انطلاقا من البحث القانوني الجاد، ولتسليط الضوء على قضية إنسانية
وحقوقية بامتياز، أعدت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) موقفاً قانونيا من
أزمة الموقوفين والسجناء في السجون اللبنانية.
بموازاة حالة "التعبئة العامة" التي فرضتها الحكومة
اللبنانية، للحدّ من مخاطر انتشار فيروس "كورونا" ومحاولة احتوائه، ثمّة
أزمة أمنية وإنسانية تواجه الدولة، وتنذر بانفجار كبير يصعب احتواؤه، تتمثل بحالة الاكتظاظ التي تعانيها السجون، والتي
تغص بما يزيد عن تسعة آلاف موقوف وسجين يتوزعون على 19 سجنا للرجال و4 للنساء
وواحد للأحداث يضم ذكورا وآخر يضم فتيات[1]. هذه الأرقام الكبيرة تجعل
السجون غير قادرة على استيعاب هذه الأعداد في الظروف الطبيعية، فكيف هو الحال في
زمن "كورونا"، إذا ما تسلل هذا الوباء إلى أقبيتها واستوطن بين نزلائها.
وتخوض الدولة بأجهزتها القضائية والأمنية والإدارية والطبية، سباقاً
لقطع الطريق على تسلل الوباء الفتّاك إلى السجون، والوقوع في كارثة صحيّة، ستؤدي بلا
شكّ إلى إشعال انتفاضة وحالات تمرّد يصعب ضبطها. كما سيؤدي أيضا إلى حالة غضب شديد
لدى عائلات السجناء والموقوفين ولن يكون من السهل السيطرة عليه. وانطلاقاً من هذه المحاذير، بدأ العمل على خطين
متوازيين:
الأول: قصير الأمد، يفضي إلى
تفعيل الإجراءات القضائية، والبتّ بمئات طلبات إخلاء السبيل للتخفيف من اختناق
الزنازين.
والثاني: عودة البحث في قانون للعفو
يحقق المطلب التاريخي للسجناء وذويهم ويضع حدّاً لمعاناتهم، ويخفف تبعات المسؤولية
الملقاة على عاتق إدارة السجون وفريقها الأمني والإداري.
أولا: قرارات اخلاء السبيل
إن 65% من الموقوفين في
لبنان لم تصدر الأحكام بحقهم بعد، فيما هناك أكثر من 140 من الموقوفين لم يتم استدعاؤهم
إلى أي جلسة منذ أكثر من عام، وقد تحوّلت النظارات اللبنانية إلى سجون موقتة، وسط
غياب إمكاينة فصل المحكومين عن الموقوفين وفصل المحكومين بحسب الجريمة التي ارتكبوها[2].
ينص الفصل الثاني من الباب الخامس من قانون أصول
المحاكمات الجزائية على:
1.إذا كانت الجريمة من نوع الجنحة وكان الحد الاقصى للعقوبة لا
يتجاوز الحبس مدة سنتين وكان المدعى عليه لبنانيا وله مقام في لبنان فيخلى سبيله
بحق بعد انقضاء خمسة أيام على تاريخ توقيفه، شرط الا يكون قد حكم عليه سابقا
بعقوبة جرم شائن أو بعقوبة الحبس مدة سنة على الاقل.
يتعهد المُدعى عليه المخلى سبيله بحضور جميع معاملات التحقيق
واجراءات المحاكمة وانفاذ الحكم[3].
2.في جميع الجرائم الأخرى، واذا لم تتوافر شروط تخلية السبيل بحق،
يمكن لقاضي التحقيق، بعد استطلاع رأي النيابة العامة، أن يقرر إخلاء سبيل المدعى
عليه الموقوف، إذا استدعاه وتعهد في استدعائه بحضور جميع معاملات التحقيق
والمحاكمة وانفاذ الحكم، لقاء كفالة أو دونها[4].
في هذا السياق، عشرات
طلبات إخلاء السبيل بُتّ بها أو هي في طريق البتّ، معظمها في الشمال، إضافة إلى إنتظار
إكتمال إعداد لوائح 109 سجناء هم محكومو الجنح ممن يتطلّب إخلاء سبيلهم دفع كفالات
ماليّة. نحو 180 طلب إخلاء سبيل إستقبلتها نقابة بيروت حتى يوم
أمس، أما البتّ فيتراوح بين 10 و15 طلباً في اليوم من قبل القضاة.[5]
وتجدر الاشارة الى ان المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية تنص
على:
ما خلا حالة المحكوم عليه سابقا بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا
يجوز أن تتعدى مدة التوقيف (الاحتياطي) في الجنحة شهرين، يمكن تمديدها مدة مماثلة
كحد اقصى في حالة الضرورة، وما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن
الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقا بعقوبة
جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة
واحدة، ويمكن لقاضى التحقيق أن يقرر منع المدعى عليه من السفر مدة لا تتجاوز
الشهرين في الجنحة، والسنة في الجناية من تاريخ إخلاء سبيله أو تركه[6].
وعليه، فقد أصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات تعميما
طلب فيه من المدعين العامين في جميع المحافظات، ومن النائب العام المالي ومفوض
الحكومة لدى المحكمة العسكرية، عدم اللجوء إلى التوقيف الاحتياطي، إلّا في حالة
الضرورة القصوى، حتى لا تفاقم هذه التوقيفات من أعباء السجون المتخمة بالسجناء
والموقوفين. وشدد على ضرورة التحقيق مع الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية سريعاً،
بموجب الاستجواب الالكتروني، أو ترك الموقوف بعد 24 ساعة من احتجازه، في حال تعثّر
حصول الاستجواب لأسباب قاهرة[7].
ثانيا: العفو الخاص
العفو الخاص هو اجراء يتخذه رئيس الدولة بعد استطلاع رأي لجنة
العفو، لمصلحة من حُكِمَ بصورة مبرمة، لإعفائه شخصيًا من العقوبة كلها أو بعضها أو
إبدالها بعقوبة أخرى أخف.
لجنة العفو هي لجنة تتألف من خمسة قضاة يعينهم رئيس الدولة. تقوم
هذه اللّجنة بدراسة طلب العفو المحال إليها، ثمّ تبدي رأيها فيه و مهما كان رأيها
سواء بالسّلب أو الإيجاب فهو رأي إستشاري محض، و تعود لرئيس الدّولة الكلمة
الأخيرة في منح العفو الخاص أو حجبه.
لا يستفيد من العفو الخاص إلا من صدر باسمه، ولا يؤثر هذا العفو
على حكم الإدانة الذي يظل قائمًا باستثناء العقوبة. كما أن وقف التنفيذ ووقف الحكم
النافذ لا يحول دون نيل العفو الخاص[8].
ولا يسقط العفو الخاص
الحكم، بل تسقط العقوبة فقط، بينما تستمر سائر مفاعيل الحكم الجزائي وآثاره، فيعتد
بالحكم عند ارتكاب جريمة جديدة أو لإعمال وقف التنفيذ وإعادة الاعتبار والتكرار واعتياد الجرائم [9].
كما يفقد منحة العفو الخاص كل محكوم عليه أقدم ثانية
على ارتكاب جريمة تعرضه لعقوبات التكرار أو ثبت عليه بحكم قضائي أنه أخلَّ بأحد
الواجبات المفروضة عليه في مرسوم العفو الخاص[10].
أعلنت وزيرة العدل كلود نجم أن "العمل جار على تكوين ملفات
المحكومين الذين قد يشملهم مشروع عفو خاص في حال إقراره". وتحدثت عن تنسيق
بينها وبين مديرية السجون في قوى الأمن الداخلي لتكوين هذه الملفات التي ستتضمن
إفادات السلوك وخلاصات الأحكام، ليصار بعدها الى إحالتها على لجنة العفو الخاص، ثم
النيابة العامة التمييزية وذلك قبل التوقيع الأخير من قبل رئيس الجمهورية.
وبحسب وزيرة العدل، فإن العفو الخاص في حال أبصر النور، سيكون
"محصوراً بحالات محددة، بدءاً من الذين تبقى من محكوميتهم شهر ثم شهران إلى
أربعة وخمسة وستة أشهر، ولاحقاً قد نذهب الى أبعد من ذلك، أي إلى أكثر من ستة أشهر
بعد التشاور مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون"[11].
ثالثا: العفو العام
جاء في المادة 150 من قانون العقوبات اللبناني أن العفو العام هو
العفو الذي تصدره السلطة التشريعية لإزالة الصفة الجرمية عن فعل هو في ذاته جريمة
يعاقب عليها القانون، فيصبح الفعل كأنه لم يُجرَّم أصلًا.
قد يشمل العفو العام بعض الجرائم كليًا ويخفض عقوبة البعض الآخر
إلى النصف أو الربع مثلًا، فتبقى الجريمة قائمة وينفذ القسم الباقي من العقوبة.
وقد يشمل العفو العام أشخاصًا محددين.
ولا يسري العفو العام إلا على الجرائم التي يعينها بالذات، والتي
تكون قد وقعت قبل صدوره[12].
وبقي مشروع العفو العام عالقاً أمام الحكومات السابقة. كما أن
حكومة الرئيس الحريري استقالت تحت وطأة ثورة 17 تشرين الأول، ولم تضعه الحكومة
الحالية في سلّم أولوياتها.
رابعا:
خلاصات وتوصيات
أغلب المهتمين بوضع السجون، لا يجدون في مشروع وزيرة العدل حلّاً
موضوعياً ومنصفاً، وإن كان ينطوي على آثار إيجابية مرحلية، ويرون ان الحلّ الوحيد
يكمن بقانون عفو عام شامل ومتوازن، يطوي مرحلة صعبة من تاريخ لبنان.
كما أن وتيرة العمل لمعالجة هذه الأزمة تسير ببطء شديد جدا مقارنة
بالمخاطر الكبيرة التي نجمت عن اكتظاظ السجون والمشاكل الاجتماعية لعائلاتهم من
جهة ومخاطر جائحة كورونا من جهة أخرى. وما يمكن علاجه الآن ربما يصعب علاجه في وقت
لاحق.
إن العلاج الفعال لهذه الأزمة هو اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة
وموضوعية تستند إلى معايير قانونية وأخلاقية وإنسانية من جهة وتحفظ أمن واستقرار
لبنان من جهة أخرى.
بيروت في 9/4/2020
المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)