القمة العربية: فرصة تاريخية لتوحيد الجهود ومنازعة عضوية إسرائيل لدى الأمم المتحدة

تشكل مسألة عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة إحدى القضايا الجوهرية التي تثير إشكاليات قانونية وسياسية متواصلة منذ عام 1949. فهي نشأت ككيان قائم على الاحتلال والتهجير، ولم تلتزم بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، واستمرت في ممارسة سياسات توسعية قائمة على القوة، في مخالفة واضحة للمبادئ المؤسسة للنظام الدولي.

وقد أدى هذا السلوك إلى تكريس حالة من الخلل داخل الأمم المتحدة نفسها، إذ تجد المنظمة الدولية نفسها في مواجهة عضو يتحدى باستمرار سلطتها وقراراتها، ويضرب بعرض الحائط مبادئ الميثاق. ومن هنا، تبرز الحاجة لإعادة تقييم عضوية إسرائيل، إما من خلال آلية الطرد المنصوص عليها في المادة 6، رغم تعقيداتها الإجرائية والسياسية، أو عبر اللجوء إلى المادة 5 لتعليق حقوقها وامتيازاتها كخطوة مرحلية لتقويض نفوذها داخل المنظمة الدولية.

تأتي القمة العربية في لحظة فارقة تشهد تصاعداً غير مسبوق للانتهاكات الإسرائيلية لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وفي وقت تزداد فيه الدعوات الدولية للمساءلة، الأمر الذي يجعل من هذه القمة محطة مناسبة وضرورية لتوحيد الجهود من أجل إعادة طرح مسألة عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة على أسس قانونية ودبلوماسية متينة.

عضوية إسرائيل في لأمم المتحدة

تم منح إسرائيل عضوية الأمم المتحدة تبعاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 69، الصادر في 4 آذار/ مارس 1949. تبنى مجلس الأمن هذا القرار، في جلسته رقم 414 بـ 9 أصوات مقابل صوت ضده وامتناع واحد عن التصويت. وتوزعت الأصوات على الشكل التالي:

-مع القرار: اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، الأرجنتين، جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية، الصين، فرنسا، كندا، كوبا، النرويج، الولايات المتحدة الأميركية.

-ضدّ القرار: مصر.

-امتناع: المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية.

وقد حمل توصية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول عضوية "إسرائيل" الذي ناقشته بدورها الجمعية العامة للأمم المتحدة ووافقت عليه بأكثرية 37 صوت مقابل 12 معارض وامتناع 9 دول عن التصويت، وعبرت عنه بقرارها رقم 273 الذي جاء فيه :

إن الجمعية العامة، إذ تأخذ علما ً بالتصريح الذي تقبل به "إسرائيل" دون أي تحفظ الالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد باحترامها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضوا في الأمم المتحدة. وإذ تذكر بقراريها الصادرين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 (قرار التقسيم) وفي 11 ديسمبر/كانون الأول سنة 1948 (قرار إعادة اللاجئين والتعويض عليهم ) ، وتأخذ علما بالتصريحات والإيضاحات التي قدمها ممثل حكومة "إسرائيل " أمام اللجنة السياسية المؤقتة، بشأن تطبيق القرارين المذكورين.... تقرر أن "إسرائيل" دولة محبة للسلام تقبل بالتزامات الميثاق، وأهل للقيام بها ومستعدة لتنفيذها، وتقرر أن تقبل "إسرائيل" عضوا في الأمم المتحدة.

مدى صحة هذه العضوية

وفقاً للمادة 4من ميثاق الأمم المتحدة، فإن "العضوية في الأمم المتّحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المُحبّة للسلام، والتي تأخذ على نفسها الالتزامات التي يتضمّنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرةٌ على تنفيذ هذه الالتزامات."

و اذا ما تم العودة إلى قبول العضوية في الأساس، فهو يخالف الشروط الموضوعية وباطل أصلاً.

فالشروط الثلاث الأساسية لقبول العضوية تتجلى أن تكون الجهة المقدمة (1) دولة، (2)أن تكون محبة للسلام، (3) أن تتعهد بتنفيذ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وراغبة في تنفيذها.

وأن تكون "دولة" فهذا يتطلب أن تتمتع بالعناصر المكونة للدولة والتي حددتها اتفاقية مونتي فيديو لعام 1933 وهي (العنصر الديمغرافي /السكان) الاقليم (لعنصر الديمغرافي)، والسيادة (العنصر السياسي والقانوني).

ونظراً لطبيعة نشأة إسرائيل وكونها قوة أمر واقع، وجهة محتلة، لا تمتلك سيادة على الأرض فإنها لا تشكل مفهوم الدولة بمعناه الفعلي. ثم إن العنصر البشري ناشئ عن هجرة اليهود إلى أرض فلسطين دون أن تربطهم بها أي رابطة تاريخية أو مادية، وهي فئة سكانية مستحدثة لا يمكن أن تشكل مفهوم الشعب بالمعنى القانوني. كما أن الاراضي التي تسيطر عليها إسرائيل هي أراض محتلة وبالتالي ينتفي عنصر الاقليم، فالسيطرة على الأرض هي إحدى صور الإستيلاء على الأراضي بالقوة وهو فعل غير قانوني ويخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. والاحتلال العسكري لا يحتم نقل السيادة بمفهومها القانوني إلى السلطة القائمة بالاحتلال وتظل مرتبطة بالملاك الفعليين للارض وهو ما يرسخه حق تقرير المصير.

ومع تعذر توفر هذه العناصر فإن التوصيف القانوني لإسرائيل كـ"دولة" بموجب القانون الدولي غير متحقق.

ثم إن إسرائيل منذ قبول عضويتها في الأمم المتحدة عمدت إلى خرق الالتزامات التي يفرضها الميثاق وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن، على سبيل المثال:القرار 242 (1967) الذي يؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، القرارات 252 (1968)؛ و267 (1969)؛ و271 (1969)؛ و298 (1971)؛ و476 (1980)؛ و478 (1980)؛ و672 (1990)؛ و2324 (2016)...

وبالتالي لم تراعي الشرطين الموضوعيين الآخرين الذين تلزمهما العضوية.

كما أنه بالنظر إلى نص قبول عضويتها، نجد بأن قبول هذه العضوية معلّق على شرط التزامها بتطبيق نصوص القرارين 181و194. وحتى الآن لم تقم بتنفيذ أي منهما، كما أنها لم تلتزم بميثاق الأمم المتحدة والمبادئ التي ينص عليها. وهو ما يجعل عضوية إسرائيل باطلة لانتفاء السند القانوني.

طرد اسرائيل من مجلس الأمن

تنص المادة 6 من الميثاق على أن الدولة العضو التي "تنتهك باستمرار المبادئ الواردة في هذا الميثاق يجوز طردها ... منقبل الجمعية العامة بناءً على توصية من مجلس الأمن”. ومن بين هذه الالتزامات ما نصت عليه المادة 25 من الميثاق بوجوب "قبول وتنفيذ قرارات مجلس الأمن".

لم يسبق في تاريخ الأمم المتحدة أن جرى طرد أو تعليق عضوية أي دولة عضو. ومع ذلك، كانت المنظمة على وشك اتخاذ مثل هذا الإجراء في حالة جنوب أفريقيا خلال فترة نظام الفصل العنصري، وهي حالة تحمل أوجه شبه واضحة مع وضع إسرائيل. فقد لم يكن الدافع وراء هذا النقاش الأممي مقتصراً على تصاعد الرفض الدولي لسياسات الفصل العنصري، بل ارتبط أيضاً باستمرار الاحتلال غير المشروع الذي كانت تمارسه جنوب أفريقيا على ناميبيا.

تنتهك إسرائيل شكلومستمر قرارات مجلس الأمن ولاسيما عبر نظام الفصل العنصري، التوسع الاستيطاني غير القانوني، نقل المستوطنين إلى الأراضي التي تحتلها... كما عمدت مراراً إلى مهاجمة دول أعضاء في الأمم المتحدة ذات سيادة وانتهكت ميثاق الأمم المتحدة مهددةً السلم والأمن الدوليين ولم تكتف بالاعتداء على الدول التي بينها حدود مشتركة أو حرب قائمة بل توسعت ليشمل عدوانها دولاً بعيدة وليست في حالة حرب معها كقطر مؤخراً.

وعليه، ثمة حاجة مُلحّة إلى مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها الجسيمة والمستمرة للقانون الدولي. ولا يقتصر ذلك على فرض العقوبات الفردية والجماعية، بل يمتد ليشمل استبعادها من الأمم المتحدة.

إن مسألة طرد إسرائيل من عضوية الأمم المتحدة تكتسب طابعاً حيوياً، ليس فقط لأن المنظمة قامت أساساً من أجل صون القانون الدولي وإنفاذه، بل أيضاً للحفاظ على نزاهة الأمم المتحدة ومصداقيتها كإطار دولي جامع. فالوضع الراهن، حيث تواصل إسرائيل انتهاك قرارات مجلس الأمن بشكل علني، وتستخف بالأوامر الملزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وتستهدف بشكل مباشر مباني الأمم المتحدة وموظفيها، وتعتدي على الدول المجاورة والبعيدة، يشكل خطراً جسيماً على سلطة المنظمة واعتبارها.

على الرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة يتيح طرد أي عضو ينتهك بصفة مستمرة مبادئ الميثاق، إلا أن تطبيق المادة 6يظل معقداً للغاية من الناحية العملية، نظراً لضرورة صدور توصية مسبقة من مجلس الأمن، وهو ما يجعل الإجراء عرضة لعرقلة محتملة عبر استخدام حق النقض (الفيتو) من قِبل الدول الداعمة لإسرائيل.

ترى المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) أن خياراً عملياً قد يكون أكثر قابلية للتحقق يتمثل في الدفع نحو تفعيل المادة 5من الميثاق، والتي تجيز تعليق حقوق وامتيازات الدولة العضو إذا كانت موضع تدابير وقائية أو إنفاذية من مجلس الأمن. ورغم أن هذا الخيار بدوره يمر عبر مجلس الأمن، إلا أنه يُعتبر خطوة مرحلية مهمة لتقييد نفوذ إسرائيل داخل المنظمة الدولية وتقويض شرعيتها وقد يكون تمريره أكثر سهولة من قرار الطرد.

توصيات

في ضوء ما سبق، توصي المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) القمة العربية بوضع خطة تحرك استراتيجية وشاملة لمعالجة استمرار انتهاكات إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وذلك على النحو الآتي:

-التحرك القانوني الموحّد: عبر تشكيل وفد عربي مشترك لإعداد ملف قانوني متكامل يوثّق الانتهاكات الجسيمة والمتواصلة لالتزامات الميثاق وقرارات الأمم المتحدة، بما يمهّد لطلب رسمي من مجلس الأمن والجمعية العامة لتعليق أو سحب عضوية إسرائيل.

-المسار السياسي والدبلوماسي:عبر تنسيق جهود الدول العربية مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ولا سيما الأعضاء غير الدائمين، وحشد تحالفات مع أطراف دولية محايدة أو مؤثرة، بما يضع ملف الانتهاكات الإسرائيلية في صدارة أجندة المنظمة الدولية.

-العمل في أجهزة الأمم المتحدة الأخرى: والدفع نحو إنشاء لجنة تحقيق دولية خاصة، وتكثيف استخدام مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة كمنابر لفضح السلوك الإسرائيلي وإحراج حلفائه، مع الدعوة لنشر تقارير دورية عن مدى التزامه بالميثاق.

-المسار القضائي الدولي: متابعة التعاون مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وتقديم ملفات مدعومة بأدلة حول الجرائم الدولية المرتكبة من قبل إسرائيل، بما يشكّل أداة قانونية موازية لزيادة الضغط السياسي والدبلوماسي.

تؤكد المؤسسة أن أي مسار عربي جماعي نحو الطرد أو تعليق العضوية –رغم تعقيداته السياسية– يظل واجباً قانونياً وأخلاقياً لحماية نزاهة الأمم المتحدة، وصون مبادئ الميثاق، وضمان أن لا تبقى إسرائيل بمنأى عن المحاسبة على انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي وسيادة الدول العربية وشعوبها.

إن هذا التوقيت التاريخي يشكل فرصة مثالية لوضع حد للتمادي الإسرائيلي المتكرر في المنطقة ويوفر أدلة حاسمة من شأنها تعزيز فرصة اتخاذ اجراءات عملية من قبل الأمم المتحدة.