تداعت العديد من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية الفلسطينية لاجتماع طارئ لمناقشة استمرار المحكمة الدستورية العليا، التي لم تستكمل إجراءات تشكيلها حسب الأصول والقانون، في عقد جلساتها، وما صدر عنها من قرار تفسيري بتاريخ 3/11/2016، والذي تضمن منح الرئيس محمود عباس صلاحية رفع الحصانة البرلمانية عن أي عضو من أعضاء المجلس التشريعي في غير أدوار انعقاد المجلس بتشريع استثنائي.
وشددت المؤسسات والمنظمات الأهلية على موقفها الثابت والمعلن بشأن المحكمة الدستورية العليا، والذي عبرت عنه من خلال الرسالة التي وجهتها إلى الرئيس محمود عباس بتاريخ 3/4/2016؛ وهو اليوم الذي صدر فيه القرار الرئاسي بتشكيل المحكمة، وقد أكدت الرسالة الموجهة للسيد الرئيس وقتئذ على ضرورة أن يأتي تشكيل المحكمة الدستورية العليا في مرحلة لاحقة لإعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وتوحيد القضاء الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأكدت أيضاً على أهمية وضرورة العمل على ضمان نزاهة واستقلالية وحيادية المحكمة الدستورية وأعضائها وعدم المساس بتلك المبادىء.
وكذلك من خلال الموقف الصادر عن المؤسسات والمنظمات الحقوقية بتاريخ 20/9/2016 والذي أكد بوضوح على أن المحكمة الدستورية قد أصدرت قرارها التفسيري الأول رقم (01/2016) بتاريخ 18/9/2016 دون أن تستكمل الإجراءات القانونية اللازمة لتشكيلها، وهي "إجراءات جوهرية" مبينة في المادة السابعة من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006، وأن انعقاد المحكمة والحالة تلك يشكل مساساً بقانون المحكمة الدستورية العليا وأحكام القانون الأساسي المعدل ومبدأ سيادة القانون كأساس للحكم في فلسطين.
وعليه، فإن المؤسسات والمنظمات الأهلية الموقعة على هذا الموقف الموحد تؤكد على ما يلي:
- إن انعقاد المحكمة الدستورية العليا للنظر في أي طلب تفسيري أو نزاع دستوري، يتطلب أن يكون تشكيل المحكمة متفقاً وأحكام قانونها والقانون الأساسي، وحيث أن قانون المحكمة قد نص في المادة (7) على أن يؤدي رئيس المحكمة ونائبه وقضاتها اليمين أمام رئيس السلطة الوطنية بحضور رئيس المجلس التشريعي ورئيس مجلس القضاء الأعلى قبل مباشرة أعمالهم، وحيث أن أداء اليمين قد جرى في غياب رئيس المجلس التشريعي، وحيث أن المادة (103) من القانون الأساسي المعدل تنص على أن تُشكل محكمة دستورية عليا بقانون ويبين القانون طريقة تشكيل المحكمة والإجراءات واجبة الاتباع والآثار المترتبة على أحكامها، وحيث أنه قد تم المساس بتلك الإجراءات الدستورية والقانونية في تشكيل المحكمة، وحيث أننا أمام إجراءات جوهرية لازمة لانطلاق عمل المحكمة تبعاً لاختصاصاتها في الرقابة على دستورية القوانين واختصاصاتها التفسيرية، فإن تشكيل المحكمة الدستورية العليا والحالة تلك، يكون مشوباً بعيب جسيم، وأحكامها وقراراتها تكون منعدمة.
- إن القرار الرئاسي الصادر بتاريخ 3/4/2016 بتشكيل المحكمة الدستورية العليا قد انتهك أحكام القانون الأساسي المعدل وقانون المحكمة الدستورية العليا وقانون السلطة القضائية، وذلك لأن مضمون قرار التشكيل قد خرق مبدأ استقلالية وحيادية المحكمة الدستورية العليا، بظهور لون سياسي في عضوية المحكمة، الأمر الذي يفقد المحكمة مغزى وجودها ودورها في حراسة القانون الأساسي المعدل وحماية الحقوق والحريات الدستورية بالارتكاز إلى مبدأ سيادة القانون على الجميع كأساس للحكم في فلسطين. وقد سبق وأن شددت المؤسسات والمنظمات الأهلية الفلسطينية، في رسالتها الموجة إلى السيد الرئيس بذات اليوم، وقبل أداء قضاة المحكمة اليمين القانونية، على وجوب عدم المساس بمبدأ استقلالية وحيادية المحكمة الدستورية وقضاتها.
- إن ما صدر عن رئيس المحكمة الدستورية العليا، التي لم تستكمل إجراءات تشكيلها، وقبل توليه مهام منصبه، من رأي مسبق، منشور في وسائل الإعلام منذ تاريخ 29/3/2013، وكرره في مناسبات عديدة بعد رئاسته للمحكمة، بشأن عدم الاعتراف بسمو القانون الأساسي المعدل على غيره من التشريعات، وأنه قانون عادي لا أكثر، وأن المجلس التشريعي قد انتهت ولايته المقررة دستورياً، وأنه "يجزم" مسبقاً حسب تصريحاته بأن من حق الرئيس رفع الحصانة عن عضو المجلس التشريعي، وأن حالة الضرورة تمنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة، وأن الشرعية الاستثنائية تحل محل الشرعية العادية وغيرها من التصريحات، تشكل انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الأساسي وسموه ومبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، تؤكد عدم صلاحيته قانوناً في نظر أي طلب تفسير ي أو نزاع دستوري مرجعه فيه هو القانون الأساسي الفلسطيني المعدل.
- إن الحصانة البرلمانية، تعد من أهم المبادىء الدستورية الراسخة، والضمانات التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني (التشريع الأسمى) ومختلف دساتير دول العالم، لأعضاء البرلمان المنتخبين بإرادة شعبية، بهدف تمكينهم من ممارسة مهامهم البرلمانية في التشريع والرقابة على أداء السلطة التنفيذية بحرية وطمأنينه. ولأن الحصانة مرتبطة بالصالح العام والنظام العام فقد أكد القانون الأساسي وقانون واجبات وحقوق أعضاء المجلس التشريعي والنظام الداخلي للمجلس على أن عضو المجلس التشريعي لا يملك التنازل عن الحصانة البرلمانية بغير إذن مسبق من المجلس التشريعي الفلسطيني. وإن منح السلطة التنفيذية صلاحية رفع الحصانة البرلمانية الدستورية عن أعضاء المجلس التشريعي من شأنه أن يهدم مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات وأن يقوض النظام السياسي برمته لصالح الهيمنة والتفرد بالسلطة والقرار، وهي طريق الاستبداد.
- بنت المحكمة الدستورية العليا، التي لم تستكمل إجراءات تشكيلها، قرارها التفسيري على ما ورد في البند الثالث من القرار بالقول " لم يجاوز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية سلطته في إصدار القرار بقانون لرفع الحصانة عن أي عضو من أعضاء المجلس التشريعي في غير أدوار انعقاد جلسات المجلس التشريعي، والتي لا يخضع تقديرها لمعيار ثابت وإنما تتغير بتغير الظروف وفقا لمواجهة أية آثار مادية أو غيرها قد تمس الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية في البلاد لمواجهة حالات الضرورة للمحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فيها كرخصة تشريع استثنائية لعدم انعقاد المجلس التشريعي وعدم قدرته على الانعقاد ...". ولكن المحكمة لم تبين في تفسيرها الأساس الذي استندت إليه في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، في ظل تأكيد المادة (53) من القانون الأساسي على الحصانة البرلمانية الدستورية، وتأكيد المادة (38) من القانون الأساسي على الصلاحيات الحصرية للرئيس " يمارس رئيس السلطة الوطنية سلطاته ومهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون" وعدم قدرة أي تشريع استثنائي (قرار بقانون) أو عادي على مخالفة أحكام القانون الأساسي عملاً بمبدأ سمو القانون الأساسي على غيره من التشريعات، ومبدأ تدرج القاعدة القانونية من حيث القوة الإلزامية، وعدم إمكانية المساس بأي حرف في القانون الإساسي إلاّ عبر طريق دستوري واحد عنوانه المادة (120) من القانون الأساسي ونصها "لا تعدل أحكام هذا القانون الأساسي المعدل إلاّ بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني". وبالتالي، كيف جرى المساس بالحصانة البرلمانية الدستورية الواردة في المادة (53) من القانون الأساسي وبإرادة المشرع الدستوري الواضحة في النص المذكور في تفسير المحكمة؟ وكيف يمكن لحصانة برلمانية دستورية راسخة في القانون الأساسي الفلسطيني أن تتغير بتغير الظروف؟ وكيف تجاوزت المحكمة الدستورية أساساً حدود طلب التفسير، وشروطه وضوابطه الموضوعية، الحاكمة للقرار التفسيري، والمبينة في قانونها؟
- إن المؤسسات والمنظمات الأهلية الموقعة على هذا البيان، وإذ تؤكد على أن استمرار عمل المحكمة الدستورية العليا خلافاً لأحكام القانون الأساسي وقانونها، وعزل رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى خلافاً لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، وغيرها من الإجراءات والقرارات التي صدرت في الآونة الأخيرة، يشكل تغولاً خطيراً للسلطة التنفيذية وأعوانها على القضاء النظامي والدستوري، بما ينذر بانهيار شامل في النظام السياسي، وإذ تشدد على ضرورة بلورة رؤية وطنية جامعة لإعادة توحيد وإصلاح السلطة القضائية ومنظومة العدالة، على أسس مهنية وموضوعية وشفافة، تكفل استقلال القضاة والقضاء، وبناء التكوين والأداء المؤسسي الفاعل في السلطة القضائية ومنظومة العدالة، فإنها لن تدخر جهداً في حشد كافة الطاقات والإمكانيات واستخدام مختلف أدوات المناصرة لوقف التدهور في النظام السياسي، وإعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وصيانة الحقوق والحريات العامة.