(موقف قانوني)
ماذا
يقول القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني عن قتل المتظاهرين في
مسيرة العودة الكبرى؟
بيروت-29/5/2018
أولاً: المقدمة
نظمت اللجنة التنسيقية لمسيرة العودة الكبرى (وهي لجنة تضم مؤسسات
حقوقية ومنظمات مجتمع مدني وفصائل وطنية واسلامي) مسيرات سلمية جماهيرية شعبية ، في
الذكرى السنوية الثانية والأربعين ليوم الأرض الفلسطيني، الموافق 30 آذار 2018 ،
بحيث تشمل اللاجئين الفلسطينيين من أماكن لجوئهم. وقد دَعت اللجنة إلى حراكٍ سلمي فلسطيني يبدأ يوم الجُمعة 30 مارس
2018، وتستمر حتى ذكرى النكبة الفلسطينية في 15 أيار 2018[1] ، لتذكير العالم بحق العودة
إلى أرضهم التي هجروا منها، والذي أكدت عليه قرارات دولية عديدة لا سيما القرار194
ولتطبيق الفقرة 11.
شارك حوالي مئتا ألف فلسطيني في خمس مظاهرات كبرى (شرق رفح، وخزاعة في خان
يونس، والبريج في الوسطى، والشجاعية بغزة، وجباليا شمال القطاع) تحولت إلى مخيمات
واعتصامات مفتوحة على مقربة من السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة والأراضي
المحتلة عام 1948، بالاضافة الى تنظيم مظاهرات في أماكن متعددة في الضفة الغربية والاردن
ولبنان شارك فيها آلاف اللاجئين.
واجه جيش الاحتلال الإسرائيلي المسيرات الاحتجاجية التي تنظمها
مسيرة العودة الكبرى بالرصاص الحي حيث ارتقى 115 شهيد وأكثر من 13300ألف جريح في
المسيرات منذ 30 آذار2018 حتى 27 أيار 2018. فماذا يريد الفلسطينيون من مسيرات العودة
الكبرى، وكيف ينظر الاحتلال الاسرائيلي
لها، وما هي نظرة القانون الدولي للمسيرات
السلمية، وأهم ما قالته المنظمات الحقوقية حول أحداث قطاع غزة.
ثانياً: ماذا يريد الفلسطينيون من مسيرات العودة الكبرى:
مسيرة العودة الكبرى هي واحدة من كبرى ملاحم المقاومة الشعبية أو
السلمية عبر تاريخ المقاومة، وسيخلدها تاريخ الشعوب المناضلة والباحثة عن التحرر
والانعتاق في صفحة من صفحات الالتفاف الشعبي العارم والعام نحو فكرة المطالبة
بالحرية والعودة إلى الديار وإنهاء الاحتلال فوق أراضي المعتصمين. لقد انطلقت
مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة في مناسبة "يوم الارض" على مسافة مئات الامتار من الحدود بين القطاع
والاراض الفلسطينية المحتلة، وهي تسعى الى تحقيق العديد من الاهداف كما يقول
المنظمون[2]:
·عودة القضية الفلسطينية وحق العودة للفلسطينيين
إلى أجندة السياسة الإقليمية والدولية.
·إحراج
إسرائيل في الساحة الدولية وتبيان حقيقة الاحتلال من خلال كيفية تعامله مع
المدنيين العزل.
·إعادة طرح موضوع حصار غزة والأزمة ال إنسانية
فيها من جديد على صدارة الاهتمام العالمي.
·وضعالعقبات أمام صفقة القرن للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
·استعادة الطابع الشعبي للصراع الذي يخوضه
الفلسطينيون.
·الحيلولة دون اتخاذ السلطة الفلسطينية مزيدا من
العقوبات على القطاع.
جاء انطلاق مسيرات العودة الكبرى في ظل أجواء سياسية معقدة لا سيما
الحديث المتكرر عن إطلاق الإدارة الأميركية "صفقة القرن" الأميركية ونقل
سفارة واشنطن للقدس المحتلة, وأيضاً في كل ظروف عربية معقدة وفلسطينية غير مواتية،
ومع استمرار حصار قطاع غزة.
ثالثاً النظرة الاسرائيلية لمسيرات العودة:
عززت قوات الاحتلال انتشارها على طول السياج الحدودي العازل مع
قطاع غزة، صباح يوم الجمعة في 30 آذار 2018، تحسبًا لفعاليات مسيرة العودة الكبرى
وهي تفعل ذلك كل مظاهرة يقوم بها
المواطنون في قطاع غزة.
وهددَ وزيرالدفاع الإسرائيلي افيغادور ليبرمان المشاركين في مسيرات
العودة، ودعى الأفراد إلى عدم المشاركة في المسيرات.[3] وأعلن جيش الاحتلال
الإسرائيلي المنطقة المتاخمة لقطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة.[4] في مساءَ يوم السبت أشاد
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالجنود الذين نفذوا عمليات القتل بحق
المتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة.[5]
وعلى الرغم من سلمية المظاهراتتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف
المدنيين الفلسطينيين المشاركين في التظاهرات السلمية على طول الحدود الشرقية
لقطاع غزة، كما واصلت إمعانها في استخدام القوة المفرطة والمميتة، حيث تسببت
عمليات إطلاق النار واستخدام القوة المفرطة والمميتة في مقتل اكثر من 115فلسطينياً خلال مسيرة العودة السلمية على الحدود
الشرقية لقطاع غزة، و 13300إصابة خلفتها استهداف قوات الاحتلال المباشرة
للمتظاهرين السلميين من بينهم 330 اصابة خطيرة حتى 27 أيار 2018.
وعلى إثر هذه الاعتداءات حذر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين "بيير كرينبول"، من خطورة تفاقم الوضع الصحي
والانساني في قطاع غزة، لا سيما مع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية في القطاع. وأكد
كرينبول خلال مؤتمر صحفي أمام مقر "الاونروا" الرئيسي بغزة، أن قطاع غزة
يواجه كارثة صحية وانسانية كبيرة سيكون لها تداعيات لا تحصى على كافة مناحي الحياة
الاساسية في القطاع بفعل استمرار الحصار الإسرائيلي.[6]
رابعاً:
المسيرات السلمية في نظر القانون الدولي:
كفل القانون الدولي
الحق في التظاهر، كما فرض حماية على حرية الرأي والتعبير واعتبرها مصونة بالقانون
الدولي العام وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعتبر من النظام العام في
القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن القواعد الآمرة فيه، فلا يجوز الانتقاص منها أو
الحد منها، كما أنها تعتبر حقوق طبيعية تلتصق بالإنسان، ولا يجوز الاتفاق على
مخالفتها، لأنها قاعدة عامة لذلك فإن قمع المظاهرات جرائم دولية تستوجب المحاكمة. ووفقًا
لقواعد للقانون الدولي الإنساني هناك التزامات قانونية وعرفية تقع على عاتق قوة
الاحتلال، تنظمها بشكل أساسي ثلاثة مواثيق دولية هي:
قواعد لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب
البرية لعام 1907.
اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية
الأشخاص المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة التي تركز على السكان الواقعين تحت
وطأة الحرب.
والبرتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف
الأربعة لعام 1977.
إن السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال لا
يجوز التعرض لهم أو ممارسة العقاب الجماعي عليهم مثل الحصار المفروض على قطاع غزة
أو تعريض حياتهم للاستهداف والخطر، أو استخدام القوة المفرطة بحقهم كما حدث في
مسيرة العودة الكبرى، وهذه الأفعال جرائم وقد ترقى لأن تكون جريمة حرب.
إن استهدافالمدنيين في مسيرات العودة وعدم
التمييز بينهم "كأشخاص محميين" واستخدام القوة المفرطة وغير المشروعة
أمام مسيرة سلمية، يتنافى مع نصوص المادتين 27 و47 من اتفاقية جنيف الرابعة،
والمادة 46 من قواعد لاهاي.
وحاولت السلطات الإسرائيلية ترهيب الفلسطينيين ومنعهم من المشاركة
في فعاليات مسيرة العودة الكبرى، وألقت المروحيات مناشير على مخيمات العودة ونقاط
التجمع تحذرهم فيها من المشاركة في المظاهرة والاقتراب من السياج الحدودي العازل
بالإضافة الى حجز الإحتلال لجثمان شهيدين.
خامساً: رأي المنظمات الحقوقية:
قال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد
للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في منظمة العفو الدولية ان استخدام القوة المفرطة في غزة انتهاك مشين
للقانون الدولي "هذا مثال مروع آخر يستخدم فيه الجيش الإسرائيلي
القوة المفرطة والذخيرة الحية بطريقة تبعث على الأسى التام. فهذا انتهاك للمعايير
الدولية، كما أنه ارتكب، في بعض الحالات، ما يبدو أنه أعمال قتل متعمد، تشكل جرائم
حرب. وكشفت المنظمة النقاب عن أن إسرائيل تنفذ هجمات
مميتة ضد المحتجين الفلسطينيين، حيث تعمد قواتها المسلحة إلى قتل المتظاهرين
والتسبب بإعاقات جسدية لهم، على الرغم من أنهم لا يشكلون أي خطر وشيك على جنودها[7]".
وقالت منظمةهيومن رايتس ووتشإن المسؤولين
الإسرائيليين الكبار الذين طالبوا بشكل غير قانوني باستخدام الذخيرة الحية ضد المظاهرات
الفلسطينية، التي لم تشكل أي تهديد وشيك للحياة أدت الى مقتل واصابة العديد من
المدنيين[8]. كما ذكر "مركز
المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان" (بتسيلم) أن قطاع غزة ليس "ساحة حرب”،
وأن إطلاق النار على المتظاهرين العزل جريمة[9].
ويذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن المساءلة
والمحاسبة هما الضمانة لوقف انتهاكات القانون الدولي ضد المتظاهرين السلميين. بحيثاقترفت قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكات خطرة
وجسيمة، ترتقي لكونها جرائم حرب وفقاً لقواعد القانون الإنساني الدولي، ضد أفراد
المهمات الطبية، ووسائط النقل الطبي والمشافي الميدانية المنتشرة على امتداد
المناطق الحدودية. وبحسب تقرير للمركز
الفلسطيني لحقوق الإنسان أدت هذه الانتهاكات إلى مقتل مسعف، وإصابة 223 فرداً من
أفراد الطواقم الطبية، من بينهم 29 مسعفاً أصيبوا بالرصاص الحي أو نتيجة اصابتهم
مباشرة بقنابل الغاز المسيل للدموع التي أُطلقت تجاههم. كما أدى استهداف أدى استهداف جنود الاحتلال
لوسائط النقل الطبي إلى تضرر 37 سيارة إسعاف، عدا عن استهداف المراكز الطبية
والمشافي الميدانية، وعرقلة العمل في العديد منها.[10]
ويفيد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان
في الأراضي المحتلة بتسيلم أن إطلاق النيران الحيّة على المتظاهرين في غزة يُظهر استهتارًا
مروّعًا بحياة البشر. ويؤكد أن إسرائيل كانت تعرف
مسبقًا عن مظاهرات اليوم وكان لديها متّسع كافٍ من الوقت لإيجاد وسائل لمجابهتها
غير النيران الحيّة. لجوء الجيش مرّة أخرى إلى إطلاق النيران الحيّة اليوم كحلّ
وحيد يطبّقه في الميدان يدلّ على استهتار مروّع بحياة البشر من قبل كبار المسؤولين
السياسيين والعسكريين. تدعو بتسيلم إلى وقف قتل المتظاهرين الفلسطينيين فورًا وإذا
لم يُصدر المسؤولون أوامر كهذه إلى الجنود في الميدان على هؤلاء الجنود رفض
الانصياع لأوامر مخالفة بوضوح للقانون والامتناع عن إطلاق النيران.[11]
سادساً:
التوصيات
بناء على ما تقدم تحمل المؤسسة الفلسطينية لحقوق
الإنسان (شاهد) الاحتلال الإسرائيلي مقتل وجرح آلاف الفلسطينيين وتوصي بالتالي:
·المجتمع الدولي بالعمل على تطبيق القرارات الدولية
المتعلقة بالقضية الفلسطينية لا سيما القرار 194.
·العمل على إرسال لجنة تقصي حقائق دولية للاطلاع
عن كثب عن مجريات الأحداث على الحدود الشرقية لقطاع غزة.
·تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ودعوتها إلى فتح تحقيق في الجرائم
المرتكبة.
·المضي قدما في اللجوء لمحكمة العدل الدولية لطلب
رأياً استشارياً يتعلق بقانونية نقل السفارة الأمريكية إلى الأرض الفلسطينية
المحتلة، في مخالفة للعديد من القرارات الدولية.
بيروت،29/5/2018
المؤسسة الفلسطينية
لحقوق الانسان (شاهد)
/[3] "ليبرمان يهدد
المشاركين في مسيرات العودة". وكالــة معــا الاخبارية. اطلع عليه بتاريخ 31 مارس
2018.
[4] "مسيرة العودة
الكبرى..شهداء ومئات الإصابات في قطاع غزة والضفة". 30 مارس 2018. اطلع عليه بتاريخ
31 مارس 2018.
[5] ^ "نتنياهو يُشيد
بمرتكبي المجزرة في غزة وليبرمان يرفض التحقيق - دنيا الوطن". اطلع عليه بتاريخ
31 مارس 2018.
[9] وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية
"وفا" https://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=FeHEgqa815085076212aFeHEgq
[10] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يصدر اليوم
تقريراً جديداً بعنوان: "الطواقم الطبية الفلسطينية تحت النيران،24/5/2018، انظر
الرابط: http://pchrgaza.org/ar/?p=15502