واقع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الجليل (ويفل) – البقاع اللبناني

يُشكّل مخيم الجليل (ويفل) للاجئين الفلسطينيين، الواقع في أطراف مدينة بعلبك ضمن محافظة البقاع اللبناني، أحد أبرز الشواهد الحيّة على استمرار النكبة الفلسطينية وتراكم تبعات اللجوء منذ عام 1948. أنشئ المخيم على أنقاض ثكنة عسكرية فرنسية، وتحول بمرور العقود إلى مساحة مكتظة بالألم والحرمان، حيث يعيش آلاف اللاجئين في ظروف قاسية من التهميش والعزلة، وسط انعدام أبسط مقومات الحياة الكريمة.

وفي وقتٍ تتزايد فيه أزمات لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المخيم، خصوصًا مع تراجع خدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، واستمرار سياسات التقليص، وغياب الدعم الحكومي الرسمي.

تأتي هذه الدراسة الميدانية الصادرة عن المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) لتسليط الضوء على واقع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الجليل، من خلال زيارة ميدانية ولقاءات مع جهات محلية، وتوثيق الانتهاكات التي تطال الحقوق الأساسية للسكان، لا سيما في مجالات الصحة، المياه، التعليم، التدفئة، والبنية التحتية.

وتهدف هذه الدراسة إلى نقل الواقع كما هو، وتقديم توصيات عملية مبنية على معايير حقوق الإنسان، بما يُسهم في الضغط الحقوقي والإنساني من أجل تحسين الأوضاع، وتمكين اللاجئين من نيل حقوقهم بكرامة وعدالة.

أولًا: الخلفية العامة للمخيم

يقع مخيم الجليل في مدينة بعلبك ضمن محافظة البقاع اللبنانية، وقد تأسس عام 1952 على أرض كانت في السابق ثكنة عسكرية فرنسية. يقدر عدد سكان المخيم بنحو 8,000 لاجئ فلسطيني حسب التقديرات غير الرسمية لعام 2024، وهو المخيم الفلسطيني الوحيد في منطقة البقاع. خلال السنوات الأخيرة، استقبل المخيم لاجئين فلسطينيين من سوريا، ما زاد العبء على خدماته التي كانت أصلاً محدودة بسبب ظروف التمويل والتقليص المتكرر من قبل الأونروا. على الجانب الآخر تشير تقديرات مؤسسات المجتمع المدني أن عدد العائلات التي تسكن المخيم ما يقارب 850 عائلة (620 عائلةمن فلسطينيي لبنان، 220 عائلةمن فلسطينيي سوريا، 10 عائلاتمن اللاجئين السوريين غير الفلسطينيين)[1]، فيما تشير تقديرات اللجنة الشعبية في المخيم إلى أن عدد العائلات الفلسطينة والعائلات النازحة يتجاوز 1265 عائلة في المخيم وأحياء مجاورة أو في مدينة بعلبك وضواحيها بسبب الاكتظاظ في مساحة المخيم الصغيرة[2].

تعاني منازل المخيم من رطوبة عالية وتآكل في بنيانها وإزدياد في التشققات ولا سيما بعد الحرب الأخيرة على لبنان في العام 2024 وتعرض جوار المخيم الى الكثير من الغارات الجوية الإسرائيلية الشديدة، في ظل وقف إدارة الأونروا في لبنان لبرنامج تأهيل وترميم المنازل مؤخراَ.

يعاني سكان المخيم من أزمة معيشية خانقة، حيث تتجاوز نسبة الفقر والبطالة 85% ولا سيما في فصل الشتاء حيث تتوقف الاعمال الزراعية وكذلك الاعمال الحرفية ولا سيما أعمال البناء بسبب البرد القارس. وتعتمد الكثير من العائلات بشكل أساسي على التحويلات المالية من ذويهم وأبنائهم المغتربين، خصوصًا في ظل انهيار الاقتصاد اللبناني وغياب الحماية الاجتماعية.

ثانيًا: الواقع الصحي في مخيم الجليل :

يعاني سكان المخيم من وضع صحي متدهور نتيجة لعدة عوامل، أهمها نقص الكادر الطبي المتخصص في العيادات التابعة للأونروا وعدم توفر الأدوية الأساسية بشكل مستمر. و صعوبة في الوصول إلى المستشفيات الواقعة خارج المخيم بسبب المسافات البعيدة وارتفاع تكلفة التنقل، مما يزيد من معاناة كبار السن والمرضى المزمنين. كما يفتقر المخيم إلى مركز طوارئ يعمل على مدار الساعة، مما يؤدي إلى تأخر تقديم الرعاية الطبية في الحالات العاجلة. ونضع أبرز ما رصدته (شاهد) في المجال الصحي:

· تعاقد قسم الصحة في الاونروا مع مستشفيات صغيرة ضعيفة البنية التحتية والتجهيزات تصنف بالمستوصفات لتقديم الخدمات الإستشفائية وإجراء العمليات الجراجية للاجئين الفلسطينيين وعدم التعاقد مع مستشفى الأمل الجامعي وغيره من المستشفيات ذات الجودة في خدماتها[3].

· عدم تغطية تكاليف الإستشفاء لخمسة من المرضى الفلسطينيين الذين يعانون من فشل كلوي ويضطرون لإجراء عمليات غسيل الكلى لهم في المستشفيات الخاصة التي تغطي منها وزارة الصحة 80% ويسدد المريض 20% من التكلفة بواقع تكلفة شهرية تتجاوز 200$ لكل حالة[4].

· إجبار مرضى السرطان من استلام أدويتهم رغم مساهمتهم باسعارها بما يفوق 50% من صيدليات مرجان في مدينة صيدا او بيروت دون مراعاة لأوضاعهم الصحية والتكلفة المالية الإضافية للذهاب من البقاع إلى بيروت أو صيدا[5].

· رفض تغطية تكاليف علاج مرضى السرطان والذين يحتاجون إلى علاج شعاعي في مستشفيات متخصصة بدعوى عدم تعاقد الاونروا مع هذه المستشفيات.

· عدم توفير اطباء متخصصين (أطباء عيون) لعيادات منطقة البقاع، والإقتصار على زيارة لطبيب القلب لهذه العيادات مرة كل 15 يوم[6].

· النقص الواضح في ادوية الامراض المزمنة في عيادات الاونروا في منطقة البقاع واضطرار الأهالي لشرائها على نفقتهم الخاصة في ظل ظروفهم الإقتصادية والمالية الصعبة.

·تقدّمجمعية الشفاء خدمات طبية لأكثر من 500 مريض في المخيم شهرياً، حيث يشكّل الفلسطينيون منهم نحو 50%. وتقدم الجمعية خدماتها من خلال أطباء اختصاصيين يقدمون المعاينات بأسعار رمزية، تحويلات إلى أطباء متعاقدين بأسعار مخفّضة ، الاسعاف الأولي ، طب الاسنان، ورعاية للطفولة والامومة، تصوير Panoramicوالتصوير الصوتي والتصوير الشعاعي والخدمات المخبرية المختلفة بالاضافة إلى خدمات طبية أخرى. ولا يزال المركز بحاجة إلى بعض التجهيزات التي تعاونه في تقديم الخدمات الطبية بشكل أفضل[7].

  • مستوصف الشهيد ماجد أبو شرار التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني: تأسس كمستشفى ميداني إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982" إلا أن هذا المستوصف قد تم نقل معداته وأسرّته وتجهيزاته إلى مستشفى الناصرة في بر الياس ويقتصر العمل في هذا المستوصف على عيادة للطوارئ فقط.

إلا أن هذه الجهود لا تغني عن ضعف خدمات الأونروا الصحية، لا سيما في ما يتعلق بمرضى غسيل الكلى ومرضى السرطان، حيث لوحظ:

  • وجود 5 مرضى غسيل كلى يضطرون للتنقل إلى مستشفيات في بيروت بموجب عقود الأونروا، ما يشكل معاناة جسدية ومادية كبيرة، ويدفع بعضهم للجوء إلى مستشفى دار الأمل في البقاع، رغم أن وزارة الصحة اللبنانية تغطي فقط 80% من كلفة الغسل.
  • وجود 32 مريضًا بالسرطان من أبناء المخيم والمنطقة، لا تُغطي الأونروا سوى 50% من تكلفة علاجهم بسقف 8000$ سنويا، علماً أن تكلفة العلاج باهظة جدًا.

إن هذا الخلل في تعاقدات الأونروا الصحية يهدد الحق في الوصول العادل إلى العلاج، ويُظهر تفاوتًا واضحًا بين مناطق تواجد اللاجئين الفلسطينيين.

رابعًا: أزمة المياه وسوء البنية التحتية

تشرف الأونروا على عملية تأمين المياه في المخيم من خلال آبار جوفية وخزانين كبيرين. أمّا مياه الشرب فيضطر السكان إلى شرائها والتي تقدر كلفة الشراء الشهرية بمعدل 100$ مع شراء المياه للاستعمال المنزلي نتيجة تخفيض ساعات ضخ المياه ولايام محددة بالاسبوع، وقد جرت سابقاً عدة محاولات من جهات مانحة لحفر آبار إضافية لكنها باءت بالفشل إذ بيّنت الفحوصات المخبرية أن المياه المستخرجة ملوثة وغير صالحة للشرب.

  • يوجد في المخيم بئر مياه مياهه ملوثة وضعيفة، وقد حاولت الاونروا علاج مشكلة تلوث المياه من خلال العمل على تعميق البئر وعزل محيطه بالإسمنت لكن هذا المشروع لم يتم تنفيذه حسب المواصفات المطلوبة من قبل المقاول حيث زُعم أن عمق الحفر بلغ 550 مترًا، ليتبيّن أنه لم يتجاوز 328 مترًا، وأن المياه كانت ملوثة.
  • تم لاحقًا حفر بئر جديد بتمويل ياباني والذي تم تحديد موقعه من خلال شركة أستشارية متخصصة قامت بإجراء مسح جيولوجي أكدت بوجود مخزون كبير من المياه الجوفية، بعمق 860 مترًا، لكن بعد إنجاز الحفر بعمق 1000 متر تبين أن الكمية لا تكفي لتغطية احتياجات سكان المخيم، مما اضطرهم إلى تقنين استخدام المياه خلال فصل الصيف، بتوزيع المياه بالتناوب بين الأحياء بواقع ساعة واحدة يوميًا لكل حي، ويضطر معظم الأهالي إلى شراء سيتيرات للمياه خلال الصيف.

خامسًا: النظافة والتقليص في خدمات الأونروا

يعاني المخيم من نقص في خدمات النظافة، بسبب النقص في عدد عمال النظافة لمواجهة حجم النفايات.ومن الجدير بالذكر أنه كان في المخيم ثمانية عمّال نظافة تابعين للأونروا، ولكن بعد تقاعد ثلاثة منهم، لم يتم توظيف بدائل عنهم، بل استُعيض عنهم بعمال من برنامج KFW الألماني لمدة 40 يومًا فقط. هذا النمط من التشغيل المؤقت يُبرز سياسة تقليص واضحة في الخدمات على حساب صحة وكرامة اللاجئين.

سادسًا: التدفئة في الشتاء وغياب الحماية

تقوم الأونروا سنويًا بتوزيع كميات محدودة من المازوت أو مبالغ مالية لشراء المازوت خلال الشتاء، لكنها لا تكفي إلا لشهر واحد فقط، رغم أن منطقة البقاع تعاني من سبعة أشهر من البرد القارس وثلوج تعيق الحركة، ما يُعرض العائلات الفلسطينية للخطر في غياب فرص العمل والقدرة على شراء الوقود.

سابعاً: على صعيد الواقع التعليمي

يحتضن المخيم مدرسة واحدة تابعة للأونروا، تحمل اسم ثانوية الجليل المختلطة التي تضم صفوف المراحل الثانوية والمتوسطة والابتدائية، وهي تعاني من اكتظاظ في الصفوف ونقص في المعدات التعليمية والأنشطة اللاصفية. يتلقى الطلاب تعليمهم في بيئة تفتقر إلى التجهيزات الأساسية، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم والتحصيل العلمي. كما يقدر عدد الطلاب في مدارس الاونروا في مخيم الجليل بحوالي 950 طالبا وطالبة.

وقد برزت تقليصات الاونروا في المجال التعليمي من خلال الإجراءات التالية :

oنقص في الشواغر فيما يتعلق بالمعلمين، وهذا يعود إلى سياسة تقليص الخدمات التي تقدمها الأونروا حيث فقدت المدارس مدير ونائب مدير وعدد اساتذة 2.5 وذلك بسبب قرار الدمج الأخير في شهر نيسان 2025.

oالقرار النهائي بدمج مدرستي طبريا والقسطل في مدرسة واحدة وبمدير واحد ودون تعيين مساعد له.

oالقيام بدمج الصفوف داخل المدرسة نفسها بدعوى أن مجموعهم لا يتعدى 80 طالبا في كل مرحلة .

oالمشاكل المستعصية في نظام التدفئة في مبنى مدارس المخيم وعدم السعي الجاد لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة القديمة المتجددة.

oارتفاع معدلات التسرب المدرسي، خاصة في صفوف الذكور، نتيجة الظروف الاقتصادية التي تدفع الأطفال للانخراط في سوق العمل.

oانخفاض مستوى التحصيل العلمي العام بين الطلاب، خصوصًا في المرحلتين الإعدادية والثانوية والتي برزت بشكل واضح في نتائج الإمتحانات الرسمية مؤخراً.

سابعاً: مؤسسات المجتمع المدني

يفتقر المخيم إلى وجود عدد كافٍ من الجمعيات الفاعلة، حيث لا تتعدى المؤسسات المدنية النشطة أصابع اليد الواحدة. معظم الجمعيات العاملة تفتقر إلى الدعم المالي المستدام ولا سيما بعد وقف الدعم المالي من المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتمد على مشاريع قصيرة الأمد أو مبادرات تطوعية محدودة.

تتركز أنشطة الجمعيات الموجودة على الإغاثة والدعم الدراسير وبعض المبادرات الترفيهية، مع غياب برامج حقوقية وتنموية شاملة.

ضعف التنسيق بين الجمعيات المحلية ما يؤدي إلى تكرار في الخدمات وغياب التكامل في الاستجابة للاحتياجات.

·

التوصيات :

انطلاقًا من مبدأ الحق في الكرامة والعدالة الاجتماعية، ووفقًا لالتزامات وكالة الأونروا تجاه اللاجئين الفلسطينيين، توصي المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) بما يلي:

  • إعادة النظر في السياسات الصحية المتبعة في منطقة البقاع، من خلال التعاقد مع مستشفيات محلية قريبة من أماكن سكن اللاجئين لتخفيف أعباء التنقل والتكاليف عن المرضى.
  • توسيع التغطية الصحية لتشمل علاج مرضى السرطان بشكل عادل وكامل، بما يتناسب مع الاحتياجات الطبية الفعلية والتزامات الأونروا.
  • إيجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمة المياه في مخيم الجليل، تكفل توفير مياه نظيفة وكافية لجميع السكان دون تقنين.
  • تثبيت عمال النظافة بشكل دائم، بدلاً من الاعتماد على عقود قصيرة الأجل، لضمان بيئة صحية ولائقة داخل المخيم.
  • ضمان توزيع عادل وكافٍ لمادة المازوت أو بدائل التدفئة خلال فصل الشتاء، بما يحفظ حق اللاجئين في الحياة الآمنة والكرامة الإنسانية.
  • دعوة المجتمع الدولي والجهات المانحة إلى زيادة دعمهم لمنطقة البقاع المهمشة، بما يعزز قدرة الأونروا على الوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.



[1] مقابلة مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في مخيم الجليل

[2] مقابلة مع اعضاء اللجنة الشعبية في مخيم الجليل يوم الاربعاء 16 تموز 2025

[3] مقابلة مع اعضاء اللجنة الشعبية في مخيم الجليل يوم الاربعاء 16 تموز 2025

[4] مقابلة مع أحد المرضى من سكان المخيم.

[5] مقابلات مع عدد من المرضى ، واللجان الشعبية في المخيم .

[6] اللجنة الشعبة ، مرجع سابق

[7] مقابلة مع مدير مستوصف الشفاء في مخيم الجليل، الرابعاء 16 تموز 2025.