القرارات التي اتخذها
الرئيس محمود عباس بخصوص النظام القضائي الفلسطيني تتعارض مع مبدأ فصل السلطات
كما تتعارض مع النظام
الأساسي الفلسطيني
ودعوة للتراجع عنها
فورا
أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الاثنين الموافق 11/1/2021م، ثلاثة
قرارات بقوانين، والمتمثلة بقرار بقانون رقم (40) لسنة 2020، بشأن تعديل قانون
السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والقرار بقانون رقم (39) لسنة 2020، بشأن
تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020، بشأن المحاكم
الإدارية.
وفي ذات السياق، أصدر الرئيس قراراً بترقية عددٍ من قضاة البداية إلى
قضاة استئناف. كما
أصدر، قراراً بإحالة ستة قضاة إلى التقاعد المبكر بناءً على تنسيب من مجلس القضاء
الأعلى الانتقالي.
وتأتي تلك القرارات بقوانين المتعلقة بالسلطة القضائية في ظل الحديث
عن قرب إصدار عباس لمرسوم إجراء الانتخابات العامة؛ الأمر الذي يثير العديد من
التساؤلات حول الأهداف المخفية من تلك القرارات بقانون التي أعطت السلطة التنفيذية
صلاحيات واسعة تتعلق بالعمل القضائي.
وقد احتوت القرارات بقانون الجديدة المتعلقة بالسلطة القضائية على
العديد من الأمور غير الدستورية في اعتداء واضح على السلطة القضائية، ومن أبرز ما
احتوته تلك القرارات:
1. ورد
في ديباجة القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020م بشأن تعديل قانون السلطة القضائية،
أنه استند إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والقانون الأساسي
الفلسطيني، مما يُثير
إشكالات تتعلق بالطبيعة القانونية للقرارات بقانون، وطبيعة الشرعية التي استمدت
منها القرارات بقانون الجديدة صلاحياتها، أهي الشرعية الثورية أم الدستورية، وفي
ذلك تباين وازدواج إجرائي وموضوعي.
2.كما ورد في الديباجة ذاتها أنها استندت
إلى توصيات اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة، التي شكلها الرئيس الفلسطيني
بتاريخ 6/9/2017م، والتي ألغت قرار تشكيلها محكمة العدل العليا بتاريخ 16/9/2018م،مما يعني أن الاستناد إلى
تلك التوصيات يُخالف مبدأ الشرعية الدستورية والقضائية.
3. تضمنت
المادة (5/3) من قرار بقانون رقم (40) لسنة 2020م، تعديلاً على المادة (16) من
قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م، بأن منحت مجلس القضاء الحق في إنهاء
خدمة القاضي خلال السنوات الثلاث الأولى إذا تبين عدم كفاءته أو لياقته الشخصية أو
الخلقية. وفي ذلك تهديداً
وعدم استقرار للمراكز القانونية والحقوق المكتسبة التي نشأت مع قرار التعيين، خاصة
إذا ما تقرر فيما بعد إنهاء خدمة القاضي. أما بشأن التقاعد المبكر، فإنه ينطوي على
مصادرة للحق في حرية الاختيار المبني عليه التقاعد المبكر، ويفتقر إلى المعايير
والضوابط الواضحة، ويعكس مدى التعسف في استخدام السلطة.
4. كما
تسري قاعدة إنهاء خدمة القضاة على من تم تعيينه قبل نفاذ أحكام القرار بقانون، ولم
يكمل مدة التجربة المذكورة، وفي
ذلك تعارض واضح مع مبدأ عدم رجعية القوانين وتهديداً إضافياً للمراكز القانونية
السابقة التي استقرت.
5. ألغت
المادة (7) من القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020م، المادة (19) من قانون السلطة
القضائية، التي وضعت القواعد العامة لمن يتقلد وظيفة قاضٍ في محاكم الصلح والبداية
والاستئناف أو عضوية النيابة العامة. وفي الوقت نفسه منح التعديل للمجلس صلاحية
إصدار نظام يُبين القواعد العامة لمدد ونوع الخبرات الإضافية اللازمة للتعيين في
كل درجة، وفي ذلك شُبهة
التفرد، وإنذار بزيادة الإدارة التحكمية في اتخاذ القرارات وخروج عن نص قرره ممثل
الإرادة الشعبية -المجلس التشريعي- في تبيان الفئات التي يجوز تعيينها، ويثير شبهة
تفصيل القوانين على مقاس أشخاص محددين.
6. عدلت
المادة (8) من قرار بقانون رقم (40) لسنة 2020م، المادة (20) من قانون السلطة
القضائية، حيث أناطت بالرئيس الفلسطيني صلاحية إصدار قرار تعيين رئيس المحكمة
العليا/محكمة النقض وقبول استقالته، وعلى ألا تتجاوز كل ولاية مدة (5) سنوات، الأمر الذي يتعارض مع المادة
الدستورية رقم (98) التي نصت على عدم جواز التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة،
إضافة إلى أن الأمر ينطوي على إخضاع السلطة القضائية لرغبات السلطة التنفيذية، مما
يُشكل انتهاكا لمبدأ الفصل المرن بين
السلطات، والذي لا ينصرف معناه إطلاقاً إلى تحكم سلطة بسلطة أخرى.
7. نصت
المادة (11/1) من القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020م، على تعديل المادة (27) من
قانون السلطة القضائية، وسمحت لمجلس القضاء الأعلى إحالة أي قاض للتقاعد إذا أكمل الحد
الأدنى لسنوات التقاعد المنصوص عليها في قانون التقاعد النافذ، أو إلى الاستيداع
إذا أمضى مدة عشر سنوات، أو إنهاء خدمته إذا لم يكن مستكملاً مدتي التقاعد
والاستيداع، ويصبح القرار نافذاً من تاريخ المصادقة عليه من قبل رئيس دولة فلسطين.وفي ذلك إهدار صريح لأحد
أهم مبادئ استقلال القضاء "مبدأ عدم قابلية عزل القضاة"، المكفول بموجب
المادة الدستورية رقم (99/2)، والمادة (27) من قانون السلطة القضائية، وتُنذر
بانخفاض مستوى الموجبات الموضوعية التي تقتضي العزل.
8. نصت
الفقرة (4) من المادة (14) من
القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020م على عدم سريان سن
التقاعد المنصوص عليه في قانون السلطة القضائية على رئيس مجلس القضاء. وعليه فإن هذه القاعدة خاطبت شخص
بعينه الأمر الذي يتعارض مع خصاصتي العمومية والتجريد.
9. عدلت
المادة (16) من القرار بقانون المذكور، المادة (37) من قانون السلطة القضائية، حيث
وسعت الفقرة (د) من عدد رؤساء محاكم الاستئناف الذين يُشكلون، إلى جانب رئيس ونائب
رئيس واثنين من قضاة المحكمة العليا ووكيل وزارة العدل والنائب العام، عضوية مجلس
القضاء الأعلى، بأن أضافت رئيس محكمة استئناف نابلس ورئيس محكمة استئناف الخليل مع
بقاء عضويتي كل من القدس وغزة، وذلك خلافاً لما كان عليه الحال قبل التعديل حيث يظهر التوزيع الجغرافي
العادل من خلال رؤساء محاكم استئناف القدس ورام الله وغزة فقط، الأمر الذي سيؤثر
على التوازن في التصويت على قرارات مجلس القضاء.
10.أضافت المادة (31) من القانون المذكور،
مادة (81) مكرر على قانون السلطة القضائية، وجاء فيها أنه: "في كل ما لم يرد
عليه نص في هذا القانون، تسري على القضاة والسلطة القضائية، أحكام قانون الخدمة
المدنية، أو أي قوانين أخرى ذات علاقة"، وفي هذه الحالة يكون لرئيس مجلس
القضاء، صلاحية الوزير المختص. مما يُثير مسألة الازدواجية الوظيفية بين السلطة القضائية والسلطة
التنفيذية، وجملة من التساؤلات المرتبطة بطبيعة تلك الصلاحيات، ومدى تعارضها مع
مبدأ الفصل بين السلطات.
توصيات:
1. إلغاء
القرارات بقانون المتعلقة بتعديل قانون السلطة القضائية، وتشكيل المحاكم النظامية،
والمحاكم الإدارية، والآثار المترتبة عنها.
2. إطلاق
حوار وطني لتبني وثيقة تُحرم التدخل في شؤون السلطة القضائية، وتكفل الشروع في
إعادة توحيدها وتشكيلها بما ينسجم مع القانون الأساسي الفلسطيني الصادر في عام
2003م تعديلاته، وقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م.
3. قيام
المجلس التشريعي المنتخب بمراجعة كافة التعديلات التشريعية المُتعلقة بالشأن
القضائي والتي صدرت في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومواءمتها مع التزامات فلسطين
الدولية.
بيروت، 18/1/2021
المؤسسة الفلسطينية
لحقوق الإنسان (شاهد)