مرضى الثلاسيميا في مخيم برج الشمالي
تحديات هائلة وفرص محدودة
آذار 2011
لتحميل الدراسة كاملة
أن يعرف مخيم فلسطيني باسم مرض الثلاسيميا فهذا يعني ان انتشار المرض ظاهرة واضحة للعيان، وليس حالات فردية هنا وهناك. ومخيم برج الشمالي يعرف باسم مخيم مرضى الثلاسيميا. تحاول هذه الدراسة التي أصدرتها شاهد بالتعاون مع جمعية الشفاء للخدمات الإنسانية والطبية أن تبحث في جذور أمراض الدم وأسباب انتشاره، والتحديات التي تواجه الناس المصابين به، كما تحاول أن تبحث بعمق عن الجهات التي تحاول مساعدة هؤلاء الناس، نوعية المساعدة، قيمة المساعدة، شكل المساعدة. كما تحاول الدراسة أن تتعرف على مسؤولية الأونروا كونها الجهة الرعائية الرئيسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، أضف إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعيات المجتمع المدني الأخرى والجهات الرسمية اللبنانية. كما تحاول أن تجيب عن سؤال لماذا ينتشر هذا المرض بالتحديد في مخيم برج الشمالي؟!
تعتبر الصحة هي من أهم حقوق الإنسان كونها ترتبط بالحق في الحياة، وظروف المصابين بهذا المرض تزداد سوءاً مع مرور الأيام، كما يُلاحظ تراجعاً من قبل الجهات التي تقدم الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى.
تحاول هذه الدراسة، التي تقع في 48 صفحة، والتي تضمنت قائمة بأسماء المصابين الـ113 بمرض الدم، أن تجيب عن أسئلة كبيرة لها علاقة بكيفية مساعدة هؤلاء الناس، وتعتقد شاهد أن المساعدة تبدأ من التعرف على واقع وظروف هؤلاء المصابين، والبيئة الصحية، والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها سكان مخيم برج الشمالي. فلا يكفي أن نقول أن مخيم برج الشمالي هو مخيم الثلاسيميا وأمراض الدم الأخرى، ولا يكفي أن نشير إلى عدد المصابين فقط، بل لا بد من الخوض بمهنية وعلمية عالية حول ظروفهم هذه.
جال الباحثون في مختلف أحياء المخيم الممتد على مساحة جغرافية لا تتجاوز كيلو متر مربع واحد، وأجروا 113 مقابلة ميدانية مطولة مع المصابين بأمراض الدم بخاصة مرض الثلاسيميا الأولى والثانية، وأمراض المنجللي خلال فترة زمنية امتدت من أيار/مايو 2010 وحتى تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه.
انقسمت الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية هي:
-
الإطار النظري لمرض الثلاسيميا وواقع مخيم برج الشمالي.
-
قراءة هادئة في نتائج المقابلات التي جرت مع 113 مصاباً بهذا المرض.
-
الاطلاع على رأي الجهات المسؤولة لا سيما الأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والمجتمع المدني في مخيم برج الشمالي.
لا يمكن الجزم بأن الدراسة استطاعت أن تجري مسحاً شاملا للمصابين بأمراض الدم لا سيما مرض الثلاسيميا وفقر المنجلي، ولا يمكن القول أن الدراسة استطاعت أن تعطي شرحاً تفصيليا عن ظاهرة مرض الثلاسيميا والمنجلي، لكن يمكن القول أن الباحثين حاولوا الوصول إلى ذلك، إن البحث في القضايا الإنسانية وحقوق الإنسان تتطلب أعلى درجات من الموضوعية والمهنية.
تأتي هذه الدراسة نتائج جهد مشترك مع جمعية الشفاء للخدمات الطبية والإنسانية، وهو المشروع المشترك الثاني بعد الدراسة الشاملة عن الواقع الصحي للاجئين الفلسطينيين لبنان. إن التكامل بين الجمعيات الأهلية في الوسط الفلسطيني أمر ضروري وبخاصة إن كانت الفئة المستهدفة لعملها واحداً.
نتائج الدراسة:
بدأت الدراسة بتعريف أمراض الدم بالقول "إن الوظيفة الرئيسية لكريات الدم الحمراء هي نقل الأوكسيجين من الرئة إلى كافة أعضاء الجسم يتم ذلك باستخدام بروتين الهيموغلوبين، والهيموغلوبين يتكون من جزئين اثنين ألفا وبيتا، وإن أي خلل يحدث في عملية تصنيع هذين الجزئين يؤدى إلى المرض. وغالبا ما تكون هذه الأمراض أمراضاً وراثية. ومن هذه الأمراض الثلاسيميا ومرض فقر الدم المنجلي. "كما تضمنت تفاصيل أخرى كثيرة عن هذا المرض".
وفق الدراسة الميدانية، استطاع الباحثون تحديد 113 حالة مرضية لها علاقة بأمراض الدم لاسيما مرض الثلاسيميا 50 حالة وفقر الدم المنجلي 63 حالة.. ويعتبر هذا العدد مرتفع جداً، إذا ما قورن بأعداد المصابين بمرض الثلاسيميا على مختلف أراضي الجمهورية اللبنانية والذين يقدرون وفق تقديرات مركز الرعاية الدائمة بحوالي 700 شخص. وقد توزعت أعداد المصابين بهذا المرض بمختلف أنواعه في مختلف أحياء المخيم خصوصا الأحياء المكتظة بالسكان لاسيما الأحياء الشرقية للمخيم، حي المؤسسة وحي الشواهنة وحي ملجأ الحولة تحديداً. اعتمد الباحثون في الوصول إلى تحديد هذه الحالات المرضية على تقارير مرضية قدمها المرضى أنفسهم، كما اعتمدوا على الملفات الطبية لبعضهم من قبل الأونروا، ومركز بيت أطفال الصمود. وقد تأكد للباحثين صحة ما أورده المرضى في إفادتهم من خلال أعراض المرض، ومن خلال المراكز الصحية التي يلجأون إليها.
وأظهرت الدراسة أن نسبة الذكور المصابين بمرض الثلاسيميا أو مرض فقر الدم المنجلي أكثر من نسبة الإناث، حيث بلغت نسبة الذكور المصابين بـ 54% في حين بلغت نسبة الإناث 46%، وهو رقم متقارب نسبياً.
التوزيع العمري للمصابين بالمرض:
تظهر الدراسة أرقاماً مقلقة بالنسبة للتوزيع العمري، فالنسبة الأكبر من المصابين بمرض الثلاسيما أو المنجلي هم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وتسع سنوات، حيث بلغت نسبتهم 38.9%، والذين تترواح أعمارهم بين عشر سنوات وتسعة عشر سنة، بلغت نسبتهم 24.8%، بمعنى آخر فإن أكثر من 50% من المصابين بأمراض الثلاسيميا والمنجلي هم من الأطفال. وقد بلغت نسبة الذين تترواح أعمارهم بين عشرين وثلاثين عاما 10.6%، أما الذين تتراح أعمارهم بين ثلاثين عاما وتسع وثلاثين عاما 14.2% وهكذا. ويعيش سكان مخيم برج الشمالي في ظروف اقتصادية سيئة، ينعكس هذا الأمر على المصابين بمرض الثلاسيميا أو المنجلي، حيث يعيش 87.6% من المصابين على دخل اقل من 300 دولار، أما الذين يعشون بدخل يتراوح بين 300-500 دولار فيبلغون 9.7%، ولا يلتقي دخل معظم المصابين بهذا المرض مع الحد الأدنى للأجور في لبنان، وهو 550000 ليرة لبنانية. وبالتأكيد فإن الدخل لايكفي لتغطية تكاليف العلاج لهذا المرض.
حقائق مقلقة حول الفحص ما قبل الزواج
إن أبرز النتائج المقلقة تمثلت بسؤال المصابين فيما إذا كان الأبوان خضعا للفحص قبل الزواج، كان الجواب 25.7% لا، أما الذين أجروا فحوصات قبل الزواج فقد بلغت 74.3%. والسؤال المرتبط هنا، ما فائدة فحص ما قبل الزواج إذا لم يغير من خطورة انتقال المرض إلى الأولاد، وهل توقف الأبوين عند نصيحة الطبيب، أو أنصتوا إلى أي توعية صحية بهذا الخصوص، أو هل كانت هناك توعية صحية أساسا؟ وهناك سؤال مرتبط أيضا بالفحوصات الطبية ما قبل الزواج، هل أن الجميع يُجري فحوصات طبية قبل الزواج بشكل صحيح ووفق الإجراءات الصحية اللبنانية اللازمة؟
بينت نتائج الدراسة أهمية الطب الوقائي والتوعية الصحية التي من الممكن أن تخفض نسبة المصابين به إلى أقل معدل ممكن.
برامج التوعية الصحية غير كافية:
تعتبر التوعية الصحية من أهم أنواع العلاج الوقائي، ولكن ومع ذلك فقد أفاد 73.5% من المصابين بهذا المرض أنهم لا يخضعون لبرامج التوعية الصحية. قد يعود ذلك إلى غياب المراكز الصحية التي تنشر التوعية الصحية، أو قد يعود لعدم اقتناع المريض نفسه بأهمية التوعية، أو قد تكون أسباب نفسية واجتماعية لدى المصاب نفسه. وهذا يلقي بمسؤولية مشتركة على المراكز الصحية كي تبحث عن وسائل غير نمطية للتوعية الصحية، وكذلك يلقي بمسؤولية على المصابين أنفسهم أو ذويهم. وبحسب نتائج الدراسة فإن الجمعيات الأهلية تقوم بالعبء الأكبر في التوعية حيث بلغت نسبتهم 14.2%، أما مؤسسة الهلال أو الأونروا فقد بلغت نسبتهم مجتمعين 5.3%.
لقاءات مع الجهات المسؤولة:
تضمنت الدراسة خلاصة سلسلة لقاءات ذات صلة بالموضوع، حيث قال السيد محمود جمعة مسؤول بيت أطفال الصمود في مخيم برج الشمالي "إن عامل الوراثة واتساع ظاهرة زواج الأقارب، فضلاً عن غياب الوعي الصحي، يقف وراء استفحال هذه الظاهرة في المخيم. وكذلك الفقر وعدم توفر الغذاء والتدفئة في الأيام الباردة، كلها عوامل تسرّع من إضعاف جهاز المناعة، مما يضطر إلى دخول المستشفى، وتركيب وحدات دم جديدة.
من جهتها قالت المسؤولة الطبية في الأونروا الدكتورة سهى خليل "إن الأونروا غير قادرة من ناحية توفير وتقديم الأدوية الشهرية للمصابين بسبب ارتفاع تكلفة هذه الأدوية، وعدم توافر الموارد المالية لدى الأونروا لشرائها، إن كل الذي تستطيع الاونروا تقديمه في الظروف الحالية هو تغطية فاتورة الاستشفاء للمرضى الذين يدخلون المستشفيات لتركيب وحدات دم وفلاتر فقط. أما بالنسبة لحالات فقر الدم الغذائي، والذي يشمل نقص الحديد في الجسم عند الكثير من النساء الحوامل والأطفال والمسنين، فإن الأونروا تقوم من جانبها بتأمين الأدوية الغنية بالحديد لجميع الفئات العمرية دون استثناء".
أما الدكتور محمد عثمان مدير جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني فقال "إن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تعاني من مشاكل مالية وعجز وليس لديها الإمكانية لتوفير العلاج والأدوية لهذه الشريحة من المصابين، وأن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني قد حوّلت معظم مستوصفاتها المنتشرة في المخيمات الفلسطينية إلى مراكز للصحة المجتمعية.
إلى ماذا خلصت الدراسة وما هي أهم توصياتها؟
إن ظاهرة مرض الثلاسيميا ومرض فقر الدم المنجلي في مخيم برج الشمالي تستحق الاهتمام. هذا الاهتمام ينبغي أن يعتمد على الأسس الطبية الصحيحة، وعلى مبدأ التكامل بين السكان، والأونروا والمراكز الصحية والاجتماعية الأخرى. كما أن تعديل الظروف المنشئة لهذا المرض سواء كان لجهة الوعي الصحي، أو لجهة الأوضاع السكنية، أو لجهة تحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أمر لامناص منه، لأن الخطوات اللاحقة بعد ذلك سوف تصبح ناقصة وجزئية، ولن تعالج المشكلة، وعندها سوف نكون أمام عدد إضافي من المصابين بهذا المرض.
ومهما تكن الظروف المنشئة لهذا لمرض لا بد من أخذ التوصيات الآتية بعين الاعتبار:
-
إجراء الفحوصات الطبية اللازمة وبخاصة فحوصات ما قبل الزواج، والالتزام بما يقرره الطبيب.
-
إنشاء بنك للدم يساعد المصابين بهذا المرض، وبخاصة الذين يحتاجون إلى تغيير دمهم بين فترة وأخرى.
-
البحث بجدية عن تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج المرضى.
-
متابعة اللقاحات للمرضى وبخاصة الذين استأصلوا الطحال.
-
تفعيل نشر الوعي بين سكان المخيم حول أسباب انتشار المرض، وأعراضه ومخاطر انتقاله، للحد منه، كونه مرض وراثي في الغالب أكثر منه عارض أو معدٍ.
بيروت في 2/3/2011
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)