مع رفع الدعم التدريجي...
ما هي السيناريوهات المرتقبة التي تنتظر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟
ما إن رُفع الدعم تدريجياً، حتى صار سعر حليب الأطفال أضعافاً مضاعفة، هذا إن وجد، فالأسعار فاقت قدرات اللبنانين والفلسطينيين الشرائية، وبالأخص الطبقة الفقيرة وباتت خارج متناول أيديهم، ما دفع بكثيرين إلى البحث عن منتجات بديلة. قد تكون تلك الخيارات قاسية بالنسبة إلى الأمهات، إذ يجدن صعوبة في إبدال المنتج الأساسي في غذاء أولادهن بمنتجٍ آخر، تماماً كما حصل مع الفلسطينية منال ربًاط التي تجرّب اليوم إطعام أطفالها الأربعة «الارز » عوضاً عن الحليب.
تقول الأم التي تقطن في مخيم المية ومية للاجئين جنوب لبنان بإنها تردّدت قبل التوجه نحو هذا الخيار، كما غيرها كثيرات ممن وجدن في «البدائل» ملجأهن مع غلاء أسعار الحليب .
وقد سلكت الكثير من الأمهات هذا الخيار منذ بداية أزمة الحليب، غير أنهن لا يعرفن ما إذا كان خيارهن صائباً، وكأن الاوضاع المعيشية، كلها بصعوباتها وتحدياتها تنحصر في وجوه الأمهات اللواتي لم يعد بمقدورهن تأمين الحليب لاطفالهم.
مؤشرات مخيفة
أقر البرلمان اللبناني، الأربعاء في ٣٠ حزيران، قانون البطاقة التموينية، تمهيدا لمنح 93 دولارا أميركيا بشكل شهري لعدد من العائلات الفقيرة، في خطوة قد تكون مقدمة لرفع الدعم عن الأدوية والمواد الغذائية والمحروقات.
ووصلت الأوضاع في لبنان في الأيام الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق من التوتر بسبب الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
في 2020، شهد لبنان أزمات عدة، منها انفجار ضخم في مرفأ بيروت، وانهيار اقتصادي، واضطراب سياسي متزايد، وتفشي فيروس "كورونا"، تضافرت جميعها لتهدد الحقوق الأساسية للسكان ، وخسرت الليرة اللبنانية 80% من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما ضعّف قدرة الناس على الحصول على السلع الأساسية مثل الطعام، والمسكن، والرعاية الصحية ، كما أثرت الأزمة الاقتصادية وتفشي فيروس كورونا بشدة على القطاع الطبي، وأضعفا قدرة المستشفيات على تقديم الرعاية المنقذة للحياة. وزاد انقطاع الكهرباء حتى بلغ نحو 22 ساعة يوميا خلال الصيف.
ومع تدني قيمة الليرة اللبنانية، إرتفعت بسرعة أسعار السلع الأساسية، المستوردة بمعظمها، مقوّضة قدرة الأشخاص على تحمل تكاليف الطعام، والمأوى، والرعاية الصحية. فاقم وباء كورونا الفقر والصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الكثيرون، وأثّر بطريقة غير متناسبة على الفئات المهمشة، مثل الأسر منخفضة الدخل؛ والأشخاص ذوي الإعاقات؛واللاجئين؛ في ظل غياب أي خطة دعم منسقة أو قوية في الوقت المناسب.
لا شك أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان ازداد صعوبة وتعقيداً بعد سلسلة من الأزمات التي واجهتهم في لبنان خلال الفترة الماضية والحالية، كان أهمها:
1.الأزمة التي تسبب بها وزير العمل الأسبق ضد العمالة الفلسطينية في شهر تموز 2018، وما سببته تلك الإجراءات والقرارات من صرف تعسفي للكثير من العمالة الفلسطينية.
2.الحراك الشعبي اللبناني في 17 تشرين الأول الذي شلّ الحياة الاقتصادية وتوقف معظم العمال عن العمل، الأمر الذي فاقم من الواقع الاقتصادي والاجتماعي للاجئين.
3.وباء الكورونا بداية العام 2020 في لبنان الذي قضى على كل أمل بتوافر فرص عمل أو بتحسن ظروف العيش للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وعلى الرغم من المسؤولية القانونية للأونروا خاصة في ظل الأزمات، فإن دورها ما يزال خجولا، ويقتصر على مساعدات نقدية مقطوعة ولمرة واحدة لا تتجاوز قيمتها 20$ للفرد الواحد. ولم يُسجّل أن قامت وكالة الأونروا بإطلاق نداء استغاثة للمجتمع الدولي يعبر عن الواقع الحقيقي.
وتناقلت وسائل الإعلام مؤخراً أن البنك المركزي وفي ظل تناقص احتياطات العملات الأجنبية لديه مخاوف من عدم قدرته على الاستمرار في دعم السلع الأساسية (الأدوية، المحروقات، الطحين، القمح، السكر، الرز...) .
وانطلاقاً من ذلك تبرز مخاطر حقيقية تواجه اللاجئين الفلسطينيين لجهة عدم قدرتهم على شراء هذه السلع بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة أساساً. وما لم يكن هناك تحرك استباقي فإننا على أبواب حصول مجاعة سوف تفتك بما تبقى من بنية مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
الإغاثة العاجلة كخطوة إستباقية
إزاء المخاطر المحدقة فإننا في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) نطالب الأونروا بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه اللاجئين والبدء بخطوات استباقية لمواجهة هذه الكارثة من خلال:
1.إطلاق نداءات استغاثة للمانحين والمجتمع الدولي لتأمين تمويل طارئ يمكنها من تغطية احتياجات اللاجئين الأساسية.
2.استرجاع برنامج تقديم السلع العينية لعموم اللاجئين الفلسطينيين طيلة فترة الأزمة.
3.المطالبة بعقد مؤتمر دولي للمانحين لتوفير الدعم المالي والاقتصادي الدائم للاجئين الفلسطينيين.
في ١-٧-٢٠٢١
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)