أزمة انقطاع الأدوية في لبنان تنذر بكارثة مضاعفة
على اللاجئين الفلسطينيين
وتفاقم من معاناة المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة
الواقع الصحي
للاجئين الفلسطينيين في لبنان
يتسم الواقع
الصحي في المخيمات الفلسطينية في لبنان منذ بداية السبعينات حتى يومنا هذا بالمأساوي،
نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المزرية التي يعيشها أبناء
المخيمات الفلسطينية الذين منعوا من العودة إلى الديار التي نفوا منها، ويمنعون
أيضاً من ممارسة حقوقهم الأساسية في الدولة التي لجئوا إليها، فالاحتياجات كبيرة
جداً، ولا تتناسب مع ما تقدمه مختلف الجهات.
أما المنظمات الدولية التي تدعم القطاع الصحي فتبرز في وكالة
الأونروا، منظمة اليونيسف للطفولة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود
وغيرهم من المنظمات الداعمة. والحكومة اللبنانية ليس لها سلطة صحية داخل المخيم
ولا تقدم أي مساعدات طبية لأبناء المخيمات.
واقع المسنين
وأصحاب الأمراض المزمنة
يعتبر كبار السن ركيزة المجتمع وأحد أهم
أعمدة التوازن في النسيج المجتمعي. ويشكل كبار السن (65 عاماً وما فوق) نسبة 5.5%
من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحسب التعداد السكاني للاجئين الفلسطينيين الذي
أجري عام 2017[1].
يعاني كبار
السن في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين من أمراض مزمنة تهدد حياتهم بالخطر، وبالكاد
يتمكنون من تأمين دوائهم واحتياجاتهم الصحية التي يحصلون على معظمها من عيادات
الأونروا التي بدورها قامت بعدة تقليصات طالتهم بشكل كبير.
واستنادا إلى المعطيات الصحية التي نشرتها
الأونروا في دراسة أجرتها مع الجامعة الأمريكية عام 2015[2]، فقد وصلت
نسبة الذين يعانون من مرض مزمن من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى 37%، وأن 21%
يعانون من الانهيار العصبي أو القلق أو الكآبة، والأهم من هذا كله أن 95% من اللاجئين
الفلسطينيين ليس لديهم تأمين صحي، ويعتمدون في استشفائهم على وكالة الأونروا بشكل
حصري.
أما الأمراض المزمنة الأكثر انتشارا التي
يعاني منها اللاجئون فهي ارتفاع ضغط الدم، الربو، السكري، وأمراض القلب والأوعية
الدموية.
أزمة انقطاع الأدوية وتأثيرها على اللاجئين
لا يخفى على أحد أنّ الأزمة الاقتصادية هي
أمّ الأزمات في لبنان، وأنّها أثّرت على قطاعات عدة على رأسها القطاع الصحّي
والدوائي.
تعاني الصيدليات اليوم انقطاعا كبيرا في
الأدوية وبدائلها، وطالت هذه الأزمة صيدليات المستشفيات وخاصة الحكومية منها، وذلك
نتيجة أزمة سعر صرف الدولار الذي أدى إلى خلل في عملية استيراد الأدوية، وتهافت
الناس لتخزين الدواء استباقاً لرفع الدعم والذي في حال اعتمد سيؤدي إلى ارتفاع
الأسعار بحدود 6 أضعاف.
وبالنظر إلى الواقع الصحي المرير للاجئين
الفلسطينيين في لبنان، واستنادا إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يعيشونه،
فإن لهذه الأزمة تأثيرا مضاعفا عليهم.
تعاني الصيدليات في المخيمات الفلسطينية من
نقص حاد في الأدوية، مما ينذر بكارثة صحية خصوصا لأصحاب الأمراض المزمنة. وأدى هذا
الانقطاع إلى خلق حالة من الخوف والقلق بين أوساط اللاجئين، أجبرتهم على الاصطفاف
أمام أبواب الصيدليات في محاولة لشراء الأدوية وتخزينها.
وقد أوضح أصحاب الصيدليات في المخيمات أن
أكثر من 400 صنف من الأدوية مفقود ولا يستطيعون الحصول عليه، منها أدوية السكري،
الضغط، القلب، السيلان، حليب الأطفال، والطعوم ضد الأمراض والأوبئة.
وما يزيد الطين بلة، هو امتناع كثير من تجار
الأدوية عن تسليم الأدوية للصيدليات داخل المخيمات بحجة أنها "غير
مرخصة" من قبل الدولة اللبنانية.
ومن جهة أخرى، فإن انقطاع الأدوية بهذا
الشكل سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها، مما سيحرم نسبة كبيرة من اللاجئين من الحصول
عليها، وذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمادية لدى معظمهم. فالتقديرات
الميدانية تشير إلى أن معدلات الفقر بين أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ارتفعت
إلى حوالي 80% ونسبة البطالة قاربت 65%، في ظل الحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية للاجئين وخصوصاً حق التملك وحق العمل.
المبادرات الشعبية
مع غياب أي حلول ناجحة من قبل منظمة التحرير
الفلسطينية المفترض بأنها الكيان السياسي الجامع للفلسطينيين في أماكن وجودهم،
وكذلك من قبل الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تعلن في كل مناسبة تمثيلها للشعب الفلسطيني،
ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، ظهرت مبادرات فردية من قبل
اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم لإغاثة مجتمعهم. وقد ذهبت بعض هذه المبادرات إلى
المساعدة على تأمين الأدوية والعلاجات لأصحاب الأمراض المزمنة.
هذه المبادرات قد تخفف قليلاً من وطأة الأزمة،
لكنها لا تغني عن حلول جذرية يجب أن تقدم من قبل المسؤولين سواء منظمة التحرير
والفصائل أو وكالة الأونروا.
توصيات
إن الحق في الصحة
والاستشفاء والحصول على الدواء هو حق أساسي من حقوق الإنسان، لا سيما اللاجئين.
وقد كفلت التشريعات والمواثيق الدولية هذه الحقوق وفي مقدمتها "العهد الدولي
الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
انطلاقا من هذه الحقوق،
واستدراكا للكارثة الصحية التي تحيط باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فإن المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تطالب بالتالي:
1.إطلاق
الأونروا نداء استغاثة عاجل وجدّي للمجتمع الدولي للحصول على تمويل خاص يعنى بصحة
اللاجئين الفلسطينيين.
2.الحد من
التقليصات التي تقوم بها الأونروا والتي طالت القطاع الصحي.
3.استدراك منظمة
التحرير الفلسطينية للأزمة الراهنة والعمل على تأمين الدواء للاجئين الفلسطينيين
في لبنان.
4.تنسيق الجهود
بين الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية لتأمين الدواء
للصيدليات داخل المخيمات.
5.تقديم الدعم
التقني للمؤسسات الصحية الفلسطينية من قبل وزارة الصحة اللبنانية وتسهيل حصولها
على التجهيزات الطبية والأدوية من الخارج والتي تقدم غالباً في شكل هبات وتبرعات.
6.تسليم الأدوية
لأصحاب الصيدليات في المخيمات من قبل التجار وعدم التعامل بعنصرية تجاه اللاجئين
الفلسطينيين.
بيروت، 3/2/2021
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)