حرمان الفلسطيني في لبنان من حقوقه..الطفل هوالمتضرر الأكبر |
حرمان الفلسطيني في لبنان من حقوقه ..الطفل هو المتضرر الأكبر بدمعة حرة وبثقة واضحة بالنفس قال اسامة " لا احب ان ارى اهلي يعانون هكذا،
حصار وتضييق وقوانين ظالمة ، كثير من الاطفال ماتوا على أبوب المستشفيات وكثير من الأطفال هم خارج المدراس، لماذا كل هذا.. نريد ان نعيش كما يعيش الناس".. بهذه الكلمات الصادرة من اعماق اسامة والأيقونة التي تختزل كما هائلا من المعاناة يمكن الحديث عن واقع الطفل الفلسطيني في لبنان. يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من ظروف اقتصادية واجتماعية وإنسانية بالغة السوء ويشارك في هذه المعاناة كل من الأمم المتحدة ولبنان كل حسب دوره وموقعه.. كما لا يمكن ان نبرئ ساحة الدول العربية من هذا المعاناة .
واذا كان هذا هو الحال مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فما بالك بالاطفال الذين هم دائما ما يكونون أول الضحايا والحلقة الأضعف. سوف نحاول في هذا التحقيق إبراز الصكوك القانونية الدولية والمحلية التي تعطي اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم ومدى تنفيذ السلطات التنفيذية واحترامها لهذه الحقوق. واذا كان الاصل أن ينظر الى الفلسطيني على انه عربي صاحب قضية جوهرية هي فلسطين يجب احترامه وتقديم كل الدعم له، بعيدا عن قرارات الامم المتحدة والحقوق الممنوحة منها للاجئين الفلسطينيين وبعيدا عن أي حسابات سياسية اخرى. اللاجئون الفلسطينيون في لبنان لاجئون قانونيون نشأت محنتهم ومعاناتهم نتيجة لقرار الامم المتحدة تقسيم فلسطين " قرار الجمعية العام للامم المتحدة 181" والتي كانت آنذاك تحت الاستعمار البريطاني، مما ادى الى خلق دولة "اسرائيل" وطرد السكان الأصليين العرب من وطنهم. ونتيجة لذلك تولى المجتمع الدولي المسؤولية عن قضية اللاجئين منذ نشأتها في عام 1948. وانشأ وكالة سميت وكالة الانروا وارتبطت ولايتها بتنفيذ قرار الجميعة العامة 194 (حق العودة). واللاجئون الفلسطينيون يفتقرون الى آلية الحماية الدولية وعليه فإنهم في وضع ضعيف جدا لان قدرتهم على التمتع بحقوق الفرد تتعارض فيما يبدو مع حقوقهم الوطنية الجماعية وتلغي هذه الحقوق التي اعترف بها المجتمع الدولي.
وينعكس هذا التناقض في اكثر من مجال منها المركز القانوني في لبنان حيث يحرمون من الحصول على الحقوق المدنية والاجتماعية لافتراض ان اعطاءهم هذه الحقوق يعني فرض توطينهم على لبنان حكم الواقع. وغالبا ما تساق القوانين والقرارات تحت هذا المسمى "رفض التوطين". اما فيما خص التشريعات والاجراءات الوطنية باللاجئين الفلسطينيين في لبنان فيمكن اختصاره فيما يلي: في عام 1959 انشأ لبنان مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين (المرسوم 42) والذي تغير اسمها الان لييصبح المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين والتي أنيط بها مجموعة من المهام منها التنسيق مع الانروا في مسائل الاغاثة والمسكن والتعليم والصحة والمسائل الاجتماعية، وصرف وثائق سفر، وتقرير اماكن المخيمات، وتسجيل وقائع الاحوال الشخصية.
وفيما يتعلق ببروتوكول الدار البيضاء لعام 1965 الصادر عن جامعة الدول العربية والذي ينص على إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية وان يعاملوا معاملة مساوية لمعاملة مواطني البلدان العربية والمضيفة فيما عدا الجنسية، وقد صدّق لبنان على هذا البروتكول مع ابداء تحفظات وتعديلات ولكنه لم ينفذه تنفيذا كاملا. ولم يعمل على ملائمة قوانينه مع بروتوكول الدار البيضاء او الاتفاقات الدولية المتعلقة باللاجئين. لهذا السبب ليس للفلسطينيين في لبنان هوية قانونية معرفة بوضوح في النظام التشريعي اللبناني. مما يوقعهم في معظم الأحيان في ظلم القوانين والقرارات اللبنانية. وقد يطول الشرح اذا توقفنا عند فئات اللاجئين الأربعة والتي يعامل كل منها معاملة خاصة. وقد يطول الشرح اكثر واكثر اذا توقفنا عند كل قرار او قانون، او اذا خضنا في تفاصيل الحياة اليومية لهؤلاء اللاجئين. واذا كان الوضع القانون للفلسطيني في لبنان غير واضح فإن هذا يجعله تحت عرضة التمييز والإجحاف.
وسوف نسوق امثلة عديدة على ذلك، منها قانون التملك، قرار رفع زيادة الرسوم 5 أضعاف على الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الوطنية اللبنانية، منع ادخال مواد البناء الى مخيمات الجنوب، قرار منع الفلسطيني من مزاولة اكثر من 72 وظيفة... الحكومة اللبنانية هي المسؤول الاول عن الحقوق المدنية والاقتصادية بينما المسول الاول عن الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والإغاثة هو الامم المتحدة متمثلة بوكالة الانروا. وحتى لا نبتعد عن حقوق الطفل الفلسطيني في لبنان من خلال الاتفاقية الدولية الخاصة بالطفل، فإن تنفيذ لبنان لها سيكون بطيئا جدا نظرا للتعقيدات القانونية التي سبقت الاشارة اليها. ويستدعي للتسريع في تطبيقها الدعوة الى أحداث تغيير نوعي في مواقف السلطات اللبنانية من اللاجئ الفلسطيني ككل. ثم من خلال جعل مبادئ الاتفاقية الخاصة بالطفل من صلب سياسات الانروا العامة.
وينبغي ان تضع آليات لمشاركة الأطفال الفلسطينيين في برامج الانروا وبخاصة في مجال التعليم. بعد الخوض في التعقيدات القانونية وتأثيرها على اللاجئين الفلسطينيين لا بد من تسليط الضوء على بعض المعطيات عن اللاجئين الفلسطينيين:
في 31/12/2000 كان مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان لدى الانروا 380072 نسمة. ويشكلون 11.1% من العدد التقديري لسكان لبنان. يعيش اكثر من 50% من السكان الفلسطينيين حاليا في 12 مخيم تديرها وكالة الانروا. وهي مخيمات مزدحمة تفتقر الى الخدمات الاساسية الكافية كالماء والكهرباء والمرافق الصحية. وتخضع لقيود صارمة على البناء. وينفذ الجيش اللبناني هذه القيود بوضع متاريس على الطرق عند مداخل المخيمات مما يعيق حركة تنقل سكان المخيمات بشكل طبيعي. قدرت الانروا منذ عام 1992 ان 60% من اللاجئين يعيشون تحت مستوى الفقر. وتشكل الأسر التي تعاني حالات ضنك خاصة حوالي10.76% من السكان وتضم نحو 20000 طفل. تقدر نسبة الموظفين بانتظام من مجموع القوة العاملة الفلسطينية في لبنان بنحو 5% فقط منهم 0.16% فقط حاصلون على اذن عمل. ويعمل الباقون لدى الانروا او المنظمات الاهلية او يعملون بانتظام في قطاعات لا تحتاج الى اذن عمل، كالزراعة والبناء. ويعمل هؤلاء بواقع 15 يوما في الشهر في المتوسط ويكسبون دخولا تترواح من 44 الى 58 دولار الشهر. وتقدر نسبة الأطفال الفلسطينيين الذي يعملون وهم يبين سن 7 الى 14 بنحو 2.4% بينما تبلغ نسبة أقرانهم اللبنانيين 1.6%. وتشكل النساء الجانب الاكبر من الفلسطينيين العاطلين عن العمل اذ تترواح نسبتهم بين 80-92% من مجموع النساء البالغات، كما يتبين من إحصاءات الانروا. اذن فإن الطفل الفلسطيني هو المتضرر الاكبر من كل ما سبق.
ويبرز ذلك اكثر من خلال استعراض مجموعة من الحقوق التي تضمنتها الاتفاقية الدولية الخاصة بالطفل والتي يحرم من معظمها الطفل الفلسطيني .
اولا: الحماية والمساعدة الانسانية:
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مستضعفون الى ابعد الحدود كما ان اطفالهم اكثر استضعافا لسبب بسيط انهم لا يتمتعون بأية حماية دولية. وتأتي خدمات الانروا لتمكن الطفل الفلسطيني من التمتع بكثير من الحقوق التي نصت عليها اتفاقية الطفل، الحق في الحياة والبقاء والنمو. الا ان المشكلة الاهم في هذا المجال ان الانروا تعاني من عجز دائم ومزمن في التمويل الذي قوض برامجها العادية في السنوات الأخيرة. وكان من تدابير الانروا التقشفية تقليص عدد المعلمين والأطباء المعينين مما افقد النسبة والتناسب بين العدد المطلوب من المعلمين والأطباء للعدد المطلوب للطلاب والمرضى.
وتؤكد دراسة حديثة شاملة للوضع التعليمي للفلسطينيين في لبنان ان مستويات التعليم آخذة في الانفخاض بخاصة بين النساء والصغار (21% بين الاطفال الذين تترواح اعمارهم بين 7-18 سنة) وينخفض الالتحاق بالمدرسة بسرعة بعد سن 11 عاما خصوصا بين الذكور. ووترواح نسبة الامية بين الاطفال بين 7.7-17.2% وهي نسبة تميل الى الارتفاع دائما.
ثانيا: الحق في الصحة والرعاية الاجتماعية
ادت مستويات الفقر المدقع وأحوال المعيشة غير الصحية ومحدودية الموارد المتاحة للفلسطينيين في لبنان الى محدودية الخدمات المقدمة الى الاطفال المعوقين وتفشي الامراض السارية وارتفاع مستويات التغذية نسبيا. يوجد 2888 معوقا فلسطينيا في لبنان والأسباب الرئيسية للإعاقة هي اسباب خلقية (39.4%) والمرض (35.4%) ويعزى الاسباب المتصلة بالحرب 16.3% من حالات الاعاقة. ويتألف خمس المعوقين 578 من الاطفال الذين تترواح اعمارهم من صفر الى 14 سنة. ولذلك يمكن افتراض ان 25% من المعوقين تترواح أعمارهم من صفر الى 18 سنة.
ولأسباب بيئية نجد نسبة انتشار الامراض المعدية بين الاطفال الفلسطينيين في لبنان مرتفعة وتشمل هذه الأمراض انتشار الالتهابات الصدرية الحادة بسبب ازدحام المساكن وسوء تهويتها. وهناك العديد من الامراض المنتشرة في اوساط اللاجئين الفلسطينيين. وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة اعطاء الفلسطينيين المقيمين في لبنان أذون عمل اسوة بغيرهم من العمال الاجانب لتحسين الوضع الاقتصادي. ولا بد ايضا من التنويه الى ان الوضع البيئي للمخيمات غير صحي اذ يعيش مثلا على بقعة 3 كلم مربع حوالي 70 الف نسمة، كما ان هذه المخيمات نفسها تفتقر الى البنية التحتية الصالحة، وهي تتمدد عاموديا وليس افقيا.
ثالثا: الحقوق المدنية والحريات
يوجد عدد غير محدد من اللاجئين الفلسطينيين غير مسجلين في المديرية العامة للاحوال السياسية واللاجئين (حوالي 15000 نسمة) ، لانهم دخلوا لبنان بعد عام 1956 ولا يحق لهم الحصول على تصريح إقامة واطفالهم في موقف ضعيف جدا لانهم لا يسيتطيعون تسجيل انفسهم كلاجئين فلسطينيين لدى مكتب شؤون الفلسطينيين وليست لديهم شهادات ميلاد او اثبات لجنسيتهم الفلسطينية وبالتالي لا يستطيعون الحصول على خدمات الانروا بصورة رسمية. وليس المتضرر الاكبر من هذا الاجراء اكثر من الاطفال الذين يجب ان يعاملوا على قدم المساواة مع الاطفال الفلسطينيين المسجلين لدى الانروا وبخاصة فيما يتعلق بشهادات الميلاد والحصول على خدمات الانروا. هناك العديد من الحالات المأساوية التي تقشعر لها الابدان نتيجة لفقدان هؤلاء من أي سند قانوني. فكثر هم الاطفال الذين ليس لديهم أي وثيقة، وما يرافق هؤلاء الاطفال من مصاعب في حياتهم المستقبلية من التعليم الى الاستشفاء الى الزواج..
رابعا: التمييز لماذا؟
قانون التملك: صدر مؤخرا قانون التملك ( المرسوم 296) في 3 ايار 2001، يحظر امتلاك العقارات على أي شخص ليست له "جنسية معترف بها" وعلى أي شخص تتناقض ملكيته مع الدستور اللبناني في معارضته للتوطين . ويشكل هذا الاجراء ضربة قاصمة للاسر الفلسطينية التي لا تعيش في المخيمات والتي استثمرت مدخراتها في شراء شقق لحل مشكلة السكن الحادة في مخيمات الانروا. والفلسطينيون الذين سبق ان اشتروا شققا لن يستطيعوا نقل ملكيتها الى اولادهم ( تعطيل حكم الميراث) وسيضطرون الى بيعها للبنانيين ولأشخاص يحملون أي جنسية اخرى غير الجنسية الفلسطينية. والفلسطينيون الذين يدفعون اقساط رهن لعقاراتهم لن تمكنون من استرداد هذه الاقساط. لقد اصاب هذا القانون انسانية الفلسطيني في الصميم، واقل ما يمكن ان يقال عنه بأنه قانون تمييزي من الدرجة الاولى، وقد اضاف ضغطا اخر على اللاجئين وعلى اطفالهم لا سيما في ضوء القيود الصارمة المفروضة على البناء في مخيمات لبنان وخاصة مخيمات الجنوب. وبهذا يصبح الفلسطيني غير قادر على شراء مجرد متر مربع واحد او بناء او ترميم أي حجر في المخيمات.
ويرخي هذا التمييز بذيوله على الطفل الفلسطيني من بين كل القوانين الاخرى لتحرمه من سكن لائق كما يرحمه منع ذويه الفلسطينيين من العمل من تحسين مستوى معيشته وحياته. قرار رفع رسوم الدخول الى الجامعات الوطنية (الرسمية) صدر عن رئاسة الجامعة اللبنانية تعميما يفيد برفع رسوم التسجيل عدة اضعاف 500% عما كانت عليه بالنسبة للأجنبي. ونظرا لأن الصفة القانونية للفلسطيني في لبنان غير واضحة فقد طالت هذه الزيادة الطالب الفلسطيني بشكل مباشر. لقد أصابت الزيادة على الرسوم للاجئين الفلسطينيين (الطلاب منهم) حقهم في التعليم في الصميم فهم الان غير قادرين على المتابعة او الالتحاق بالجامعة اللبنانية وهم غير قادرين أصلا عل الالتحاق بالجامعات الخاصة والتي تفرض رسوم وأقساط مرتفعة قياسا مع الوضع المعيشي للفلسطيني الذي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة جدا. لقد ضرب هذا القانون احلام وامال الأطفال الفلسطينيين الذين رأوا بأم العين كيف ان امال إخوانهم الكبار تحطمت امام القوانين اللبنانية من خلال عدم تمكنهم من اكمال الدراسات الجامعية.
ان الأوضاع الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا تخفى على احد فهي لا تحتاج الى كثير من البحث والتحليل. وجل ما يمكن تلخيصه مما سبق ان الوضع الحالي لا يساعد في التفاعل بشكل حقيقي وفعال مع القضية الفلسطينية. وهناك فلسفة خطيرة في التعامل مع الفلسطينيين في لبنان وهي ان حرمان اللاجئ الفلسطيني من حقوقه والابقاء على معاناته سوف يجعل منه اكثر قربا والتصاقا وعملا لقضيته. وهذه كلمة حق يراد منها باطل، اذ ليس صحيحا هذا الكلام اطلاقا. فاللاجئ الفلسطيني الذي يتمتع بحقوقه ويمارسه حياته يشكل طبعيي هو الذي يخدم قضيته. والطفل الفلسطيني يعيش على امل بالعودة والعمل من اجلها اذا ضمن التعليم والاستشفاء والعمل والتملك. لسان حال أي طفل يقول: العودة اولا وارفض التوطين في لبنان اولا واخرا، فلماذا كل هذا التضييق على حقوقي؟
بيروت في10/10/2002