مخيم نهر البارد بعد تعديل برنامج الطوارئ
نداء عاجل لكل من يهمه الأمر؟
المقدمة
منذ أن دُمّر مخيم نهر البارد عام 2007، وأكثر من ثلثي سكان المخيم يعيشون حالة طوارئ فعلية وحياة إنسانية واجتماعية معقدة للغاية.
فالبعض يسكن في بيوت معدنية جاهزة غير صالحة للسكن، ولا تتوفر فيها أدنى المعايير المطلوبة للسكن الآدمي، والبعض الآخر يسكن في كراجات أو في منازل صغيرة مستأجرة، أمّا ما نسبته 20% من المخيم القديم قد تم بناءه بشكل بطيء جداً، وقد تم تسليم تلك المنازل الى أصحابها رغم الكثير من الاعتراضات والملاحظات على عملية البناء والمساحات مقارنة بما كان يشغله صاحب نفس المنزل من مساحات قبل تدمير المخيم عام 2007، أما البقية فإنهم ينتظرون استكمال مراحل الإعمار بفارغ الصبر، مستندين في آمالهم على الوعود التي قطعتها الحكومة اللبنانية برئاسة رئيسها يوم ذاك فؤاد السنيورة، وكذلك الأونروا ولجنة الحوار اللبناني، بأن بناء المخيم وعودة أهله هي حقيقة مؤكدة.
ومن جهة أخرى فما يزال المخيم ومحيطه يعتبر منطقه عسكرية مغلقة، حيث لا يستطيع أحد الدخول الى المخيم القديم إلا بعد حصوله على تصريح من قيادة الجيش اللبناني في الشمال، ويحاط المخيم بسواتر ترابية، وأسلاك شائكة لا يستطيع الفرد الدخول إلا من خلال بوابات محدودة يستخدمها الجيش اللبناني كنقاط تفتيش ثابتة، وبالتالي يجعل هذا الحال واقع المخيم معقداً من حيث عودته الى طبيعته، ومن حيث اندماجه بالمحيط وعودة عجلة الحياة الاجتماعية والاقتصادية إليه.
في ظل هذه الظروف التي يعيشها سكان المخيم اضطرت الأونروا، وبدعم من الدول المانحة وموافقة الدولة اللبنانية الى تطبيق برنامج طوارئ في مخيم نهر البارد لسدّ الفجوة في احتياجات الأهالي بسبب الأوضاع الغير طبيعية التي يعيشها السكان. فقد قررت الأونروا تغطية علاج مرضى مخيم نهر البارد في جميع مستشفيات لبنان وبتغطية 100%، كما بدأت الأونروا تقدم مواد إغاثية شهرية لجميع سكان المخيم دون استثناء، فضلا ًعن دفع بدل إيجار للأهالي الذين لا يزالون يسكنون خارج المخيم، والذين لم توفر لهم الأونروا منزلاً جاهزاً، أو أنّ منزلهم في المخيم القديم ما زال بدون إعمار، وقد كانت تدفع مبلغ 200$ لكل أسرة بدل إيجار، ثم عادت وخفّضت المبلغ الى 150$ فقط.
استمرّت هذه الظروف على حالها منذ بداية الأزمة عام 2007 حتى شهر أيلول 2013، حيث أعلنت الأونروا وبشكل مفاجئ أنّها ستوقف برنامج الطوارئ، الذي يطبّق على أهالي مخيم نهر البارد، وذلك بسبب النقص الحاد بالتمويل واشتراط المانحين على الأونروا بأن تقدم الخدمات فقط للشريحة الأشد حاجة، رغم أن الأونروا ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خلال لقاءاتهم مع اللجنة الشعبية وفعاليات مخيم نهر البارد قد وعدوا بأن يستمر برنامج الطوارئ حتى نهاية عام 2013 على الأقل، إلا أن القرار جاء مفاجئاً للجميع.
وقد هدفت الأونروا من هذا القرار حسب زعمها الى تخفيض ميزانية الطوارئ من مبلغ 18 مليون دولار الى 7 مليون دولار، وبالتالي بات عليها إعادة تطبيق آلية جديدة على سكان المخيم.
احتجاجات الأهالي
احتج الأهالي واللجنة الشعبية ولجان أحياء المخيم الجديد على قرار المخيم وبدأت الاعتصامات أمام مراكز الأونروا في نهر البارد ومنطقة الشمال عموماً، إلا أن إدارة الأونروا في لبنان أبلغت جميع الفعاليات السياسية والأهلية الفلسطينية بأنّه ليس لديها أي خيار آخر، وهي مضطرة الى تعديل برنامج الطوارئ بطريقة تمكّنها من تقديم الحد الأدنى من الخدمات للشريحة الأشد حاجة.
"شاهد" تتابع الملف
في ظل هذه الظروف المعقدة والمواقف المتشنجة قام فريق "شاهد" بجولة ميدانية في منطقة الشمال للاطلاع عن كثب عما يجرى، وما هي آفاق الحلول المطروحة للخروج من الأزمة.
التقى فريق "شاهد" مع مدير منطقة الشمال "أسامة بركة"، والذي أوضح من جهته ما نشرته الأونروا في نشرتها الدورية الصادرة بتاريخ 27 آب 2013 لأهالي مخيم نهر البارد بأن إدارة الأونروا تمر بأزمة تمويل طارئة بسبب رفض المانحين استمرار تقديم الدعم المالي وتحويل جزء من مواردهم المالية لتغطية نفقات الأزمة السورية، وبالتالي وجدت إدارة الأونروا نفسها أمام واقع لا مفر منه لذلك قررت التالي:
- إعادة التغطية الصحية لجميع سكان المخيم بنسبة 50% كبقية سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان.
- تعديل برنامج الإغاثة بحيث يستهدف العائلات الأشد فقراً من سكان المخيم الجديد، وكذلك العائلات التي استلمت منازلها في المخيم القديم، أما الذين ما زالوا يسكنون خارج منازلهم فيستمر البرنامج بتقديم المساعدات لهم لحين إعمار منازلهم، يستفيد من هذا البرنامج حوالي 3000 عائلة من أصل 6000 عائلة أي ما نسبته 50% من سكان المخيم، لكنّ هذا البرنامج تم تعديله ليتم تقديم المساعدات آنفة الذكر مرة كل ثلاثة أشهر بدلاً من تقديمها كل شهر.
- أما بالنسبة لدفع بدل الإيجار فهناك حوالي 3000 عائلة تستفيد من بدل الإيجار، ولقد تبيّن للأونروا أن حوالي 500 عائلة تسكن في منازل ملك لها وتستفيد من برنامج الإيجار، وهناك فئة من التجار ومن ذوي الأوضاع الميسورة سيتم توقيف دفع بدل الإيجار لهم، وسيستمر البرنامج في تقديم بدل الإيجار لحوالي 2000 عائلة مع السياسة الجديدة.
وأضاف بركة: هناك مشكلة معقدة بخصوص مرضى غسيل الكلى حيث يصل عددهم الى 22 حالة، وما زالت الأونروا تبحث عن حلول، باعتبار أنّه لا يوجد مكان لغسيل الكلى إلا في مستشفى الهمشري التابع لجميعة الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة صيدا، ويصعب على هؤلاء المرضى التوجه الى هناك بسبب حالة الإعياء والتعب التي تصيبهم بعد كل عملية غسيل، فضلاً عن وجود حالات تستوجب الغسيل ثلاث مرات أسبوعياً. إن تكلفة غسيل الكلى في المستشفيات الخاصة باهظ جداً، لذا هناك بحث وتفاوض مع مختلف الجهات لإيجاد حل إنساني لهذه الشريحة من المرضى.
خلال لقاء فريق " شاهد" مع الأستاذة سليمة مسؤولة برنامج الإغاثة والطوارئ في منطقة الشمال، فقد أكدت الأستاذة على ما ذكره مدير منطقة الشمال أسامة بركة مضيفةً:
- أن سكان المخيم قد فهموا خطئاً بأن الأونروا سوف توقف برنامج الطوارئ بالكامل، رغم توضيح الأونروا لجميع الفعاليات أنها بصدد إعادة إجراء عملية إدارية تهدف الى ترشيد الإنفاق للوصول الى العائلات والأفراد المستحقين فعلاً لهذه الخدمات المختلفة، خصوصاً أن ديون الأونروا بالموازنة فيما يخص برنامج طوارئ مخيم نهر البارد بلغت حوالي 10 مليون دولار، ولا تستطيع الأونروا صرف مبلغ 18 مليون دولار شهرياً على هذا البرنامج، وبالتالي بات عليها البحث عن حلول تمكّنها من الاستمرار بتقديم الخدمات في الحد الأدنى للشرائح الأشد فقراً.
- إن برنامج الإغاثة سوف يشمل جميع الأفراد الذين لا يستطيعون إنفاق ما يزيد عن 6.6$ باليوم الواحد على متطلبات معيشتهم، هذا يعني أن حوالي 80% من سكان المخيم يقدر عددهم حوالي 2200 عائلة سوف يستمرون بالاستفادة من برنامج الإغاثة، لكن مرة كل ثلاثة أشهر بدلاًمن الخدمات الشهرية.
- تتوقع إدارة الأونروا أن تخفّض ميزانية طوارئ مخيم نهر البارد من 18 مليون دولار شهرياً حتى 7 مليون دولار، كي تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات للعائلات من فئة الفقر والعسر الشديد وفي حدودها الدنيا، باعتبار أن موازنة الأونروا الرئيسية تعاني من عجز يصل الى 60 مليون دولار.
اللجان الشعبية والمجتمع المحلي ... ماذا يقولون؟
عند لقاء فريق "شاهد" بأعضاء اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد ونقل توجهات إدارة الأونروا بالرغبة بلقاء اللجنة الشعبية وفعاليات المخيم أشار أمين سر اللجنة الشعبية، بأن جميع أعضاء اللجنة كانوا دائماً من المرحبين بلقاء مدير عام الأونروا وجميع طاقمها في منطقة الشمال، ولكن على أساس الحوار والتفاهم، لا أن يتم تبليغنا بقرارات مأخوذة مسبقاً، والإشارة اليها في إعلام الأونروا بأن الخطوات والتدابير الجديدة التي اتخذت، كانت بناءاً على تفاهم بين اللجنة الشعبية ولجان الأحياء في المخيم من جهة، وإدارة الأونروا من جهة أخرى.
في هذا الصدد أشار أمين سر اللجنة الشعبية الى رفض الحوار مع الأونروا، وتحميل المسؤولية للدولة اللبنانية، وإدارة الأونروا، والدول المانحة الذين أكّدوا في أكثر من لقاء في أن برنامج الطوارئ سيستمر العمل به حتى نهاية 2013، لنفاجأ اليوم بوقف العمل به في بداية شهر أيلول ودون إنذار مسبق.
وأكّد أمين سر اللجنة الشعبية وبحضور بقية الأعضاء على رفض وقف برنامج الطوارئ مبرراً بأن حوالي 70% من سكان المخيم ما زالوا خارج منازلهم في المخيم القديم، وأن المخيم ما زال يخضع للحالة العسكرية، وبالتالي فإن التقديرات تشير الى أن 500 عائلة ما زالت تسكن في البراكسات الجاهزة، و3008 عائلة ما زالت تستأجر منازل وكاراجات في محيط مخيم نهر البارد والبداوي. كما أشار أمين سر اللجنة الشعبية الى الأمور التالية:
- وجود 24 حالة غسيل كلى ومنهم من يضطر لإجراء عملية الغسيل ثلاثة مرات أسبوعياً.
- تكلفة غسيل الكلى مكلف جداً في المستشفيات الخاصة وهذا يفوق قدراتهم المالية ممّا يعرض حياتهم للخطر.
- وجود 400 مريض أعصاب و42 حالة سرطان وحياتهم مهددة بالخطر، خصوصاً مرضى غسيل الكلى.
كما أشار أنه في حال حصول أية حالة وفاة للمرضى، فإن اللجنة الشعبية لن يكون بمقدورها ضبط الشارع، الذي قد يستهدف مراكز الأونروا، وقد أكّد أعضاء اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد بأنهم سوف يستمرون في تحركاتهم الشعبية والاحتجاجات وإغلاق مرافق الأونروا، فضلاً عن الانتقال بالاعتصامات الى مكتب الأونروا الرئيسي في بيروت.
وفي لقاء فريق "شاهد" مع أعضاء لجنة أحياء المخيم الجديد أشار رئيس اللجنة بأن هناك مماطلة في تقديم بقية المنحة الإيطالية، والتي تبلغ حوالي مليونين ونصف مليون يورو من أصل 5 مليون يورو قدمتها الحكومة الإيطالية كتعويضات لسكان المخيم الجديد، إلا أن استمرار مطالبة اللجنة بهذا الحق وبمساعدة المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد" عبر السفارة الإيطالية، وعد السفير الإيطالي في لبنان بأن بقية المنحة في طريقها الى الحل في أقرب فرصة ممكنة.
كذلك أثار أعضاء اللجنة موضوع الهبة اليونانية والتي قُدمت من الحكومة اليونانية لتأهيل البنية التحتية في المخيم الجديد، إلا أن هذه الهبة ما زالت موقوفة بسبب الإجراءات البيروقراطية التي تتبعها الحكومة اللبنانية بخصوص المبالغ الممنوحة لتطوير وتأهيل المخيم.
كما أشار أعضاء لجنة المخيم الجديد الى أن مشكلة 396 سيارة التي تم حرقها ودمارها نهائياً خلال أزمة مخيم نهر البارد، ما زالت معاملاتها وتعويضاتها متوقفة.
طالب أعضاء لجنة المخيم الجديد من المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان " شاهد" مؤازرتهم والتواصل مع الجهات المعنية بخصوص الملفات المعلقة سعياً لحلها وإنهاء معاناة الأهالي في المخيم.
ونشير في هذا المقام الى أننا في "شاهد" كان من المفترض أن نلتقى مدير مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد في الأونروا المهندس محمد عبد العال، إلا أننا لم نتمكن من ذلك بسبب إغلاق المشروع من قبل الأهالي المحتجين على وقف وتعديل مشروع الطوارئ في المخيم.
إننا في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد" نطالب بالتالي:
- على الدول المانحة الإيفاء بالتزاماتها كي تتمكن الأونروا من الإستمرار بتقديم خدماتها للاجئين في مخيم نهر البارد.
- أن تقوم الأونروا بلقاء أعضاء اللجنة الشعبية ولجان الأحياء وفعاليات المخيم وتوضيح الظروف الطارئة على البرنامج والعمل سوياً برؤية جماعية لتجاوز الأزمة.
- التزام الحكومة اللبنانية بما وعدت به من إعادة إعمار مخيم نهر البارد وتسهيل الإجراءات القانونية والإدارية في هذا المجال.
- على اللجنة الشعبية، ولجان أحياء المخيم الجديد وفعاليات المخيم عدم إغلاق مرافق الأونروا الحيوية، بسبب حاجة الأهالي اليها ونقل الاحتجاجات والإعتصامات أمام المكتب الرئيسي وسفارات الدول المانحة.
- ضرورة إيجاد حل سريع لمرضى غسيل الكلى ومرضى السرطان تجنباً لوفاة البعض منهم بسبب عدم تلقيه العلاج المناسب.
بيروت، 18/9/2013
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"