تلقّت المؤسسة الفلسطينة لحقوق الإنسان (شاهد)باسغراب شديد تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي ادّعت فيه أنّ الجناح العسكري لـ
"حماس" - "كتائب القسّام"، وما لا يقل عن أربعة فصائل
فلسطينيّة مسلّحة أخرى ارتكبت العديد من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية بحق
مدنيين أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنود الاحتلال الإسرائيلي
ومواقعه العسكرية.
تبيّن (شاهد) أن إصدار التقرير في هذا التوقيتيثير الريبة والقلق ولا سيما في ظل انتظار البت في
الدعاوى المرفوعة ضد دولة الاحتلال وجيشه سواء أمام محكمة العدل الدولية بخصوص
جريمة الإبادة الجماعية أو الدعوى المرفوعة أمام محكمة الجنايات الدولية بخصوص
جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وأخيراً انتظار الرأي الاستشاري بخصوص العواقب
القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما
في ذلك القدس الشرقية.
وبعد اطلاع (شاهد) على مضمون التقرير والبيانات المرفقة
له لا سيما رد المقاومة الفلسطينية والمنهجية المتبعة في إعداده، تبين أن التقرير،
وفي كثير من المحاور، يفتقد إلى الدقة والموضوعية. ويطرح ملاحظات أساسية وهي:
· أولاً: لم يشر التقرير إلى الجرائم الاسرائيلية المركبة
والمنظمة في إطار تطهير عرقي منظم للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من
خلال استخدام سياسة التهويد والاستيطان وهدم المنازل ومصادرة الأراضي والقتل
الميداني والاعتقال التعسفي والاداري، وكذلك جرائم الحرب والإبادة من خلال القتل
الجماعي في قطاع غزة خلال أكثر من عدوان عسكري (2008-2012-2014-2021- 2022)، بالإضافة
إلى الحصار المطبق على القطاع لأكثر من 17 عاماً.
· ثانياً: يعمد التقرير إلى الاشارة إلى ارتكاب فصائل المقاومة
جرائم حرب قائمة على
أعمال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي من دون تقديم دلائل ثابتة
مبنية على شهادات ومعاينات ميدانية وتقارير طبية موثوقة بل بالاستناد فقط إلى
تقارير مضلّلة تحتمل تفسيرات متعددة وكذلك بالاعتماد على تقرير الممثلة الخاصة
للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع والذي ثبت من
خلال تقارير حقوقية وتحقيقات إسرائيلية أنها غير سليمة من حيث منهجية الاستقصاء
والبحث، لا ترتكز على معطيات أو شهادات
دقيقة، إلى جانب تراجع الشهود
الإسرائيليين عن افاداتهم لاحقاً.
·ثالثاً: أغفل التقرير أن الجيش الاسرائيلي يتحمل وحده مسؤولية مقتل عدد كبير
من المدنيين الإسرائيليين وهذا ما وثقته العديد من التقارير الإسرائيلية والعالمية
كوكالة هآرتس وأسوشييتد برس. والمفارقة البارزة في التقرير هو صيغة تناوله لما سمّاه
بحادثة " الحفل الموسيقي" وكأنه حقيقة مؤكدة، بما يتماشى مع السردية
الاسرائيلية حولها. علماً أن المعطيات المتعلقة به لا تزال غير واضحة والتقارير قد
أتت مناقضة للرواية الرسمية الاسرائيلية بأن أكّدت أن مقتل المشاركين في الحفل مردّه
إلى نيران سلاح الجو الإسرائيلي وأتى عن طريق الخطئ.
· رابعاً: يدعي التقرير أن الاستهداف بشكل ممنهج ومبرمج للمدنيين
عن عمد هو ركن اساسي للاعتقاد بارتكاب الفصائل الفلسطينية المسلحة جرائم الحرب، في
حين أن الموقف الرسمي لحركات التحرر الوطني الفلسطينية وبينها الورقة التي قدمتها
حماس ونشرتها المنظمة والبيانات المتتالية تؤكد أنه ليس هناك نية لاستهداف المدنيين
الإسرائيليين. وفي هذا السياق تلفت (شاهد)
الانتباه لمسألة جوهرية تتجلى في سلامة
العديد من الأماكن التي تؤوي المستوطنين والتي هي جغرافياً أقرب للقطاع من أماكن أخرى
كانت عرضةّ للاستهداف على الرغم من أنها أكثر بعداً ولم يتم استهداف أي مدني فيها.إن هذه الإدعاءات بعدم مراعاة مبدأ
التمييز تستوجب المتابعة من قبل لجنة
تحقيق دولية مهنية تغلب الموضوعية وسيادة القانون الدولي. الأمر الذي يكاد يكون
مستحيلاً في ظلّ منع إسرائيل لعمل أيّة لجنة تقصّي حقائق وما تنتهجه من سياسة
مدروسة للتضليل وتحريف المعطيات حول ما جرى فعلاً في السّابع من أكتوبر.
·خامساً: إنمنهجية التقرير تؤكد قِصر مخرجاته وتدل
على انحياز واضح للرواية الاسرائيلية، بدعوى أن التقرير قام على تحليل مئات الصور
والمقاطع المسجلة والشهادات التي وردت من الجانب الاسرائيلي وأغفلت تماماً أية
معطيات أو شهادات من الجانب الفلسطيني.
·سادساً: إن التقرير لم يأت على ذكر الأسرى الفلسطينيين والمخفيين
قصراً لدى السلطات الإسرائيلية والذين أثبتت أجساد من أفرج عنهم حجم التعذيب
والمعاملة القاسية التي أخضعوا لها. لكنها
على المقلب الآخر حمّلت حركات التحرر الوطني الفلسطيني وحدها المسؤولية عن سلامة
الأسرى لديها على الرغم من أن هجمات الجيش الإسرائيلي العشوائية كانت السبب في
مقتل عدد كبير منهم في الأسر.
·سابعاً: توجه التقرير في توصياته إلى الدول التي تربطها علاقات
مع حركات التحرر الوطني الفلسطينية، الّا أنه لم يتوجه أبداً إلى أيّ من الدول أو
الهيئات التي تزوّد إسرائيل بالأسلحة والعتاد بصورة مباشرة والتي تستخدمها إسرائيل لارتكاب جرائم تنطوي
على جريمة الإبادة الجماعية. والمفارقة تكمن في أن أي انتهاكات من قبل هذه
الجماعات وإن ثبتت فإنها لا ترقى إلى حجم وخطورة الإبادة المستمرة والمتمادية للسكان المدنيين في قطاع غزة.
·ثامناً: إن التقرير وعلى الرغم من تأكيده على الدعوة إلى إطلاق
سراح الرهائن بصورة غير مشروطة في أكثر من مناسبة، إلا أنه لم يعرّج على أيّة
مطالبة بوقف العمليات العسكرية أو الانتهاكات في قطاع غزة والتي يسقط ضحيتها مئات
المدنيين يومياً.
وتخلص (شاهد) إلى أن مضمون هذا التقرير وصدوره في هذا التوقيت يهدف إلى حرف الأنظار، عن غير
قصد، عن حرب الإبادة الاسرائيلية على قطاع غزة، ومحاولة للتشويش على قرارات محكمة
العدل الدولية المعنية بإصدار قرار حول الابادة الجماعية وتقديم رأي استشاري حول العواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات
إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
وتطالب (شاهد) المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل
اجراء تحقيق دولي مستقل وشفاف للوقوف عند الحقائق الدامغة بخصوص استهداف المدنيين لاسيما
وأن عدد القتلى من المدنيين في قطاع غزة تجاوز الــ 40 ألف شخص معظمهم من الأطفال
والنساء. كما تطالب منظمة هيومن رايتس ووتش بسحب التقرير لأنه يفتقر إلى المنهجية
والمهنية التي اعتادت هذه المنظمة الدولية على اعتمادها ويهدد مصداقية العمل
الحقوقي.
بيروت في
18/7/2024