تعود أصول معظم اللاجئين الفلسطينيين، الذين لجؤوا إلى
سورية بعد نكبة فلسطين في سنة 1948، إلى الجزء الشمالي من فلسطين،
وخاصة من صفد وحيفا ويافا. وقد فرّ نحو 100,000 شخص إضافي، بمن فيهم بعض اللاجئين الفلسطينيين،
من مرتفعات الجولان إلى أجزاء أخرى من سورية عندما تمّ احتلال المنطقة من قبل "إسرائيل".
وفرّ بضعة آلاف آخرين إلى سورية من أتون الحرب التي مزقت لبنان في عام 1982. وأنشئت في سورية تسعة مخيمات رسمية للاجئين الفلسطينيين
هي: جرمانا وقبر الست وسبينه ومخيم حمص ودرعا ومخيم درعا (طوارئ) وخان الشيح وحماه
وخان دانون والنيرب، وثلاثة غير رسمية هي، اليرموك واللاذقية وعين التل
[1]
.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في سورية نحو 560,000 لاجئ، وتتركز الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في سورية في العاصمة دمشق
وريفها (نحو 80%).
منذ بداية الأزمة قامت الحكومة السورية بالعمل على قوننة
التواجد الفلسطيني، بما يكفل الحقوق الأساسية لهم من حق العمل وحرية الإقامة
والتنقل، وقد تمّ فتح مجال الإندماج في المجتمع السوري على كافة الأصعدة الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية والثقافية. واستفاد اللاجئون الفلسطينيون في سورية من التشريعات التي أصدرتها الحكومة
السورية، والتي نظمت الوجود الفلسطيني في سورية من الناحية القانونية. فالفلسطيني
اللاجئ في سورية يساوي المواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات ما عدا حقي الترشح
والانتخاب، وهو الأمر الذي سهّل اندماج اللاجئ الفلسطيني في سوق العمل السورية،
وحفز اللاجئين الفلسطينيين في مناحي كثيرة، منها القدرة على التحصيل الدراسي
والأكاديمي
[4]
.
وتكمل خدمات الأونروا الخدمات المقدمة من الحكومة السورية. وفي حين أن الحكومة
السورية تحملت مسؤولية توفير المرافق الأساسية في المخيمات، تقدم الأونروا خدمات
تعليمية وصحية واجتماعية عديدة
[5]
.
بعد أشهر من اللجوء الفلسطيني إلى سورية أصدر رئيس
الجمهورية السورية في ذلك الوقت قراراً بإنشاء "مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين
والعرب"، والتي أصبح من مهامها الرئيسية تنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين،
ومعونتهم، وتأمين مختلف حاجاتهم، وإيجاد الأعمال المناسبة لهم، واقتراح التدابير
الخاصة بإقامتهم، وأوضاعهم في الحاضر والمستقبل.
وبعد أن أنشأت الأمم المتحدة وكالة الأونروا في سنة 1950 لإغاثة وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين في أماكن اللجوء والشتات، وقعت الحكومة السورية اتفاقاً مع الأونروا
كي تمارس عملها في سورية بالتنسيق والتعاون مع الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين.
كما أصدرت السلطات السورية القرارات والمراسيم والقوانين
الخاصة باللاجئين الفلسطينيين لصالح تحسين أحوالهم، ومعاملتهم معاملة إخوتهم من
السوريين مع احتفاظهم بجنسيتهم. ويمكن اعتبار القانون رقم 260 الصادر في 10/7/1956 الأساس الناظم للأوضاع القانونية
للاجئين الفلسطينيين في سورية، وينص على ما يلي: "يعتبر الفلسطينيون المقيمون
في أراضي الجمهورية العربية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلاً في جميع
ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم
مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية".
ويشكل هذا القانون
الأساس للتعامل مع الفلسطينيين من ناحية الحقوق في سورية، وفي التطبيق أعطى القانون
للفلسطينيين الأغلبية الساحقة من الحقوق المدنية التي يمنحها القانون للمواطن السوري،
مثل ممارسة جميع المهن التي يمارسها المواطن السوري من دون تقييد. وبقيت الحقوق السياسية
ممنوعة على الفلسطينيين، ولم يمنحهم القانون السوري الحق في ممارستها، واحتفظوا بجنسيتهم
الفلسطينية. لكن التطبيق القانوني للحقوق المدنية الممنوحة للاجئين الفلسطينيين تمّ
تقييد حقوق التملك التي حصرها في منزل واحد للفلسطيني المتزوج، ويشترط في هذا التملك
أن يحصل على موافقة وزير الداخلية. وفي الإطار نفسه يحق للفلسطينيين الانتساب إلى النقابات
السورية (نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين والمقاولين... الخ)، ويكون للفلسطيني
الواجبات والحقوق ذاتها التي يمتلكها المنتسب السوري لهذه النقابات.
كان المجتمع الفلسطيني
في سورية قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية الداخلية في بدايات سنة 2011، والتي تحولت
إلى ثورة فيما بعد، من أكثر مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في الشرق العربي استقراراً
واندماجاً في مجتمعهم المضيف. فمخيم
اليرموك —على سبيل المثال— بات منذ زمن طويل أكبر تجمع فلسطيني في الشتات على الإطلاق،
يضم بين ثناياه نحو ربع مليون مواطن فلسطيني، بينهم أكثر من 144 ألف شخص مسجل لدى الأونروا. أما
العدد الحقيقي للكتلة السكانية الكلية (فلسطينية وسورية) المقيمة في مخيم اليرموك وحدوده
الإدارية المعروفة فتبلغ نحو مليون نسمة تقريباً، منها فقط نحو 25% من الفلسطينيين،
الذين يتركزون وسط المخيم أو فيما نطلق عليه بـ (لُبِ المخيم) بينما تقيم على حدود
قشرته السميكة نسبياً تلك الكثافة السكانية ذات الأغلبية غير الفلسطينية.
ومع هذا فإن السمة
العامة والصبغة الرئيسية لمخيم اليرموك تبقى سمة وصبغة فلسطينية صرفة، حتى لوتدنت نسبة
الفلسطينيين فيه عن النسبة المعروفة التي تقارب نحو 25% من سكانه ومواطنيه. وتلك السمة
جعلت من شخص رئيس بلدية اليرموك وعموم مجلس إدارتها من الفلسطينيين، ولم يحدث أن ترأس
بلدية اليرموك شخص غير فلسطيني منذ قيام المخيم حتى الآن، بالرغم من تابعية تلك البلدية
لمحافظة دمشق ووزارة الإدارة المحلية.
هذا الواقع سبب تداخلاً سسيولوجياًبين أبناء مخيم اليرموك وإخوانهم من المواطنين السوريين، خصوصاً من القاطنين على
أطراف المخيم، فالتداخل الإجتماعي والجغرافي أوجد نوعاً من الإلفة والتفاعل بين
الجميع وساعد على اتساع حالة المصاهرة والزيجات بين الآلاف من الشبان والشابات
الفلسطينيات ممن اقترنوا بسورية أو سوريين، وكذلك بالنسبة للسوريين.وما ينطبق على مخيم اليرموك
يتكرس في بقية المخيمات الفلسطينية في سورية. كما أسهم هذا التفاعل الإجتماعي في
تعزيز حالة الإنصهار الوطني بين الشعبين الفلسطيني والسوري، فقد قدم الشعب السوري
أعداداً كبيرة من أبنائه شهداء على طريق الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب
الفلسطيني عموماً.
طارق حمود، توجهات اللاجئين الفلسطينيين في سورية
تجاه الأونروا مع مرور ستين عاماً على عملها، موقع تجمع العودة الفلسطيني - واجب، 16/12/2009، انظر: http://www.wajeb.org/index.php?option=com_content&task=view&id=5493&Itemid=333