ما يحتاجه الشعب الفلسطيني
[ 21/12/2011 - 06:55 ص ]
محمد عبيد
ما الذي يحتاجه الشعب الفلسطيني من العالم؟ إنه بالتأكيد أبعد ما يكون عن الحاجة إلى قرار أممي جديد، يعيد فيه العالم والمجتمع الدولي تجريم نفسه مجدداً، والاعتراف بمرارة عجزه عن ردع الكيان ووقف جرائمه المتصاعدة والمنظّمة بحق هذا الشعب الذي لم يجد من المجتمع الدولي إلا الكلام فقط.
قراءة سريعة في نتائج تصويت الدول ال 193 الأعضاء في الأمم المتحدة، على مشروع قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه في دولة مستقلة تعيق "إسرائيل" تحقيقها، ويدين ضمناً بناء جدار الضم والتوسع، تضعنا أمام ترجمة واقعية لهذه الصورة المكرورة.
فمن بين الدول الأعضاء في النادي الأممي 182 دولة صوتت مع مشروع القرار، و7 دول عارضته بينها بالتأكيد الولايات المتحدة التي ترى في أي قرار يشير إلى ربيبتها بإصبع الاتهام، اتهاماً مباشراً لها، ولسياستها المبنية على الانحياز وتبني الرواية والرؤية "الإسرائيليتين"، وتهديداً على أعلى المستويات لوجود هذا الكيان.
في الوقت ذاته، يبدو سلوك المصوّتين بالامتناع أكثر غرابة من المعارضين للقرار، إذ إن مجرد معرفة أن إحدى الدول الثلاث الممتنعة هي أحدث أعضاء المجتمع الدولي ممثلة بجنوب السودان، يضعنا أمام تساؤلات عن مستقبل هذه الدولة التي سلخت نفسها عن العالم العربي، وتفتح الباب مشرعاً أمام بناء علاقات متينة مع "إسرائيل"، لن تقتصر على تطبيع للعلاقات، وزرع ممثليات دبلوماسية للكيان على الأرض العربية.
وعودة إلى السؤال الأساس، ما الذي يحتاجه الفلسطينيون من العالم؟ ما الذي يبحثون عن تحقيقه؟ وماذا يريدون من القوى الدولية الكبرى والمؤثرة؟ إنهم بالتأكيد أبعد ما يكونون عن الحاجة إلى قرار دولي جديد يدين "إسرائيل"، فمثل هذا سلسلة لا متناهية من القرارات والآراء الاستشارية، والتصريحات والإعلانات، التي لم تتجاوز التعبير عن القلق، إزاء احتمال فشل التسوية، على يدي الكيان الذي نسفها من أساساتها، وأعاد بناءها على هوا،ه واستناداً لرؤاه وأطماعه المرة تلو الأخرى، ومن ثم رمى الفلسطينيين باتهامات لا تنتهي محملاً إياهم المسؤولية عن إفشال التسوية.
ما يحتاجه الفلسطينيون يتعدى إمكانات المجتمع الدولي كما هو واضح إذ إنه يتعدى الشجب والإدانة والتنديد والاستنكار، إلى ضرورة إيجاد سبل وآليات عملية، للضغط على الكيان الغارق في سياسات التوسع والسلب والنهب، ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، وإلغاء أية إمكانية مستقبلية لنيله حقه المشروع في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال، وبناء دولة مستقلة أقرتها كما نعرف مجموعة كبيرة جداً من القرارات الدولية.
وأمام هذه الحقائق الواضحة، تبرز "إسرائيل" أمراً واقعاً، وقوة تثبت الحقائق على الأرض، و"تحشر" العالم في زاوية ردود الفعل القاصرة عن تغيير الواقع، بدعم الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغارقة في حب الاحتلال والاستعمار، ولا تتورع عن إثبات تعنتها وصلفها، وارتكاب الجريمة تلو الجريمة في حق الشعب الفلسطيني، وفي المحصلة النهائية، تثبت بالممارسة ألا قيمة لديها ولا لحلفائها لإرادة المجتمع الدولي، والحقوق العالمية للشعب الفلسطيني.
الحقوق الثابتة والتاريخية للشعب الفلسطيني ثابت لا يحتمل التغيير أو السقوط بالتقادم، والنهاية المحتومة لهذا الاحتلال الاستعماري التوسعي لن تكون إلا بنيل الفلسطينيين حقوقهم، سواء كان ذلك عبر الأطر الدولية، وهذا ما تثبت التجربة يوماً بعد يوم أنه بعيد المنال، إن لم نقل إنه مستحيل، أو عن طريق استمرار الفلسطينيين، ومواصلتهم المسيرة المريرة في نضالهم ضد القوة المحتلة، ومساعيهم الدولية لإثبات كذب وتزوير الرواية "الإسرائيلية" حول الصراع التاريخي .
صحيفة الخليج الإماراتية