(شاهد): إخلاء الخان الأحمر جريمة موصوفة في القانون الدولي
ودعوة إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بردع الاحتلال
أولاً: مقدمة
الخان الأحمر هي قرية فلسطينية بدوية من القرى
الفلسطينية المحتلة عام 1967 ضمن محافظة
القدس. تقع على الطريق السريع 1 شرق مدينة
القدس بالقرب من مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم، وكان عدد سكانها قد بلغ عام 2018، حوالي 173
بدوياً من قبيلة الجهالين، بينهم 92 طفلاًيعيشون في الخيام والأكواخ.
تكتسب القرية أهميتها الاستراتيجية لأنها تربط
شمال وجنوب الضفة الغريبة، كونها من
المناطق الفلسطينية الوحيدة المتبقية في منطقة "E1"[1] وحديثاً
قررت محكمة العدل العليا للاحتلال إخلاء وطرد سكان القرية[2].
يتوزع عرب الجهالين في القدس على 23 تجمعًا في أربع مناطق أساسية هي: عناتا،
ووادي أبو هندي، والجبل، والخان الأحمر. يقدر عددهم بنحو 7 آلاف نسمة. وكان الاحتلال
الإسرائيلي قد أجبرهم على النزوح سنة 1952
إلى الضفة الغربية بحجة ضروريات الأمن، فأسكنتهم الحكومة الأردنية في منطقة القدس في
الأماكن المذكورة أعلاه.
·تضاعفت
المضايقات الاسرائيلية عام 2000 وذلك بتقييد حركة عرب الجهالين، وعدم السماح لمن
لا يسكن في منطقة الخان الأحمر بدخولها وإن كان من العشيرة ذاتها. وفقاً لما رسمه الاحتلال من خرائط وتحديد لمساحات ضيقة يسمح
للسكان للتحرك فيها ما لا يتناسب مع حياة البداوة[3].
·وفي آذار 2010،
صدر أول قرار عن "الإدارة المدنية" بهدم كافة المنشآت في الخان الأحمر، ولجأ
الاهالي إلى محاكم الاحتلال للالتماس ضد بالقرار على مدار سنوات، الا أنهم لم يتمكنوا على اثرها الا الحصول على قرارات تأجيل للهدم.
·في أيار 2018، قررت
سلطات الاحتلال هدم القرية وتهجير سكانها، ولكنها فشلت بسبب صمود الاهالي وصدور قرار
من المحكمة الجنائية الدولية ، حذرت فيه الحكومة
الإسرائيلية من القيام بتهجير أو هدم القرية، والتجمعات المحيطة بها في المنطقة التي
تسمى (E1)، واعتبرت ذلك بمثابة
"جريمة حرب. وأعرب مكتب الأمم
المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ أيضا من أن يؤدي تدمير التجمع إلى النقل القسري
لسكانه من قبل القوة المحتلة، مما يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي الذي يحظر
النقل الإجباري لسكان أرض محتلة، بغض النظر عن الدافع.
·نظرت محاكم الاحتلال
خلال تسع سنوات في العشرات من الدعاوى والالتماسات التي قدمها أهالي القرية رفضا لإخلائهم
وتهجيرهم ولكن كل هذا كان مصيره التأجيل نتيجة الضغوط الدولية.
ثانياً: الخان الأحمر إلى الواجهة من جديد
قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"Benjamin
Netanyahu” ، إنّ الأجهزة الأمنية أخلت 38 بناية فلسطينية بالضفة الغربية منذ مطلع
كانون الثاني، بدعوى عدم قانونيتها[4].كما طالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي
إيتمار بن غفير "Itamar Ben-Gvir” رئيس الحكومة بنيامين
نتنياهو بإخلاء وهدم تجمع "الخان الأحمر" البدوي شرق القدس المحتلة،
فيما حذر المجلس الوطني الفلسطيني مما وصفها بنكبة جديدة في حال إقدام حكومة
الاحتلال على مخططها للاستيلاء على التجمع.[5]
وفي هذا الاطار، تشير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) الى أن
الأعيان المدنية التي تتعرض للهدم من قبل سلطات الاحتلال تقع في المنطقة المصنفة
"ج" ضمن اراضي الضفة الغربية والتي يتطلب إجراء أي تغيير أو بناء فيها
الحصول على ترخيص مسبق .الا أنّ تذرع سلطات الاحتلال بعدم قانونية المباني التي
يطالها الهدم غير مبرر نظراً لاستحالة الحصول على تراخيص وفقاً لمنظمات محلية
ودولية.
وتُذكّر (شاهد) بتحذير
المقرّر السابق للأمم المتّحدة الخاص المعنيّ بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة
المحتلّة منذ عام 1967 مايكل لينك "Michael Lynk” عام
2018 قائلاً: "يشكّل إرغام المجتمع على
الانتقال قسرًا انتهاكًا خطيرًا لاتّفاقيّة جنيف الرابعة، وقد يرقى إلى جريمة حرب بموجب
نظام روما الأساسيّ لعام 1998." وقال "يؤدّي التهديد الحقيقي
بهدم قرية خان الأحمر إلى تفاقم البيئة القسريّة حيث يعيش المجتمع، وقد يُجبَر السكّان
على ترك منازلهم[6]."
يرى مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، خليل
التفكجي، أن هدف سلطات الاحتلال من تهجير سكان قرية الخان الأحمر هو تنفيذ مخطط (E1) الاستيطاني،
الذي يقضي على الوحدة الجغرافية للضفة الغربية ويربط المستوطنات بالقدس ويوسع
مستوطنة "معاليه أدوميم"، والالتفات إلى خطورة المشروع الإقليمي الأوسع
لعام 2050. ويوجد في المنطقة
الممتدة من بلدة العيزرية شرقي القدس إلى غور الأردن 46 تجمعا بدوياً، وجميعها مهددة
بالتهجير القسري.
ثالثاً: التهجير القسري لأهالي الخان الاحمر والقانون الدولي
يعرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء
غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن
جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. ووفق ما ورد في نظام روما
الإنساني لـ المحكمة الجنائية الدولية، فإن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان،
متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين
يشكل جريمة ضد الإنسانية".[7]
يفرض القانون الدولي الإنساني ً حظرا ً مطلقا على الترحيل القسري
للمدنيين من الأرض الفلسطينية المحتلة أو داخلها. ويتعين على السلطات
الإسرائيلية أن تضع حداً لجميع التدابير القسرية، بما فيها عمليات الإخلاء والهدم المزمعة
وإجراء التدريب العسكري في المناطق السكنية.
كما يرد حظر مماثل على الترحيل القسري في القانون الدولي العرفي؛ فبموجب القاعدة 129التي
تقررها دراسة القانون الدولي الإنساني
العرفي التي وضعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، «لا يقوم الأطراف في نزاع مسلح دولي بترحيل السكان المدنيين أو نقلهم قسراً، بصورة
كلية أو جزئية، من أرض محتلة إلا إذا اقتضى ذلك
أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكرية قهرية». إنّ عمليات الإخلاء المتواصلة التي تطال الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني على مدى 55عاما ً من
الاحتلال يغير الواقع على الأرض ويتعارض مع
القانون الدولي الإنساني والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي تعد ملزمة ً قانونياً.
تبين المادة
7 (1) (د) من نظام روما الأساسي[8] أن ترحيل السكان أو النقل القسري للسكان الذي يشكل
جريمة ضد الإنسانية وفق الأركان التالية :
1 - أن يرحل أو
ينقل قسراً شخصا أو أكثر إلى دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل قسري آخر لأسباب
لا يقرها القانون الدولي.
2 - أن يكون الشخص
أو الأشخاص المعنيون موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي أبعدوا أو نُقلوا منها على
هذا النحو.
3 - أن يكون مرتكب
الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت مشروعية هذا الوجود.
4 - أن يرتكب هذا
السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.
5 - أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق
أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءا من ذلك الهجوم.
كما توضح أركان المادة 8 (2) (أ)
(7)-1من نظام روما الأساسي جريمة الحرب المتمثلة
في الإبعاد أو النقل غير المشروع[9].
1 - أن يقوم مرتكب الجريمة بإبعاد أو نقل شخص أو أكثر الى دولة أخرى أو مكان
آخر.
2 - أن يكون هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص ممن تشملهم بالحماية اتفاقية أو أكثر
من اتفاقيات جنيف لعام 1949.
3 - أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت ذلك الوضع المحمي.
4 - أن يصدر السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ويكون مقترنا به.
5 - أن يكون مرتكب الجريمة على علم
بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.
ترى المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان ( شاهد) إن الإخلاء القسري لأهالي الخان الاحمر والنقل القسري للسكان ينطبق عليه وصف جريمتي ضد الإنسانية وجريمة
حرب مكتملة الأركان وفق ما بيّنا سابقاً في أركان جرائم الحرب وجرائم ضد
الإنسانية فإن الإخلاء القسري للسكان يجري بعلم مسبق ومخطط من قبل قيادة الاحتلال
ضمن نزاع مسلح يهدف الاحتلال إلى تطهير عرقي للاراضي الفلسطينية المحتلة وفق خطة
ممنهجة تتنقل من مكان إلى آخر.
كما تبين (شاهد) إنطباق إتفاقية جنيف الرابعة لعام
على الأراضي الفلسطينية الدولية 1949 والتي دخلت حيز النفاذ في 2 نيسان 2014، تحظر المادة 49 من اتفاقية
جنيف الرابعة النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكنهم إلى
أراض أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة[10].
على الجانب الآخر يعتبر الدكتور محمود الحنفي مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) أن
سياسة هدم منازل المواطنين في حي الخان الأحمر من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي
أحد أبرز الممارسات اللاإنسانية، والتي بدأت فصولها كنمط من انماط العقوبات
الجماعية. وما زالت سياسة الهدم تتواصل يومياً رغم المناشدات الدولية الداعية
اسرائيل الى وقف سياسة هدم المنازل[11].
ويوضح الحنفي
قائلاً أن سياسة هدم المنازل والممتلكات العائدة للمواطنين الفلسطينيين تندرج تحت
سياسة التطهير العرقي وتعتبر مخالفة جسيمة لنص المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة
لعام 1949؛ كما تشكل انتهاكاً صارخاً لنص المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق
الانسان الصادر بتاريخ 10/12/1948 والتي تنص على أنه "لا يجوز تجريد أحد من
ملكه تعسفاً "[12]. لذا،
إن ما تقوم به اسرائيل من هدم لمنازل وممتلكات المواطنين الفلسطينيين في الضفة
الغربية بما فيها القدس الشرقية وما يترتب عليه من آثار سلبية يعدُّ انتهاكاً
صارخاً لقواعد القانون الدولي الانساني، حيث تحاول اسرائيل من خلال هذه السياسة
تشريد المواطنين الفلسطينيين من اراضيهم وتهجيرهم وحرمانهم من حقهم الشرعي في
العيش بأمن واستقرار.
يعرّف التهجير القسري بأنه "ممارسة ممنهجة
تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو
مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها"[13]. ويكون التهجير القسري إما
مباشرا أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى
الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد.
خامساً: التوصيات
v مطالبة
المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة باتخاذ كل الاجراءات اللازمة لوقف السياسة
الإسرائيلية الرامية إلى تهويد الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها الاصليين.
v مطالبة
المجتمع الدولي والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949،
إلى القيام بخطوات عملية، وفقاً لالتزاماتها القانونية، من أجل إجبار السلطات
الإسرائيلية المحتلة على احترام تلك الاتفاقية، ووقف جميع السياسات التي تنتهك
حقوق الفلسطينيين.
v التأكيد
على حق الشعب الفلسطيني في ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه أمام المحاكم
الدولية.
v مطالبة
المجتمع الدولي بالعمل على فرض عقوبات على المستوطنات الإسرائيلية، وتجريم التعامل
والاتجار معها.
v تحميل
الاحتلال الاسرائيلي بصفته القوة القائمة بالاحتلال، مسؤولية توفير الحماية للسكان
المدنيين ولا سيما فيما يتعلق بالاخلاء القسري للسكان.
vمطالبة المجتمع الدولي بالعمل
على وقف مشاريع التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)
[1] "E1" وهومخطط استيطاني إسرائيلي يهدف إلى ربط القدس بعدد من المستوطنات
الإسرائيلية.
[2] موسوعة القرى الفلسطينية، قرية الخان الأحمر -
قضاء القدس، للمزيد من المعلومات أنظر الرابط، https://palqura.com/village/947/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1
[4] جاء ذلك في بيان صدر عن مكتب نتنياهو مساء
الأحد، نشره عبر صفحته الرسمية على تويتر،
[5] الجزيرة، بن غفير يطالب نتنياهو بهدم
"الخان الأحمر" وهيئة فلسطينية تحذر من نكبة جديدة، 23/1/2023، أنظر
الرابط، https://cutt.us/BeXeY
[8] اعتمدت من قبل جمعية
الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها الأولى المنعقدة في نيويورك خلال الفترة من 3 إلى 10 أيلول/سبتمبر
2002
[9] نظام روما الاساسي، مرجع
سابق.
[11] الحنفي، محمود، خلال
ندوة قانونية: هدم منازل المقدسيين سياسة إسرائيلية ممنهجة تخالف قواعد القانون الدولي
الإنساني، انظر الرابط، https://cutt.us/PBHsS