تجمع المنكوبين للاجئين في لبنان انذار لمدة خمسة أيام قبل هدم خمسين منزلا

تجمع المنكوبين للاجئين في لبنان انذار لمدة خمسة أيام قبل هدم خمسين منزلا

 
يعيش تجمع المنكوبين للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان حالة من الغضب والحيرة ممزوجا بالخوف والقلق والترقب مع توجيه وزارة العمل التابعة للجمهورية اللبنانية (دائرة تنفيذ منطقة المنية ) إنذارا لخمسين منزلا من منازل التجمع بضرورة الإخلاء في مدة أقصاها خمسة أيام من توجيه الإنذار بتاريخ 6/12/ 2005، ولكن بسبب الاتصالات تم تمديد العمل بالإنذار لمدة شهرين دون أي أفق للحل حتى الساعة
 تجمع المنكوبين

يقع التجمع للغرب من مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان ويبعد عن العاصمة اللبنانية بيروت حوالي 75 كيلومترا. وتبلغ مساحته 56 ألف متر مربع. بدأت العائلات بالسكن في التجمع مع بدايات العام 1970 ولكن بشكل بطيء جدا، إذ لم يتجاوز عدد العائلات في ذلك التاريخ العشرة، اضطرت تلك العائلات للسكن في التجمع بسبب الازدحام السكاني في مخيم البداوي، ومع الفوضى التي سببتها الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 عمد العديد من اللاجئين الفلسطينيين وبسبب ارتفاع نسبة السكان في المخيم إلى التمدد إلى خارج الحدود المعترف بها من قبل الأنروا والدولة اللبنانية وبناء المنازل التي هي أقرب إلى الأكواخ على أرض المنكوبين التي يملكها الدكتور عمر البيسار.
 
يعيش في التجمع حاليا حوالي 270 عائلة، أي حوالي 1620 شخصاً، من بينهم 86 عائلة من اللاجئين الفلسطينيين، أي حوالي 516 لاجئاً، تم إحصاؤهم من قبل قسم الشؤون الاجتماعية في الأنروا بتاريخ 18/12/2005، والبقية من اللبنانيين والسوريين. وربما اختيار اللاجئين لاسم "المنكوبين" لإطلاقه على التجمع لم يكن وليد الصدفة، فهو مشتق من اسم " النكبة " التي ينتمي معظم سكان التجمع إليها أولا، وثانيا لأن طبيعة الحياة اليومية التي يعيشها اللاجئون في التجمع والظروف القاسية والصعبة للوضع الصحي والاجتماعي والتربوي والبيئي بشكل عام.. لا تستطيع إلا أن تربطها بمضامين النكبة ومحتواها. مالك الأرض واللاجئون والإنذار لم يتوقف صاحب الأرض عن الطلب إلى الأهالي بضرورة مغادرة المكان، إن من خلال الوساطات والمعارف أو من خلال المحاكم المختصة، وكان قد أقام الدكتور البيسار دعوة على سكان التجمع من خلال وكيله النقيب جان مرعب حرب، في العام 2000 وكان قد ربحها آنذاك
 
 
 وقد صدر قرار بتاريخ 2/6/2000 رقم 261/2000 بضرورة إخلاء 70 عائلة من تجمع المنكوبين، وإلا سيصار إلى هدم السبعين منزلا، ومن بين السبعين يوجد 52 منزلاً للاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي أدى حسب الناطق باسم اللجنة الشعبية لتجمع المنكوبين السيد سرحان احمد خضراوي/ أبو شادي من قرية الحولة قضاء صفد في فلسطين، إلى توكيل المحامي اللبناني "محمد الفاضل" الذي اشترط على كل عائلة أن تدفع مائة دولار تكلفة المرافعة، وحينها وافقت العائلات على ذلك. إلا أن من العائلات من دفع المبلغ كاملا، ومنهم من دفعه بالتقسيط ومنهم من لم يدفعه على الإطلاق بسبب حالة الفقر المدقع الذي تعيشه العائلات، ونجح المحامي في ذلك الوقت الاستئناف وتأخير عملية الهدم حتى إشعار آخر، مقابل الموافقة على تنفيذ شرط صاحب الأرض بأن يقوم السكان بشراء قطعة الأرض بسعر 16 دولاراً للمتر المربع الواحد. إلا أن المحامي توقف عن متابعة القضية بسبب عملية التخلف عن دفع مستحقاته من قبل السكان. إثر ذلك، وجه المحامي رسالة مؤرخة في 2/2/2002 يخاطب فيها 55 عائلة بالنص الحرفي قائلا: "لقد جئت بكتابي هذا أنذركم بوجوب تسديد كامل المبلغ المتبقي لي بذمتكم قبل تاريخ 15/3/2002 علما بأنه عند حلول هذا التاريخ وفي حال لم يتم إيفاء كامل المبلغ فإننا نبلغكم اعتزالنا الوكالة وما دفع سابقا يكون بمثابة مصاريف الدعوى".
 
ومنذ ذلك التاريخ والأمر معلق إلى حين مفاجأة السكان بصدور قرار تحت عنوان "إنذار من دائرة تنفيذ المنية"، التابعة لوزارة العدل في الجمهورية اللبنانية بتاريخ 6/12/2005 يحمل النص الحرفي التالي: "بالاستناد إلى الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في المنية بتاريخ 2/6/2000 رقم 261/2000 المتضمن إزالة التعدي الحاصل على عقارات المنية المنفذة رقم 3074306 و 308 منطقة البداوي العقارية، وعملا بأحكام المادة 838 وما يليها من الأصول المدنية تنذرك هذه الدائرة لإنفاذ المضمون المنوه عنه أعلاه وفقا لمضمونه ودفع المبالغ المحكوم بها وملحقاتها لطالب التنفيذ اختيارا خلال خمسة أيام من تاريخ إبلاغك هذا الإنذار وإلا يصار لإنفاذه جبرا... " وليس هذا فحسب، بل إن الإنذار يلزم جميع من اتخذ القرار بحقهم بالإضافة إلى السرعة في الإخلاء فإنه يتوجب على كل منزل أن يدفع غرامة مالية قدرها مائة ألف ليرة لبنانية أي حوالي 66 دولاراً أمريكياً.
 تداعيات الإنذار مع إبلاغ الأهالي بقرار الإخلاء خرج جميع السكان وبشكل عفوي إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى التجمع وقاموا بحرق الإطارات المطاطية وإغلاق الطريق لفترة من الوقت، وكما يشير أحد السكان إلى أن "الهدف الرئيس من خروجنا وإحراق الإطارات، كان فقط للفت الأنظار إلى وضعنا الإنساني الصعب، وما سيحدث لنا فيما لو تم تنفيذ القرار". لجنة مشتركة لبنانية وفلسطينية إثر توجيه رسالة الإنذار الأخيرة سارع السكان إلى تشكيل لجنة شعبية مؤلفة من خمسة أفراد فلسطينيين ومثلهم لبنانيين لمتابعة الأمر، حيث تم الاتصال بـ "اللجنة اللبنانية لمناصرة الشعب الفلسطيني" وتم عقد لقاء مع النائب اللبناني "مصطفى علوش" الذي بدوره تدخل لوقف الكارثة الإنسانية، حيث تم الاتصال بمحافظ منطقة الشمال وبموجبه تم تأجيل عملية الهدم لمدة شهرين – حسب السيد خضراوي - على أن يبحث موضوع يشكل خطورة أكبر وأهم من السابق، فصاحب الأرض الدكتور عمر البيسار يطالب السكان حاليا إما بأن يتم شراء جميع مساحة قطعة الأرض دفعة واحدة أو أن يتم الدفع نقدا!، وعلى سبيل المثال إذا كان لدى إحدى العائلات النية في الشراء وعائلة أخرى لا تريد فعلى العائلة الأولى أن تشتري مساحة العائلة الثانية.... وإما أن يتم إخلاء قطعة الأرض.
 
وتقوم اللجنة المشتركة حاليا بجولات على المسؤولين والمعنيين والفعاليات لإثارة وتحريك الموضوع. يقول السيد خضراوي: "نحن نقر بأحقية الدكتور بيسار بملكية الأرض، ونحن مع تنفيذ قرار المحكمة اللبنانية بضرورة الإخلاء ولكن، تم بناء هذه المنازل دون رغبة من أصحابها إلا أن الضرورة الإنسانية القصوى هي التي دفعتنا لذلك، ونحن جزء من الفوضى الكبيرة التي اجتاحت البلاد خلال الحرب الأهلية، وتم إيجاد حلول للبعض ونحن كذلك نطالب بإيفائنا حقوقنا، وعلى الأنروا بشكل رئيسي أن توجد لنا البديل المناسب وإلا أين سنذهب بعائلاتنا وأطفالنا ونسائنا وكبار السن بيننا؟
وللحقيقة أقول: لو تم تنفيذ القرار فإن كارثة إنسانية حقيقية ستحدث وسنحمل المسؤولية للأنروا أولا عن أية نتائج محتملة، ثم للمجتمع الدولي الذي يتوقف متفرجا على معاناتنا الإنسانية، ثم لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكل منظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات المعنية في العالم، لأننا اتخذنا قرارا وبشكل جماعي فيما لو تم تنفيذ قرار الهدم بالقوة دون أن يتم وجود الحل المناسب، فسنخرج جميعنا مع عائلاتنا إلى الطرقات وسنقف في وجه الجرافات، وسنستدعي وسائل الإعلام المحلية والفضائية وليكن ما يكون".
 
ولضرورة الأمر وتوثيقه نورد أسماء السكان الذين شملهم القرار، كما جاء مرفقا مع الإنذار وعددهم خمسون: "يوسف الحاج، عبد الغني أحمد المحمد، سهام عبد الحميد، حميدة مثلج، أحمد شرف الدين، عبير علي صديق، كمال محمد المصري، محمد سعيد محمد، عبد القادر خليل، عدنان عبد الحميد، نبيل غمراوي، محمد خضر قمر الدين، صلاح عبد الغني، محمد عبد المعطي، يسرى جميل ذياب، مريم محمد خضير، تيسير الحسين، أثرية عبد الخالق، محمد حسين خضراوي، محمد حسين إسماعيل، حسن بدوي شاهين، محمود مصطفى يعقوبي، نورا خالد مهنا، مشهور خالد أبو علي، فيصل جميل باكير، علي محمد غندور، يحيى رجا السيد، سمير صالح عبد العال، آمنة بديع زيعور، ملكة خالد الأحمد، جمال محمود، رئيفة خليل غزاوي، عبد الرحمن زيدان، آمنة شكري داود، صبحية راشد، ربيحة زكريا، أحمد شرف الدين، ليلى خضر، سليمان علي عاصي، محمد قرفلي، ضحى زيعور، مشهور أبو علي، محمد طالب، محمد نعسان، ندى عنتباوي، سليمة الحسن، بلال سعود، ناجية ملوك، محمد علي طالب، محمد حسن قمر الدين ". ومن بين هذه العائلات يوجد 36 عائلة فلسطينية، وهذه المجموعة من الأسماء تشكل الدفعة الأولى التي ستشملها عملية الهدم على أن يتبعها دفعات أخرى لاحقا.
 البنى التحتية

يفتقر التجمع إلى أبسط المقومات الأساسية للبنى التحتية، من المجاري الصحية، إلى أقنية الصرف الصحي أو تمديدات الكهرباء والماء. جميع أقنية الصرف الصحي لمنازل التجمع عبارة عن حفر أصبحت قديمة تم إنشاؤها تحت غرف المنازل، الأمر الذي يعرض المنازل للروائح الكريهة بالإضافة إلى مخاطر بيئية على المدى الطويل، عدا عن التداعيات الصحية للسكان خاصة في فصل الصيف. ولهذا فإن التجمع يعاني من غياب الرقابة البيئية والصحية إن من خلال " الأنروا " أو الدولة اللبنانية أو المؤسسات الأهلية التي أدت إلى ضعف بنية الصرف الصحي وإهمال صيانة شبكات المياه والمجاري رغم اهترائها مما أدى لاختلاط وتلوث مياه الشرب بالمياه الآسنة، والتي ستؤدي حتما إلى انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة في صفوف السكان وبشكل خاص الأطفال. كما أن غياب الخدمات البلدية أدت إلى انتشار النفايات بين المنازل، وامتلأت الطرقات الضيقة بالحفر وتحولت أزقة التجمع إلى بحيرات صغيرة تتجمع فيها المياه الآسنة ويدخل قسم كبير منها " خصوصا في فصل الشتاء " إلى المنازل.
 يحصل سكان التجمع على مياه الشرب من البئر الذي بنته مؤسسة اليونيسيف في العام 1999 في مخيم البداوي، إذ لم توافق حينها المؤسسة الدولية على عملية إنشاء البئر على أرض غير تابعة لمخيم البداوي، باعتبار أن التجمع غير معترف به من قبل الأنروا أو الدولة اللبنانية. ويتم الحصول على الكهرباء من محولات الكهرباء في منطقة قاديشا، وللمفارقة فإن الدولة اللبنانية تقوم بإجراءات تمديد الكهرباء الرسمية وتركيب " ساعة كهرباء خاصة " مقابل أن يدفع المشترك 300 دولار، وبعد ذلك تدفع فاتورة الكهرباء الشهرية حسب الاستهلاك.... هذا مع العلم بان التجمع لا يستفيد من أية خدمات من الدولة اللبنانية إن كان على صعيد البنى التحتية أو الخدمات الصحية أو التعليمية أو غيرها من الخدمات الإنسانية الضرورية، باستثناء ما قامت به بلدية منطقة البداوي بفرز أحد العاملين بشكل غير رسمي إلى جمع أكياس النفايات من التجمع، والسبب في ذلك يعود كما يقول السكان إلى وجود " مدرسة الكرامة للأيتام " المحاذية للتجمع.
 وطالما أن الدولة اللبنانية لا تتدخل في الشؤون الداخلية للتجمع فتكثر التعديات على شبكات الكهرباء والماء التابعة لمخيم البداوي، بحيث يقوم السكان بتمديد الأسلاك الكهربائية لمسافات طويلة محاولة منهم لتأمين ما يلزم من كهرباء للمنازل التي هي بأمس الحاجة للإنارة والدفء خاصة في فصل الشتاء للتخفيف من حجم الأعباء المالية، ولكن في الأمر ذاته يعرض سكان مخيم البداوي والذي يضم 15.641 لاجئاً حسب إحصاء الأنروا بتاريخ 31/3/2005 وحوالي 20.000 لاجىء على الأرض حسب إحصاء اللجنة الشعبية إلى الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي،الأمر الذي يساهم في زيادة التوتر والمشاكل داخل المخيم والتجمع.
 لا يوجد شيء اسمه مجاري صحية في التجمع، فمياه الجلي والغسيل والتنظيف مع بقايا الأوساخ المتراكمة، جميعها تجد طريقها إلى خارج المنزل لتجد مكانا نهائيا، إما أمام منزل آخر أو زاروب أو طريق ضيق لتتشربها الأتربة، وبالتالي تعرض أطفال التجمع بشكل رئيس إلى مخاطر حقيقية بحيث لا يجدون مكانا للعب سوى تلك الزواريب وتلك الطرقات الضيقة.
 لا يوجد أية علاقة بين طرقات التجمع وبين الإسفلت أو الباطون إن كان من خلال الطريق الجنوبية الشمالية الرئيسية التي تقودك إلى التجمع بواسطة السيارة، حيث برك المياه الآسنة والحفر المتعددة الأحجام والأنواع وما أفرزته الأرض إن على مدار الأيام والسنون أو طبيعة عمل اللاجئين في الخردة، من الحديد والتنك والمسامير وغيرها من الأدوات الحادة التي تشكل خطرا على الحجر والبشر. فجميع طرقات وزواريب التجمع من الأتربة والوحول والنفايات المتراكمة والملتصقة بالأرض تضطر بعض الأهالي بوضع ألواح من الزينكو " التوتياء " أو قطعا من الكرتون أو السجاد البالي أو الحصير ليشكل (جسرا للعبور)بين الزاروب والمنزل.. وما أكثر السقطات التي يتعرض إليها خاصة الأطفال وكبار السن من السكان.
وتزداد المشكلة أكثر إذا علمنا بأن إحدى الطرقات في التجمع يشكل ممرا رئيسيا للمواشي من الأغنام والماعز والتي بدورها تساهم بروثها في عملية تعرض التجمع لمخاطر صحية حقيقية عدا عن الروائح الكريهة بسبب اختلاط الروث في المياه الآسنة.... الوضع التعليمي لا يوجد في التجمع أية مدرسة أو رياض للأطفال أو معاهد أو مراكز تربوية أو ملاعب.. ولهذا يضطر سكان التجمع لإرسال أبنائهم لتلقي علومهم في مدارس الأنروا داخل مخيم البداوي، وتبعد أقرب مدرسة عن التجمع مسافة 500 متر، وتبعد أقرب روضة للأطفال نفس المسافة، تقول الطفلة أحلام هلال 13 سنة من قرية الناعمة قضاء صفد، وهي في الصف الثامن وتدرس في مدرسة الرملة التابعة للانروا في المخيم :
 " البرد قارس في فصل الشتاء وعند ذهابنا إلى المدرسة أو العودة منها فإن الهواء البارد يلفح وجوهنا ونصاب بالمرض بشكل دائم" وكلام أحلام صحيح إذا علمنا بأن التجمع مقابل لجبل " تربل " الذي تكلله الثلوج خلال فصل الشتاء. وتضيف أحلام "نتعرض دائما للانزلاق في الطرقات الموحلة لان المسافة إلى المدرسة بعيدة، وتعرض أخي الصغير يحيى (خمس سنوات) إلى جرح كبير في جبهته بسبب تعرضه للانزلاق خلال ذهابه إلى الروضة في المخيم". الوضع الاجتماعي تبلغ نسبة المدخنين في التجمع أكثر من 90% معظمهم من النساء، ويجمع من تم سؤالهم عن هذه الظاهرة غير العادية مقارنة ببقية التجمعات أو المخيمات على أن السبب يعود إلى القلق والتفكير الدائم، خاصة أنه ليس هناك من حلول مرضية عن التجمع أو الوضع الفلسطيني العام.. وعند سؤالنا أن هذه الآفة عدا عن النتائج الصحية الخطيرة الناتجة عنها فإن تكلفتها المالية مرتفعة مقارنة بحجم الاستهلاك وإذا كان هناك من حالة فقر مدقع فمن أين لسكان التجمع بمصاريف التدخين الباهضة ؟ الإجابة كانت بأن المعظم يحصل على علب الدخان من خلال الاستدانة من المحال التجارية والتي يتم تسديدها على المدى الطويل...!

تكثر المشاكل والشجارات اليومية بين السكان وعلى أبسط الأسباب (نشر الغسيل، رمي النفايات، الشبابيك المفتوحة والمطلة على الجيران، شجار الأطفال...) وهذا شيء طبيعي في تجمع فيه ما فيه من الازدحام السكاني وتفشي حالات الفقر والبطالة، وهذا ينطبق على أي تجمع سكاني في العالم فما بالك إذا أضفنا إليه حالة اللجوء والوضع غير المستقر والخوف من المستقبل !؟..
دكان في المنزل لا يوجد أية مساحة إضافية لاقتطاعها وتحويلها إلى (محل) خاص لبيع ما تيسر من الخبز وبعض السكاكر والحلويات والأشياء الضرورية المنزلية، هذا هو حال الحاجة "هيلة محمد خضراوي" من قرية الناعمة قضاء مدينة صفد في فلسطين التي اضطرت لاقتطاع جزء من الغرفة التي تنام فيها مع عائلتها المكونة من سبعة أنفار لكي تساعد في الإنفاق على العائلة بعد وفاة الزوج، أبناؤها سليمان وهشام يعملان في الخردة وقد أحضرا من سوق الخردة بعض الألواح الحديدية بطول متر وعرض "50 سم" وتم تثبيتهما في جدار المنزل فوق بعضهما ووضع محتويات (الدكان) عليهما، تقول: " خرجت من فلسطين وأنا طفلة في السادسة من عمري، ولم أكبر إلا وحكايات فلسطين في عقلي وقلبي، فلم يكن والدي يتوقف عن الحديث عن قريتنا في فلسطين وبأننا سنعود إليها عاجلا أم آجلا، وكل يوم تزداد قناعتي بأن السبب الرئيس الذي أوصلنا إلى هذه الحالة من الفقر وعدم الاستقرار هو العدو الصهيوني، ولا نريد شيئا من هذه الدنيا سوى حقوقنا بالعودة وأن نعيد بناء منازلنا من جديد، وننعم بوطن مثل بقية البشر ". يقول السيد محمد يعقوب الفرج / أبو عماد من عرب الزبيد قضاء صفد : "لديه من الأولاد ثمانية سكنت التجمع في العام 1980 لأني لم أجد أي مكان آخر ألجأ إليه فمخيم البداوي مكتظ بالسكان ولا يوجد أية أماكن متيسرة، وحتى لو وجد المكان فلا يوجد إمكانية لشراء مكان بسبب حالة الفقر التي نعيشها فمدخولي من خلال هذه الدكان المتواضعة لا يكفي لسد حاجات الأولاد ولهذا فإنني أعمل أحيانا في جمع الخردة".

دور المؤسسات الأهلية
 
 لا يوجد أية خدمات تقدمها المؤسسات الأهلية للتجمع إن كان المحلية الفلسطينية أو الدولية، وبالتالي يفتقر التجمع إلى المستوصفات الطبية ورياض الأطفال والمدارس والأندية الثقافية والاجتماعية، ودور العبادة، وليس هناك أية تحركات أو دور لدى أي من الجهات المعنية في عملية الاهتمام والتأهيل والتنمية، الأمر الذي يرفع من مستوى وحجم المخاطر المحدقة بالتجمع على المدى الطويل، وليس هناك من أي تدخل من أي من المؤسسات الإنسانية والاجتماعية، أو منظمة التحرير... للعمل على التدخل لوقف تنفيذ قرار الهدم. ويشير السيد"أبو خالد" مسئول اللجنة الشعبية لمخيم البداوي:
 "إن اللجنة تتابع بشكل دائم ما يجري في تجمع المنكوبين وتسعى بكل الوسائل المتاحة لحل المشكلة بالطريقة التي تضمن حق مالك الأرض وحق السكان، ولهذه الغاية نحن نتحرك بالتنسيق مع لجنة التجمع ونقدم كل ما هو ضروري". المهن التي يمارسها سكان التجمع تقدر نسبة البطالة في التجمع بما يزيد عن 70% أما البقية الباقية فإن 90% منهم يعمل في جمع الخردة، ويصل الأمر إلى قطع مسافة 70 كيلومتراً ذهابا وإيابا للعمل في الخردة، كما هو الحال مع السيد" يوسف عبد الرحيم هلال " أبو العبد" من قرية الناعمة قضاء صفد، لديه أربعة صبيان وبنت واحدة، يضطر يوميا للذهاب إلى منطقة " حماة " اللبنانية لجمع الخردة وعرضها للبيع في سوق الأحد في مدينة طرابلس، حيث يشكل السوق مصدر رزق لكثير من العائلات الفقيرة من التجمع وخارج التجمع من مخيم البداوي.
 حتى إن جمع الخردة من الأماكن المخصصة لجمع النفايات تخضع لقوانين خاصة، بحيث يتحكم المشرف على مكب النفايات بالعمولة، فعلى كل من يرغب بالبحث عن الخردة في تلك الأماكن أن يرضي المشرف بوسائل مختلفة. لا غنى عن تلك المهنة بالنسبة ليوسف وغيره من السكان. ولهذا تجد أن هناك مساحة قد خصصت ولا استغناء عنها داخل المنزل لتجميع الخردة المتراكمة والمتنوعة، التي أحيانا تشكل مصدر إزعاج ونفور وتأفف من أصحاب المنزل وخاصة الأم والأولاد، إن بسبب كثرتها وتداخلها مع حاجيات المنزل، أو بسبب خطورتها فهي أحيانا من الأدوات الحادة من التنك أو الحديد والنحاس وغيرها...ولكنها حينا آخر تشكل مصدر سعادة ورضى، مع العثور على لعبة للأطفال أو قطعة أخرى ذات قيمة ومنفعة..
 دور الأنروا ومطالب اللاجئين
 ما قامت به الأنروا حتى الساعة هو زيارة التجمع من قبل قسم الشؤون الاجتماعية في مخيم البداوي بتاريخ 18/12/2005 وتسجيل اللاجئين الفلسطينيين الذي بلغ عددهم (86 عائلة) من بينهم (16 عائلة) من فئة غير المسجلين من اللاجئين، على أن يصار إلى متابعة الأمر والنظر في حلول متوقعة، واللاجؤون يعولون كثيرا على هذه الزيارة كون الأنروا هي المسؤول المباشر عن اللاجئين الفلسطينيين من الناحية الصحية والتعليمية والإغاثية إلى حين عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم في فلسطين، وإلى حين تحقيق العودة، فإن اللاجئين في التجمع يتطلعون، كما يشير الناطق الرسمي باسم التجمع السيد" سرحان خضراوي " إلى بناء مساكن جديدة للاجئين كحل عملي وواقعي، إذ أن الأنروا لها تجارب سابقة في هذا المجال، فقد قامت ببناء تجمع سكني في مخيم شاتيلا للاجئين المهجرين من مخيمي تل الزعتر والنبطية، وحلت بذلك مشكلة العديد من العائلات التي كانت تسكن الفنادق اللبنانية والكراجات والساحات العامة، وأيضا قامت ببناء تجمع سكني آخر قريب من مخيم عين الحلوة للاجئين، وحلت بذلك مشكلة عدد من العائلات المهجرة التي كانت تقيم في بعض مباني مدينة صيدا..". أمام السكان الآن شهران لإيجاد الحل المناسب قبل الإخلاء، مضى منهما إلى الآن شهر دون أن يكون هناك جديد يلوح في الأفق. ترى هل تتدخل الأنروا وبشكل سريع لتدارك المشكلة قبل حدوثها؟ أوهل تقوم المؤسسات المعنية بمتابعتها؟ أم أن الكارثة ستقع فعليا بتنفيذ قرار الهدم أم أن هناك حلولاً أخرى ستظهر؟! هذا ما سنعرفه بعد انتهاء المدة المذكورة..
 
علي هويدي
مندوب مركز العودة الفلسطيني في لبنان
                                                                       مجلة العودة - كانون الثاني