مذكرة إلى مدير عام الأنروا في لبنان بخصوص فوضى عارمة تجتاح أروقة الأنروا

مذكرة إلى مدير عام الأنروا في لبنان
بخصوص فوضى عارمة تجتاح أروقة الأنروا
من محسوبيات، وهدر، وغياب للشفافية والنزاهة بشكل ملفت للإنتباه

سعادة السيد سلفتاروا لومباردو، المدير العام للأنروا في لبنان،
 
تحية طيبة وبعد،
 
إن النزاهة والشفافية من أهم المعايير للحكم على نجاح أي مؤسسة أو فشلها. وتزداد هذه الأهمية إذا كانت هذه المؤسسة تعمل على إغاثة وتشغيل لاجئين فلسطينيين اضطرتهم ظروف قاهرة لمغادرة بيوتهم وقراهم ومدنهم ، وعجز المجتمع الدولي عن إرغام الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ القرارات الصادرة عنه والقاضية بعودتهم والتعويض عليهم، فتصبح المسؤولية مضاعفة وهي أن تبقى هذه الوكالة شاهدا حيا على قضية حية، وأن تقدم لهم الحد الكافي من الرعاية والاهتمام.
 
إلا أننا يا سعادة المدير العام وكمؤسسة حقوقية تعنى بشكل أساسي بحقوق الإنسان الفلسطيني، ومن خلال متابعتنا لأداء الانروا على مدى سنوات طويلة، تكشفت لنا حقائق مذهلة تثير في الحد الأدنى الشكوك والريبة عن عمل هذه المنظمة وأسباب التراجع الدراماتيكي في خدماتها، وأسباب غياب الشفافية فيها من دون المحاسبة أو المعاقبة، وكأن ما يجري في أروقة الأنروا أمر عادي لا يستحق الاهتمام، أو كأن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أمر ثانوي لا يستحق البحث.
 
سعادة المدير العام للأنروا،
 
تسود مؤسسات الانروا وخلال سنوات مضت بشكل عام ظاهرة المحسوبيات في اختيار الأشخاص لشغل الوظائف المختلفة، إذ تعلن عن الوظائف، فيخضع المتقدمون الذين تتوافر فيهم الشروط المناسبة لاختبار خطي ومقابلة، ولكي تتم خديعة المتقدمين بعدم اختيارهم، فإنهم يستدعون لإجراء المقابلات الشكلية والتي يتفنن موظفوا الانروا في ابتداع أسئلتها.. وبعد ذلك يختارون هم من توافقوا على اختياره مسبقاً لأسباب لا تتعلق بالكفاءة المطلوبة بل بأسباب ترتبط أساسا بغياب الشفافية وفقدان المعايير العلمية العادلة، فتبدو العملية وكأنها جرت بشكل ديمقراطي شفاف. والأمثلة في هذا الصدد عديدة.
 
وتتعاطى الأنروا مع هذه القضايا بشكل فاضح، وذلك من خلال ممارساتها ورضوخها للضغوط من القوى السياسية النافذة في المجتمع الفلسطيني وهذا ما يفقدها مصداقيتها في الأداء.. ولقد برز ذلك واضحا من خلال وقائع مثبتة ومن أفواه بعض موظفي الانروا قد نضطر يوما للإفصاح عن أسمائهم خصوصا عندما اختارت الانروا مدراء للمخيمات في منطقة صور عام 2007، إذ خضعت عملية الاختيار يومها للضغوط السياسية من القوى النافذة في تلك المنطقة وتم اختيار أشخاص دون الكفاءة المطلوبة ومن لون سياسي واضح المعالم واستبعد أصحاب الخبرات والمؤهلات العالية، واليوم تعاود تلك التجربة وبشكل فاضح من خلال استبعاد الأستاذ فتح شريف بعد أن تم اختياره مديرا لثانوية الأقصى في مخيم الرشيدية، وإبلاغه نتيجة الاختيار بواسطة البريد الالكتروني من الموظف المسؤول عن ذلك في قسم الذاتية "personel" لتأتي الضغوط والتهديدات من لبنان وخارج لبنان وتوقف إجراءات التعيين، وعندما استفسرنا كمؤسسة حقوقية من مسؤولين في الأنروا كان هناك إقرار صريح بأن هناك خطأ واضح المعالم وأن المسؤولية هنا بالتحديد تقع عند سعادتكم - المدير العام للأنروا السيد سلفلتارو لومباردوا – وباتت الأسئلة من العيار الثقيل موجهة إلى رأس الهرم في الأنروا، هل تتخذ الأنروا قراراتها تحت الضغوط والإملاءات؟ وهل يمكن أن تشكل هذه الأمور سندا لأناس آخرين يرغبون بتحقيق أهدافهم عن طريق الضغوط بمختلف أشكالها؟
 
سعادة المدير العام للأنروا،
 
إن استمرار الانروا في تخفيض الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين وإلغاء البعض منها بشكل نهائي، كتخفيض الخدمات في مجال الصحة والتعاقد مع مستشفيات سيئة الأداء والخدمة، بحجة النقص في التمويل من الجهات المانحة، والتهرب من تغطية نفقات العمليات الجراحية الباهظة التكلفة كعمليات القلب المفتوح أو علاج أمراض السرطان وغيرها فهذا يدل على أن المبالغ المقدمة تم هدرها في غير محلها.. فإننا نسأل الانروا عن حاجتها لهذه الأسوار العالية حول مكتبها الرئيسي وللكتل الإسمنتية الضخمة مع أن هذا المكتب يحرس دائما من قبل قوى الأمن الداخلي اللبناني ولا يجرؤ أحد على تجاوز القانون هناك، ونسأل الانروا عن حاجتها لهذه الأساطيل الضخمة من السيارات والتي تتغير بشكل دائم وحالتها ما زالت ممتازة وصالحة لأداء خدماتها بفعالية، وما هذه إلا أمثلة بسيطة جدا على الهدر المالي وسوء الإدارة وكله على حساب تقليص الخدمات، فهل صحة المرضى الفلسطينيين من الكماليات، وهل التقشف يكون على حساب أرواح وحياة الفلسطينيين؟ ومن يقنع الفلسطينيين في لبنان بأن التراجع في الخدمات يعود إلى عجز في الموازنات، وهم يشاهدون كل يوم تناقضا كبيرا بين ما تدعيه الأنروا وبين ما تنفقه بلا رقيب؟
 
سعادة المدير العام للأنروا،
 
إن المفارقة الغريبة في سياسة الانروا كمؤسسة دولية هي توظيف أعداد كبيرة من الجنسيات الأجنبية المختلفة في الأقسام المختلفة، كرؤساء الأقسام والإدارات، وهؤلاء يتقاضون مرتبات عالية جدا قد تتجاوز الخمسة آلاف دولار للموظف الأجنبي العادي وتأمين جميع احتياجاته من سكن في الشقق الفارهة المصنفة من الدرجة الأولى، ناهيك عن تأمين تذاكر سفره هو وعائلته لأكثر من مرة في العام.
 
وهذا هدر واضح لموازنة الانروا السنوية، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه، ألا يتوافر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين من تتوافر فيهم المؤهلات لشغل هذه الوظائف وبمرتبات عادية كمرتبات الدولة المضيفة، وتوفير الفائض من هذه الأموال في تحسين الخدمات المقدمة لا سيما في الصحة والتعليم؟ وهل أداء هؤلاء الموظفين من غير الفلسطينيين سوف يكون أفضل؟ ونحن يا سعادة المدير العام نتحدث من واقع أرقام وإحصاءات تبين أن هناك خلل واضح في منظومة التوظيف، وخلل واضح في ترشيد الإنفاق، وخلل واضح في تقييم الأمور، وخلل واضح في اتخاذ القرارات وتنفيذها. فمن الذي يشرف على توظيف غير الفلسطينيين في الأنروا وما هي الفائدة التي سوف تعود على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الغارقين في المعاناة؟ وهل تسطيعون يا سعادة المدير أنتم شخصيا أن تقنعوا الفلسطينيين بقراراتكم، وهل تستطيعون أن تخففوا النقمة على أداء الأنروا التي ترأسونها في لبنان؟
 
سعادة المدير العام،
 
إن أزمة مخيم نهر البارد، جرح غائر في واقع الفلسطينيين في لبنان، وأن ما أصابهم من ألم ومعاناة لم يسبقهم بها أحد. وإن الأنروا ساهمت وعن حق في مساعدة هؤلاء الفلسطينيين بطريقة مرضية نسبيا خاصة في الفترة الأولى من الأزمة. لكن يا سعادة المدير ما كشفت عنه الأيام القادمة كان مفاجئا عن حق، ووضع الأنروا مجددا أمام الأسئلة المحرجة، خصوصا ما يتعلق بحسن سير إدارة قسم الطوارئ في الشمال اللبناني، ومع أننا قد أصدرنا تقريرا مفصلا عن المعضلة آنذاك، إلا أننا نريد التحدث بها مرة ثانية.
 
إن هذا الملف تفوح منه رائحة الخلل والفوضى وبشكل واضح.. فالموقع المستأجر في منطقة طرابلس وما يستنزفه من المبالغ المقدمة لإعمار المخيم بالإضافة إلى رواتب الموظفين الخيالية والتي تبدأ من سبعة آلاف دولار لرؤساء الأقسام من الموظفين العرب، وقد تصل إلى عشرين ألف دولار للموظفين الأجانب.. ناهيك عن التعاقد مع بعض الشركات التي تنتج المنازل الجاهزة، والتي ظهرت عمليات الغش في تنفيذها واستهلكت وأصبحت بحاجة إلى صيانة قبل تقادمها.
 
سعادة المدير العام للأنروا،
 
إننا نتحدث إليكم هنا ونحن نعلم أن بيدكم معظم القرار في الأنروا، وأنكم تستطيعون العلاج ما أمكن، وأنكم تستطيعون أن تدرءوا عن الأنروا احتجاجات قادمة سوف تطال بشكل مباشر شخصكم الكريم كونكم المسؤول عن الأنروا، والوقاية الآن خير من العلاج غداً. كما أننا يا سعادة المدير العام نخط هذه المذكرة لإننا لم نجد منكم أذنا صاغية، ولم يحالفنا الحظ باللقاء بكم لإنكم في شغل دائم. كما أننا اكتفينا في هذه المذكرة بذكر قضايا عامة، ولدينا من الوثائق والدلائل والأرقام والإحصاءات ما يؤكد صحة الإدعاء الوارد أعلاه، وهي مذهلة حقا سوف تصيب من يضطلع عليها بالدهشة والاستغراب.
إننا يا سعادة المديرالعام نعتبر وكالة الأنروا رئة نتنفس منها، وما هذه المذكرات والاحتجاجات إلا لكي تكون هذه الرئة نظيفة سليمة تمكن الأنروا من القيام بواجبها الإنساني بأكل وجه ممكن.
 
وبعد يا سعادة المدير العام، فإننا في مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان ومن هذه الصورة الواضحة لانتهاك حقوق اللاجئين الفلسطينيين وبشكل لا لبس فيه نطالب الانروا بالتالي:
  1. اعتماد العدالة والشفافية في اختيار الموظفين بعيدا عن المحسوبية وطبقا للمعايير العلمية المعتمدة في المؤسسات الناجحة.
  2. تحرر الانروا من الضغوط السياسية واعتماد النزاهة والشفافية في الاختيار، كي تقدم خدمات أفضل لعموم اللاجئين دون استثناء.
  3. ضرورة الإصلاح الإداري في جميع قطاعات الخدمات والعمل على ترشيد الإنفاق لتوفير الأموال الفائضة وتحسين الأداء.
  4. اعتماد سياسة توظيف أبناء اللاجئين الفلسطينيين في كل القطاعات وذلك ممن تتوافر فيهم الخبرة والكفاءة، وهم كثر، والتخلص من سياسة توظيف غير الفلسطينيين ذوي المرتبات العالية.
  5. الوقف في هدر الأموال المقدمة لإعادة أعمار مخيم نهر البارد والتي استنزف معظمها قبل إعادة البدء بأعمار المخيم.
نطالب باتخاذ خطوات جريئة والمبادرة في تصحيح ما ورد من أخطاء في عهده وفي عهد من سبقه من المدراء السابقين ليعيد لهذه المؤسسة نزاهتها ومصداقيتها أمام عموم اللاجئين وأمام هيئات ومؤسسات المجتمع الدولي التي هي جزء لا يتجزأ منه .
 
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير،
 
بيروت في 31/10/2009
مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان