من المسؤول عن تدهور الأوضاع الصحية في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان؟ مستشفى حيفا في مخيم برج البراجنة مثال
تعاني معظم مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان وخصوصاً تلك الموجودة منها داخل المخيمات الفلسطينية مصاعب ومشاكل معقدة تؤثر بشكل كبير وخطير على أدائها وفعاليتها، ما أحدث أزمة ثقة عميقة بين إدارة هذه المستشتفيات والعاملين فيها من جهة، وبين الفصائل والسكان من جهة أخرى، ووضعت اللاجئ الفلسطيني أمام هاجس آخر يتهدد بحق صحته وحياته. وباتت العديد من الأسئلة تطرح بقوة عن المسؤول عن هذا التدهور وكيف يمكن معالجة هذه الأزمات الداخلية؟ وقد وصلت إلى مؤسسة شاهد عدة شكاوى عن هذا الموضوع تركزت بشكل أساس في مخيم برج البراجنة. وخلال جولة ميدانية في مخيم برج البراجنة شملت مستشفى حيفا، واللجنة الشعبية وأشخاصاً آخرين، تبين أن ثمة مشكلات حقيقية تواجه سكان مخيم البرج، ابتداء من غياب المرجعية السياسية القادرة على معالجة التحديات اليومية، مروراً بالوضع الحالي لمستشفى حيفا الذي يشهد تراجعاً دراماتيكياً لأسباب عديدة، وليس انتهاء بمعاناة سكان المخيم المتفاقمة على كل الصعد ومنها بشكل خاص الصعيد الصحي.
رأي إدارة مستشفى حيفا
مدير مستشفى حيفا، الدكتور عوني سعد يتحدث عن الأزمة فيقول "إن مستشفى حيفا يشهد أزمة حقيقية سببها الرئيس هو انقطاع الكهرباء العامة عن المخيم لعدة أيام متواصلة، وانعكاس ذلك على كهرباء المستشفى. ونتيجة لهذا الوضع قام العديد من الأهالي المحيطين بالمستشفى بالإضافة إلى بعض القوى النافذة من فصائل فلسطينية وغيرها بالتعدي على مولدات الكهرباء الخاصة بالمستشفى والتعليق على خطوطها عبر الأسطح وذلك من خلال "تزليط" بعض أسلاك المكيفات، والمصعد والأجهزة الأخرى، والسرقة من خلالها بكميات كبيرة تفوق طاقة احتمال المولدات" ، وأضاف بأنه وجد خطاً قطره 8 ملم يضيء حارة بأكملها.
ويضيف الدكتور سعد: "كل هذه التعديات أدت إلى زيادة الأحمال على المولدات وتعطيلها الواحد تلو الآخر ولم يبق في المستشفى سوى مولد من الحجم الوسط الذي يغذي غرفة العمليات والطوارئ فقط ، ورغم ذلك قامت القوى نفسها بتهديد الموظفين وخلع الأقفال والسرقة من الخطوط المتبقية، وقد صودف وجود جثتين في برادات المستشفى واحدة تعود للمواطن الفلسطيني عمر أحمد عنان من مخيم شاتيلا وأخرى من مخيم برج البراجنة واللذين توفيا بتاريخ 14 آب 2009 على أن يدفنا بتاريخ 16 آب 2009 عند وصول أقاربهما من السفر – هذه الجثث تعفنت وتحللت ولم يستطع ذووها تغسيلها بل تم دفنها فوراً . يضيف الدكتور عوني بأنه خاطب جميع المعنيين في المخيم من فصائل فلسطينية ولجان شعبية وأمنية، "ولكن للأسف الشديد كانت استجابتهم محدودة جدا... إذ دعا إلى اجتماع مع هذه القوى المختلفة وذلك يوم الجمعة بتاريخ 14اآب 2009 وبعد أن وضعهم أمام مسؤولياتهم وأطلعهم على المصاعب والتحديات التي تواجه المستشفى، وعدوا بأنهم سيقومون بحملة لإزالة كل التعديات وإزالة جميع الأسلاك... وذلك يوم الاثنين بتاريخ 17آب 2009، وهذا ما لم يحصل فعليا إذ تعطل المولد الأخير وكان لا بد لإدارة المستشفى ساعتها من إعلان الإضراب وإغلاق المستشفى وعدم استقبال المرضى إلا في الحالات الطارئة جدا حيث كانت تعمل الطوارئ على مولد صغير جداً ومتنقل، بعد هذا الإجراء وجدت هذه الفصائل والقوى أنها محرجة، لذلك قاموا في اليوم التالي بإزالة التعديات وإعادة الوضع إلى حالته الطبيعية بعد أن دفعت المستشفى مبالغ طائلة وكبيرة لإعادة صيانة المولدات المعطلة وإصلاحها " .
أما فيما يخص أزمة الثقة مع مستشفى حيفا يقول الدكتور عوني: "جميع الموظفين من أطباء وممرضين يمارسون عملهم وهم خائفون، بسبب انتشار ثقافة عدم الاحترام بين عامة الناس في المخيم فليس هناك احترام للمقامات ولا للحرمات، وهذه تؤدي إلى إحباط الطبيب أو الممرض وتؤثر سلباً على أدائه، هناك انتشار الثقافة الخاطئة بين اللاجئين بأن من يدخل مستشفيات الهلال قد يتعرض لأخطاء طبية قاتلة ومميتة. صحيح أنه قد تحصل بعض الأخطاء وهذا يعود لعدم وجود الأجهزة المتطورة من صور مغناطيسية وصوتية وطبقية تساعد الطبيب على التحديد الدقيق والتشخيص للحالات المرضية أسوة ببقية المستشفيات الخاصة في لبنان...فضلاً عن وجود بعض الحالات التي عولجت في المستشفيات الخارجية ولم يعد هناك أمل بشفائها، فينقلها ذووها إلى مستشفى حيفا لتقضي البقية الباقية من أيام حياتها في المستشفى وتتوفى فيها... فتسود هناك الإشاعات المغرضة بان هناك خطأً طبياً أدى إلى وفاته".
ويشكو الدكتور سعد من عدم احترام الكادر الطبي في المستشفى من قبل سكان المخيم رغم أن إدارة المستشفى تحاول جاهدة لتحسين أوضاعه بكل الوسائل الممكنة.
رأي اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة
وعند استفسارنا من أعضاء اللجنة الشعبية في المخيم عن المشاكل التي تواجهها المستشفى وعدم تفاعلهم الجدي والسريع في حل مشكلة التعليق على شبكة مولدات المستشفى لفت السيد أبو وليد العينين أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة إلى أن سبب هذه المشكلة هو "تواطؤ بعض العاملين في المستشفى مع بعض الأشخاص النافذين حيث يتم تزويدهم بالكهرباء بطرق خفية من وراء المكيفات وعلب الكهرباء المتفرقة، وهذه الظاهرة شجعت الجيران والآخرين على التجرؤ والتعدي عنوة على شبكة الكهرباء، ما أدى إلى تعطيل المولدات واحدا تلو الآخر". ويضيف السيد العينين أنهم أكثر الناس حرصا على عمل المستشفى وأدائها، لكن المطلوب أيضا حرص الإدارة والموظفين داخل المستشفى بالدرجة نفسها. فالاستهتار بمكانة المستشفى المعنوية نتيجة الأخطاء الطبية القاتلة، كحالة الشاب من عائلة أيوب الذي أجريت له عملية جراحية غير ناجحة أدت إلى انخفاض وزنه من 45 كيلو إلى 18 كيلو لولا تدخل اللجنة الشعبية والعمل على تأمين علاجه في مستشفى رفيق الحريري وإنقاذ حياته". وقال إن تردي الأوضاع في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني تتحمل مسؤوليته منظمة التحرير الفلسطينية وذلك من خلال تقصيرها في دعم أداء هذه المستشفيات وتطويرها ومراقبتها، وكذلك تقع المسؤولية الكبرى على وكالة الأنروا التي أهملت الجانب الصحي للاجئين الفلسطينيين في لبنان وتعاقدت مع مستشفيات الهلال التي تفتقر إلى التجهيز اللازم وعدم قدرتها على استقبال جميع حالات العلاج... فالكثير من المرضى رفض استقبالهم رغم أن حالاتهم عادية ويتم علاجها بسهولة في المستشفيات الأخرى، كحالات ابتلاع الأطفال قطعاً نقدية صغيرة. وقال إن اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة "تدين كل الأعمال التي تسيء إلى هذه المؤسسة الإنسانية، وسوف لن تتأخر في تقديم الدعم والعون لها مع تمنيات اللجنة الشعبية على إدارة المستشفى التعامل مع الناس بنزاهة ودون تمييز بسبب الانتماء السياسي ومراعاة ظروف الناس الاجتماعية والاقتصادية".
رأي آخر
ومن خلال استطلاعنا رأي المطلعين على واقع المستشفى الصحي يقول السيد رجب طه، مدير صيدلية الرعاية في المخيم، "إن المستشفى يعاني منذ فترة طويلة من الإهمال وينقصه الكثير من المعدات كآلات التصوير والتخطيط وغسيل الكلى وغيرها، ناهيك عن انتشار ثقافة التسلط والتعدي على ممتلكات المستشفى من بعض القوى والعائلات النافذة السلطة، حتى وصل الأمر بأحدهم إلى تحويل أحد أنابيب مياه المستشفى إلى منزله". ويتساءل السيد طه إن كان الهلال الأحمر الفلسطيني هو مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الهامة والحيوية، فلماذا هذا الإهمال الخطير فيها؟
رأي مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان
إننا في مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان نهيب بالجميع من دون استثناء أن يتحملوا مسؤولياتهم، وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا)، العمل بشكل فاعل وجدي من أجل إيجاد الحلول للمشاكل الصحية التي يواجهها عموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتوصي مؤسسة شاهد بالأمور التالية: أولا: إن غياب المرجعية السياسية العامة يجعل بنية المجتمع الفلسطيني بكل تفصيلاته، بما فيها الجانب الصحي عرضة للتآكل، ويعرض مصالح الفلسطينيين الى الخطر الحقيقي. ثانيا: لا بد من العمل على تجهيز مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني بما تحتاجه من معدات متطورة، فضلاً عن العمل الدائم لتطوير كفاءة الأطباء والممرضين كي يتمكنوا من أداء أدوارهم الإنسانية بأقل الأخطاء الممكنة. ثالثا: ضرورة تأمين كافة الحقوق للعاملين في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني ومن ثم تفعيل قسم الرقابة الإدارية . ثالثا: ضرورة تأمين الحماية الكافية لهذه المستشفيات وطاقمها العامل بها كي يتمكنوا من أداء دورهم الإنساني بكفاءة واحترام.
بيروت في ٣١/٨/٢٠٠٩