دراسة ميدانية عن واقع المهندسين الفلسطينيين في لبنان
ملخص تنفيذي
لتحميل الدراسة كاملة
يشكل المهندسون الفلسطينيون في لبنان نموذجاً واضحاً عن مدى التهميش الذي يتعرض له الفلسطينيون في لبنان، ولا تزال القوانين اللبنانية تحول دون تمكين المهندس الفلسطيني من العمل بشكل رسمي ولائق.
مع بداية النقاش "الجاد" حول حقوق الفلسطينيين في لبنان خلال الفترة الماضية، وانتقاله من القمقم إلى قبة البرلمان، تفاءل المهندسون الفلسطينيون بإمكانية السماح لهم بالعمل بشكل قانوني يرعى حقوقهم ويحفظ كرامتهم، هذا التفاؤل سرعان ما تبدد عندما اشتد الجدال وبدا وكأن منح الفلسطينيين في حقوقهم المسجونة في أدراج لجان البرلمان اللبناني، سوف يشعل الحرب الأهلية من جديد أو يقسم لبنان سياسياً أكثر مما هو منقسم، قرع المعترضون على منح الفلسطينيين حقوقهم طبول القلق على مستقبل لبنان والسلم الأهلي. أمام هذا الجو الرهيب تراجعت الآمال، وبات الفلسطينيون مخيرين بين الحقوق واستقرار لبنان.
تم اختزال المشاريع الأربعة المقدمة من اللقاء الديموقراطي ومن ثم قوى 14 آذار، إلى تعديل فقرات في قانون العمل وقانون الضمان الإجتماعي تجيز للفلسطيني الحصول على إجازة عمل وتعويض نهاية الخدمة وتعويض طوارئ العمل. وثارت ضجة إعلامية كبيرة مهللة بالتحول النوعي الكبير في النظرة إلى الفلسطينيين في لبنان.
لم يكن ما رافق تعديل هذه الفقرات من صخب إعلامي صحيحاً فالأمور ظلت مبهمة وتحتاج إلى قوانين أخرى كي توضحها، أما المهندس والطبيب والصيدلي الفلسطيني فقد بقي حقه في العمل خارج النقاش. هذه المهن يتم العمل بها بموجب قانون خاص ينظمها، فالقانون الذي ينظم مهنة المهندس في لبنان لم يتم التطرق إليه مطلقاً. تبددت الآمال وضاعت في دهاليز السياسة اللبنانية الضيقة.
أمام هذا الواقع، بات المهندس الفلسطيني أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الهجرة إلى بلد غربي يحترم علمه وكفاءته، فيحصل على جنسية هذا البلد ثم يعود إلى لبنان أو إلى دول الخليج العربي، وإما أن يبقى وضعه على ما هو عليه، ظلم وغبن وتمييز.
والمجتمع الفلسطيني في لبنان بات يفتقد إلى العدد الكافي من الأطباء والمهندسين والصيادلة.. وباتت هذه المهن في المخيمات الفلسطينية وكأنها سلعة نادرة. أي مجتمع يمكن أن تقوم له قائمة من دون توفر النخب المثقفة والفاعلة والمنتجة؟
هناك عزوف عن دراسة هذه المهن الحرة ابتداء، بسبب التكاليف المالية الباهظة، وهناك هجرة واضحة لهذه النخب لأن الدول الأوروبية أو الأميركية ترحب بهجرة الأدمغة الفلسطينية. فأي حفاظ على حق العودة إذن؟ منع التوطين بالطريقة اللبنانية يعني بشكل تلقائي التهجير القسري، يعني تشتيت الفلسطينيين مرة ثانية وثالثة ورابعة، فكيف يمكن قبول أن إهانة المهندس الفلسطيني عبر حرمانه من ممارسة حقه في العمل ومساواته مع أخيه اللبناني، يمكن أن تمنع التوطين؟
الدراسة التي صدرت بالتعاون بين المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد" ورابطة المهندسين الفلسطينيين في لبنان تحاول كشف واقع المهندس الفلسطيني بطريقة علمية موضوعية. والحقائق التي أوردتها الدراسة مذهلة بكل معنى الكلمة.
الدراسة انقسمت إلى ثلاثة أقسام، قسم يبحث في الإطار القانوني لواقع المهندسين الفلسطينيين في لبنان، وقسم يبحث في نتائج الدراسة، وقسم ثالث يعرض ملاحق هامة ذات صلة بالدراسة.
بالنسبة للقسم الأول وهو القسم القانوني، فإن الدراسة تناولت بالتفصيل الواقع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان بما فيه الإطار القانوني للمهندسين الفلسطينيين في لبنان مع عرض خيارات قانونية ومقترحات قوانين لتعديل هذا الإطار لكي يتلاءم مع حقوق المهندسين وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان ذات الصلة.
أما القسم الثاني فهو يختصر واقع المهندسين الفلسطينيين في لبنان من خلال دراسة اعتمدت على عينة عشوائية شملت 93 مهندساً فلسطينياً تمت مقابلتهم، وهم يمثلون 31% من إجمالي عدد المهندسين الفلسطينيين في لبنان والبالغ عددهم حوالي 300 مهندساً. كما اعتمدت الدراسة على مقابلات مع مهندسين لبنانيين. وبالنسبة للاستمارة، فقد تناولت جميع العوامل المؤثرة في واقع المهندس الفلسطيني، بدءاً من القرية التي انحدر منها، إلى التوزيع الجنسي والعمري للمهندسين وكذلك التوزيع السكني. كما شملت العينة أنواع الاختصاصات الهندسية، والدخل الشهري، وتكاليف الدراسة الهندسية، والجامعة التي تخرج منها المهندس، والبيئة الاجتماعية أو السياسية لتوجيه الطلاب الفلسطينيين لدراسة الهندسة.
كما تناولت الاستمارة أسئلة تتعلق بنوع العمل، ومكانه، وما إذا حصل الفلسطيني على وظيفة بسهولة. كما بحثت الاستمارة في وضع نقابة المهندسين في لبنان ومدى صعوبة انضمام الفلسطيني إليها. وتناولت الاستمارة أسئلة عن الواقع الاجتماعي للمهندس وطبيعة عقد العمل. كما ضمت أسئلة تتعلق بحقوق المهندسين الفلسطينيين داخل عملهم وما إذا كانوا يحصلون عليها أم لا. كما شملت الاستمارة أسئلة تتعلق بواقع الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين في لبنان
تبين من خلال العينة أن نسبة 9.7% من المهندسين الفلسطينيين نالوا تقديراً ممتازاً عند تخرجهم، أما نسبة الذي نالوا تقدير جيد جداً فقد بلغت 22.9%، في حين بلغت نسبة الذي حصلوا على تقدير جيد 54.8% مقابل 10.6% لم يحصلوا على تقدير. إن التقدير الذي يناله الطلاب الفلسطينييون في لبنان، سواء كان ممتازاً أو جيداً جداً، يعتبر ميزة يتمتع بها الطلاب الفلسطينيون في لبنان، مع الإشارة إلى أن الميزة هذه بدأت تتراجع في الكم مع مرور السنين بسبب عوامل عديدة.
كما أظهرت الدراسة أن طبيعة العقد بين أرباب العمل والمهندسين الفلسطينيين غير ثابتة على حال واحد. فنسبة 29.16% يعملون بموجب عقد سنوي، ونسبة 29.16% يعملون بموجب عقد شهري، و12.5% يعملون بموجب عقد دائم، و2.08% يعملون بموجب عقد موسمي، في حين بلغت نسبة الذين يعملون من دون عقد 18.48%، أما الذين الذين لم تتوفر عنهم معلومات فقد بلغت نسبتهم 8.3%.
بينت الدراسة أن 47.3% من المهندسين درسوا في جامعات لبنان، أما نسبة 52.7% منهم فقد درسوا في دول عربية أو أجنبية. وقد يعود هذه الفرق إلى الفترة الذهبية التي عاشها الفلسطينيون في الفترات الماضية عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تؤمن منحاً جامعية للدراسة في الخارج.
كما بينت الدراسة أن 50.54% من المهندسين الفلسطينيين يعملون في مجال تخصصهم، أما نسبة 48.39% فإنهم لا يعملون في مجال تخصصهم، وهي نسبة مرتفعة ومقلقة. إن الواقع القانوني للفلسطينيين في لبنان يحول دون تمكينهم من العمل في مهنة الهندسة.
ويؤكد المهندسون الفلسطينيون الذين شملتهم الدراسة أن التمييز يشمل المعاش، والامتيازات، والمستوى الوظيفي، والمعاملة الإدارية، والضمان الإجتماعي. هذا الشعور بالغبن والتمييز له ما يفسره لدى المهندسين الفلسطينيين الذين أكدوا أن المعاش الذي يتقاضونه لا يتناسب مع الجهد والعمل وهذا ما أكده 79.17% من المهندسين العاملين في مجال تخصصهم. وما يزيد الضغط على المهندسين تكاليف الحياة المرتفعة جداً في لبنان لدرجة أن 68.75% من المهندسين الفلسطينيين الذين شملتهم العينة قالوا بأن المعاش لا يكفي لمواجهة تكاليف الحياة في لبنان.
عندما سئل المهندسون الفلسطينيون الذين شملتهم العينة ما إذا كانوا يشعرون بالأمان الوظيفي، أجاب 75% منهم بالنفي، في حين أفاد 25% بأنهم يشعرون بالأمان الوظيفي. هذه النسبة المرتفعة بعدم الشعور بالأمان الوظيفي تجعل المهندس الفلسطيني في حالة قلق وترقب وانتظار لمستقبل مجهول قد يودي به خارج العمل. وعدم الشعور بالأمان الوظيفي جزء من منظومة عامة تجعل الفلسطينيين في لبنان في حالة قلق دائم وخوف على واقعهم ومستقبلهم.
تتعدد المسؤوليات بحسب المهندسين الذين أجرينا معهم مقابلات. فهناك مسؤولية تقع بشكل كبير على الدولة اللبنانية التي لم توفر الأرضية القانونية المناسبة للمهندس، وهناك مسؤولية على الأونروا التي لم تساعد الطالب الفلسطيني بمنح جامعية تخوله دراسة الهندسة إلا في إطار محدود، وهناك مسؤولية على الفصائل الفلسطينية التي لم توجد إطاراً مرجعياً موحداً يساعد المهندسين الفلسطينيين في تجاوز تحدياتهم أو يمنع الحكومات اللبنانية المتعاقبة من المساس بحقوق الإنسان الفلسطيني، وهناك مسؤولية على اتحاد المهندسين الفلسطينيين الذي لم يبلور برنامج عمل يجمع فيه هذه الشريحة الهامة من اللاجئين الفلسطينيين.
إذن هذا هو واقع المهندسين الفلسطينيين، فماذا يفعل الفلسطينيون في لبنان حيال واقعهم، وما هي الطرق التي ينبغي أن يسلكوها لتحصيل حقوقهم؟ ومتى يصحو صانع القرار اللبناني من هاجس الخوف والقلق من الوجود الفلسطيني في لبنان؟ وهل هذا القلق والخوف مشروع ومقبول ومنطقي؟
ثمة مسؤولية كبيرة على المرجعية الفلسطينية في لبنان، فضعفها شجّع الحكومات اللبنانية المتعاقبة على التعامل مع الفلسطينيين بهذه الطريقة. البعد الديمقراطي لهذه المرجعية يعتبر معياراً هاماً في فعاليتها، لا ينبغي أن يتحول الفلسطينيون في لبنان من شعب ثائر منتج إلى شعب يبحث عن فتات حقوق هنا وهناك. ينبغي على المرجعية الفلسطينية أن تحدد الأولويات ومن أولى الأوليات أن تسعى جاهدة كي يعيش الفلسطينيون في لبنان بكرامة تمكنهم من الصمود أمام كل التحديات التي تهدد حقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم.
بيروت، 25/7/2012
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)