خلال زيارتي للدنمرك والسويد مؤخرا خرجت بمجموعة من الملاحظات، آمل أن تشكل دفعا للوجود الفلسطيني هناك بما يحقق مصالح للقضية الفلسطينية وهي على الشكل الآتي:
أولا: إن الاندماج الإيجابي للجالية الفلسطينية في أوروبا (لا سيما في الدنمرك والسويد) يشكل رافعة مهمة للقضية الفلسطينية. وأقصد بالاندماج الإيجابي هو أن نعيش في تلك البلاد نحترم قوانينها بدقة نستفيد من فرص الحياة الكريمة بشدة في التعليم النوعي والتعليم العالي، من الحرية والديمقراطية. وهي أمور نفتقدها في بلادنا العربية. واقصد أيضا بالاندماج الإيجابي هو التفاعل المثمر مع المجتمع دون المساس بالقيم والمبادئ الراسخة عندنا.
ثانيا: تشكل أوروبا مسرحا هاما للنضال الحقوقي، لما تمتلكه هذه القارة من مزايا دون غيرها من البلاد، ولو امتلك الفلسطينيون الأدوات اللازمة لحققوا إنجازات نوعية في هذه الإطار. ولعل أهم تلك الأدوات هو التحدث بلغة تلك البلاد ليس فقط التحدث اللفظي بل أن نفهم كيف يفكرون، ما هي اهتماماتهم. ولعل امتلاح سلاح اللغة (لغة القوم هناك) يكسر أهم حاجز. يبقى على الفلسطينيين وضع خطط وبرامج وتحالفات قوية.
ثالثا: لا شك أن الانقسام طويل الأمد الذي يعيشه الفلسطينيون منذ عقود طويلة انعكس بشكل سلبي على الجالية الفلسطينية أيضا وحال في بعض الأحيان دون المضي في تحقيق إنجازات نوعية تخدم القضية الفلسطينية. والاختلاف السياسي أمر حتمي، لكن انا أدعو بصدق للاستفادة من الديمقراطية الأوروبية ومن كيفية إدارة الأحزاب الأوروبية من خلافاتها السياسية. فأنتم تقيمون في أوروبا وليس في مكان آخر هذا يعني ضرورة التطبع بالأخلاق السياسية وتفهم الاختلافات بين فصيل وآخر، وإذا كان ثمة اختلاف فليكن تنافسا على خدمة القضية (القدس، اللاجئون، غزة، الضفة...).
رابعا: لست هنا أقصد البتة أن النضال الحقوقي لدعم القضية الفلسطينية محصور فقط في أوروبا، بل إن نضال الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل وفي الشتات هو الميدان الحقيقي. وتعتبر أوروبا ميدانا داعما لهذا النضال بكل أشكاله (النضال السياسي والحقوقي والاقتصادي والإعلامي، إلخ).
خامسا: لمست ممن قابلتهم والتقيت بهم حيوية وهمة عالية كما لمست منهم صدقا حقيقيا لفلسطين، كما لمست منهم أيضا النخوة والكرم الذي يتميز به الفلسطيني أينما حل. لكن مع هذه المزايا النوعية التي تتملكها الجالية الفلسطينية هناك وجدت أن ثمة نقص حاد في الأطر التي تجمع هذه الهمم وتؤطر نشاطها وتوجهه بشكل سليم نحو المصالح العليا للقضية الفلسطينية، كما لمست نقصا كبيرا في أطر تعالج المشاكل التي تواجه الشباب الفلسطيني هناك. ولا نريد أن يوصم شعبنا الفلسطيني أينما حل إلا بالعطاء والتميز الإيجابي.
سادسا: أوقن أن أسباب تشكّل الجالية الفلسطينية في أوروبا ناتجة عن ظروف بائسة وقاهرة (سياسية، اقتصادية وأمنية) في بلادنا العربية لا سيما في لبنان، فليس أجمل من العيش في كنف العائلة أو أحضان الوطن. وهنا أدعو إخوتي وأخواتي في أوروبا لدعم صمود أهلهم في الوطن والشتات دعما حقوقيا وسياسيا واقتصاديا. كما أدعوهم للتحرك بشكل مهني محترم باتجاه الحكومات الأوروبية لبذل جهود سياسية أكبر ودعم مشاريع أكثر في أماكن تواجد الفلسطينيين لا سيما اللاجئين منهم، بما يعزز من صمودهم أمام التحديات الهائلة التي تستهدف وجودهم ووجود قضيتهم.
الدكتور محمود الحنفي
بيروت في 29/11/2019