الأونروا: بين تهديد إسرائيل تعليق عملها في الأراضي الفلسطينية وقدرتها على تلبية احتياجات اللاجئين خلال حربي لبنان وغزة

تقرير حقوقي

الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات، تشمل التعليم، الرعاية الصحية، الإغاثة، البنية التحتية، تحسين المخيمات، الدعم المجتمعي، الإقراض الصغير، والاستجابة الطارئة، بما في ذلك أوقات النزاع المسلح. تتمثل مهامها في تنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بالتعاون مع الحكومات المحلية، بالإضافة إلى التشاور مع الحكومات المعنية حول تنفيذ المشاريع والتخطيط لمرحلة الاستغناء عن هذه الخدمات.[1]

تقدم الأونروا خدماتها لما يقارب 5.9 مليون شخص، يعيش نحو ثلثيهم في 58 مخيماً للاجئين معترفاً به في الأردن، لبنان، سوريا، الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة.

المشاكل المادية التي تعاني منها الأونروا:

تعاني الأونروا، ومنذ عدة سنوات، من مشاكل مالية حادة تعوق قدرتها على تقديم المساعدات بالشكل المعتاد. فقد أشار المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، في كلمته خلال "قمة المستقبل" في 24 أيلول 2024، إلى "أن استثمار الأونروا الذي دام عقودًا في مستقبل لاجئي فلسطين أصبح مهدداً. وأوضح أن الأوضاع الدولية الحالية، مثل الحرب في غزة وتصاعد العنف في الضفة الغربية، بالإضافة إلى امتداد الصراع إلى لبنان، تزيد من هذه التحديات".

أضاف لازاريني أن تطبيق القانون الدولي بصورة انتقائية أو عدم تطبيقه كالحالة الآن يعزز من الشعور بعدم المساواة والظلم، مما يفاقم التحديات أمام اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدمات الأونروا.[2]

في 2 يونيو 2023، حذر رئيس ديوان الأمين العام للأمم المتحدة، كورتيناي راتراي، من أن الأونروا على شفا انهيار مالي خلال مؤتمر التبرعات للوكالة. بعد تعليق عدد من الدول المانحة تمويلها للأونروا إثر مزاعم تورط بعض موظفيها في هجوم لحركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، تفاقمت الأزمة المالية حيث علقت 16 دولة مانحة تمويلها للوكالة، مما أسفر عن فجوة تمويلية بلغت 450 مليون دولار، وهو ما يمثل نحو نصف ميزانية الأونروا لعام 2024.

أهمية الأونروا
يتجاوز دور الأونروا تقديم الخدمات فقط حيث يرى الفلسطينيون في وجودها رمزاً للحفاظ على حقوقهم كلاجئين، وخاصة حق العودة إلى ديارهم التي طردوا منها خلال حرب 1948. وبالتالي، فإن تقليص خدمات الوكالة يمثل تهديداً كبيراً لهذه الحقوق.

وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

وفقاً لإحصاء رسمي أُجري في 2017، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 174،422 شخصًا يعيشون في 12 مخيمًا رسميًا و156 تجمعًا غير رسمي. مع ذلك، تشير تقديرات الأونروا إلى أن حوالي 450،000 لاجئ فلسطيني مسجلون في لبنان، رغم أن كثيرين منهم يعيشون خارج البلاد.[3]وهناك تقديرات ميدانية تقدر عددهمما بين 220 إلى 250 ألف لاجئ فلسطيني.

واللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعانون أصلاً من أوضاع اقتصادية صعبة، خاصة بعد الانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في السنوات الأربع الماضية. وقد تفاقمت هذه الأوضاع مع ارتفاع نسبة الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين إلى 93% بحلول سبتمبر 2022[4].

وقد وصف وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هيكتور حجار، تعليق المساعدات الدولية للأونروا بأنه "غير عادل" وسيكون له تداعيات كارثية على الفلسطينيين واللبنانيين. لكن هناك من يرى أن لبنان، رغم انهيار أوضاعه الاقتصادية، قد يكون قادراً على التأقلم. ويأتي السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيكون لبنان كما قيل قادرا على التأقلم والنهوض مجدداً خاصة بعد الحرب التي تشنها اسرائيل عليه الآن؟

الهجمات الاسرائيلية على لبنان

وفي الوقت الذي يتصاعد فيه النزاع المسلح الذي يؤثر على لبنان مع تزايد وتيرة وكثافة ونطاق الغارات الجوية، يستمر نزوح السكان من المناطق المتضررة. وحتى تاريخ 7 تشرين الأول 2024، تضررت ثلاثة مخيمات للاجئي فلسطين جراء الغارات الجوية التي شنتها القوات الإسرائيلية: مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا، ومخيم البص في صور، ومخيم البداوي شمال طرابلس.

وفي بداية شهر تشرين الأول، علقت الأونروا مؤقتا معظم عملياتها في منطقة صور، ويرجع ذلك - بناء على ما قالته الأونروا - نزوح موظفيها بسبب الوضع الأمني. وتستمر الوكالة من تقديم بعض من خدمات المياه والصرف الصحي المحدودة في المنطقة. وبخصوص من بقي في المخيمات هناك تقديرات ميدانية تفيد بأن نسبة السكان الذين لم ينزحوا في مخيمات صور قدروا بحوالي 35% والعدد يزداد يوميا حيث يقدر السكان اليوم بما يزيد عن 45%.

التحديات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مع تقليص الأونروا لخدماتها

يُثار جدل حول عدم التزام الأونروا بمسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال الأزمة الراهنة. جاء ذلك بعد قرار إغلاق العيادات في بعض المخيمات، واعتمادها سياسة تغطية جزئية للنفقات الطبية فهي تغطي الآن 60% فقط من تكاليف علاج الجرحى الفلسطينيين في لبنان، ما يضع عبئًا ماليًا كبيرًا على العائلات الفلسطينية. وهذا يبين أنه لا يوجد خطة طوارئ شاملة من الأونروا لمواجهة احتياجات اللاجئين الفلسطينيين أثناء الحرب، رغم تزايد أعداد المصابين والنازحين.

إن حرمان اللاجئين من الخدمات الصحية، بما في ذلك صعوبة الحصول على الأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة مثل مرضى السكري والضغط، يُعد انتهاكًا خطيرًا لحقوقهم. فبعض هذه الفئات بحاجة إلى رعاية طبية دائمة ومتابعة مستمرة.

مشروع قانون إسرائيلي يلغي الاتفاق مع الأونروا

في 6 أكتوبر 2024، صادقت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست على مشروع قانون يلغي الاتفاق مع الأونروا حول أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. يحظر القانون على الحكومة الإسرائيلية التعامل مع الأونروا، بما في ذلك رعاية الجمارك للبضائع المستوردة للوكالة، مثل المساعدات الإنسانية الموجهة لغزة.

إن هذه القوانين تشكلانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي خاصة لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي، لاسيما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) المؤرخ في 8/12/1949 الخاص بإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش حذر من أن هذا الإجراء سيخنق جهود تخفيف المعاناة في غزة ويزيد التوترات. كما أكد المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن تفكيك الوكالة يعني التضحية بجيل كامل من الأطفال، خاصة في قطاع غزة الذي يعيش حالة كارثية بالفعل.

تداعيات الأزمة على قدرة الأونروا في المستقبل

حذر الأمين العام للأمم المتحدةان الشرق الأوسط عبارة عن برميل بارود حيث تتنافس أطراف كثيرة، في إشارة إلى تصاعد عمليات الاحتلال العسكرية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والحرب في لبنان التي تهدد المنطقة بأكملها. وأضاف أن الصراع في الشرق الأوسط "يزداد سوءا كل ساعة - وتحذيراتنا بشأن الآثار المروعة للتصعيد مستمرة"، مشددا على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في كل من غزة ولبنان. وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين[5].

إذا توقفت الأونروا عن تقديم خدماتها، فإن العديد من الحقوق الأساسية والقوانين التي تخص اللاجئين الفلسطينيين يمكن أن تتعرض للانتهاك

توقف الأونروا عن تقديم الخدمات قد يعرّض الفلسطينيين لانتهاك حقوقهم في الحصول على الحد الأدنى من الرعاية الأساسية، بما في ذلك الغذاء، الماء، الرعاية الصحية، والمأوى. بالاضافة الى خدمات التعليم التي قد تؤثر بشكل كبير على الأطفال الفلسطينيين الذين يعتمدون على مدارس الأونروا للتعلم (عدد الطلاب المستفيدين من الخدمات التعليمية هو 545000 طالب في 702 مدرسة). قد يمس أيضا حقهم في الحصول على الرعاية الصحية كون اللاجئيين الفلسطينيين يعتمدون على مرافق الأونروا الطبية بشكل كبير.(3.5 مليون فلسطيني يتلقون خدمات صحية)[6].

توقف الأونروا عن تقديم خدماتها سيؤدي إلى انتهاك العديد من الحقوق الأساسية والقوانين الدولية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، وسيعرضهم لأزمات إنسانية خطيرة، ما يهدد استقرارهم وأمنهم.

إزاء المخاطر التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين بسبب الأزمات الحادة التي تعاني منها الأونروا، فان المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تؤكد على:

1.أهمية الحفاظ على استمرارية خدمات الأونروا ودعمها ماليًا لضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية للاجئين الفلسطينيين.

2.ضرورة حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وفقًا للقوانين الدولية، خاصة في ظل الأزمات والصراعات المسلحة.

3.أهمية الالتزام بتوفير الرعاية الصحية والتعليم والاحتياجات الأساسية للاجئين، والضغط على الجهات الدولية لضمان عدم تقليص أو تعليق هذه الخدمات.

4.الحاجة الملحة لإيجاد حلول دائمة للأزمة المالية التي تواجه الأونروا، بما يضمن استقرار وأمان اللاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق.

5.أهمية توفير مراكز إيواء للنازحين وتزويدها بالخدمات الأساسية اللازمة. و ضرورة توفير الحماية الكاملة لهذه المراكز لضمان أمن وسلامة النازحين .بالاضافة الى الحرص على استمرارية هذه المراكز في تقديم خدماتها الأساسية، وخاصة الخدمات الصحية، دون انقطاع، لضمان تلبية احتياجات اللاجئين والنازحين في ظل الظروف الصعبة.

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)



[1]وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، الأونروا(الرابط)

[2]وكالة الأمم المتحدة، كلمة المفوض العام للأونروا فيليب رازيني في قمة المستقبل،24 ايلول 2024،(الرابط)

[3] Amnesty International،Chapter 3:Lebanon،(link)

[4] UNRWA’s Reckoning: Preserving the UN Agency Serving Palestinian Refugees (Link)

[5] New law blocking UNRWA ‘would be a catastrophe’، Guterres warns، 09 October 2024 ،(Link)