حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في العمل بين النصوص القانونية
والمزاجية السياسية
نحو مقاربة حقوقية عاقلة
تموز 2019
" يبدو لي أن الحق الأساسي لأي إنسان هو العمل"
إليانور روزفيلت
مقدمة:
منذ النكبة ولجوء الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مرت العلاقات اللبنانية الفلسطينية بمراحل مختلفة من التعقيدات والتجاذبات
والاختلافات، وكانت الحكومات اللبنانية المتعاقدة تصرح بأنها تقف مع القضية
الفلسطينية وإلى جانب الشعب الفلسطيني ولكن الواقع كان عكس ذلك فاللاجئ الفلسطيني
في لبنان محروم من أبسط حقوقه وأوضاعه المعيشية صعبة للغاية، والآن وبعد مرور 71
عاماً على النكبة لا زالت العلاقات اللبنانية - الفلسطينية تشكل نقطة معقدة
بمستوياتها الأمنية والسياسية، وذلك يعود لحساسيتها وارتباطها بالنظرة الأيدولوجية
لمكونات النظام السياسي والمذهبي اللبناني تجاه الوجود الفلسطيني في لبنان الذي
ينظر له البعض كأرقام تخل بالتوازنات الطائفية وبعضهم الآخر يصف كبؤر أمنية خطيرة.
وفي هذا الإطار ومنذ الوجود الفلسطيني كانت تصدر الدولة اللبنانية قوانين وقرارات
من شأنها حرمان اللاجئ الفلسطيني من حقوقه المدنية والاجتماعية والاقتصادية والآن
وفي ظل محاولات الإدارة الأميركية إلى إنهاء القضية الفلسطينية وحق العودة تحت
عنوان "صفقة القرن" ووقوف معظم الدول معها وفي ظل هذا الواقع الصعب الذي
يواجهه الفلسطينيون وفي انتظار المستقبل المجهول ورغم التوافق اللبناني الفلسطيني
على طي صفحة الأحداث الأليمة التي خلقت فجوة بين اللبناني والفلسطيني، إلا أن هناك
العديد من المؤشرات تدل على أنه لا زالت هناك هوة كبيرة تمثلت في جملة من القرارات
والقوانين التي تهمش اللاجئ آخرها قانون وزارة العمل اللبنانية الذي يحرم اللاجئ
الفلسطيني من حق العمل.
وانطلق مفتشو وزارة العمل
في الأراضي اللبنانية كافة يوم الخميس الموافق فيه 11/7/2019، في إطار فرض تطبيق قانون
العمل والتأكد من امتلاك العمال الأجانب إجازات عمل بما في ذلك الفلسطيني، وذلك بعد
انتهاء مهلة السماح التي أعلن عنها وزير العمل كميل ابو سليمان خلال إطلاقه خطة مكافحة
اليد العاملة الأجنبية غير الشرعية، ودامت شهراً إفساحاً في المجال أمام الشركات والمؤسسات
كي تسوي وضعها وتحصل على إجازات عمل للعمال الأجانب غير الشرعيين لديها. وقد فرضت الوزارة
الشروط التالية على أصحاب العملالفلسطينيين وهي:
1.
الحصول على
إجازة عمل بمبلغ 480.000ل.ل
2.
إيداع مبلغ
100.000.000 ل.ل. في البنك
3.
التعهد
بتوظيف لبنانيين ( موظف فلسطيني مقابل كل 3 لبنانيين)
أولا : حق العمل
يمكن توزيع العمالة
الفلسطينية في لبنان الى ثلاث فئات:
1.
فئة قليلة
تتميز بالثراء وهذه الفئة حملت معها من فلسطين الأموال و الأعمال العقارية
والمصرفية فانخرطت في الاقتصاد اللبناني و تمكن قسم كبير منها من الحصول على
الجنسية اللبنانية في مراحل مبكرة.
2.
فئة متوسطة
من أصحاب الخبرات المهنية التعليمية، تركت لبنان منذ الخمسينات بعد أن أغلقت في
وجهها إمكانات العمل وتوجهت الى أوروبا أو الى الخليج العربي.
3.
فئة ثالثة من
العمال و هي الأكبرعدداً تحولت الى يد عاملة رخيصة في الأعمال الموسمية والشاقة.
وتقدّر قوة العمل
الفلسطينية بحوالي 75 ألف عامل يتمركزون في مجالات العمل الصعبة والشاقة كالزراعة
و البناء و الأفران و محطات الوقود.
إن قانون العمل اللبناني
في تعاطيه مع العمال الأجانب في لبنان يأخذ مسألتين أساسيتين في منحه إجازة العمل:
أولاً: أولوية العامل اللبناني على غيره من
الأجانب.
ثانياً: مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل.
لذلك فإجازة العمل تتناول الأعمال التي لا يقوم بها العامل اللبناني و تمنح
حيث لا توجد كفاءات لبنانية لإمتهانها.
بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان 1982 أصدرت وزارة العمل
اللبنانية القرار 189 بتاريخ 1982 والذي قضى بمنع الفلسطينيين بممارسة أكثر من 60
مهنة بالاضافة الى مجموعة من القرارات الادارية صدرت عن وزارة العمل و حددت فيها
الشروط الواجب توفرها للحصول على اجازة عمل. ويعاقب كل من يخالف هذه الشروط و
يتعرض لملاحقات قانونية وغرامات مالية، كما يعاقب ربّ العمل الذي لا يستوفي الشروط
القانونية الخاصة بالعمال الأجانب، مما يدفع رب العمل اللبناني الى طرد أي عامل
فلسطيني لديه ما لم يكن مستوفياً الشروط القانونية دون أن يترتب عليه أية إلتزامات
قانونية و مادية إتجاهه. و يمكن تلمّس النتائج المباشرة لهذه السياسة في تفشي
ظاهرتي البطالة السافرة والبطالة المقنعة.
و اذا استطاع العامل الفلسطيني الحصول على عمل، فإنه يصطدم بمزاجية أرباب
العمل لناحية حرمانه من حقه في الضمان الاجتماعي والصحي والتعويض والأجر ويبقى
معرضاً للفصل التعسفي في أية لحظة بدون أي غطاء قانوني.
أما حملة الشهادات العلمية فمشكلتهم لا تختلف كثيراً عن كل ما سبق، فالمهندس
الفلسطيني يقوم بكل أعباء المهندس لجهة الاشراف والمتابعة والتنفيذ، لكن الصيغة
النهائية تكون بإسم مهندس لبناني، وعقد العمل لا ينص على اعتبار المهندس الفلسطيني
مهندساً بل عاملاً عادياً.
والملاحظ أن الدولة اللبنانية لا تمانع أن يقوم الأطباء الفلسطينيون امتحان
الكولوكيوم ولكن من يستطيع تجاوز هذا الامتحان من الأطباء الفلسطينيين لا يمكنه
العمل سوى في مؤسسات وكالة الغوث ومستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني، بالاضافة الى
ذلك فإن التقارير الطبية الصادرة عن أطباء فلسطينيين لا يعترف بها من قبل الدولة
اللبنانية ما لم تكن مغطاة بتوقيع طبيب لبناني. أما مبررات المنع من العمل المقدمة
من الدولة اللبنانية، فتتراوح بين عدم القدرة على توفير فرص عمل للبنانيين فكيف
بالنسبة للاجئين، وبين عدم اتخاذ هذا الموضوع على أنه مقدمة للتوطين أو لكي لا
تشكل العمالة الفلسطينية منافسة لليد العاملة اللبنانية.
وعام 1983 صدر قرار بمنع جميع الأجانب بمزاولة 75 وظيفة. وجاء التجديد على
هذا القرار في 19 كانون اول من عام 1995 وكانت الفقرة الثانية منه تنص على
"امكانية استثناء بعض الاجانب من القرار و خاصة أولئك الذين ينطبق عليهم واحد
من الشروط الواردة في الفقرة الثامنة من المرسوم رقم 17561 من 18/9/1964 الهادف
الى تنظيم العمالة الاجنبية و خاصة الاجانب الذين:
-
يعيشون في لبنان منذ الميلاد.
-
من جذور لبنانية أو ولد لأم لبنانية
-
متزوج من لبنانية لأكثر من سنة
إلا أن هذا القرار لم يحسن من أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في موضوع العمل
لأن عملية الحصول على إذن ما زالت معقدة.
وبعد هذه السنين العجاف، أصدر الوزير طراد حمادة مذكرة بتاريخ 7/6/2005،
يجيز فيها للفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجلين بشكل رسمي في
سجلات وزارة الداخلية اللبنانية بالعمل في المهن المختلفة. لكن المذكرة على الرغم
من أهميتها إلا أنها كانت جزئية جدا، ولم تلامس الحاجة الفعلية، لم تجز للاطباء
ولا المهندسين باختلاف تخصصاتهم في العمل في مهنتهم بشكل قانوني، فضلا عن ثغرات
قانونية كثيرة، لا مجال لتناولها الآن. إلا أن خطوة الوزير طرادة كانت جريئة
ونوعية وفريدة، وفتحت المجال للنقاش الجدي.
ثانياً: كيف يعيش اللاجئون
الفلسطينيون في لبنان:
وفقا لتقارير حقوقية دولية ومحلية وأخرى صادرة عن المؤسسة الفلسطينية لحقوق
الإنسان (شاهد) يعيش الفلسطينيون في لبنان في 12 مخيماً و 57 من التجمعات المنتشرة
على مساحة لبنان الجغرافية، حيث تعاني هذه المخيمات والتجمعات من ظروف اقتصادية
واجتماعية صعبة جدا، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة والاكتظاظ السكاني وضيق
المساحة، إضافة إلى وجود أمراض مزمنة وحرمان اللاجئ الفلسطيني من حقوقه المدنية
والاقتصادية والاجتماعية.
ولم تجر أي من الحكومات المتعاقبة على الأقل في العقدين الأخيرين أيُّ
تغييرات جوهرية تحسن من أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أما خدمات وكالة الأونروا
فقد تراجعت بشكل كبير، حيث اتخذت سلسلة قرارات تقليصية أصابت في الصميم الخدمات التي كانت تقدمها لالجئين
الفلسطينيين (إعمار نهر البارد، الشؤون اإلجتماعية، المنح الجامعية، الخدمات
الصحية، التوظيف..). وفي العموم يعامل اللاجئ الفلسطيني في لبنان معاملة استثنائية
لجهة الحرمان والتهميش والمنع.
ثالثاً: النظرة
اللبنانية للاجئ الفلسطيني في لبنان:
من الجهة اللبنانية فقد نجح البعض في تقديم صورة اللاجئ الفلسطيني على أنه
الطامع الجشع الذي يريد انتزاع لقمة العيش من اللبناني بينما في الواقع فإن اللاجئ
الفلسطيني له اسهامات كبيرة في الاقتصاد اللبناني. نذكر منها:
1.
تحويلات
الفلسطينيين الموجودين في الخارج لأسرهم في لبنان تشكل حوالي 62 مليون دولار
2.
معظم مداخيل
اللاجئين الفلسطينيين يتم صرفها او ادخارها في الاقتصاد اللبناني حيث يقدر بحوالي
10% من إجمالي الاستهلاك الخاص
3.
1
من 4 لاجئين فلسطينيين هم إما أصحاب عمل أو يعملون لحسابهم الخاص
4.
العديد من
المنشآت بما فيها مصارف أساسية تم تأسيسها من قبل لبنانيين من أصول فلسطينية
وبالتالي يساهمون في خلق فرص عمل وفي توسيع الاقتصاد اللبناني
خلاصات وتوصيات:
هناك لغط كبير بين رفض
التوطين مطلقاً وبين حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية ، ورغم ان لبنان كان من الدول المصادقة على معظم بنود
بروتوكول الدار البيضاء عام 1965، ذلك البروتوكول الذي ينص على ضرورة معاملة
الفلسطينيين في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة شعوبهم في إقامتهم وسفرهم
وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بالجنسية الفلسطينية فقد بقي اللاجئون
الفلسطينيون في لبنان يعاملون كأجانب محرومين من أبسط الحقوق المنصوص عليها في
المواثيق الدولية من حيث العمل والملكية، وما يتفرع عنهما من حقوق كثيرة، ورغم أن
لبنان قد أكد في مقدمة دستوره على احترامه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان،
والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا ان واقع الحال يشير بخلاف ذلك.
التوصيات:
1.
ضرورة احترام
الحكومة اللبنانية الالتزامات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والالتزام ببروتوكول
الدار البيضاء لعام 1965
2.
نطالب وزير
العمل اللبناني بضرورة التراجع عن هذا القرار لما فيه من تناقض مع الاعلان العالمي
لحقوق الانسان
3.
نطالب
المرجعية الفلسطينية بالتحرك العاجل والمطالبة بإلغاء هذا القرار
4.
نطالب بوضع
آليات لتنفيذ الوثيقة الصادرة عن لجنة الحوار الفلسطيني – اللبناني
5.
نتوجه إلى المجلس النيابي الكريم باقتراح تعديل
المادة 59 من القانون رقم 129 الصادر عام 2010 وفقاً للتالي: يستثنى حصراً الأجراء الفلسطينيون اللاجئون المسجلون وفقا للأصول في سجلات وزارة
الداخلية والبلديات - مديرية الشؤون السياسية واللاجئين - من شروط المعاملة بالمثل
ومن شرط الحصول على إجازة عمل."
بيروت في 15/7/2019
المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)