المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)
موقف قانوني
أسر المستوطنين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين
عمل يتواقف مع أحكام القانون الدولي الإنساني
أثار إعلان إسرائيل رسمياً عصر يوم الجمعة 13/6/2014 عن اختفاء ثلاثة شبان من مستوطنة «كفار عتصيون» شمال مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، انتقادات غربية ودولية واسعة، لا سيما ما صدر عن الأمين العام للأم المتحدة السيد بان كي مون الذي دان العملية معرباً عن تضامنه مع أُسر الطلاب، مطالباً بضرورة الإفراج الفوري عنهم. وذكرت تقارير اخبارية أن الأمين العام حثَّ جميع الأطراف على ضبط النفس، وتقديم الدعم اللازم لإطلاق سراح المختطفين وعودتهم آمنين إلى ديارهم. كما أدان وزير الخارجية الأميركي السيد جون كيري عملية "اختطاف" الشبان الثلاثة، متهما حركة حماس "الإرهابية" بهذه العملية. وحتى إعداد هذه الورقة القانونية لم يتبنّ أي فصيل فلسطيني مسؤوليته عن وضع هؤلاء المستوطنين إن كانوا قد أُسروا أم قُتلوا. وعليه فإن وضعهم الآن هم في حالة اختفاء وليس أسر حتى يُصدر فصيل فلسطيني مسؤوليته بشكل رسمي.
وعلى أثر اختفاء هؤلاء المستوطنين، قامت سلطات الاحتلال بحملة اعتقالات واسعة النطاق شملت رئيس المجلس التشريعي ونواباً وقادة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، كما قامت بفرض حصار مُطبِق على محافظة الخليل، كما شنَّت عدة غارات حربية على مواقع للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولا تزال العملية العسكرية الإسرائيلية متواصلة ومتصاعدة.
وتأتي هذه التطورات الأمنية في ظل إضراب متواصل يقوم به الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال منذ أكثر من 50 يوماً، بسبب المعاملة اللإنسانية وعدم محاكمة بعضهم منذ سنين طويلة، وفي ظل ظروف إنسانية سيئة يعاني منها أكثر من 5000 أسير فلسطيني بشكل عام. ولم تصدر مواقف دولية تدعم حقوق هؤلاء الأسرى.
وأيّ يكون وضع هؤلاء المستوطنين الآن: أسرى أم مختفين أم أنهم قتلى، فإنه لا بد من إظهار الوضع القانوني لعملية أسر جنود أو مستوطنين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، بعيداً عن أي موقف سياسي سواء كان محلياً أم عربياً أم دولياً.
ثمة اهتمام سياسي وإعلامي واسع، تحظى به أي عملية أسر أو اختفاء جنود احتلال أو مستوطنين لكن الأمر يحتاج إلى الكثير من التدقيق القانوني. إن معرفة التكييف القانوني لما جرى أمر له معنى كبير من حيث الآثار المترتبة. ثمة مصطلحات سياسية كثيرة استخدمت وتستخدم في هذا الإطار، وهو نوع من الجدل السياسي.
أولاً: الطبيعة العسكرية والإقتصادية لعمل المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة
يُعرّف بروتوكول جنيف الاول لعام 1977، في الفقرة الثانية من المادة 52، الأهداف العسكرية بأنها "تلك التي تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري، سواء كان ذلك بطبيعتها أو بموقفها أو بغايتها أو باستخدامها".
ومن المعروف أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تقوم بأدوار متعددة لا تمُت إلى النشاطات المدنية بأيّ صلة. وتُعَد المستوطنات، من وجهة النظر العسكرية، نقاط تجميع للأسلحة والمعدات العسكرية في عمق الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى استخدامها كنقاط ارتكاز لعمليات عسكرية، ما يجعلها تؤدي دوراً عسكرياً لا يُنكر.
منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000، أطلق قادة المستوطنين تحذيراتهم من أنهم سيقومون "بحماية أنفسهم بأنفسهم"[1]. وانتشرت الدوريات الأمنية المكونة من المستوطنين المسلحين التي تجوب محيط المستوطنات الإسرائيلية من دون أن يكون للجيش ولا للشرطة الإسرائيلية أية مسؤولية أو إشراف عليها[2].
ولا يبدو واضحاً إذا كانت هناك ضوابط تحكم عمل دوريات المستوطنين الأمنية هذه؛ فليس هناك على الأغلب تعليمات إطلاق نار خاصة. والأهم أن وجود دوريات المستوطنين المسلحة يجعل من الصعب التمييز بين المسلحين وغير المسلحين من السكان، وهو الفرق الذي على أساسه قامت اتفاقيات جنيف لحماية السكان المدنيين. والمستوطنات تؤدي دوراً اقتصادياً مُدمّراً بالنسبة إلى حياة الفلسطينيين، ففيها تنتشر معظم الأراضي الزراعية في الضفة الغربية وتنتج العديد من المنتجات الزراعية التي تصدرها إسرائيل إلى الخارج، وهذا ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى حظر استيراد منتجات المستوطنات[3].
ومن جانب آخر، يعمل عدد كبير من المستوطنين في الوظائف الأمنية في المستوطنات. إن حمل المستوطنين للسلاح، بالإضافة إلى الدور العسكري الذي تؤديه المستوطنات، يجردهم من "الحماية المدنية" التي يُضفيها القانون المدني الإنساني عليهم - على افتراض أنهم مدنيون - بسبب اشتراكهم في الأعمال العدائية حسب المادة 51 من بروتوكول جنيف الأول لعام 1977.
وقد نشرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، التابعة للأمم المتحدة في منشوراً لها بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفسطيني في 29/11/2011، حقائق مقلقة عن دور المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد سُجِّلت 304 حالات اعتداء قام بها مستوطنون على مواطنين فلسطينيين وعلى ممتلكاتهم بين شباط 2010 وشباط 2011. ولم تُوجِّه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أيَّة تهمة إلى أحد بعد إجراء 97 تحقيقاً في عمليات تدمير أشجار فلسطينية قام بها مستوطنون إسرائيليون بين عامي 2005 و2010. وكذلك، فإن معدل كمية المياه التي يستهلكها المستوطن الإسرائيلي يوازي 7 أضعاف الكمية التي يستهلكها الفلسطيني، بينما يدفع الفلسطيني 5 أضعاف التكاليف التي يدفعها الإسرائييلي ثمناً للمياه. وفيما يكون معدل حصة الفلسطينيين من المياه العذبة 73 ليتراً للفرد يومياً في الضفة الغربية، و52 ليتراً في قطاع غزة، (ومنظمة الصحة العالمية توصي بمعدل 100 ليتر للفرد يومياً في حد أدنى)، فإن استهلاك الإسرائيلي هو أكثر من ذلك بكثير. وتستهلك إسرائيل 90% من المياه العذبة في الأراضي الفلسطينية. وترمي المستوطنات الإسرائيلية نحو 40 مليون متر مكعب من المياه الآسنة والنفايات الصلبة كل سنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالـتأكيد فإن اعتداءات المستوطنين تزايدت بشكل كبير في السنوات الثلاث الماضية.
إن الحقائق أعلاه، تنزع عن المستوطنين أي صفة مدنية بسبب الطبيعة العسكرية النوعية التي يؤديها هؤلاء المستوطنين وبسبب النشاطات الإقتصادية الهائلة التي تمد في عمر الاحتلال. كما أن الضفة الغربية وقطاع غزة هي أراضٍ محتلة بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، والاحتلال هو امتداد للنزاع المسلح، وهذا يعني أن وجود الاحتلال سواء بشقه العسكري أم المدني هو امتداد فعلي للنزاع المسلح، الأمر الذي يشكل خطورة حقيقية على المستوطنين ويجعلهم أهدافاً عسكرية مشروعة.
ثانياً: بين الخطف والأسر:
إن الخطف جريمة جنائية تحاكم عليها القوانين الجزائية المحلية، وهو سلوك إنساني بغيض منبوذ اجتماعياً. أما عملية أسر الجنود (ومن يساعدهم بشكل مباشر أو غير مباشر) فهي عملية قانونية تندرج في إطار أعمال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال وهي أعمال تُجيزها أحكام القانون الدولي العام وأحكام القانون الدولي الإنساني ضمن ضوابط وقيود.
فالقانون الدولي العام يقر للشعوب الحق في تقرير مصيرها بكافة الوسائل الممكنة بما فيها الكفاح المسلح. كما يُجيز للشعوب حق الدفاع المشروع عن النفس.
إن حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال يأتي من مجموعة حقائق واستنتاجات قانونية وأخلاقية وسياسية مبنية على واقع الاحتلال وممارساته القمعية وانتهاكاته للقانون من جهة، وعلى حرمان الفلسطينيين في الوقت الحالي من حقهم المشروع في تقرير المصير، من جهة أخرى.
النضال المسلح الذي تخوضه الشعوب وحركات المقاومة والتحرير الوطنية دفاعاً عن نفسها ومن أجل تقرير مصيرها ليس بالعنف العبثي، بل هو يُمارس كخيار أخير بعد استنفاذ كل الوسائل السلمية ووسائل المقاومة المدنية. ويأتي هذا النضال منسقاً ومنسجماً تماماً مع أحكام القانون الدولي.
ولقد اعترف القانون الدولي المعاصر بالكفاح الذي تقوده حركات التحرر الوطني من أجل تقرير المصير، وأقرّ للشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي أو التفرقة العنصرية الصارخة بأن تلجأ إلى الكفاح، بجميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة المسلحة، وذلك استثناء من قاعدة عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية.
وقد تجلى الاعتراف بشرعية أعمال المقاومة الشعبية المسلحة التي تناضل لنيل حقها في تقرير مصيرها من خلال تدويل النزاعات المسلحة التي تكون طرفاً فيها، وهذا ما حصل بمقتضى البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، فقد جاءت صياغة الفقرة الرابعة من المادة الأولى من ذلك البروتوكول على نحو يكفل تطبيقها على "المنازعات المسلحة التي تناضل من خلالها الشعوب ضد التسلح الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير كما كرّسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودّية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة".
إن عملية أسر جنود الاحتلال الإسرائيلي ومن يعاونهم من المستوطنين (بشكل مباشر أو غير مباشر) هو عمل يتوافق مع أحكام القانون الدولي الإنساني. وتزداد أهمية هذه العمليات مع الانتهاكات الواسعة لحقوق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ومع غياب أي أفق لاحترام حقوقهم على مستوى سلطات الاحتلال ولا على مستوى المجتمع الدولي.
خلاصات وتوصيات:
وقد خلصت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) إلى أن الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية هي أراضٍ محتلة وتنطبق عليها أحكام القانون الدولي الإنساني. وعلى سلطات الاحتلال أن تلتزم بهذه الأحكام لا سيما ما جاء في اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949، وبرتوكولها الأول الملحق لعام 1977. كما أن من حق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة بما فيها الكفاح المسلح.
إن المستوطنين يُعتبرون أدوات احتلالية فعالة تنتهك حقوق الفلسطينيين وتضيق عليهم، وتمارس العنف المنظم ضدَّ مقدساتهم الإسلامية والمسيحية، وتسرق ثرواتهم المائية والزراعية وتشكل مساكنهم قواعد عسكرية لجنود الاحتلال للانطلاق باتجاه المدن والقرى الفلسطينية، كما أن استخدامهم السلاح بشكل دائم يشكل خطر حقيقي على حياة السكان المدنيين. وهم بهذا الوصف لا يتمتعون بالصفة المدنية التي حددتها المادة 51 من البرتوكول الأول الملحق لعام 1977. وعليه فإن عملية أسر المستوطنين أمر يتوافق مع أحكام القانون الدولي الإنساني، خاصة إن كان الهدف منه إجراء عملية تبادل مع أسرى فلسطينيين مضى على أسرهم سنين طويلة وبعضهم من دون محاكمة لا سيما الأسرى الإداريون. وأي وصف آخر إنما هو تمييع لنضال الشعب الفلسطيني وإظهاره بمظهر الإرهاب والعنف الدامي.
كما توصي المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، بما يلي:
- أن تلتزم حركات المقاومة الفلسطينية بالضوابط والمعايير الواردة في أحكام القانون الدولي الإنساني.
- أن تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خطاباً وسلوكاً يلتزم بأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حقه بمقاومة الاحتلال.
- دعوة منظمات حقوق الإنسان الدولية والعربية والفلسطينية إلى ضرورة دعم نضال الشعب الفلسطيني وإظهار حقه التام في مقاومة الاحتلال وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، وإظهار بشاعة الاحتلال وعدم مشروعية أعماله الاحتلالية ضد السكان المدنيين.
بيروت في 16/6/2014
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)
[1] قال لسان يهوشوع بن يوسف، الناطق باسم مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وغزة بتاريخ 2/10/2000: "نحن الآن نتصرف بتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، لكن إذا ساءت الأمور، فنحن جاهزون للعمل بمفردنا". راجع: المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الإنسان، "النظام القضائي الصهيوني: تمييز عنصري ضد الفلسطينيين". راجع موقع المركز الإعلامي الفلسطيني على شبكة الإنترنت: www.palestine-info/info/arabic.
[2] راجع مقالة الصحافي الإسرائيلي (عاموس هاريل) في جريدة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 28/2/2001 التي وصف فيها عمل هذه الدوريات بأنه أشبه ما يكون "بالغرب المتوحش".
[3] ينطلق موقف الاتحاد الأوروبي من مسألة تصدير بضائع المستوطنات إلى دول الاتحاد من كون المستوطنات في الأراضي المحتلة لا تشكل جزءاً من إسرائيل وفق القانون الدولي، وبالتالي يُعَدّ دخول المنتجات من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أسواق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كصادرات نشأت في إسرائيل، وفق الاتفاق التجاري المعقود بينهما، خرقاً من قبل الطرف الثاني، إنّها لا تنطبق على هذه المبادئ. قد وُقِّع الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، على أن يبدأ سريان هذا الاتفاق في تموز/ يوليو 2000. وبموجب هذا الاتفاق، أُعفيت المنتجات الصناعية من الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات والواردات بين الطرفين، إلى جانب المزيد من التحرير لحركة المنتجات الزراعية بين كلا الطرفين. ولا تدخل المستوطنات الإسرائيلية وفق هذه الاتفاقية، وهي لا تحظى بذات المزايا، لذلك تفرض عليها الرسوم الجمركية. لمعرفة ماهية الاتفاقية بين الطرفين يمكن زيارة الموقع الآتي بتاريخ 16/1/2006: http://www.oppc.pna.net/mag/%20mag2/p8-2.htm.