في الذكرى السنوية لإحراق المسجد الأقصى
في 21 أغسطس 1969، يتجدد الألم والذاكرة عن جريمة اعتداء فادح على المسجد الأقصى،
جريمة تنتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الأماكن
المقدسة. في ذلك اليوم ، أقدم المتطرف الأسترالي مايكل دينس روهان على إشعال
النيران في الجناح الشرقي للمصلى القبلي داخل المسجد الأقصى، مما أدى إلى احتراق
أجزاء مهمة منه، بما في ذلك منبر صلاح الدين الأيوبي التاريخي.
كانت هذه الجريمة البشعة نقطة تحول كبيرة
في الوعي العربي والإسلامي تجاه قضية القدس والمقدسات الإسلامية، إذ أنها لم تكن
مجرد عمل فردي، بل أتت في سياق من السياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تسعى إلى
تهويد القدس وتغيير معالمها الدينية والثقافية. وعلى الرغم من أن الاحتلال
الإسرائيلي اعتقل الجاني وزعم أنه مختل عقليًا، إلا أن الشكوك حامت حول تلك
الادعاءات، خاصة في ظل تصرفات السلطات الإسرائيلية التي شملت قطع المياه عن
المنطقة المحيطة وتأخير وصول سيارات الإطفاء، مما يعد انتهاكًا صارخًا للقانون
الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات الثقافية
والدينية.
ردود الفعل على هذه الجريمة كانت واسعة
النطاق، حيث اندلعت المظاهرات في العديد من الدول الإسلامية، وأسفرت عن إنشاء
منظمة المؤتمر الإسلامي، التي كانت بمثابة أول استجابة عربية وإسلامية موحدة تجاه
هذه الفعلة الشنيعة. ورغم أن رد الفعل الدولي لم يكن بقدر الجريمة، إلا أن الحادثة
عمقت الشعور بالخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى ومكانته، خاصة في ظل تقاعس المجتمع
الدولي عن محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الفلسطينيين وللمقدسات
الإسلامية والمسيحية في القدس.
إن ذكرى إحراق الأقصى ليست مجرد استذكار
لحادثة تاريخية، بل هي تحذير مستمر من مخططات التهويد التي يتعرض لها المسجد، مع
ازدياد تطرف المجتمع الإسرائيلي وتحوله نحو الصهيونية الدينية. فاليوم يواجه
المسجد الأقصى مشاريع استيطانية تهدف إلى تهويده بشكل تدريجي. هذه المشاريع تشمل
"التقسيم الزماني"، الذي يسعى إلى تخصيص أوقات معينة لليهود للصلاة في
المسجد الأقصى، و"التقسيم المكاني"، الذي يهدف إلى السيطرة على أجزاء من
المسجد وتحويلها إلى مناطق يهودية، مما يشكل انتهاكًا واضحًا لقرارات مجلس الأمن
والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد على ضرورة احترام الوضع التاريخي
والقانوني القائم في المسجد الأقصى.
إن الحريق المتعمد الذي اندلع قبل 55
عامًا، يبدو أنه لا يزال مستمراً وهو جزء
من سلسلة مستمرة من الانتهاكات التي تسعى لتغيير هوية المسجد الأقصى وفرض واقع
جديد عليه، في ظل تواطؤ بعض القوى الدولية وعجز واضح من جانب الدول العربية، مما
يعزز الحاجة إلى تحرك دولي فعال لوقف هذه الاعتداءات ومحاسبة المسؤولين عنها.
وفي ظل هذه التحديات، تبقى الإرادة
الشعبية الفلسطينية والمقدسية حائط الصد الأول في وجه هذه المخططات، مستمرة في
مقاومة كل محاولات التهويد، ومحافظة على هوية المسجد الأقصى في وجه الأطماع
الإسرائيلية. كما يستمر النضال من أجل تطبيق القانون الدولي وفرض الحماية على
المقدسات الدينية، لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.