القى المفوض العام للاونروا بيير كرهينبول خطابا تاريخيا هاما امام أمام اللجنة الخاصة بالسياسة وإنهاء الاستعمار في الامم المتحدة تحدث فيها عن خطورة الاوضاع في قطاع غزة ومسيرة العودة والطاقات الايجابية الهائلة للاجئين الفلسطينيين.
نص الخطاب :
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، المندوبون الموقرون، السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري أن أقدم تقريري السنوي للجمعية العامة حول عمل الأونروا من أجل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى.
وحسبما هو متبع، ففي حين أن التقرير المكتوب والموجود أمامكم يصف التوجهات والأحداث التي جرت في عام 2017، فإن عرضي التقديمي سيقدم لكم ملخصا لأهم المستجدات حول التطورات الهامة في عام 2018.
إن المندوبين الموجودين هنا يعلمون كيف كانت هذه السنة دراماتيكية بالنسبة للأونروا وكيف كانت مفاجئة وغير مسبوقة تلك التحديات التي واجهها عملنا على أرض الواقع، وفي مستهل حديثي فإنني أود أن أؤكد على أننا استطعنا الاستجابة لتلك التحديات بتصميم وبشكل مبتكر.
إننا سائرون في درب التغلب على أكبر مأزق مالي في تاريخ هذه الوكالة، وكان ذلك ممكنا إلى حد كبير بسبب أنكم – أنتم الدول الأعضاء في الجمعية العامة – قمتم بالارتقاء إلى مستوى الحدث. لقد كان دعمكم ملحوظا بشكل كبير.
لقد تعرض لاجئو فلسطين لخسارة فادحة ومعاناة كبيرة منذ أكثر من 70 سنة. إن التزامكم الدائم حيال تنميتهم البشرية والإبقاء على الفرص أمامهم – إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم – تظل قيمة ولا تقدر بثمن. إنها ضرورية من أجل الكرامة الإنسانية ومن أجل الاستقرار الإقليمي والمحافظة على تعددية قوية وفاعلة.
***
وقبل أن أنتقل إلى الأونروا، فإنني أود أن أشارككم بعض المشاهدات عن لاجئي فلسطين في غزة وفي الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وفي الأردن ولبنان وسوريا. إنهم مجتمع متنوع في منطقة منقسمة، مربوطون بهوية مشتركة صاغتها تجربة مشتركة من نزع الملكية وظروف غياب الحل السياسي في صميم لجوئهم الذي طال أمده.
في الكثير من مناطق عملياتنا، كانت الظروف الإنسانية خطرة وحرجة في نواح عديدة. لقد تأثر لاجئو فلسطين بشكل كبير جراء آثار النزاع الدائر، تسبب الافتقار للتقدم السياسي والإعلان حول القدس والضغط على تمويل الأونروا وعملياتها بتفاقمها. وهنالك إحساس غامر بأزمة وجودية في أوساط لاجئي فلسطين.
وفي غزة، دأب لاجئو فلسطين على المشاركة في "المسيرة الكبرى" باتجاه الحدود مع إسرائيل، حيث أدى استخدام القوة المسلحة لجرح عدد من الفلسطينيين أكثر من الذين تعرضوا للإصابة خلال الحرب التي استمرت لمدة خمسين يوما في عام 2014. إن الغزيين، والذين يبلغ تعداد اللاجئين بينهم أكثر من الثلثين، يستيقظون على واقع أن الآلاف من الشباب سوف يعانون من إصابات معيقة لسنوات قادمة. إن المعالجة الطبية في الخارج مقيدة وفي داخل غزة فإن النظام الطبي العام في حالة قريبة من الانهيار. وبقيامي بزيارة غزة في أكثر من 30 مناسبة منفصلة منذ استلامي منصبي في آذار 2014، فإنني أجاهد بشكل متزايد في سبيل العثور على كلمات مناسبة لوصف عمق اليأس الناجم عن اجتماع النزاع والاحتلال والحصار في القطاع. لقد قتل ثلاثة عشر صبي وفتاة كانوا يدرسون في مدارس الأونروا خلال "المسيرات" في هذا العام.
وأنتم على دراية بحقيقة أنني لا أرغب بحصر نفسي على الإحصائيات فقط. ولذلك اسمحوا لي أن أذكر أسماء أولئك الطلبة:
ياسر، 11 سنة
شادي، 11 سنة
مجدي، 11 سنة
عزالدين، 13 سنة
محمد، 14 سنة
زكريا، 14 سنة
حسين، 14 سنة
محمد، 14 سنة
وصال، وهي طالبة في مدارسنا بغزة وتبلغ من العمر 14 سنة
علاء، 15 سنة
معاذ، 15 سنة
جمال، 15 سنة
سعدي، 16 سنة
وجميعهم فقدوا حياتهم هذا العام في غزة.
ومع أخذ هذا بعين الاعتبار، فإن التزامكم تجاه خدماتنا يعد أمرا ضروريا. ولا يمكنني ببساطة أن أتخيل ما الذي قد يحدث إذا لم يحظى 280,000 فتاة وصبي في مدارسنا بغزة بحقهم في ضمان التعليم. ببساطة، فليس هنالك بديل عن نظام الأونروا المدرسي في قطاع غزة.
وفي الضفة الغربية، فإن التهديد بالتعرض للتشريد القسري يخيم فوق رأس العديد من المجتمعات، ممثلة بقبيلة خان الأحمر البدوية على مشارف القدس الشرقية. إن هدم خان الأحمر قد أصبح وشيكا؛ كما أن سبل الوصول لضروريات الحياة وللتوظيف وللأصول وللأسرة وللقدس الشرقية تعد أمورا محفوفة بالمخاطر وغير مأمونة. وبمواجهة كافة الأشكال المنتشرة للاحتلال، فإن لاجئي فلسطين في الضفة الغربية والقدس الشرقية يجدون في الأونروا مزود الخدمة الوحيد المستمر والمتفاني والمهتم بمسألة المحافظة عليهم والمحافظة على رفاههم وكرامتهم.
وفي مخيم اليرموك في سوريا، فإن سنوات من الحصار القاسي قد أفسحت المجال لوقوع دمار شامل هذا العام، وأضحى معظم لاجئي فلسطين الذين كانوا فيما مضى يتخذون من اليرموك مسكنا لهم والبالغ عددهم 160,000 شخص لا يملكون شيئا ليعودوا إليه. وفي الشمال، في إدلب، فإن الوضع الأمني خطير ونحن نشعر بالقلق حيال ستة آلاف عائلة لاجئة من فلسطين يتعذر الوصول إليها وتتعرض للخطر.
وفي سوريا أيضا، تحملنا الفقدان المؤلم لحياة الطلاب. إن ستة من أولئك الطلاب قد قتلوا جراء قذائف الهاون وإطلاق النار في عام 2018. وهنا مرة أخرى فإنني أود أن اسرد أسماءهم:
آية، 12 سنة
محمد، 13 سنة
قصي، 14 سنة
بهاء، 15 سنة
عبدالغفور، 15 سنة
محمد، 15 سنة
وفي لبنان، لا يزال اللاجئون معزولين عن الخدمات الحكومية وعن معظم الوظائف الرسمية. إن الفقر يدفعهم نحو اليأس، والبعض منهم يقوم مرة أخرى بالمخاطرة بالفرار؛ وفي أيلول، انقلب قارب يحمل مهاجرين خلال قيامه برحلة خطرة إلى أوروبا عن طريق البحر. ومن بين من قضوا في تلك الحادثة كان الصغير خالد، وهو لاجئ من فلسطين يبلغ من العمر خمس سنوات.
وفي الأردن، حيث تمتع اللاجئون باندماج واسع، إلا أن قلة الحيلة موجودة بشكل عميق في العديد من المجتمعات. ويعتمد العديدون على الأونروا من أجل الحصول على الخدمات وعلى أبسط المعونات من أجل التغلب على الفقر؛ وفي الحالات الأشد تطرفا، فإن الأشخاص النازحين من غزة ينظرون إلينا من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية.
ومن هذه الأمثلة المحدودة، فإنكم ستحصلون على شعور قوي بالإحساس بالعزلة والهجران اللتان تحددان لاجئي فلسطين بطرق عديدة. وعلى أية حال، فإنه سيكون من الخطأ أن نحصرها بهوية الضحايا.
هنالك قوة وإبداع كبيرين في أوساط لاجئي فلسطين. ونحن نراها في مجتمع طلابنا، وفي أوساط النساء اللواتي يبدأن أعمالا صغيرة في برنامجنا للقروض الصغيرة، وأيضا في أوساط موظفينا المتفانين الذين يقدمون خدماتنا في بعض من أشد الخطوط الأمامية صعوبة في المنطقة.
وفي هذا السياق الصعب للغاية، ومع احتياجات لاجئين وقلة حيلة هي الأقصى التي تشهدها الوكالة منذ عقود، فقد اضطرت الوكالة لمجابهة صدمة هائلة. ففي كانون الثاني من هذا العام، تم قطع 300 مليون دولار من التمويل وذلك في أعقاب قرار مفاجئ من أكبر جهة مانحة لنا بخفض دعمها إلى 60 مليون دولار في عام 2018. ومنذ ذلك الحين أعلنت الولايات المتحدة بأنها لن تتبرع بأية أموال اعتبارا من 2019.
وقد قلتها من قبل وأود أن أعيدها مرة أخرى هنا: في البداية فإن الولايات المتحدة قد كانت تاريخيا متبرعا كبيرا للأونروا. وفي الوقت الذي ندرك فيه أن تمويل منظمة إنسانية يظل قرارا سياديا ونؤكد على مقدار السخاء والثبات الذي كان عليه دعم الولايات المتحدة للأونروا طوال عقود، إلا أنني آسف للقرار القاضي بإنهاء تمويلها تماما لأنها كانت تشكل شراكة هامة للغاية.
وقد كانت الأزمة المالية الناجمة عن ذلك غير مسبوقة، واعتبارا من منتصف كانون الثاني سجلنا عجزا بقيمة 446 مليون دولار، وهو عجز كبير بالفعل لوكالة تقدم خدمات أساسية يعتمد الملايين عليها بشكل يومي في بيئات غير مستقرة وبدون وجود أي بديل مجد. وبما يقارب من 40% من دخلنا التشغيلي، فقد أدى هذا العجز إلى تهديد نظام خدماتنا بالكامل في 58 مخيما وضواحيها في المنطقة. وعندما أتحدث عن نظام خدماتنا فإنني أشير إلى:
التعليم العام لما مجموعه 525,000 صبي وفتاة في مدارسنا، والذي اعتبره البنك الدولي "مصلحة عامة عالمية" الرعاية الصحية الأولية الضرورية لحوالي ثلاثة ملايين مريض، بما في ذلك رعاية الأمومة والطفولة، وذلك من خلال شبكة من 140 عيادة ومركز صحي تعطي مخرجات صحية مساوية لتلك التي تعطيها البلدان متوسطة الدخل مع إنفاق صحي على الفرد الواحد أقرب إلى مستويات البلدان منخفضة الدخل. معونة غذائية لما مجموعه 1,7 مليون لاجئ في أوضاع طوارئ معقدة مثل تلك في غزة، وأيضا سوريا، حيث نقوم بالوصول إلى 95% من المنتفعين المستهدفين – الأمر الذي اعتبره شركاؤنا في الأمم المتحدة التداخل الأكثر فعالية للكلفة من نوعه في النزاع السوري.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، السيدات والسادة،
لقد كان من الصعب للغاية على الوكالة أن تواجه مسألة تعليق خدماتها، وذلك نظرا للمسؤوليات التي نقوم بها بالنيابة عنكم لمساعدة وحماية اللاجئين، وللتوترات التي شعر بها 30,000 موظف يعملون لدينا في بيئات عالية الاستقطاب.
وعلى أية حال، فإننا مصممون على عدم التقاعس والشكوى، وقمنا بإطلاق حملة عالمية أسميناها #الكرامةلاتقدر_بثمن عملت على جلب روح متجددة من التعاون متعدد الأطراف. إن التعبئة الجماعية كانت أكثر عمقا وأوسع مما شهدناه خلال عقود، مصحوبة بمشاركة دبلوماسية على أعلى المستويات.
إن اجتماعين وزاريين قد كانا أساسيين من أجل حشد الدعم، حيث تم التعهد بالتبرع بمبلغ 100 مليون دولار في روما في الخامس عشر من آذار والتعهد بمبلغ 122 مليون دولار في نيويورك في السابع والشعرين من أيلول، وذلك في سياق جلسة خاصة حول الأونروا عقدت هنا على هامش اجتماعات الجمعية العامة. وفي هذا الخصوص، فإن الطاقة الدبلوماسية للأردن، باعتباره الرئيس المشارك لكلا الاجتماعين والبلد المستضيف لأكبر عدد من لاجئي فلسطين المسجلين، يحظى باعتراف خاص. وأود أيضا أن أشكر كلا من السويد ومصر وتركيا واليابان وألمانيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي على دورهم كنائب للرئيس في هذين الحدثين أيضا.
وبالإجمال، ومنذ كانون الثاني تبرع المانحون أو تعهدوا بتقديم 382 مليون دولار إضافي، الأمر الذي خفض عجزنا المالي إلى 64 مليون دولار الذي هو الوضع الحالي. وهنالك فجوة لا يزال يتعين سدها قبل أن تنتهي هذه السنة. وعلى الرغم من أنها بالمقارنة تعد فجوة متواضعة، أو فجوة أكثر تواضعا، إلا أنها أموال ليست لدينا ولكننا سنحتاجها من أجل عمليات الإنفاق الضرورية وإلا فإنه ستتم إضافتها إلى عجزنا المالي لعام 2019.
ونحن حاليا على تواصل – وهذه أخبار جيدة – مع العديد من البلدان التي أعطت إشارات بتقديم تبرعات إضافية. وسأقوم بإحاطة اللجنة الاستشارية للأونروا بأحدث المستجدات في غضون عشرة أيام وإنني آمل بأن العجز المالي سيكون قد تم تقليصه بشكل إضافي بحلول ذلك الوقت.
إن رسالتي إليكم اليوم، يا أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، ويا أيها السيدات والسادة، تتعلق بالمدى الذي وصلنا إليه. وعن ماذا تعني جهود المجتمع الدولي لتمكين وفائنا لمهام الولاية الممنوحة لنا من قبل الجمعية العامة. إننا نقوم بأداء دورنا في سبيل الحفاظ على فعالية نظام المعونة متعدد الأطراف في مواجهة تهديدات متنامية.
وعلى مدار العام، وقف الأمين العام إلى جانب الأونروا، وإنني أقدم التحية له على جهوده غير العادية التي بذلها في هذا المجال. وأود أيضا أن أعرب عن تقديري العميق للمثل الأعلى للاتحاد الأوروبي وللأمناء العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على دورهم في النتائج الإيجابية التي قمنا بتحقيقها.
وقد أظهر أربعة من شركائنا العرب قيادة إنسانية حقيقية؛ حيث قدمت كل من قطر والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت تبرعا بقيمة 50 مليون دولار. إن تلك التبرعات تشكل 50% من إجمالي التبرعات الإضافية التي تم التعهد بها هذا العام. وبقيادة العربية السعودية، فإن شركائنا العرب قد كانوا من ضمن المانحين الأكثر سخاء في السنوات الماضية، وكانوا يركزون على البنية التحتية وعلى مناشدات الطوارئ. واستجابة للأزمة الحالية فقد قاموا بزيادة تمويلهم للأنشطة الرئيسة بشكل كبير. إن إدامة هذا الأداء يعد أمرا لا غنى عنه من أجل أن يتقدم استقرارنا العملياتي للأمام.
وعلى مدار الأشهر الإثنتي عشرة الماضية، قامت 40 دولة ومؤسسة من كافة التجمعات الإقليمية بزيادة تبرعاتها للأونروا.
وقامت الحكومات المستضيفة لنا باتخاذ إجراءاتها أيضا، حيث قامت إحداها بزيادة الدعم المباشر بشكل أكبر مما قدمته أية جهة مانحة. ودعونا نستذكر أن الحكومات المضيفة تضطلع بمسؤوليات استثنائية – اقتصادية وسياسية واجتماعية، من جملة أمور أخرى – من أجل استيعاب لاجئي فلسطين.
كما سجلنا أيضا عشر دول آسيوية من الأعضاء كمتبرعين جدد في هذا العام لسنة 2018 أو كشركاء قائمين بالفعل ممن قدموا دعما للأونروا هذا العام يصل إلى عشرة أضعاف ما كانوا يقدمونه.
كما وأن الدعم من حكومات دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) قد ارتفع بأكثر من الضعف في عام 2018، قادته الدول الأعضاء من أفريقيا وآسيا.
وتقوم ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن بتقديم دعم سخي بهامش عريض.
كما قامت حكومتان من أمريكا اللاتينية بمضاعفة دعمها للأونروا.
وكان المانحون الأوروبيون كرماء للغاية أيضا. إن الزيادة التي قدموها في عام 2018 كانت الثانية بعد شركائنا العرب. وأود أن أشمل هنا الدعم الهام الذي قدمته كندا في هذا الخصوص. إن المانحين الجدد من أوروبا الشرقية يعدون عنصرا مرحبا به في هذه الزيادة أيضا.
وسأقوم أيضا بالتأكيد للجنة الاستشارية في غضون عشرة أيام – وبالتالي التأكيد لكم أنتم أيضا هنا هذا اليوم – بأن التعهدات الهامة التي تم تقديمها خلال العام لم يتم صرفها لغاية هذه اللحظة. إنه لمن الضروري أن يتم الصرف بشكل سريع جدا.
السيدات والسادة،
أود أن أواصل القول وبدون تردد بأن الأونروا لديها مسؤولياتها الخاصة ضمن الجهد الجماعي الرامي إلى تحقيق صحة واستقرار ماليين. إن إحدى مسؤولياتنا، والتي أعلم أنها أولوية بالنسبة لأقرب الجهات ذات العلاقة، تتمثل في الكفاءة والنظام المالي. وإنها لمسألة أولوية بالنسبة لي ولنائبي ساندرا ميتشل ولفريق الإدارة. ونحن أيضا، وكما تعلمون جيدا، وكالة عملياتية تعتمد على التمويل الطوعي، ولذلك فقد قمنا بوضع ذلك موضع تنفيذ في كل يوم في مخططاتنا وإدارتنا وتقديم خدماتنا.
فعلى سبيل المثال، فإن عجزنا المالي لهذا العام، وكما ذكرت لكم، والبالغ 446 مليون دولار كان يمكن أن يصل إلى 538 مليون دولار لو لم يتم تطبيق ضوابط صارمة في موازنتنا لعام 2018. وإنني أؤكد لكم بأن اقتطاع 92 مليون دولار لم يكن بالأمر الهين، إلا أن ذلك هو ما فعلناه. كما وأبلغت الأمين العام أيضا أنه وفي الفترة الواقعة ما بين 2015 وحتى 2017 قمنا بتسريع العمل بإصلاحات صعبة وقمنا بتطبيق إجراءات تقشفية في الوكالة ككل وعملنا على توفير 197 مليون دولار. لقد كانت احتياجات اللاجئين في ازدياد، لذلك فقد كنا نعمل على تشغيل الكلف إلا أننا تفادينا القيام بانقطاعات في الخدمات. وليس بمقدوري التفكير في أية منظمة إنسانية أخرى، وأقول ذلك بكل تواضع، تقوم بفعل نفس الأمر في ظروف مشابهة.
وإنني أقدر الاعتراف الذي قدمته الجهات ذات العلاقة، والعديدون منهم موجودون في هذه الغرفة، وتحديدا الجهات المانحة الرئيسة، بالكفايات التي قمنا بتحقيقها وبقيمة جهودنا المستمرة في هذا الصدد. ويمكنكم الاعتماد على تصميمي الثابت في المستقبل لمواصلة مثل تلك التدابير من جانبنا أيضا.
وأود الآن أن ألفت انتباهنا إلى مجموعة من المسائل المؤسسية التي لا تزال تشغل الأونروا وأصحاب المصلحة معها. وإن حضوركم يسمح لي مراجعتها والسعي لتوضيحها.
على نحو متزايد، تم طرح عدد من التأكيدات في وسائل الإعلام وفي العديد من المنتديات السياسية بخصوص لاجئي فلسطين. كما أثار أصحاب المصلحة أيضا تلك التأكيدات خلال زياراتي لعواصم الدول المانحة وفي المنطقة. ولقد ثمنت، ولا أزال أثمن، الفرصة لمناقشة الاستفسارات والشواغل والانتقادات والاستجابة لها.
إن إحدى تلك التأكيدات كانت تتمثل في أن الأونروا فقط هي التي تسجل أطفال وأحفاد اللاجئين ومن ينحدرون من صلبهم، خلافا لما تقوم به المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، كما كان يقال. وتم وصفنا في بعض الأحيان بأننا (وأقتبس هنا) "نعمل على نفخ" (انتهى الاقتباس) عدد اللاجئين من فلسطين.
السيدات والسادة، إن هذه ببساطة متناهية تحريفات للحقيقة. فليس هنالك للأسف أي شيء فريد حيال الطبيعة التي طال أمدها لوضع لاجئي فلسطين والتي فسحت المجال لنشوء أجيال متعاقبة لا تزال مشردة. إن الحقيقة هي أن الأطفال الذين يولدون لآباء لاجئين، ومن ينحدرون من صلبهم، معترف بهم كلاجئين من قبل الأونروا ومفوضية اللاجئين على حد سواء ووفقا لمهام ولايتهما. إن اللاجئين من أماكن مثل أفغانستان والسودان والصومال والكونغو قد نزحوا لعقود، ومن ثم وبشكل طبيعي واصلوا تنشئة عائلات في البلدان التي استضافتهم. إن المنحدرون من أصلابهم قد تم الاعتراف بهم كلاجئين وتمت مساعدتهم من قبل مفوضية اللاجئين إلى أن تم التوصل إلى حلول دائمة.
كما وصفت الأونروا أيضا (وأقتبس هنا) بأنها "تعمل على إدامة" (انتهى الاقتباس) قضية لاجئي فلسطين من خلال المناداة –وهذا هو التأكيد- بعودتهم إلى مكانهم الأصلي. وتم تقديم مفوضية اللاجئين، بالمقابل، على أنها تبحث عن حلول من خلال إعادة توطينهم في بلدان ثالثة.
ودعوني أكن واضحا: إن لدى مفوضية اللاجئين مهام ولاية بالبحث عن حلول، سواء أكان ذلك من خلال عودة اللاجئين أو من خلال إعادة توطينهم؛ بينما الأونروا ليست لها هذه المهمة. إن الحل المفضل لكافة اللاجئين بموجب القانون الدولي يتمثل في العودة الطوعية، بسلام وبكرامة، وهو موقف اتخذه المجتمع الدولي منذ أكثر من ستة عقود.
وفي هذا السياق، اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم إلى الملاحظة المعنونة "حماية لاجئي فلسطين" والتي تم إقرارها من قبل الأمين العام والتي تمت إتاحتها لكم، ويوجد لدينا نسخ منها في آخر هذه الغرفة. إن هذه الملاحظة تقوم بإيضاح عدد من المسائل في هذا النقاش.
وما أجده مزعجا هو فكرة أن لاجئي فلسطين يعدون "مشكلة"، أو "عقبة"، لدى البحث عن سلام في الشرق الأوسط، وكما لو أنهم مسؤولون عن النزاع الذي لم يحل، أو أنه يمكن تجاهلهم. إننا نتحدث عن مجتمع من الناس، رجالا ونساء وأطفالا، عانوا من أقصى درجات العنف والمعاناة والظلم.
وبغض النظر عن عدد مرات المحاولات التي تم القيام بها من أجل تقليل أو نزع شرعية الفرد والتجربة الجماعية للاجئي فلسطين، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تظل أن لهم حقوق بموجب القانون الدولي وأنه لا يمكن ببساطة شطبهم.
إن المسؤولية حيال الوضع المستمر والنزاع تقع بشكل مباشر على عاتق الأطراف وعلى غياب الإرادة لدى المجتمع الدولي أو على عدم القدرة المطلقة على التوصل إلى حل تفاوضي وسلمي للنزاع بين إسرائيل وبين فلسطين.
وقبل أن أختم ملاحظاتي، هنالك مسألتان إضافيتان يستحقان أن ينظر فيهما.
الأولى هي المنهاج الفلسطيني المستخدم في مدارس الأونروا في غزة وفي الضفة الغربية. فعلى مدار أكثر من عشرين عاما كانت الكتب الفلسطينية تخضع للتدقيق بشكل منتظم، مع التركيز على المحتوى المتعلق بالسلام بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. وتقوم الأونروا بمراجعة الكتب المدرسية مقابل عدة معايير، ونحن فريدون في القيام بهذا الإجراء من خلال عدسة منظومة قيم الأمم المتحدة بما في ذلك مبادئ حقوق الإنسان والتسامح والسلام.
ونحن نقوم بذلك بمبادرة خاصة منا، ذلك أنه من المهم جدا لنا أن نقدم تعليما يحترم القيم التي تشاركها الأمم المتحدة ويحترم الشعب الفلسطيني وتاريخه.
وفي عام 2016، بدأت فلسطين بإدخال كتب مدرسية جديدة في مدارسها. وفي حين أن الغالبية العظمى من الكتب المدرسية للصفوف من الأول وحتى التاسع لا تشكل أية مشكلة مهما كانت، إلا أن بعضا من المحتويات الجديدة قد أثارت بعض الشواغل. ومن واقع التزامنا بالممارسات المعتادة قمنا بمراجعة كافة تلك الكتب مع التركيز على قضايا الحيادية والانحياز السياسي ومدى الملائمة العمرية وتمثيل النوع الاجتماعي. وقد قمنا بتحديد المسائل في 3% أو أكثر بقليل من الصفحات – الألوف منها – والتي تتراوح ما بين الخرائط وصولا إلى تمثيل النوع الاجتماعي.
ولدى متابعة هذا الأمر، فقد تمت إثارة هذه المسائل مع فلسطين على المستويين الفني والعالي. وقمت شخصيا بإثارة هذه القضايا مع وزير التربية والتعليم والتعليم العالي ومع رئيس الوزراء. وإضافة لذلك، فقد تم تحديث التوجيهات للمعلمين ونحن نعكف على تقديم دعم مباشر لهم حيال المسائل التي يتطرقون إليها في الغرفة الصفية.
إننا ملتزمون بأهدافنا التربوية في هذا المجال الهام، وشركاؤنا يعترفون بمدى جهود الأونروا في سبيل تحقيقها. وبشكل أوسع، فإن الأونروا تقف عند قمة التعليم في منطقة تضررت كثيرا جراء النزاع والتطرف. وهنالك تقدم ملحوظ في غرس رؤية حقوق الإنسان وقيم الأمم المتحدة الأخرى في نظامنا التربوي المتوازن من حيث النوع الاجتماعي. وتعمل الإصلاحات متعددة السنوات على تعزيز التفكير المستقل والناقد لدى جيل صاعد من أطفال لاجئي فلسطين.
إن هذا يقودني إلى التزام الوكالة المستمر بالحيادية وإلى التحديات التي نقوم بالاستجابة لها في هذا المجال. لا يمكن أن يكون هنالك شك في مدى الجدية التي نتعامل بها مع الحيادية. إننا نتبنى الحيادية باعتبارها مبدأ عمليا، وهي أمر حاسم للمحافظة على سبل الوصول وعلى الثقة والمصداقية في بيئات تتسم بارتفاع درجة الاستقطاب فيها.
ومن بين التحديات أزمة هذا العام المالية التي أثرت على المقدرة في بعض وظائف الحيادية. ونحن نعكف على القيام بتدابير داخلية لضمان تركيز الموارد على المجالات الحساسة. إن المسيرات الكبرى باتجاه حدود غزة قد فرضت تحديا آخر، وتحديدا في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أن الخسائر الكبيرة في الأرواح والإصابات الكثيرة قد أشعلت غضبا عارما. وحتى هذه اللحظة فإننا لم نكتشف، ولم نشاهد اتهامات، بانتهاكات في وسائل التواصل الاجتماعي قام بها موظفونا في هذا الخصوص – وهي شهادة على تفانيهم تجاه مهمة الأونروا.
وفي العام الماضي - وستشاهدون ذلك في التقرير – أدت بعض الأحداث في غزة إلى خلق بعض من أشد تحديات الحيادية في الذاكرة الحديثة. وكما هو مبين في تقريري الحالي للجمعية العامة، فعندما توصل تحقيق للوكالة – تحقيقنا نحن – بأن إثنين من موظفينا قد تسلموا أو تم انتخابهم لمناصب قيادية في حماس، قمنا وبشكل سريع بإنهاء توظيفهم. كما تم اكتشاف أنفاق من قبل الأونروا تحت اثنتين من مدارسنا خلال عمليات إصلاح في العام الماضي في غزة. وأصدرت الأونروا تنديدا قوي اللهجة واحتجت بقوة ضد حماس وعملت على إغلاق الأنفاق بالاسمنت المسلح – ويمكنني القول بأمان بأنها خطوة لا تقوم بها إلا قلة قليلة من المنظمات الإنسانية.
وسنواصل العمل على أن نكون يقظين؛ وفي حال بروز أية تحديات أخرى من هذا النوع فلن نتردد أبدا من اتخاذ التدابير حيالها.
ونظرا للتحديات غير العادية التي تتعامل الأونروا معها بشكل يومي، والمخاطر التي تتعرض لها في سبيل إدامة مهمتها الإنسانية – وبنجاح – بالنيابة عن المجتمع الدولي، وإنني أيضا أطلب من الدول الأعضاء أن تعمل على ضمان أن عملنا ليس مسيسا. إن دعمكم، منفردين ومجتمعين، في المحافظة على استقلالية وعلى الشخصية الإنسانية للأونروا أمر لا غنى عنه، وذلك في الوقت الذي نواصل فيه عملنا في بعض من أشد البيئات استقطابا في العالم.
السيدات والسادة،
بشكل حتمي، وفي التقارير حول الأزمات الإنسانية، فإن هناك ميلا للتركيز على الصدمة وعلى الألم وعلى ضرورية الاحتياجات. وفي وضع لاجئي فلسطين فإن هذا يتفاقم جراء العديد من العقود التي مرت منذ بداية نزوحهم الأصلي.
وفي حين أنه ليس هنالك من شك بالألم أو تجاهل له، إلا أن هنالك الكثير من مكامن القوة والإبداع والطاقة الإيجابية في مجتمع اللاجئين. وإنني أقول لكم، بصفتكم دولا أعضاء في الجمعية العامة، بأن عملياتنا تظل مهمة مثلما كانت عندما بدأنا بها. ولا أقول ذلك من واقع الإحساس باليأس بل إن هذا نابع من إيمان عميق بأننا سويا ساهمنا في واحدة من أنجح عمليات التنمية البشرية لمجتمع من اللاجئين في التاريخ الحديث، بما في ذلك اتخاذ خطوات رئيسة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الحيوية.
وعندما استطعنا، وبفضل تبرعات العديدين من الدول الأعضاء في هذا العام، فتح 711 مدرسة تابعة للأونروا في الوقت المحدد، كانت تلك لحظة تستدعي الاحتفال البسيط والصادقة. لقد احتفلنا بالمحافظة على الحق في التعليم لما مجموعه 530,000 صبي وفتاة، من حلب إلى رفح في قطاع غزة. لقد احتفلنا بالمستوى التعليمي المقدم في مدارسنا بالرغم من الضغوط المالية الهائلة. ولكننا أيضا احتفلنا بأهمية شراكاتنا معكم في سبيل المحافظة على نظامنا المدرسي.
وبعد أن عملت لسنوات عديدة في مناطق النزاعات، فإنني على دراية عميقة بحقيقة أن الحروب تعمل على تدمير البنية التحتية والمؤسسات الحيوية من أجل استقرار الأمم ومقدرتهم على التعافي بعد الحرب. إن مدارس الأونروا، وذكرت أنها 711 مدرسة، وعياداتنا -140 عيادة – والمئات من المنشآت الأخرى تعد جزءا من العمود الفقري المؤسسي الحيوي، وهي تقدم خدمات لا تقدر بثمن واستقرارا إقليميا، وتعزز الظروف التي تدعم بحث المجتمع الدولي وبحثنا عن السلام.
وعلاوة على ذلك، فإن التجربة تخبرنا أن مكونا حيويا من مكونات هذا البحث عن السلام يتمثل في مساعدة الأطراف على إعادة اكتشاف الإنسانية لدى "الآخر". وإنها قناعة لدي بأن مساعدة المجتمع الدولي لكلا المجتمعين في نزاع الشرق الأوسط أمر ضروري.
إن الأونروا تستلهم من الإنسانية التي تراها يوميا في مجتمع اللاجئين وفي الشباب في مدارسنا على وجه التحديد. إن هذا الجيل مصمم بشكل مطلق على الارتقاء فوق الشدائد التي تحيط به، والنجاح في تعليمه ليقود حياة من الكرامة، حياة يتم فيها احترام حقوق كافة الأشخاص.
وعندما قام طالبان من طلاب الأونروا هما أسيل (وهي فتاة فلسطينية لاجئة من لبنان) وأحمد (وهو صبي فلسطيني لاجئ من الأردن) بمرافقتي إلى الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة في أيلول، قاما بمخاطبة العديد من المنتديات قائلين بأنهم يريدون أن يتم الاعتراف بمهاراتهم وبرغبتهم في المساهمة في حلول عالمية.
إن هذا هو سبب وجود الأونروا. إننا ملتزمون، بدينامية وطاقة، بمساعدة هذا الجيل في البحث عن الكرامة. وإنني أؤمن أن الجهد يستحق ذلك بمليون مرة أكثر، وأشكر الدول الأعضاء، وأشكركم جميعا على تضامنكم وثقتكم في جعل ذلك ممكنا.
سيدي الرئيس، أشكرك جزيل الشكر. وبهذا أختتم ملاحظاتي.