تتعرض المخيمات الفلسطينية، التي تشكل ملاذًا لمئات
آلاف من اللاجئين الفلسطينيين، لعمليات اقتحام وتدمير واسعة. هذه العمليات لا تعد عشوائية، بل هي تأتي في سياق سياسة متعمدة تهدف إلى تَدمير أماكن لجوء
الفلسطينيين ودفعهم
للهجرة مرة ثانية، مما يزيد من معاناتهم اليومية في ظل تواجد الاحتلال. تشهدالضفة الغربية تصعيداً خطيراً أسفرت عن استشهاد المئات
واعتقال الآلاف وتركزت عمليات جيش الاحتلال في شمال الضفة، لاسيّما في مخيمي نور
شمس وطولكرم بمحافظة طولكرم ومدينة جنين ومخيمها.
يهدف هذا التقرير إلى تحليل الدوافع والأسباب
التي تقف وراء هذا التصعيد الإسرائيلي وتدمير البنى التحتية، مع التركيز على
الانتهاكات القانونية التي يمارسها الاحتلال وتعديه على الاتفاقات الخاصة بحقوق
الإنسان.
المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية
تعد المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية من
أبرز الشواهد على مأساة الشعب الفلسطيني بعد النكبة عام 1948، وأحد أكبر رموز
المعاناة الفلسطينية. يعيش في هذه المخيمات البالغ عددها 19 مخيماً حوالي 828.328
لاجئاً مسجلاً لدى وكالة الأونروا، وذلك فضلاً عن غير المسجلين. تعاني هذه
المخيمات من بنى تحتية متهالكة، وشبكات صحية مدمرة، ونقص في المياه، ويعيش سكانها
اكتظاظاً هائلاً في منازل متراصة تفتقر إلى التهوية والخدمات الأساسية، ويكابدون
ظروفا معيشية صعبة وسط نسبة مرتفعة من البطالة والفقر.
ومع الاجتياحات المتكررة من قبل قوات الاحتلال،
تزداد معاناة مخيمات الضفة الغربية فالتدمير المستمر للمنازل والبنى التحتية
يزداد، إضافة الى الإغلاقات والتضييق على الحواجز.
اقتحامات متسارعة لمخيمات الضفة:
الاجتياحات المتكررة للمخيمات الفلسطينية لم تكن
وليدة اليوم، فالاحتلال له تاريخ طويل في عمليات وقتل وتهجير الفلسطينيين وتدمير
منازلهم وبناهم التحتية. وأبرز مثال على ذلك هو عملية السور الواقي، التي مضى
عليها أكثر من 22 عاما. و"السور الواقي" هي عملية عسكرية شنتها إسرائيل
في مارس/آذار 2002، في جميع أنحاء الضفة الغربية. وقد حقّقت عملية السور الواقي في
الضفة الغربية أهدافا عدّة أبرزها تدمير البنى التحتيّة الفلسطينية كلّها، إضافة
الى استباحة أراضي الضفة بكل
تصنيفاتها وفق اتفاق أوسلو وملحقاته (أ،ب،ج).
وبعد السابع من أكتوبر 2023، تسارعت عمليات جيش
الاحتلال وذلك بشن هجمات مكثفة على المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية اسفرت عن استشهاد 674 شهيدًا في الضفة الغربية.
واعتبرت إسرائيل أن الضفة الغربية
أصبحت "ساحة عمليات عسكرية"، وأن عملية السابع من أكتوبر تعتبر فرصة
لاستكمال تهويد الضفة الغربية وزيادة الاستيطان وطرد الفلسطينيين منها. وهو ما ظهر
من خلال تكثيف هجمات جيش الاحتلال والمستوطنين على هذه المناطق. وشملت هذه
العمليات، فضلاً عن الاقتحامات العسكرية، فرض قيود مشددة على حركة المواطنين،
وزيادة عدد الحواجز العسكرية، ما أدى إلى تفاقم معاناة المواطنين الفلسطينيين.
وقد أصبحت المخيمات الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر، مثل مخيم جنين ومخيم نور شمس وطول
كرم هدفاً عسكرياً متواصلاً، حيث تعرضت لحملات عسكرية مكثفة تضمنت اقتحامات متكررة
وعمليات قتل، وهدم للمنازل والمنشآت وتدمير ممنهج للبنى التحتية وإلى جانب الخسائر
البشرية والمادية التي عانى ولا يزال يعاني منها اللاجئون داخل هذه المخيمات، أدت
الهجمات إلى نزوح عدد كبير من السكان، الذين اضطروا للفرار من بيوتهم بحثًا عن
الأمان.
تدمير البنية التحتية
إلى جانب عمليات القتل والاعتقال والتنكيل تتعمد
قوات الاحتلال تدمير البنى التحتية وإحداث أضرار بالغة في الشوارع الرئيسية
والفرعية في المخيمات وبمحيطها وتحفر بعضها بعمق متر أحياناً، ما يتسبب بإتلاف
شبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والاتصالات، وتدمير منازل المواطنين أو
اجزاء منها، وتحطيم كل ما يأتي بطريقها من مركبات وممتلكات خاصة وعامة.
وتعد سياسة تدمير البنية التحتية في المخيمات
والمدن الفلسطينية جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تهجير اللاجئين
والتخلص من الكتل السكانية. ويعتقد ان إسرائيل تعتمد على تدمير البنية التحتية
كوسيلة للانتقام الجماعي من السكان أيضاً. هذه الاستراتيجية تقوم على فرض عقوبات
جماعية وإثارة الرعب بين السكان المدنيين.
هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى
عقود من السياسات التي تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية للضفة الغربية،
من خلال تقليص عدد السكان الفلسطينيين في المناطق الاستراتيجية، وتحويل هذه
المناطق إلى مناطق معزولة ومفككة يسهل السيطرة عليها.
تدمير البنى التحتية جريمة حرب
تدمير البنية التحتية في المخيمات الفلسطينية يعد
انتهاكًا واضحًا لمعاهدات جنيف، خصوصًا البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف
لعام 1977. يدعو هذا البروتوكول في المادة 54 إلى حماية المدنيين خلال النزاعات
المسلحة، ويحظر الهجمات على الأعيان المدنية والبنية التحتية التي لا غنى عنها
لبقاء السكان المدنيين. الهجمات على المخيمات والمدن، التي تشمل تدمير المنازل
وشبكات المياه والكهرباء، تتعارض مع هذه المعايير القانونية الدولية.
هذه الهجمات لا تقتصر على الضرر المادي فحسب، بل
تُعتبر أيضًا شكلًا من أشكال العقاب الجماعي، الذي يُعد جريمة في إطار القانون
الدولي الإنساني.تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن تدمير المخيمات والبنية التحتية ليس مجرد أضرار
جانبية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي
والسياسي في الأراضي الفلسطينية.
إزاء التدمير الممنهج للبنى التحتية
في المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية فإن المؤسسة الفلسطينية لحقوق
الإنسان (شاهد) توصي بما يلي:
إجراء تحقيقات دولية: يتعين على المجتمع الدولي، وخاصة المحكمة
الجنائية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة في
الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل تجاه المدنيين وتدمير البنية التحتية في الضفة الغربية. ومحاسبة المسؤولين
عن هذه الجرائم.
الضغط على الدول لتكثيف
ضغوطها الدبلوماسية والسياسية على إسرائيل: يتعين على الدول الداعمة لحقوق الإنسان
والقانون الإنساني الدولي أن تمارس الضغوط على إسرائيل لوقف التدمير المستمر
للبنية التحتية الفلسطينية ووقف استخدامها للعقاب الجماعي كأداة لقمع الفلسطينيين.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية أو من خلال قرارات حاسمة صادرة عن
للأمم المتحدة.
إعادة بناء البنية التحتية
للمخيمات والمدن الفلسطينية: وينبغي أيضًا إعادة بناء البنية التحتية المتضررة وتوفير الإغاثة العاجلة
للنازحين والمتضررين من الدمار وهي مسؤولية المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية.
ويجب تطوير برامج الإغاثة الطارئة لمعالجة الظروف المعيشية المناسبة في المخيمات
المتضررة.
المراجع:
· مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق
الإنسان، صكوك حقوق الإنسان ، الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين,(الرابط)
· منظمة العفو الدولية، رفض إسرائيل منح
اللاجئين الفلسطينيين حق العودة فاقمَ سبعة عقود من المعاناة, (الرابط)
· أخبار الأمم المتحدة، خبراء مستقلون:
حق عودة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يفوق الاعتبارات السياسية (الرابط)
· العربية، اقتحامات الضفة تتواصل.. وإسرائيل تعتبرها "ساحة عمليات" (الرابط)
· فرانس 24، لماذا
"يتعمد"الجيش الإسرائيلي تدمير البنية التحتية في مخيمات اللاجئين
الفلسطينيين بعد الاقتحامات؟ (الرابط)
· الجزيرة، حرب على كل شيء.. أعنف عدوان
إسرائيلي على الضفة منذ ربع قرن(الرابط)
· الجزيرة، لماذا يستهدف الاحتلال
المخيمات؟ سؤال تجيب عنه المقاومة الفلسطينية. (الرابط)
· International Humanitarian Law
Databases،Protocol Additional to the Geneva Conventions of 12 August 1949، and relating to the Protection of Victims of International
Armed Conflicts (Protocol I)(link)،8 June 1977.
· تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، الآثار منذ 7
أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الرابط)