هل سياسة الحكومة <<الإنسانية>> تجاه اللاجئين بمثابة <<فك اشتباك>> مع القرار 1559؟
<<رفض التوطين>> مزحة سمجة من منظار أوسلو المؤتمنة على لجنة اللاجئين
ليس للبنان موقع في صلب اهتمامات الخارجية النروجية. هناك فريق عمل واسع في قسم الشرق الاوسط، برئاسة دبلوماسي رفيع برتبة نائب وزير الخارجية، يعاونه لفيف من كبار السفراء الذين عملوا في الشرق الأوسط، ولهم خبرة واسعة عن أوضاع الدول التي اعتُمدوا في عواصمها، وتبقى إسرائيل، ومصالحها هي المحور، وتأتي بعض ذلك دول الجوار، وما تمثله من امتدادات، أو تحديات لتلك المصالح.
الملمّون في الملف الشرق أوسطي يعرفون عن لبنان تركيبته الطائفية، وحرية صحافته، وإن كانت نسبية من منظارهم ، واهتمام خاص بملف اللاجئين، كجزء من اهتمامهم الاوسع بالملف الفلسطيني.
ترأس أوسلو بالتعاون، والتناوب مع كندا، لجنة اللاجئين المنبثقة عن المفاوضات المتعددة الاطراف، وهي من كبريات الدول المانحة، ولها وجهة نظر في موضوع التوطين تختلف كلياً عمّا هو متداول في الوسط المحلي، وحتى الاقليمي، إذ إن اللفظة مستغربة، فكيف بالآلية، والهدف.
لا شيء اسمه <<توطين>> في أوسلو، هناك ملف <<تفصيلي>> ملحق بالملف الأم، وهو يتناول فلسطينيي الشتات، ويتضمّن كمّاً من الخطط، والدراسات، منذ أن انطلقت <<لجنة اللاجئين>> بمهامها، لكنها دراسات لا تستحوذ الآن على القدر الكافي من الاهتمام، لأن التجربة الديموقرطية التي خاضها الشعب الفلسطيني في الانتخابات العامة، تركت تداعيات، <<إذ قدّر لهذه الانتخابات أن تصبّ في سياق الحل، والمخرج، للتقدم خطوات باتجاه الدولة الفلسطينية، فإذ بها تتحوّل الى مشكلة، لا بل الى كابوس، لدى بعض دوائر القرار في اوسلو>>.
منطلقات هذه المشكلة، ان النروج <<تقدّس>> الحرية، والديموقراطية، وحقوق الانسان، ولعبت دوراً مفصليّاً بعيداً عن الأضواء لإجراء هذه الانتخابات وفق معايير من الشفافية، وقد قال الشعب الفلسطيني كلمته، وفازت حماس، لكن فاز معها أيضاً الخيار الجديد <<انتصرت الديموقراطية، وسقط الاعتدال؟!>>. كان المطلوب ان ينتصر الاثنان معاً، لكن <<المدّ الحماسي، باتجاه السلطة، يمكن أن يجتاح بخياراته، كل أسس التسوية، عملية أوسلو، وخارطة الطريق، والرباعية الدولية. بالمقابل كان الردّ انفعاليّاً، ومتسرعاً، من غالبية الدول المانحة، والذي كان ينادي بالانتخابات، كان عليه ان يحتسب لكل الاحتمالات، وان يوفر المخرج لكل احتمال ممكن قد تُفضي إليه العملية الديموقراطية، الا إذا كان بعض داعمي هذا الاتجاه، كانوا يتوقعون مثل هذه النتائج سلفاً، ومع ذلك أصروّا على المضي بهذا الخيار، ربما لتعقيد الموقف، والعودة بالأمور الى نقطة الصفر؟!>>.
لا توافق أوسلو هذا التوجه، بمعنى أنها لا تريد ان تعود الامور الى نقطة الصفر، وليس هذا من خياراتها، <<وقد بذلت الكثير من الجهد، ومن الدعم المادي، والمعنوي، للوصول الى التسوية، والى السلام>>. هذا لا يعني أنها تريد الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة، ولا مع أي دولة بادرت الى وقف أنصبة مساعداتها إلى الفلسطينيين، لأن الخطوة فسّرت وكأنها معاقبة للانتخابات، وللخيار الديموقراطي، قبل أن تكون معاقبة للفلسطينيين، وكان عليها، إما العمل على تعطيل تلك الانتخابات تحت <<ألف حجة وذريعة لمنع وصول المتطرفين الى الحكم>>، أو أن تتوقع النتائج، وتأخذ بها كما هي، ثم تفتح قنوات الاتصال، لمعالجة جميع الملفات التي يفترض معالجتها، بين الفلسطنيين، وإسرائيل.
يشعر المحاور أن في أوسلو لاءات ثلاث: اولاً، لا تريد حكومة النروج الدخول في مواجهة مع إسرائيل في مواقفها من الانتخابات الفلسطينية، ونتائجها. ثانياً، لا تريد المشاركة في الخيار القائل بقطع المساعدات، ووقف التمويل للضغط على الحكومة الحماسيّة الجديدة، لأن الشعب الفلسطيني هو الذي سيتحمّل النتائج، والمثل العراقي خير شاهد عندما بادر المجتمع الدولي إلى قطع مساعداته لمعاقبة الرئيس صدام حسين ونظامه، وكان أن دفع الشعب العراقي الثمن، لا النظام. ثالثاً، لا لأن تجتاح الشعارات الحماسيّة كل ما تمّ بناؤه حتى الآن. أما المخرج فهو في <<الخيار الثالث>>، وهذا الخيار هو الذي ستبحثه الحكومة النروجية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عندما ستستقبله في أوسلو في 25 الجاري.
فهي <<لا تريد أن تتوقف المساعدات، ويفرض الحصار المالي على الفلسطينيين، لكن بالمقابل، لا تريد أن يصبح الاعتدال بين شقي التطرف من قبل الاسرائيليين، والفلسطينيين على السواء، وبالتالي لا بدّ من رسم خارطة طريق جديدة للتعاطي مع هذا الملف المستجدّ... هذا ما ستقوله الحكومة النروجيّة، للرئيس عباس؟!
اما في ما يتعلّق باللاجئين، فهناك حقائق منها أن هذا الملف يعالج بهدوء، وقد أخذ طريقه، وهناك معالجات بدأ العديد من اللاجئين الأخذ بها، إحداها فتح بعض أبواب الدول المانحة، والمعنية بلجنة اللاجئين، أمام من يودّ الاستقرار، والبحث عن المستقبل. وهناك في النروج جالية تقدّر ب70 ألفاً معظمهم من الفلسطينيين، والعراقيين، ونسب قليلة من جنسيات عربية مختلفة. لكن المقاربة الجديّة لهذا الملف تنطلق بعد تقدم المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، والتفاهم على الأطر العامة للدولة، عندها لا بدّ من أن يدخل جميع المعنيين بحوار من خلال المفاوضات المتعددة الأطراف للوصول إلى مخارج مشرّفة، سواء أكان في مخيمات لبنان، أم سائر الأقطار العربية الأخرى، ولا شيء نهائيّاً ومحسوماً بعد على هذا الصعيد، لأن الكلمة الفصل ستكون أولاً وأخيراً للاجئين، وليس لهذه الدولة، أو تلك التي تستضيف بعضاً منهم، وبمعنى آخر يمكن لهذه الدولة أن تقول ما عندها، وأن تُبدي وجهة نظرها، لكن الحل في النهاية سيكون للمشكلة، والمشكلة هي قضية اللاجئين، وليست الدول المضيفة، وعندما يتمّ التوصل الى حل ما، عندها يفتح باب النقاش للاستماع الى سائر المواقف، وخصوصاً مواقف الدول المضيفة، واعتراضاتها، على أن يتمّ تقييم الوضع بعد ذلك لمعرفة ما إذا كان سيستجاب لبعض مطالبها واقتراحاتها، أم سيؤخذ بها شكلياً، ومن باب أخذ العلم فقط؟!
ويدخل الحوار اللبناني اللبناني حول السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وخارجها على اهتمامات بعض دوائر القرار في أوسلو من حيث بعده الإنساني، لا أكثر، بمعنى أن النروجيين لا يريدون مقاربة هذا الملف، لا من قريب، أو بعيد، ولكن الحوار الذي انطلق، إنما انطلق بعد التفاهم على عدد من الخطوات والإجرءات التي قررتها الحكومة اللبنانية للتعاطي مع الوضع الاجتماعي والمعيشي للاجئين، كإدخال الاسمنت، وبعض مواد البناء الى بعض المخيمات، وإشراك اللاجئ في دورة العمل، وإن كان ذلك على مستوى بعض المهن الوضيعة، وخلاف ذلك من الوعود الاخرى، أي بمعنى آخر، ان الحكومة اللبنانية، ومن خلال السلة المعيشية الاجتماعية التي توافق المتحاورون في ساحة النجمة على إقرارها، قد أدّت خدمة مجانيّة، وبصورة غير مباشرة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، المكلّفة بتقديم المزيد من الخدمات الإنسانية، والتي كان يتعذّر عليها ذلك، إما لممانعة ومعارضة الحكومات اللبنانية المتعاقبة، او للنقص الحادّ في الأموال، والذي كان يحول دون تنفيذ الكثير من الالتزامات البديهية؟!
وتأتي زيارة الوفود الوزارية اللبنانية إلى بعض المخيمات، لتثير فضول بعض المهتمين في أوسلو، انطلاقاً من سؤال: هل الحكومة اللبنانية أمام سياسة اقتصادية اجتماعية معيشية جديدة تجاه لاجئي المخيمات؟ أم أنها في مرحلة وضع بعض المساحيق التجميلية، لقرار سياسي بحت، يتعلّق بالسلاح الفلسطيني، المتفرّع من القرار الدولي الرقم 1559، المتفرّع بدوره من سيناريو الحوار، أو المواجهة مع دمشق، ومن زاوية دولية حادة هدفها الضغط، او الابتزاز، او الاثنين معاً؟!
وإذا كان لهذا القرار خريطته الخاصة به، كما تفيد الجهات النروجية، وآليته، وعرّابه المشرف على تنفيذه (تيري رود لارسن)، فهذه أمور لا تعني المهتمين في أوسلو، لأن لفلسطينيي الشتات لجنة دولية خاصة، لها آليتها، ومنهاهجها، وسلّم أولوياتها، وإذا كان لبنان قد اعترض يوماً على المشاركة في عضويتها، وأعمالها، (لجنة اللاجئين)، فهو لا يستطيع أن يرفض <<الشرعية الدولية>> التي تتمتع بها هذه اللجنة، ولا الشرعية الدولية لأي حل تخطط له، وقد ينبثق عنها لمعالجة موضوع اللاجئين عند القرب من مرحلة الحل النهائي؟!
جورج علم
السفير 7/4/2006