المجتمع الدولي والدول المانحة

المجتمع الدولي والدول المانحة
الاستاذ محمود الحنفي، المدير التنفيذي للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان  (شاهد
 
مـقـدمـة
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية عن الأوضاع التي آلت إليه أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العالم.  وان المسؤولية تتراوح بين مباشرة وغير مباشرة. فهي مباشرة بالنسبة للدول التي تسببت أو ساهمت في تشريد الفلسطينيين من وطنهم عبر مساعدة الدولة الناشئة إسرائيل فوق فلسطين، ودول تتحمل مسؤولية غير مباشرة كونها عضو في المنظومة الدولية وتتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه هؤلاء اللاجئين، عبر دعم قضيتهم العادلة بالعودة وتقرير المصير، وتقديم المساعدات الإنسانية لحين عودتهم إلى ديارهم.
إنّ المجتمع الدولي يقف متفرجا أمام أطول قضية لاجئين في العصر الحديث، لا يحرك ساكنا، بل يقف في كثير من الأحيان إلى جانب المعتدي ضد الضحية. إن الحديث عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة أصبح من التاريخ. من هنا كانت المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي.
قضية اللاجئين في المتعددة الأطراف
إن مراجعة متفحصة  للموقف الدولي من قضية اللاجئين الفلسطينيين تكشف انه بالرغم من تكرار القرارات الدولية بخصوص ضرورة حل قضية اللاجئين الفلسطينيين على مدار أكثر من 57 عاما الماضية، إلا أن الاهتمام الدولي  برعايتهم  بدا واضحا من خلال قراران اتخذتهما هيئة الأمم المتحدة وهما تحديدا القرار 194  الصادر عام 1948  الذي دعا لعودة اللاجئين  وتعويضهم، والقرار 302 الصادر في العام 1949 الذي نص على إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
إلا انه يبقى هناك سؤال كبير هو: ما مدى جدية المجتمع الدولي في إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين؟  وهنا يمكن القول إن مراجعة للمحاولات التي تمت خلال العقود الخمسة الماضية تظهر لنا أنها سلكت اتجاهين:
الأول: الاتجاه الذي سلكه رجال السياسة لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والذي عمل على إبراز الهوية الفلسطينية وحملها مسؤولية إيجاد حل لمشكلة اللاجئ الفلسطيني. ويتمثل هذا الاتجاه في مشاريع طرحها الساسة الغربيون تدعو إلى عودة بعض  اللاجئين وتوطين قسم آخر  وقسم آخر من الساسة الغربيون دعوا إلى التوطين والتعويض.
الثاني: الاتجاه الذي يطالب الاعتراف بالهوية الفلسطينية والدولة الفلسطينية والذي برز سنة 1964 بظهور منظمة التحرير الفلسطينية حيث دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين.
أما الصعيد الآخر المختلف فهو صعيد المفاوضات السرية والعلنية والتي تمخض عنها مؤتمر مدريد للسلام،  وأسفرت المفاوضات عن إنشاء خمس لجان أساسية تختص كل منها بواحدة من القضايا الإقليمية  ومنها اللجنة المختصة ببحث موضوع اللاجئين وتترأسه كندا.  وبدأت اللجان المتعددة اجتماعاتها في موسكو في 28/1/92 واشترك فيها أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية وقاطعتها سوريا ولبنان.
لقد حددت مجموعة العمل متعددة الأطراف طابعاً فنياً صرفاً لمهامها بخصوص المساهمة في تسوية مشكلة اللاجئين  من خلال توفير بيئة سياسية مناسبة تسهم في إنجاح المفاوضات الثنائية والعمل بمنطق الخطوة وتوافق الآراء وتوفير ثقة متبادلة، وكانت المجموعات ناشطة من خلال:
أولاً: اقترحت النرويج مشروع إعداد قاعدة بيانات لتوفير "فهم أفضل"  للقضايا المطروحة  ويشمل ذلك جمع معلومات عن اللاجئين  وأوضاعهم الحالية، وإعداد برامج ومشروعات المساعدة على تحسين أحوالهم، كما اعد الاتحاد الأوروبي مشروع يحدد مختلف صور المساعدة، وأرسلت ايطاليا بعثة إلى مخيمات اللاجئين في كل من الأردن ولبنان لتحديد أوليات احتياجات اللاجئين قي قطاعي الصحة العامة والأطفال.
ثانياً: تعبئة الموارد وتقديم المساعدات لتحسين الأوضاع المعيشية الراهنة للاجئين، بما في ذلك تعبئة الموارد البشرية، وإيجاد فرص عمل وهو مشروع تطلع به الولايات المتحدة، مشروع للحصة العامة ترعاه ايطاليا، ومشروع للأطفال تتولاه السويد، في حين يتولى الاتحاد الأوروبي موضوع البنية التحتية  الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثاً: تشجيع الحوار ويشتمل لم شمل العائلات الذي تتولاه فرنسا وكذلك تنظيم زيارات للمخيمات للتعرف على حاجات سكانها، ومن الغريب أن هذه الزيارات استخدمت لطرح خيارات التوطين والتجنس والعودة.
وأي تكن الشروحات والتفاصيل حيال كل ذلك، فإن مهمة فريق العمل في متعددة الأطراف المعنى بموضوع اللاجئين في الإسهام الفوري في تلبية الحاجات الإنسانية للاجئين تعكس الضغوط الإسرائيلية الأميركية والغربية من اجل تصفية قضية اللاجئين ببعدها السياسي وإبعادها عن مرجعيتها الدولية القانونية والشرعية.
إن قضية فلسطينيي الشتات قضية سياسية وإنسانية، وان الفصل بين البعدين أو تغليب بعد على أخر يفرغ هذه القضية من مضمونها. وان المتتبع لنظرة المجتمع الدولي لقضية فلسطيني الشتات منذ نشوء قضية اللاجئين يجد إن التعاطي يتم فقط عبر بعده الإنساني، حتى هذا الأخير لم يحظ بالاهتمام الكافي بل كان يخضع في كثير من الأحيان لاعتبارات سياسية ولمصالح الدول المانحة.
لقد تبدلت المواقف الدولية من قضية اللاجئين في نطاق الأمم المتحدة، حيث أخذت قراراتها المتوالية تعالج قضية اللاجئين على أنها قضية إنسانية، مع إجهاض حق العودة، ومع صدور القرارين 242 و 338 كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حتى ما قبل مؤتمر مدريد ترى أهمية تسوية قضية اللاجئين والنازحين على أساس قرار الجمعية العامة 194 والذي يؤكد  على حق العودة والتعويض، غير إن الضغوط الإسرائيلية والتراجع العربي والفلسطيني أديا إلى فرض فكرة حل القضية عبر المفاوضات المباشرة، مع إلقاء المسؤولية عن الحل على عاتق المجتمع الدولي والطلب من الجهات المانحة والمنظمات الدولية تدبير الأموال والمساعدات لتحسين الأحوال المعيشية للاجئين تمهيدا للتوطين الذي يلغي الجوانب القانونية والسياسية للقضية.
المجتمع الدولي واللاجئون الفلسطينيون في لبنان
يعيش في لبنان حوالي 400,582 منهم 210,952 في 12 مخيماً (حسب أرقام الأونروا 31 كانون أول / ديسمبر2004)  يعيشون في ظروف إنسانية صعبة للغاية تجعلهم على رأس القائمة في معاناة فلسطينيي الشتات. تتمثل هذه الظروف الصعبة بعدة نواحي منها القانونية والمتعلقة بالقرارات والقوانين والتي تصدرها السلطات اللبنانية والتي تجعل منهم فئة مهمشة، أو التقصير الحاصل في خدمات الانروا والذي ترده دائما إلى عجز في الميزانية ناتج عن ضعف في مساهمات الدول المانحة، أو إغلاق العديد من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية خاصة بعد اتفاق أوسلو.
كان الحفاظ على التوازن الطائفي الهش في الدولة اللبنانية دائما معتقدا وركنا رئيسيا للدولة اللبنانية. وظلت الاعتبارات الطائفية العميقة للمجتمع اللبناني ونظامه السياسي دوما أكثر العوامل حسما لتحديد الموقف اللبناني تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
 هذه الظروف العامة جعلت من فلسطينيي لبنان يعيشون ظروفا بالغة الصعوبة، ومع تفاقم الظروف هذه وازدياد نسب الفقر والبطالة، بات الأمر يتطلب معالجة جوهرية شاملة غير جزئية.
 ويساهم المجتمع الدولي في ميزانية الانروا بشكل أساسي، من خلال منح ومساعدات تخضع في كثير من الأحيان لمصالح تلك الدول، كما إن ميزانية الانروا ذاتها ليست جزء من ميزانية الأمم المتحدة باستثناء وظائف معينة. إن الانروا تقول بأن ميزانيتها تزداد عاما بعد عام لكن في مقابل ذلك هناك ارتفاع غير متوازي مع حاجات اللاجئين وبالتالي فإن هذه الزيادة في الميزانية غير ذات قيمة حقيقية.
إن الموضوع الأكثر غرابة في مساهمات المجتمع الدولي لدعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو شبه غياب الدعم العربي والمساهمات العربية سواء الأونروا  أو للقيام بمشاريع تنموية وإغاثية للاجئين، باستثناء مساهمات متواضعة هنا أو هناك.
وبشكل عام هناك تقصير واضح في مساعدات تلك الدول. فاللاجئون الفلسطينيون هم لاجئون وفق القانون الدولي، وبالتالي صدرت لصالحهم العديد من القرارات، وعليه فإن على المجتمع الدولي مسؤولية رعاية وحماية هؤلاء اللاجئين لحين عودتهم، على غرار عدة حالات مختلفة من العالم.  والملاحظ في هذا الشأن إن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي القضية الأطول في تاريخ البشرية الحديث، كما إن معاناتهم فاقت كل تصور، ومع ذلك نرى إن هناك تقصيرا كبيرا وخطيرا في هذا الخصوص.
الدول العربية واللاجئون الفلسطينيون في لبنان
لقد ظلت ممارسات الدول العربية تجاه اللاجئين عموماً دون استثناء اللاجئين الفلسطينيين – لا ترقى للأعراف والقوانين الدولية ولا حتى للتقاليد العربية  والإسلامية الخاصة باللجوء وطلب الحماية، وربما حدث تطور  إلى الأفضل على هذا الصعيد  منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي تجلى في صدور الميثاق العربي للاجئين. كان مما عزز هذا الاتجاه هيئات غير حكومية تهتم باللاجئين. لكن ليس هناك اثر ملموس وجده اللاجئون الفلسطينيون.
التنمية مفهوم شامل
التنمية مفهوم إنساني شامل، هي صورة مكونة من عدة أجزاء لا يمكن إن تتضح معالمها وحقيقتها من دون وجود كافة الأجزاء. والتنمية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا تختلف عن هذا التوصيف. فالتنمية يجب إن تكون سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية.
وعليه فإن مفهوم التنمية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان يجب إن تنطلق من المفاهيم التالية:
1. التنمية الاقتصادية: من خلال سن قوانين وقرارات تسمح للاجئ الفلسطيني بالسماح بالتملك، والعمل في مختلف المهن. إن المجتمع الدولي يمكنه الضغط على لبنان لسن قوانين بهذا الخصوص، لكن الخوف الدائم من التوطين بسبب هشاشة التوازن الطائفي يحول دون سن مثل هذه القوانين، كما إن عدم جدية المجتمع الدولي في تحقيق تنمية حقيقية يحول دون الضغط هذا إلا في حدود ضيقة.
2.  التنمية الاجتماعية: تسهيل تشكيل جمعيات المجتمع المدني، والاستفادة من الضمان الاجتماعي وغير ذلك والقيام بمشاريع اجتماعية مختلفة...
3.  التنمية السياسية: العمل على تشكيل مرجعية ديمقراطية تمثل أطراف الطيف الفلسطيني عبر الانتخابات، تتحدث باسم اللاجئين الفلسطينيين. وتمارس العمل السياسي والنقابي بكل حرية.
إنّ الحديث عن مشاريع هنا وهناك من دون النظر بشمولية إلى مفهوم التنمية، لن يجدي نفعا. فكيف يمكن الحديث عن تنمية ومشاريع تنموية، وبنى تحتية ( على أهميتها) من دون توسيع المخيمات لتتناسب مع الزيادة السكانية المطردة.  وكيف يمكن تحسين الخدمات الطبية إذا كانت المخيمات مكتظة بالسكان، والظروف السكنية غير ملائمة. وكيف يمكن رفع المستوى التعليمي ومحو الأمية وتعليم المرأة إذا كانت الآفاق مسدودة إمام الفلسطينيين لجهة العمل والتملك.
هناك إشكالية حقيقية أخرى تواجه مشاريع التنمية، وهي انه إذا تم إقامة مشاريع تنموية ناجحة ومطلوبة وذات جدوى فعلية لمجتمع اللاجئين، فإن ذلك يحسب على انه توطين، ويجب مقاومته أو إلغاءه. والجدلية الأخرى تقول بأن مشاريع التنمية تعني إلغاء حق العودة.
إن المجتمع الدولي معني بشكل أساسي في ملاحظة هذه الأمور.  اللاجئون الفلسطينيون وحدة واحدة وان اختلفت التسميات.
ينقسم الفلسطينيون قانونياً إلى ثلاث فئات: فئة لاجئون مسجلون، وفئة لاجئون غير مسجلون، وفئة فاقدة للهوية.
فالفئة اللاجئة المسجلة هي التي تتمتع بخدمات الانروا وهي مسجلة في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية وحاصلة على بطاقات هوية وجواز سفر.
والفئة غير المسجلة هي التي لا تحصل على خدمات الانروا بشكل عادي طبيعي مثل الفئة المسجلة، وبالتالي فهناك تمييز بحق هذه الفئة، وان كانت الانروا قد طورت من خدماتها لتطال جزئيا هذه الشريحة.
أما الفئة الثالثة هي فئة فاقدي الهوية وهي الفئة الأكثر حرمانا والأكثر تهميشا، وهي لا تتمتع بأية خدمات تقدمها الانروا أو وليس لديها أوراق ثبوتي.
إن المشاريع التنموية أو الاغاثية يجب أن تطال جميع الفئات باعتبارهم لاجئين بغض النظر عن التسميات،
ومع ذلك هناك جملة من التساؤلات حول الدراسات الاستكشافية الغربية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي تقول بأنها تدرس الواقع من اجل تقديم خدمات أو القيام بمشاريع اغاثية أو تنموية بشكل أفضل.
1. ما هو موقفها من جملة ثوابت ومتغيرات، ما هو موقفها مثلا من حق العودة، ولماذا لا تتضمن هذه الدراسات والمشاريع الإشارة إلى حق العودة إلا بالتلميح من دون التركيز عليه كونه حق من حقوق الإنسان الأساسية؟
2.  وهل فعلاً إن بعض المشاريع التنموية تهدف في التحليل الأخير إلى تحسين مستوى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بهدف عدم الهجرة إلى أوروبا والتي بدأت تضيق ذرعا بالمهاجرين، أو تحسين وضعهم وتعليمهم وفي حال هاجروا إلى أوروبا تكون الإفادة هناك؟
يبقى أن نشير إلى أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، فهو من ساهم في جعلهم لاجئين، وهو عليه العمل على إعادتهم ودعم قضيتهم، وتقديم المساعدات لهم وتمكينهم من العيش بكرامة لحين عودتهم إلى ديارهم وقراهم، لكن يتحمل الطرف الفلسطيني والعربي مسؤولية أيضا، فهو صاحب القضية وعليه أن يتبناها كما اقرها القانون الدولي، وعليه إن تكون الكلمة تجاهها واضحة وثابتة.

مـراجـع
1. مستقبل اللاجئين الفلسطينيين وفلسطيني الشتات، مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان 2002
2. مدخل إلى القضية الفلسطينية، مركز دراسات الشرق الأوسط
3. . www.badil.org
4. . www.palestine-info.info
5. . www.pchrgaza.org.
6. . www.unrwa.org