بدعوى
الحيادية أوقفت الأونروا في تشرين الاول 2024 خمسةً
من مدرسي اللجنة القطاعية في اتحاد المعلمين عبر قرار من المفوض العام للأونروا
السيد فيليب لازاريني بشأن مزاعم تتعلق بانتهاكهم لسياسة الحيادية وهم الأستاذ
إبراهيم مرعي، والأستاذ ماهر طوية، والأستاذ حسان السيد، والأستاذ أسامة العلي. وتعرض
المدرسون لتدابير إدارية تقضي بوضعهم في إجازة إدارية مدفوعة الأجر لحين اكتمال
التحقيق في حين أُشيرَ أن الإجازة لا تمس بحقوقهم كموظفين ولا تشكل إجراءً تأديبياً
بحقهم. الأمر الذي يتعارض مع الواقع العملي بأن هؤلاء الموظفين ممنوعون بموجب قرار
المفوض العام من دخول مؤسسات الأونروا كما تم تجريدهم من جميع المقتنيات التي تدل
على وضعهم الوظيفي في الوكالة وجرى إيقافهم عن العمل إلى أجل غير محدد.
الملفت هو أن
هؤلاء الموظفين هم من ذوي السمعة المسلكية الحسنة، وليس في ملفاتهم الإدارية أي
إجراء تأديبي أو لفت نظر أو تنبيه، ولم تتم إدانتهم يوماً بارتكاب ما يُخل بمدونة
السلوك أو بقوانين وضوابط الأونروا. وهم يمارسون عملهم النقابي وفق ما يُخولهم به
القانون أو وفق ما لديهم من صلاحيات.
تستند هذه التدابير إلى ما يدعيه
الكتاب الذي ارسلته الوكالة إليهم، حول انتهاكهم للقواعد المتعلقة بسوء السلوك التي
تلحظها الفقرتان 44 و46 من تعليمات
شؤون الموظفين المحليين في الفقرتين 10/أ/4والمادة 110.2 (1) من
قانون الموظفين المحليين.
انتهاك للحقوق النقابية
يُعتبر العمل
النقابي حقًا مشروعًا للموظفين، ومكفولًا بموجب المادة 22 من
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إن قرار التعليق جاء كرد فعل مباشر
على نشاط النقابيين في الدفاع عن حقوق زملائهم، وهو ما يمثل تعديًا على الحقوق
النقابية المكفولة دوليًا. والملفت أن الاجراءات التي اتخذت طالت وللمرة الثانية
شخصيات نقابية فاعلة وهم: رئيس قطاع المعلمين، نائب رئيس قطاع المعلمين، رئيس مؤتمر
المعلمين، وعضو في اللجنة القطاعية للمعلمين.
إن الاجراءات
التي تقوم بها إدارة الوكالة تستهدف العمل النقابي بصورة واضحة وممنهجة، بل وتعرض
سلامة النقابين وسمعتهم للخطر وكذلك السمعة العامة للوكالة التي تزعزعها مثل هذه
الاتهامات.
تعسف إداري وإساءة استخدام
للسلطة
إن قرار
التعليق جاء دون تقديم أدلة تُثبت وجود انتهاك صريح لمبدئ الحيادية. هذه الخطوة
تعكس استغلالًا لصلاحيات المفوض العام بطريقة تنتهك مبدأ التناسب وتخالف القواعد
المعمول بها داخل منظمات الأمم المتحدة.
تغفل الوكالة
أن انتماء الموظفين السياسي - والذي لم تثبته الوكالة حتى- هو عمل مشروع. فنظام
الموظفين يضمن في البند 101\5 منه حق الموظفين في الانتماء الى الأحزاب
السياسية، اذ ورد فيه "يسمح بالاشتراك في عضوية الأحزاب السياسية ".
إن الإيقاف
المباشر عن العمل لموظفين لا تربطهم أي علاقات بجهات سياسية ولا يُعرفون بأي
نشاطات أو توجهات حزبية يشكل تعسفاً في استعمال السلطة من قبل المفوض العام ويصُب
في إطار محاولات كف الأفواه وتقويض العمل النقابي داخل الأونروا.
عراقيل أمام إنصاف الاساتذة
إن ما لجأت
إليه إدارة الأونروا من اجراءات بحق الموظفين يشكل تناقضاً مع مبدأ افتراض
البراءة الذي يُعد قاعدة عامة في القانون الإداري والدولي. إن تعليق العمل قبل
إثبات التهمة يُعد تعديًا على هذا المبدأ، ويُظهر أن الإجراء ذو طابع عقابي، وليس
احترازيًا كما تدّعي الوكالة.
كما أن حرمان
الموظفين من أدوات عملهم وهوياتهم الوظيفية من شأنه عرقلة ممارسة حقهم القانوني في
الاستئناف ضد القرار أمام هيئة التحكيم ومتابعة اجراءاته. الأمر الذي يشكّل عرقلةً
لإنصاف الاساتذة وممارسة حقهم المشروع في التقاضي على درجتين.
الانتقائية في تطبيق الحيادية
إن مفهوم
الحياد لا يعدّ واضحاً في أوساط العاملين في الوكالة الأممية. فالسلوك الذي قد
تعتبره إدارة الأونروا خرقاً للحيادية حيناً قد لا تعتبره كذلك في حين آخر؛
والسلوك الذي قد تتخذ الوكالة بناءاً عليه اجراءات تأديبية بحق موظف محدد قد يمر
دون أي انذار إذا ما صدر عن موظف آخر.
هذه السياسة
الانتقائية في التعامل مع الخروقات المزعومة للحيادية قد ثبت مراراً أنها لا تطال
سوى شريحة محددة من الموظفين وتغفل جملة من الموظفين من ذوي الانتماءات السياسية
الواضحة والأنشطة الحزبية المعلنة.
إن الادارة
الحالية للأونروا تستهدف الموظفين الأكثر نشاطاً وتأثيراً في الأوساط المحلية
الفلسطينية ولاسيما الأعضاء في الاتحادات العمالية الذين لطالما وقفوا بوجه أي
محاولات لتقليص الخدمات وطمس الهوية الفلسطينية.
ضبابية المفاهيم والتهم
إن مفهوم
الحيادية الذي تعلن الأونروا عن التزامها به يسوّق على أنه يعني أنه "يجب على
الجهات الفاعلة في المجال الانساني الامتناع عن الانحياز إلى طرف ما في أعمال
القتال أو المشاركة في خلافات ذات طبيعة سياسية أو عرقية أو دينية أو
أيديولوجية".[1]
ولكن بالنظر إلى تطبيق هذا
المفهوم في عمليات الوكالة، فإن مفهوم الحيادية يستخدم كأداة لمحو الهوية الوطنية
للموظفين وكذلك لمنع انتشار مفاهيم حق العودة وحق تقرير المصير عبر العملية
التعليمية.
كما أن نظام
الموظفين وإن كان يلحظ مفهوم سوء السلوك الذي ينطوي على الاخفاق في الالتزامات
وأنظمة وقوانين الوكالة كالاستغلال، انتهاك الحياد، العنف... الا أن أنظمة الوكالة
تفتقر إلى معايير واضحة في تحديد المزاعم بخرق هذه الأنظمة.
إن غياب
المعايير الواضحة والعلمية التي تحدد على إثرها الافعال التي تشكل سوءاً للسلوك من
شأنه انتهاك حقوق هؤلاء الموظفين في العدالة والاستقرار الوظيفي ويحيل مبدأ
الحيادية إلى أداة تسهّل التعسف الاداري والاستنسابية داخل الوكالة بما يخدم الأجندة
الإسرائيلية ومصالحها في الشرق الأوسط.
انتهاك الحقوق الأساسية
للموظفين
كما أدت هذه
الإجراءات إلى قطع جميع قنوات الاتصال مع الإدارة خلال الظروف الأمنية شديدة
الحساسية أثناء الحرب. ونتيجة لذلك، لم يعد بإمكان الموظفين الاتصال بقسم السلامة
والأمن عند الحاجة، أو تزويد الأونروا بتحديثات حول أماكن سكنهم الجديدة أثناء
الحرب، أو إبلاغ قسم الموارد البشرية بالتغييرات التي طرأت على حالات الاعتماد
الخاصة بهم. وبالتالي، حُرم الموظفون الموقوفون من زياداتهم السنوية وفرص ترقيتهم
والقدرة على تسجيل المواليد الجدد في التأمين الصحي خلال فترة الإيقاف بسبب قطع
الإدارة التام للتواصل معهم.
هذا بالإضافة
إلى أن قرار الوقف عن العمل لم يتم تحديده بمدة معينة أو إبلاغ الموظفين المعنيين
به، بما يتعارض مع المعايير الادارية العالمية المعمول بها.
لم تنتهك
الوكالة حقوق الأساتذة العاملين لديها فحسب، بل ولم تراع معايير السرية والخصوصية
معرضةً سمعتهم وسلامتهم للخطر. إن تسريب أسماء المعلمين الموقوفين عن العمل مؤقتاً
ليس فقط انتهاكًا لخصوصيتهم، بل يعرضهم وعائلاتهم لمخاطر أمنية واجتماعية، مما
يزيد من الضغوط عليهم في ظل هذه الأوضاع المعقدة.
حتى قبل القيام بأي تحقيقات واثبات
المزاعم التي نسبت إليهم، سربت الوكالة أسماء المعلمين متجاهلةً الأوضاع الأمنية
الحساسة والتي قد يتعرض عقبها هؤلاء الاساتذة إلى الاستهداف ما يعرض حياتهم وحياة
عائلاتهم ومن حولهم للخطر.
إننا في
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) نذكّر الوكالة بأنها وإن كانت تنتهج تمرير
اجراءاتها التعسفية بحق شخصيات نقابية بذريعة الحيادية فإن الوكالة لن تستطيع
الاستغناء عن كوادرها التعليمية وضمان جودة العملية التعليمية في آن معاً. إن قرارات
المفوض العام تنذر بسياسة ممنهجة لتقييد الحريات الأساسية لموظفي الوكالة تجلَّت مراحله الأولى في قضية الاستاذ فتح الشريف وبدأت
تظهر مشارفها الآن مع ملاحقة أعضاء الاتحاد وقد تمتد لتطال جُلّ العاملين في
الوكالة تحت مقتضيات "الحياد" و "الحفاظ على مصادر التمويل".
يؤسفنا في المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) أن نشهد لجوء إدارة الوكالة إلى سياسة
اعتباطية لا تهدد فقط مستقبل الموظفين الذين شملتهم الاجراءات، بل وتهدد أيضاً
مستقبل الوكالة وتزعزع ثقة كلّ من الموظفين والمجتمعات المحلية الفلسطينية
بالوكالة وأهدافها العامة.
من المقلق
رؤية التوجه الرسمي للوكالة الذي يستهدف الكوادر النقابية داخلها وجملة الموظفين
الذين أحدثوا تطوراً داخل المؤسسات التعليمية للوكالة في وقت تواجه إحدى أكثر
السنوات تهديداً لاستمرار عملياتها.
إن سياسة
التضييف الداخلية على الطواقم العاملة داخل الأونروا، من شأنه إفراغ الوكالة من رسالتها
الأساسية في إغاثة وتنمية المجتمعات الفلسطينية اللاجئة.
الخلاصات
· إن الإجراءات
المتخذة بحق المعلمين تعد تعديًا مباشرًا على الحقوق النقابية المكفولة دوليًا،
وتشير إلى استهداف ممنهج للنقابيين الأكثر تأثيرًا داخل الأونروا.
·إن قرار تعليق العمل دون أدلة واضحة أو تحقيق
مُثبت، يعكس استغلالًا لصلاحيات المفوض العام وخرقًا لمبادئ الأمم المتحدة.
· إن الإيقاف استند
إلى مزاعم غامضة بشأن الحيادية، على الرغم أن النظام الداخلي للأونروا يضمن حق
الانتماء السياسي للموظفين.
· إن الإجراءات
تُظهر طابعًا عقابيًا وليس احترازيًا كما تدّعي الوكالة، ما يتعارض مع القواعد
القانونية الدولية التي تفترض البراءة حتى ثبوت التهمة.
· مفهوم الحيادية
يُستخدم كأداة انتقائية تستهدف شخصيات نقابية فاعلة، مع غياب معايير واضحة لتحديد
الأفعال التي تشكل خرقًا لهذا المبدأ.
· قرارات الأونروا
عطّلت حقوق الموظفين في التواصل مع الإدارة، الترقية، والاستفادة من الامتيازات
الوظيفية، إلى جانب تسريب أسمائهم، مما عرّضهم لمخاطر أمنية واجتماعية.
· استهداف الكوادر
النقابية يهدد جودة العملية التعليمية ويزعزع ثقة المجتمع الفلسطيني بالأونروا، ما
ينذر بانحراف الوكالة عن رسالتها الأساسية في دعم اللاجئين.
التوصيات
إزاء ما سبق، فإننا في المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) نطالب المفوض العام بما يلي:
· إعادة المعلمين
الموقوفين إلى عملهم فورًا مع رد الاعتبار لهم وضمان حقوقهم الوظيفية كاملة.
· الالتزام باحترام
الحقوق النقابية المنصوص عليها في القوانين الدولية وتوفير ضمانات تمنع استهداف
النقابيين بناءً على نشاطهم المشروع في الدفاع عن حقوق الموظفين.
· وضع معايير واضحة
وشفافة لتحديد انتهاكات الحيادية، بما يضمن عدم استخدامها كأداة للضغط أو التضييق
على الموظفين.
·احترام القواعد القانونية التي تضمن افتراض
البراءة، والامتناع عن اتخاذ إجراءات عقابية قبل استكمال التحقيقات وإثبات
الاتهامات. وتطبيق إجراءات تضمن الحفاظ على سرية الموظفين وخصوصيتهم.
· تقديم ضمانات للموظفين
ولاسيما النقابيين منهم بحمايته من أية اجراءات تعسفية مماثلة.
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)
15/1/2025