المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"
الوجه الإنساني
لمخيم عين الحلوة
(تقرير)
بيروت في 13- 10- 2016
لا شك أن عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، التي تحتضن في
جنباتها ما يزيد عن 100 ألف نسمة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والنازحين
الفلسطينيين من سوريا مؤخراً، هي عنوان للبؤس والحرمان والمعاناة لسكان قُدّر لهم
أن يكون لجوئهم وإقامتهم في هذا المخيم. ولا شك أن الأحداث الأمنية التي حصلت،
وتحصل، جعلت المخيم كله على فوهة بركان.
وما أن يتجاوز المخيم حدثاً أمنياً أو أزمة طارئة، بعد جهود مضنية يبذلها
الحريصون على أمن المخيم وسكانه ووجوده، إلا وتبدأ أزمة أمنية أخرى تعيد المخيم
إلى دائرة الخطر من جديد. وتفرض القيود
الأمنية على سكان المخيم بالمجمل وكأنه عقاب جماعي لعشرات اللآلاف من المدنيين
الذين لا ناقة لهم ولا جمل لهم بما يجري. بل الأخطر من ذلك أنه بعد كل جولة عنف يخسر
الكثير من المدنيين ممتلكاتهم وسياراتهم ومنازلهم. وليس هناك من تعويض لهذه
الخسائر إلا في الحدود الدنيا. والسؤال
إلى متى سيبقى حال مخيم عين الحلوة هكذا؟ وعلى من تقع مسؤولية إنقاذ المخيم، أليس
للمخيم وجهاً إنسانياً آخر؟
مخيم عين الحلوة
يقع مخيم عين الحلوة بالقرب من مدينة صيدا حيث
يبعد عن وسطها ٣ كلم فقط، وهو يعتبر امتداداً عمرانياً متصلاً مع المدينة. وهو
أكبر المخيمات من حيث السكان في لبنان، وتبلغ مساحته حوالي 1 كم مربع، ويعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني في
لبنان.
يعتبر مخيم عين الحلوة مجتمعاً مدنياً بامتياز فيه كل مقومات
الحياة المدنية من مدارس ومراكز طبية ومستشفيات منها على
سبيل المثال لا الحصر القدس والأقصى وسعد صايل والنداء الإنساني وصيدليات ومحلات
تجارية بشتى أنواعها، ومؤسسات عديدة من مؤسسات المجتمع المدني ورياض الأطفال
والنوادي الرياضية والمراكز الشبابية ومنازل للسكان رغم ضيقها وازدحامها.
مع أن مخيم عين الحلوة هو واحد من اثني عشر مخيماً، ويتقاسم معها
تقريباً ذات الهموم، إلا أن الحديث عن مخيم عين الحلوة يأخذ أبعاداً أخرى ويحظى
باهتمام إعلامي خاص، ليس باعتباره عاصمة الشتات الفلسطيني أي عاصمة الهم الفلسطيني
ورمز للمعاناة الفلسطينية في لبنان، بل باعتباره مصدر قلق وتوتر. إن الصورة النمطية المرسومة على جبين مخيم عين
الحلوة تسببت له بمعاناة إضافية صرفت الأنظار بشكل شبه تام عن جوهر القضية
الإنسانية التي يمثلها ويعيشها هذا المخيم.
تحديات إنسانية
أولاً: التحدي السكاني:
يعيش في مخيم عين الحلوة نحو 100 ألف لاجئ
أو يزيد (54 ألفاً منهم مسجلون رسمياً لدى وكالة الأونروا ) أكثريتهم جاءت أصلاً
عند إنشائه من منطقة الجليل الأعلى في فلسطين، ويصل معدل عدد أفراد العائلة فيه
خمسة أفراد، أما معدل عدد الغرف في المنزل الواحد فهو ثلاث غرف (تتضمن المطبخ)، ويعيش
سكان المخيم ذو الكثافة السكانية العالية واقعاً
إنسانياً مزرياًما بين شوارعه الرئيسية القليلة التي لا تكاد تتسع أحياناً
لمرور السيارات وأزقته الضيقة التي يتعثر فيها المارة بعضهم ببعض. وللمرء أن يتخيل
كيف يعيش مئة ألف أو يزيد في بقعة جغرافية صغيرة.
ثانياً: مشاريع بنى تحتية
في مساحة صغيرة:
باشرت وكالة الأونروا تنفيذ مشروع تحسين
البنى التحتية في مخيّم عين الحلوة، المموّل من عدة جهات أهمها الاتحاد الأوروبي
للاجئين الفلسطينيين الأكثر فقراً في لبنان، عبر إعادة تأهيل البنى التحتية بتحسين
شبكة إمدادات المياه الرئيسية والثانوية، وتحسين شبكة الصرف الصحي الرئيسية
والثانوية، وبناء شبكة صرف مياه أمطار وشبكة صرف صحي جديدة، وتعبيد وإعادة تأهيل
كل الطرقات والممرّات.
وقد
جرى تقسيم المشروع إلى أربعة قطاعات نظراً لصعوبة تنفيذه دفعة واحدة في مساحة لا
تزيد عن كيلومتر واحد، ووسط كثافة سكانية تصل إلى 100 ألف نسمة، فضلاً عن عدم توفر
الأموال اللازمة للتنفيذ. وقد موّل القطاعين الأول والثاني الاتحاد الأوروبي
بنحو 4.400.000 يورو، بينما موّلت القطاع الثالث اليابان بنحو 2 مليون دولار، على
أنْ تموّل القطاع الرابع والأخير المملكة العربية السعودية بنحو 2 مليون دولار
أيضاً. ومع وضع الحجر الأساس للبدء
بالمشروع، شعر أبناء المخيّم بالارتياح لا سيما أنّه جاء ليُنهي معاناة مزمنة مع
البنى التحيتة التي اهترأت وباتت غير صالحة، غير أنّهم سرعان ما لاحظوا أنّه لا
يحظى بالرقابة والاهتمام المطلوبين، حيث تبين أنّ لا إدارة للمشروع، كما كانت هناك
مماطلة بالتنفيذ، فضلاً عن أنّ الحفريات كانت تُنفّذ بطريقة غير مدروسة، حيث
يطمرونها ومن ثم يعاودون حفرها نتيجة خطأ في التوصيل، ومع هذا كله تحمّل أبناء
المخيّم المعاناة.
وبعد الإنتهاء من الرزمة الأولى من المشروع، بدأت الثغرات تطفو على
السطح، حيث واجه أبناء حي الزيب مشكلة مياه الشفة، إذ اكتشفوا عطلاً بالقسطل
الرئيسي الذي يوصّل المياه إلى الحي، وما إنْ انتهوا من مشكلة المياه حتى ظهر عيب
آخر، حيث استيقظ أبناء الحي على بُرك مياه صغيرة متجمّعة على سطح الأرض ناتجة عن
عطل في القساطل، وقد فاضت بعض المنازل وامتلأت بمياه الصرف الصحي، ما ولّد حالة استياء
واسعة لدى سكان الحي احتجاجاً على دور اﻷونروا وعدم اكتراثها، ما دفعتهم إلى قطع
الطريق، والتصعيد بالنزول إلى الشارع وإقفاله تنديداً بما اعتبروه فشلاً لمشروع
البنى التحتية، عازين سبب هذا الفشل إلى غياب دور اﻷونروا بالإشراف، وتنصّل
المتعهدين من واجبهم واللجنة المشرفة من قِبل الأطراف السياسية. وتقتضي الموضوعية
القول أن مساحة المخيم الضيقة قد لا تساعد على إتمام مشاريع البنى التحتية بالوجه
الحسن.
ومع
أهمية هذه المشاريع إلا أن السؤال الذي يطرحه المراقبون هو: هل تم دراسة حاجة
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل عام ومخيم عين الحلوة بشكل خاص، وهل تم دراسة
الأولوليات بشكل علمي ومنهجي وفق دراسة ميدانية؟ ولماذا لم يستجب المجتمع
الدولي والدولة اللبنانية إلى الحاجة الملحة بضرورة توسيع مساحة المخيمات كي
تتناسب مع الزيادة السكانية المضطردة؟
ثالثاً: ملف المطلوبين،
وجهة نظر إنسانية:
يعتبر المطلوب للقضاء اللبناني أو للأجهزة
الأمنية سواء لارتكابه جنحة أو جناية عبئاً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً على سكان
المخيم بشكل عام وعلى البيئة المحيطة. وتقدّر أوساط اللجان الشعبية عدد المطلوبين
بالمئات، أكثر من ٩٠٪ منهم ارتكبوا جنحاً
(إطلاق نار في الهواء، تجاوزات مالية، مشاكل مع الجيران..) أو اعتبروا أنفسهم
مطلوبين بناءً على تقارير أمنية بحقهم ربما تكون خاطئة. وبين هذا وذاك يصبح
المطلوب عبئاً على أهله الذين يتوجب عليهم تقديم الرعاية الشاملة له من المال
والطعام والشراب والمأوى والحماية، وذلك لعدم قدرته على الخروج من المخيم، وقد
يعتمد على رعاية من جهات سياسية فيصبح أسيراً لها، أو أنه يصاب باليأس فينتقل من
تهمة الجنحة الى الجنايات فيمارس العنف. رغم العقبات السياسية والأمنية والإجراءات المعقدة
أحياناً، فقد بادر العديد من المطلوبين الى تسليم أنفسهم للدولة اللبنانية وتسوية
أمورهم مع الجهات المعنية.
رابعاً: بين الحاجات
الإنسانية والضرورات الأمنية.
تتعاطى
الحكومة اللبنانية مع موضوع الفلسطينيين من منطلق أمني، فالفلسطيني في مخيم عين
الحلوة موضع شبهه. حواجز التفتيش والتدقيق على كل مداخل المخيم تولد حالة غضب لدى
السكان، وقد تقدّم الأجهزة الأمنية أسباباً كثيرة لتبرير إجراءاتها، لكن سكان
المخيم يدفعون ثمناً باهظاً لذلك، إذ أن سكان المخيم ليسوا كلهم مطلوبين للقضاء
اللبناني وللأجهزة الأمنية، وليس من المعقول أن تستمر الإجراءات المشددة لفترات
طويلة. إن القوانين التي تنظم حالات الطوارئ تحدد شروطاً لذلك، أهمها عامل الوقت،
وزوال الأسباب. إن التعاطي الأمني بالمطلق مع المخيم له آثار سلبية على السكان،
فالضغط النفسي يولّد الكبت لدى العديد من السكان ويزيد من مشاكلهم وأعبائهم، ويحرف
البوصلة عن اتجاهها الصحيح. المطلوب بالتحديد هو أن يتم أنسنة الإجراءات الأمنية
بحيث تقوم الأجهزة الأمنية بعملها في مقابل مراعاة الحاجات الإنسانية وأن تكون
الإجراءات موجهة للمستهدفين فقط.
الخلاصات والتوصيات
أولاً: الخلاصات:
1. إن لمخيم عين الحلوة وجهاً إنسانياً
آخر، وهو مخيم فلسطيني يلتقي مع باقي المخيمات لجهة الآمال والآلام.
2. إن التقييم العام لسلوك الحكومة
اللبنانية والأونروا تجاه سكان المخيم لا يتوافق مع معايير حقوق الإنسان.
3. إن غياب المرجعية السياسية الفلسطينية
بشكلها الديمقراطي ينعكس سلباً على مجمل حياة اللاجئين في المخيم.
3. إن الظروف السكنية والاقتصادية والاجتماعية
وحتى السياسيةبالغة التعقيد كفيلة بإشعال فتيل التوتر داخل المخيم.
4. إن استقرار الوضع في المخيم ينعكس على الجوار
اللبناني من الناحية الأمنية، الاقتصادية.
ثانياً: التوصيات:
أولاً: ندعو الدولة اللبنانية إلى أنسنة إجراءاتها
الأمنية، وعدم التضييق على سكان المخيم وتغليب الجوانب الإنسانية دائماً.
ثانياً: منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية كاملة
التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق
الإنسان والصكوك الدولية الأخرى وعلى رأسها حق العمل والتملك، وتشكيل الجمعيات،
والحق في مسكن لائق.
ثالثاً: ندعو الأطراف الفلسطينية بتسوية أوضاعها
الداخلية، وعدم السماح لأحد بالعبث بأمن واستقرار المخيم.
رابعاً: ندعو إلى تسوية شاملة لملف المطلوبين
كخطوة هامة تتخذها الدولة اللبنانية، خصوصاً أولئك الذين ارتكبوا جنحاً، أسوة
بتسويات سابقة.
خامساً: ندعو المجتمع الدولي ووكالة الأونروا إلى
زيادة خدماتهم، والتمتع بمزيد من الشفافية.
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)