الهجمات الإسرائيلية العشوائية تتسبب باستشهاد مئات المدنيين وتخلق أزمة نزوح لمئات الآلاف ودعوة لتدخل دولي عاجل

في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة والمتواصلة والتي بدأت صباح الثالث والعشرين من أيلول الجاري، والتي طالت بشكل مباشر قرى وبلدات جنوبية وبقاعية أُجبر مئات الآلاف قسراً على النزوح. هذا النزوح الجماعي غير المسبوق تسبب في معاناة كبيرة للمدنيين، لا سيما الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

وقد استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية المنازل السكنية والبنية التحتية المدنية وطرق النقل، مما أدى إلى دمار واسع النطاق وخسائر في الأرواح. وبحسب وزارة الصحة فقد بلغ عدد الشهداء حتى مساء الـ 23/9/2024 بلغ 558 شهيدا من بينهم 50 طفلاً و94 امرأة أما عدد الجرحى فقد بلغ 1835 جريحًا. كما تم استهداف سيارات الإسعاف والدفاع المدني حيث سقط 4 شهداء من المسعفين كما استهدفت 14 سيارة إسعاف أو إطفاء، في حين أصيب 16 مسعفاً[1].

جولة ميدانية تكشف حجم معاناة النازحين وسط نقص الإمدادات والخدمات الطبية:

استجابةً لهذا النزوح الجماعي، قامت السلطات اللبنانية بفتح المدارس والجامعات لإيواء النازحين. كما فتحت العائلات اللبنانية أبواب منازلها في الشمال وجبل لبنان وبيروت والبقاع لاستقبال الفارين من القصف العنيف.

ومع ذلك، فإن الأوضاع لا تزال صعبة. وحتى كتابة هذا التقرير تشهد الطرق المؤدية إلى بيروت والمناطق الداخلية اختناقات مرورية هائلة، واضطر النازحون لقضاء عشر ساعات على الطرقات المزدحمة لعبور مسافة بطول 80 كلم، مع نقص حاد في الوقود والغذاء والإمدادات الأساسية. وقد تجلت الآثار النفسية على الأطفال الخائفين وكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة.

وخلال جولة ميدانية قامت بها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) على بعض مراكز الإيواء في منطقة صيدا، فقد تم رصد الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون، حيث وجدنا العديد من الأطفال الرضع وكبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية طبية خاصة، لكنهم عالقون في مراكز إيواء مزدحمة تفتقر إلى الخدمات الطبية اللازمة. بالإضافة إلى ذلك فقد لجأ عدد كبير من النازحين إلى أقاربهم في مناطق مختلفة من صيدا وحتى شمال لبنان. ولم يتكشف حجم المعاناة بعد لإن عمليات النزوح مستمرة. وقد استجاب عدد من المؤسسات الإنسانية المحلية للوضع الإنساني وتم تقديم مساعدات أولية. لكن الأزمة أعمق بكثير وتتطلب تدخلاً دولياً واسع النطاق على مستويين: المستوى الأولى الضغط على إسرائيل لوقف هذا العدوان وعلى المستوى الثاني تدفق المساعدات الدولية الأممية وكذلك دعم مؤسسات الدولة اللبنانية ومؤسسات المجتمع المدني.

الأونروا ومراكز إيواء النازحين:

قامت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي منظمة معنية بتقديم الخدمة الإنسانية لحوالي 250 ألف فلسطيني، بتفعيل استجابتها للأزمة الإنسانية الحالية، حيث فتحت مركزين لإيواء النازحين، أحدهما في مدرسة طوباس بمخيم نهر البارد (شمال)، والآخر في مركز تدريب سبلين (جنوب). ورغم أن هذه المراكز مخصصة بالدرجة الأولى للاجئين الفلسطينيين، إلا أنها تقدم الدعم أيضاً للنازحين اللبنانيين وغيرهم وفقاً للإمكانات المتاحة.

وأكدت الأونروا أنها قد خَزّنت مسبقاً المواد الغذائية وغير الغذائية لدعم النازحين، وتقوم بتقديم الرعاية الصحية في المستشفيات المتعاقدة معها للجرحى المدنيين من اللاجئين الفلسطينيين. كما قدمت المساعدات لبعض البلديات، مثل بلدية الوردانية في إقليم الخروب (جبل لبنان).

استهداف المدنيين عمداً جريمة حرب:

يُعدّ النزوح القسري للمدنيين واستهداف المناطق السكنية خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني. تدعو اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على حماية المدنيين والأعيان المدنية من الاستهداف.

تعتبر الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان، التي أسفرت عن عدد كبير من الضحايا المدنيين والنزوح الجماعي، انتهاكًا للقانون الدولي، وقد تصل إلى مستوى جرائم حرب. وتشمل هذه الانتهاكات، الهجمات العشوائية على المدنيين والممتلكات المدنية مما أدى لسقوط مئات الشهداء و

إن الغارات الإسرائيلية العشوائية المستمرة، والتي تسببت بمقتل مئات المدنيين وتشريد عشرات الآلاف، تتطلب موقفًا حاسمًا من المجتمع الدولي لاحترام القانون الدولي الإنساني وإجبار إسرائيل على عدم استهداف المدنيين والأعيان المدنية. كما تتطلب تدخلاً عاجلاً من مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كون جريمة الحرب تقع ضمن اختصاصه الموضوعي.



[1] لمزيد من التفاصيل انظر في صفحة وزارة الصحة اللبنانية على الرابط التالي: https://shorturl.at/dKOi9