الملخص التنفيذي
أوضاع حقوق الإنسان للاجئين الفلسطينيين في مخيمات وتجمعات لبنان
أصدرت مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان تقريرها السنوي لسنة 2009 عن أوضاع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ويتضمن التقرير مقدمة تعرض أوضاع الفلسطينيين في لبنان بشكل عام وأبرز المحطات التي واجهوها خلال عام 2009، قانونياً، واقتصادياً، واجتماعياً وأمنياً، بالإضافة إلى أبرز المساعي الحكومية لتحسين أوضاعهم إن وجدت. واستطاع الباحثون أن يوثقوا أبرز التصريحات والندوات والمؤتمرات التي عقدت خلال سنة 2009. ويأتي هذا التقرير نتاج جهد كبير قام به فريق العمل في مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان، من باحثين إلى مندوبي المخيمات والمناطق، فضلاً عن مستشارين وخبراء.
ظهر من خلال التقرير أن ثمة تآكلاً في حقوق الفلسطينيين مع مرور كل عام على لجوئهم إلى لبنان، وأن الحق الذي ينتهك، يصبح من الصعوبة بمكان التمتع به لاحقاً. وغالباً ما تكون المحاولات شكلية أو جزئية أو غير مجدية. وكشف التقرير عن مدى خطورة الوضع الإنساني للفلسطينيين في لبنان.
وظهر من خلال التقرير أن الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية ازدادت هذا العام ضد سياسة الأونروا. لم تكن هذه الاحتجاجات منظمة في عمل نقابي مدروس، بل كانت ردود فعل على قرارات اتخذتها الأونروا. أما الاحتجاجات المطلبية تجاه الحكومة اللبنانية فلم تكن إلا ضمن إطار العلاقات العامة والزيارات الرسمية لمسؤولين فلسطينيين. وسجل التقرير عدداً محدوداً من الاحتجاجات الشعبية ضد سياسة الحكومة، وخصوصاً أمام وزارة الداخلية، أو في وسط مدينة بيروت.
كذلك استطاع التقرير رصد كمٍّ هائل من التصريحات لمسؤولين لبنانيين تشير في معظمها إلى إمكانية تحسين أوضاع الفلسطينيين. وعُقدت عشرات الندوات والمؤتمرات واللقاءات والدراسات والتقارير التي اتخذت من موضوع اللاجئين الفلسطينيين عنواناً لها. وقد كان عام 2009 عام تفاؤل بالنسبة الى الفلسطينيين في لبنان. لكن رغم هذا الجو الإيجابي، لم تتخذ أي قرارات حكومية أو قوانين عن مجلس النواب اللبناني لتحسين الوضع الفلسطيني، ما بدّد أجواء التفاؤل التي سادت.
التقرير لم يسجل أي تقدم حقيقي على مستوى حقوق الإنسان، بل ظلت الأمور على ما هي عليه في بعض الأمكنة وبعض المواضيع، وازدادت سوءاً في أماكن ومواضيع أخرى. أما على مستوى تعديل التشريعات والقرارات لتتناسب مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فإن التقرير لم يسجل أيضاً أي تحول نوعي في هذا المجال. ومع أن المطالب الفلسطينية باتت واضحة جداً لدى الدولة اللبنانية، وخصوصاً لدى الحكومة والمجلس النيابي، إلا أن الدولة لم تستجب لهذه المطالب، ولم يصدر عن البرلمان اللبناني قوانين تخص الفلسطينيين، ولم يصدر عن الحكومة قرارات ذات قيمة إنسانية تحسّن من أوضاعهم. ولقد كان انشغال اللبنانيين بشؤونهم الداخلية عاملاً إضافياً لإهمال حقوق الفلسطينيين في لبنان.
أبرز المطالب الإنسانية التي يرفعها الفلسطينيون باتجاه الدولة اللبنانية هي تعديل قانون التملك، السماح بمزاولة المهن الحرة، السماح بزيادة مساحة المخيمات لكي تتناسب مع الزيادة المطَّردة لعدد السكان، حرية التنقل، وخصوصاً في مخيمات الجنوب ومخيم نهر البارد، تغيير الصورة النمطية عن المخيمات والنظر إليها على أنها مكان رمزي يضم مجموعة من السكان، لهم حقوق وعليهم واجبات، سكان اضطرتهم ظروف سياسية وعسكرية الى مغادرة أرضهم واللجوء إلى لبنان عام 1948 وعام 1967 أو حتى عام 1970.
أما المطالب التي يرفعها الفلسطينيون باتجاه الأونروا فهي عديدة ومتنوعة وملحَّة في نفس الوقت. فخدمات الأونروا تراجعت مع ازدياد المطالب، لأسباب مالية مرتبطة بدعم الجهات المانحة لصندوق الأونروا. ويتخوف الساسة الفلسطينيون من هذا التراجع ويربطونه بأجندة سياسية تسعى الى إلغاء الأونروا كمؤسسة دولية في خطوة رئيسية لمعالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج إطار القانون الدولي. إن مطالب الفلسطينيين باتجاه الأونروا محصورة بأربعة محاور رئيسية هي الصحة والتعليم والبنى التحتية والشؤون الاجتماعية. وأكثر الهواجس التي تلاحق الفلسطينيين هي هاجس الصحة والتعليم. ومع أن الاحتجاجات ازدادت بشكل ملحوظ ضد الأونروا وسياستها الخدماتية، إلا أن الأفق بتحسين أوضاعهم غير واضح، وخصوصاً مع الأزمة المالية العالمية ومع ما يشير إليه كثير من المراقبين إلى أن ثمة تقصيراً دولياً مقصوداً اتجاه الأونروا. ولم تنحصر احتجاجات الفلسطينيين على تقليص الخدمات، بل على عدم توفر الشفافية الكافية التي لو توفرت لأسهمت في تقليص الإنفاق وترشيده.
يتناول التقرير أوضاع المخيمات الفلسطينية ضمن فصل خاص. فيشرح أوضاع حقوق الإنسان في هذا المخيم خلال عام 2009، على المستوى الصحي، والاجتماعي، والأمني، والتعليمي. ولقد واجه الباحثون والباحثات صعوبة في رصد الانتهاكات لإنها كثيرة جداً، ويصعب حصرها، ومنها ما هو مزمن ومنها ما هو مستجد ومنها ما هو متشابك مع بعضه الآخر. ولقد بدت المخيمات الفلسطينية في لبنان أنها عبارة عن حزام من البؤس والحرمان.
ويتناول التقرير المرجعية السياسية للفلسطينيين في لبنان، وعدَّ وجودها حقاً من حقوق الإنسان السياسية المتداخلة مع باقي الحقوق. فالديموقراطية واختيار الممثلين على المستوى المحلي في المخيمات أو على المستوى السياسي في لبنان، أو حتى على المستوى الفلسطيني ككل هو مطلب إنساني ملحّ. إن إجراء انتخابات في المخيمات الفلسطينية لاختيار ممثلين لهم في إطار اللجان الشعبية مهمة ليست مستحيلة بل ممكنة جداً. لكن هذه المهمة يجب أن تتم في إطار التوافق الفلسطيني وبالتنسيق الكامل مع الحكومة اللبنانية، التي ستجد نفسها بعد ذلك أمام مرجعية فلسطينية منتخبة محلياً أو على مستوى لبنان. إن وجود هيئة منتخبة وفق الأصول الديموقراطية يعني القدرة على مواجهة كل التحديات التي تعصف بالفلسطينيين في لبنان.
ويخلص التقرير إلى تسجيل عدد من التوصيات تؤكد كلها ضرورة تحسين أوضاع الفلسطينيين في لبنان، على المستوى القانوني والاقتصادي والإجتماعي. ويحذر التقرير أن استمرار التعامل مع الفلسطينيين بهذه الطريقة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة جداً، وأن التعامل معهم وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان يحقق مصلحة لبنانية أيضاً.