لضخ المياه بكميات كافية.

·       تأهيل الشوارع والطرقات ولاسيما الطرق الرئيسية.  

وعلى ضوء ما ذُكر زار وفد (شاهد) مدير مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد السيد "جون وايت" وموقع الاعمار كذلك للاطلاع على سير عملية إعادة الإعمار. وعند سؤال السيد جون وايت للاستفسار إلى أين وصلت عملية إعادة الإعمار، وما هي الأسباب التي تُعيق المشروع وتتسبب ببطء سيره. أشار السيد وايت الى التالي:

·       أن المشروع ينقسم إلى ثمانية أقسام وقد تمّ إنجاز 5 أقسام منها بشكل نهائي حيث تسلّم الأهالي بيوتهم وسكنوا فيها، ويتم حالياً إنجاز القسم السادس على أن يتم تسليم البيوت في هذا القسم للأهالي بعد مدة تقارب الثلاثة أشهر.

·        أن الحكومة الألمانية قامت بتمويل المشروع بمبلغ وقدره 10 مليون يورو من أجل استكمال العمل في المشروع وهذا المبلغ يتم توظيفه الآن في مشروع إعادة الإعمار وهناك وعود باستمرار عملية التمويل.

·        أن التكلفة التقديرية المتوقعة لإنهاء ما بقي من المشروع بشكل كلي هي حوالي 39 مليون دولار أمريكي.

·       في حال تم تأمين التمويل بشكل كامل فإن إنهاء المشروع لن يستغرق أكثر من 3 سنوات حتى يتم بشكل كامل.



وقدأشار السيد وايت أنه لا يوجد عقبات من الناحية التقنية والفنية لاستكمال عملية الإعمار، إلا أنه يوجد عقبات أساسية أبرزها: 

- عدم التزام الدول المانحة بالوعود التي أعطتها للأونروا.

- الأزمات الراهنة التي تعصف بلبنان، من انهيار في قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي إلى أزمة المحروقات التي تتجدد بين الحين والآخر وتنعكس سلبا على عملية الإعمار.

- ثورة 17 تشرين وما صاحبها من إضرابات وقطع للطرقات، بالإضافة الى الاعتصامات والإضرابات من قبل الاهالي داخل المخيم وما يرافقها من إقفال لمشروع الإعمار.

- إغلاق معامل الترابة لفترات زمنية طويلة في لبنان وارتفاع أسعار مواد البناء ولا سيما الحديد.

- جائحة كورونا التي شلّت الحركة في لبنان وإقفال معامل الترابة وبيع مواد البناء.

-         التعاطي المزاجي من قبل بعض الجهات اللبنانية الرسمية تجاه قضايا اللاجئين بشكل عام وقضية إعمار مخيم نهر البارد بشكل خاص.

-         التنقيب عن الآثار الموجودة داخل المخيم وما يستهلكه من الوقت يؤدي الى تأخير عملية الإعمار.

-         الطبيعة الجغرافية للجزء المتبقي من المخيم، والتي تحتاج لبناء جدران داعمة وكميات كبيرة من الردم يؤخر عملية الإعمار.

-         التأخير من الشركة الاستشارية المكلفة من الحكومة اللبنانية بإعطاء الموافقات السريعة على التصاميم الهندسية للبدئ بالتنفيذ.

-         الحرب الروسية الأوكرانية والخشية من تأثيرها على استمرارية التمويل.

 

أمام هذا الواقع ندعو الأطراف المسؤولة إلى التعامل بديناميكية أكبر مع أزمة إعمار مخيم نهر البارد، فإن المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) توصي بما يلي:

1.      استفادة الأونروا من صفتها الدبلوماسية كمؤسسة دولية للتغلب على المصاعب وإطلاق نداءات طوارئ بشكل دائم لتأمين التمويل الكافي للانتهاء من إعمار المخيم.

2.      الإسراع في إنجاز البلوكات المتبقية من المخيم لإعادة الأهالي إليها.

3.      ضرورة إدراج جميع العائلات التي ما زالت خارج منازلها ضمن برنامج الأمان الاجتماعي وشبكة العسر الشديد.

4.      تأمين القرطاسية اللازمة والمواصلات الكافية للطلاب الفلسطينيين في المخيم.

5.       تأمين مولدات كهربائية وكمية محروقات كافية للمنشآت التعليمية وآبار المياه.

6.      على الحكومة اللبنانية تسهيل الإجراءات القانونية والادارية للإسراع في إنهاء ملف الإعمار.

7.      على لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أن تبذل المزيد من الجهود لتسليم المباني التي تم الانتهاء من إعادة إعمارها ولاسيما (بناية البهلول العقار 39).

8.      مطالبة مديرية الآثار وشركة الهندسة الاستشارية بتسريع إجراءاتها وإعطاء الموافقات دون عراقيل.

 

 

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)

بيروت في 23/3/2022