كان يعرف مخيم نهر البارد بأنه المخيم الأكثر ازدهارا بين
المخيمات الفلسطينية في لبنان، وذلك لأسباب عديدة، منها الحركة التجارية الناشطة
التي كان يتمتع بها، والتي استقطب من خلالها تجارا لبنانيين وفلسطينيين على حد
سواء، فقد احتوى المخيم على 14 محلاً للذهب و3 معامل لصناعة مواد البناء بالإضافة
الى معامل الدهان والحديد والزجاج وعشرات المقاهي والمطاعم، كل هذا أدى إلى تحسين
الوضع الاقتصادي فيه، وأيضا لاستقرار الوضع الأمني في المخيم من جهة أخرى، فاستطاع
المخيم الذي كان يقطنه حوالي 30 ألف نسمة أن يشكل نقطة مركزية في منطقة الشمال
اللبناني وخصوصا للاجئين الفلسطينيين.
في صباح ال 20 من شهر أيار من العام 2007 شهد المخيم نقطة تحول
بعد أن اندلعت اشتباكات بين جماعة فتح الإسلام والجيش اللبناني، إثر دخول أفراد
هذا التنظيم إلى المخيم واستقرارهم فيه بشكل مريب وبدون علم أهالي المخيم. استمرت
المعركة لقرابة ثلاثة أشهر ونصف تعرض فيها المدنيون للقتل والعنف، فضلا عن
المقاتلين من فتح الإسلام ومن الجيش اللبناني، حيث بلغ عددهم 32 شهيدا من اللاجئين
الفلسطينيين المدنيين و169 جنديا من الجيش اللبناني و220 مقاتلا من فتح الإسلام.
وانتهت المعركة بتدمير المخيم بشكل كامل وتشريد 30 ألف لاجئ فلسطيني كانوا يسكنون
المخيم حينها.
اليوم وبعد مرور 15 سنةً على نكبة مخيم نهر البارد نشير في
تقريرنا التالي إلى مشكلة عدم اكتمال إعادة إعمار المخيم رُغم المقولة الشهيرة
لرئيس الوزراء "فؤاد السنيورة"حينها: "خروجٌ مؤقت، رجوعٌ مؤكد،
إعادة إعمار المخيم محتمة". كما نجيب عن التساؤلات حول أسباب هذا التأخر،
ونضع في نهاية تقريرنا بعض التوصيات نوجهها للمعنيين من أجل الإسراع في إنهاء
عملية إعادة الإعمار.
وفقا لوكالة الأونروا فإن عملية إعادة الإعمار تصل تكلفتها إلى
345 مليون دولارا أميركيا، وبهدف تأمين التمويل عقدت العديد من المؤتمرات الدولية وكان أبرزها مؤتمر فيينا الذي عقد عام
2008 حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم 122 مليون دولارا أميركيا. وبسبب عدم إيفاء
الدول المانحة بالتزاماتها، فقد عقد مؤتمر آخر في بيروت في 06/10/2016، تعهدت فيه
الدول المانحة مجدداً بدفع مبلغ 36 مليون دولار تكفي لإعادة إعمار حوالي 70% من
المخيم. والآن وبعد مرور 15 سنة على تدمير المخيم تمّت إعادة إعمار ستة بلوكات
بشكل نهائي من أصل ثمانية بلوكات أي ما نسبته 75% من المشروع كاملاً، حيثُ تسلّم
سكان هذه البلوكات منازلهم، ويجري العمل حاليا في البلوك السابع مع وعود لإنهائه
في وقت قريب. ولكن اللافت أن عملية إعادة الإعمار تأخرت 11 سنةً حتى الآن عن الوقت
المقرر لها بالانتهاء فيه، إذ كان من المفترض أن تنتهي عملية إعادة الإعمار عام
2011، فإذا أخذنا إعادة إعمار مخيم جنين كمثال للمقارنة نجد أن إعادة إعمار مخيم
جنين انتهت بعد سنتين ونصف، وإذا أخذنا مدينة زايد في غزة كمثال آخر للمقارنة نجد
أنّ هذا النموذج قد تم بناءه بصورته النهائية في سنتين فقط، أما في مخيم نهر
البارد فقد وُضع حجر الأساس بعد سنتين من المعركة وإلقاء الوعود من الدول المانحة.
عانى اللاجئون الفلسطينيون كثيراً بعد تشردهم من المخيم وازدادت
مآسيهم، ومؤخراً خلال زيارة وفد من الاتحاد الأوروبي ضم السفيرة الدنماركية
والسفير النروجي ومدير وكالة الأونروا في لبنان كلاوديو كوردوني، طرح الوفد مبلغا
وقدره 50$ بدل إيجار للعائلات التي لم يتم إعمار منازلها، إلا أنها رفضت ذلك،
معتبرين أنّ هذا المبلغ هو أقل من الحدّ الأدنى، ولكن عادت العائلات الى أخذ
المبلغ على مضد معتبرين أنه أفضل من لا شيء.
ونشير في تقريرنا إلى أنّ وكالة الأونروا تتحمل مسؤولية كبيرة
تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وذلك لكونها المسؤول الأول تجاههم وفقا للهدف التي تم
إنشاؤها لتلبيته، وهو غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنها لم تبذل الجهد
الكافي في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين في عملية الإعمار، فهي تقف أمام التزاماتها
بالشكل المطلوب.
كما أن المجتمع الدولي وبموجب القرار 194 تترتب عليه مسؤوليتين،
تتمثل الأولى بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي هُجِّروا منها، وأما
الثانية فهي إغاثة اللاجئين وتشغيلهم إلى حين عودتهم، بالإضافة الى مسؤولية إعادة
إعمار المخيم. فإذا كانت إعادة اللاجئين الى أرضهم حالياً أمراً مستعصياً، فأين
دور المجتمع الدولي في تأمين الإغاثة للّاجئين الفلسطينيين.
واجهت مراحل إعادة الإعمار العديد من العقبات ونشير إلى أبرزها:
1. نقص التمويل وإخلال الدول المانحة بوعودها بتغطية
تكاليف عملية إعادة الإعمار، فالأونروا التيأخذت على عاتقها مسؤولية إعادة بناء المخيم بمؤازرة المجتمع الدولي
والحكومة اللبنانية، لم تبذل الجهود المرجوّة مما أدى إلى تباطؤ وتيرة الإعمار
وذلك بسبب شح المساعدات وتقصير المجتمع الدولي عامّةً والدول العربية خاصّةً في
تقديم الدعم المالي والتنصل من مسؤولياتها تجاه نداءٍ إنساني ملحٍّ.
2. عمليات التنقيب واستكشاف الآثار في المخيم التي أدت
الى التأخر في عملية إعادة الإعمار، إذ أن التنقيب عن الآثار يستغرق وقتا طويلا
ويخضع لتدابير إدارية صارمة تجري على أثرها حالياً عملية طمر للآثار بصورة غير
قانونية ومن ثمّ البناء عليها من أجل التسريع في عملية إعادة الإعمار.
بناء على ما سبق، إننا في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان
(شاهد) وبعد مرور 15 عاما على نكبة مخيم نهر البارد، نطالب بما يلي:
1. على الدول المانحة الإيفاء بالتزاماتها التي تعهدت
بها في مؤتمر فيينا ومؤتمر بيروت كي تتمكن الأونروا من استكمال بناء مخيم نهر
البارد.
2. على الأونروا بذل جهد أكبر لتأمين التمويل والإسراع
في عملية إعادة إعمار ما تبقى من مخيم نهر البارد، وأيضا إعادة برنامج بدل
الإيجارات النقدية (TSCA).
3. اتّباع آليات رقابية على برامج الأونروا لترشيد
الإنفاق بما يساعد على تحقيق هدف إعمار المخيم.
4. يجب على منظمة التحرير الفلسطينية بذل جهود أكبر
لتوفير الدعم لاستكمال إعادة إعمار مخيم نهر البارد.
5. على الحكومة اللبنانية أن تلتزم بما وعدت به من
إعادة إعمار مخيم نهر البارد وتسهيل الإجراءات القانونية والإدارية في هذا المجال.
بيروت في 7/9/2022
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)