متى تعالج مشكلة فاقدي الهوية من الفلسطينيين في لبنان؟
للفئة الثالثة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، تفاصيل كثيرة ومؤلمة وقاسية. وعلى الرغم أن هم اللجوء واحد، الا أن هذه الفئة الثالثة أخذت بعداَ آخر. فهذه الفئة تعتبر من فاقدي الهوية، اي ليس لها شخصية قانونية، ليست مسجلة لدى الانروا او في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية. يقدر عددها بين 3000-5000 وليس هناك احصاء رسمي حقيقي لعدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ظروف لجوئها الى لبنان مختلفة كليا عن غيرها من باقي الفئات، ومرتبطة اساسا بأحداث ايلول الاسود عام 1970 (الاحداث المؤسفة بين الجيش الاردني والثورة الفلسطينية) ومع مرور سنين طويلة على لجوء هذه الفئة الى لبنان، الا ان ظروفها الانسانية برزت الى العيان بعد انتهاء الحرب الاهلية، واستتباب الامن والاستقرار.
هنالك امثلة صارخة تدل على مدى الظلم الواقع على هذه الفئة وتظهر الفجوة الواسعة جداََ بين ما هو منصوص عليه في القوانين الانسانية وبين الواقع المعاش. وبات السؤال واحداَ: هل يعقل ان تعامل فئة من الناس بهذه الطريقة ونحن قد دخلنا القرن الواحد والعشرين؟
الفلسطيني حسين أحمد غلمي، مثال:
تكاد تتشابه قصص الفلسطينيين من فئة فاقدي الهوية:
لا شخصية قانونية\هوية، لا زواج، لا سفر لا تنقل، لا استشفاء لا تعليم لا فرص عمل....لا حياة كريمة، او نصف كريمة...
حسين أحمد غلمي ابو عماد فلسطيني قادته الظروف رغماَ عنه الى لبنان. مواليد 1952 من قرية عاروره قضاء رام الله . التحق بصفوف الثورة الفلسطينية مبكرا شأنه شان الشباب الفلسطيني الذي وجد في الثورة آنذاك عنوانا للعودة الكريمة.
تزوج 1981 من فتاة فلســطينية مسجلة لدى الانروا. لم تكن آنذاك مشكلة قانونية، ولم يشعره احد انه سيواجه مشاكل قانونية لاحقا. انجب منها ذكورا واناث، بلغوا حتى تاريخه ستة: ثلاثة ذكور وثلاثة اناث.
الزواج شرعي مئة بالمئة ، فقد دوّن في المحكمة الشرعية السنية، لكنه لم يدون في سجلات دائرة شؤون اللاجئين في بيروت، كما لم يدون في سجلات الانروا، اي هو زواج شرعي لكنه غير قانوني، وكل ما نتج عن هذا الزواج هو غير قانوني!
لم يكن ابو عماد يدرك ان ذلك هو عقدة العقد، وما كان ليقدم على الزواج لو كان يعلم ان معاناة تنتظراولاده وبناته.
وبعد ان وضعت الحرب الاهلية اوزارها، ادرك ابو عماد ان رحلة العذاب قد بدأت للتو....ومع بداية العام 2000 اشتدت الظروف قسوة. ليس هناك من اولاده من يحمل ورقة تثبت من هو. فقد اعتقل ابنه الكبير غير مرة بسبب انه لا يحمل ورقة تثبت شخصيته. وليس هناك امكانية للعيش بشكل طبيعي، حتى ضمن اخوانه اللاجئين الذين يعانون هم اصلاَ.
ومع اشتداد ساعد الاولاد وبلوغ بناته سن الزواج، ادرك ابو عماد أن المعاناة ، بدأت تأخذ اشكالا أخرى. تقدم لبناته "عرسان" وحين علمهم بوضعهن القانوني كانوا يتراجعون. وترك ذلك اثرا سلبيا في نفوسهن. اما ابنته منار فقد تقدم لخطبتها شاب كان يصر على ذلك رغم علمه بالآثار المترتبة زواجه منها. وهو الآن يطرق كل الابواب لجعل زواجه منها قانونيا وشرعيا، لأن ما قربته القلوب لا تبعده القوانين. وما يربطه بها هو الحب.
يعيش حسين أحمد غلمي ابو عماد مع عائلته في بيت صغير لا يتمتع بمعايير البناء وهو عاطل عن العمل بسبب فقدانه احدا يديه اثناء انخراطه في صفوف الثورة الفلسطينية وهو يعاني من امراض شتى: السكري، الضغط، وضعف النظر .... اما الاولاد فهم يعملون بالاعمال الموسمية اليومية. وما يتحصلون عليه من مال ينفقونه على الطعام والكساء.
يقول ابو عماد "انه شخصيا لم تعد تساوي الحياة عنده شيئا وان ما يثقل كاهله هم الاولاد" الذين تعصف في وجوههم رياح ساخنة تذهب بريق الزهور ولمعانها.
ومع افتتاح مكتب م.ت.ف في بيروت اصدرت الاخيرة أوراقا تساهم بمعالجة المشاكل جزئيا، وهي عبارة عن بطاقة هوية تساهم في التنقل وامور اخرى كما نشطت جمعيات مثل المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان – حقوق المركز الدنمركي للاجئين DRC وجمعية رواد وغيرها في الدفاع عن هذه الفئة.
ولقد شهدت السنة الماضية حركة نشطة باتجاه معالجة مشكلة فاقدي الهوية. فعقدت المؤتمرات وورش العمل وانطلقت الحملات . لكن يبقى قرار الحل لهذه الفئة مرتبط بثلاث جهات اساسية الحكومة الاردنية، الحكومة اللبنانية، الانروا.
يبقى ان نشير الى ان فئة فاقدي الهوية من الفلسطينيين غير المسجلين تعتبر من اكبر المشاكل الانسانية التي يعاني منها الفلسطينيون في لبنان في العموم.
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد)
بيروت في 14-3-2007