تنتهج سلطات الاحتلال الإسرائيلي الاعتداء على الممتلكات الثقافية والدينية في فلسطين المحتلة بما فيها الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة؛ وذلك في إطار سياسة ممنهجة ومتعمدة للقضاء على الهوية الثقافية والروحية للمدينة وبدعم ومشاركة شخصيات رسمية إسرائيلية.
اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى في السابعة من صباح الثلاثاء في 3\1\2022، وسط حراسة أمنية مشددة، عقب توليه منصبه الجديد بعد تأدية حكومته اليمين الدستورية الخميس الماضي. وهي ممارسة استفزازية لطالما انتهجها السياسيون والمسؤولون الاسرائيليون. ما أثار الاقتحام جملة واسعة من الانتقادات وإلإدانات العربية والدولية مع تحمله من انتهاك لخصوصية وقدسية المجسد الأقصى المبارك.
وكان مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية وشؤون المسجد الأقصى المبارك الشيخ عزام الخطيب قد وصف عام 2022 بأنه "الأسوأ والأعلى من حيث الانتهاكات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين اذ وصل مجموع المتطرفين اليهود الذين اقتحموا المسجد الأقصى المبارك إلى 48 ألفا و238 متطرفا" .
تأتي هذه الممارسات تحت غطاء تشريعي اسرائيلي تعتبر سلطات الاحتلال خلاله القدس عاصمة لها، على ما نصّ عليه قانون الأساس الصادر عن الكنيست عام 1980 بأن " القدس كاملة وموحدة هي عاصمة دولة إسرائيل." وهو ما لا يحظى بتأييد دولي، اذ أنكرته عشرات القرارات الدولية، نذكر منها القرار رقم 237 الصادر عن مجلس الأمن في 14\6\1967 والذي عدّ القدس "أراضٍ محتلة". وبالتالي فإن الممارسات الاسرائيلية تشكل خرقاً جسيماً للتراث الثقافي والديني للفلسطينيين على اعتبار أنها تقع ضمن الأراضي المحتلة وليست عاصمةً لاسرائيل كما يدعي الاحتلال.
وهو الأمر الذي كرّسته الأونيسكو في قرارها رقم 40 COM 7A.13 لعام 2016 حول مدينة القدس القديمة وأسوارها والذي نص على "ضرورة احترام وصون سلامة وأصالة وتراث المسجد الأقصى / الحرم الشريف كموقع عبادة إسلامي وكجزء لا يتجزأ من موقع للتراث الثقافي العالمي".وذلك بناءاً على إدراج مدينة القدس القديمة وأسوارها ، كمدينة مقدسة لليهودية والمسيحية والإسلام ، على قائمة التراث العالمي في عام 1981، ثم إدراجها منذ عام 1982 في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر.
تشير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد)، الى أن المقدسات الإسلامية ليست هدف الاحتلال الوحيد، اذ أقدم مستوطنون قبل ايام على اقتحام وتخريب عشرات القبور في مقبرة الكنيسة الإنجيلية بالقدس المحتلة.
وأشارت أبرشية القدس الأسقفية، في بيان، إلى أن "الأضرار اكتُشفت يوم الثلاثاء في حين أظهرت لقطات كاميرا أمنية تعود إلى الأول من يناير/كانون الثاني رجلين أو شابين يخربان الموقع بينما يرتديان زي اليهود المتدينين".
في هذا الاطار، تستنكر المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) الاعتداءات الممنهجة على المقدسات الفلسطينية، اسلامية كانت أو مسيحية، من قبل الاحتلال الاسرائيلي في مخالفة صارخة لاحكام القانون الدولي والقرارات الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح لعام 1954 وبروتوكولاتها الاضافية، اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي لعام 1972 ، و تسجيل مدينة القدس القديمة وجدرانها على قائمة التراث العالمي بناءاً على طلب الاردن عام 1981 ثم على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر عام 1982.
تؤكد (شاهد) على توفير القانون الدولي التعاقدي والعرفي الحماية للتراث الثقافي والروحي لجميع الشعوب وعلى مسؤولية الاحتلال في حماية هذه الممتلكات وضمان عدم التعرض لها، بحظر جميع اجراءات الاستيلاء أو التدمير أو الاضرار العمدي أو التخريب.
وحظرت المادة 16 من البروتوكول الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1977 ، الأعمال العدائية الموجهة ضد أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعوب.
وفي ضوء ذلك انطلقت في نيويورك مساء أمس الخميس في5\1\2023، أعمال جلسة مجلس الأمن الطارئة التي تناقش انتهاكات إسرائيل للوضع الراهن في القدس. والتي وصف خلالها مساعد الأمين العام لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادي في الأمم المتحدة، أن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى "تحريضي وتسبب في الكثير من العنف".
أمام هذا الواقع، وفي ظل تعاظم وتيرة الانتهاكات الاسرائيلية للممتلكات الثقافية والروحية الفلسطينية، تدعو المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) الى :
•دعوة الأمين العام للأمم المتحدة وكافة المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية ذات الصلة، الى اتخاذ خطوات عملية لمنع تكرار الاعتداءات على أن لا يقتصر التحرك على التصريح بالادانة والاستهجان
•تحميل سلطات الاحتلال الاسرائيلي بصفته القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات الثقافية الفلسطينية و تداعيات هذه الممارسات
•مطالبة المجتمع الدولي والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف لعام 1949، إلى القيام بخطوات عملية، وفقاً لالتزاماتها القانونية، من أجل إجبار سلطات الاحتلال على احترام تلك الاتفاقية، ووقف جميع السياسات التي تنتهك حقوق الفلسطينيين
•مطالبة المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة باتخاذ كل الاجراءات اللازمة لوقف السياسة الإسرائيلية الرامية الى تهويد القدس والأراضي الفلسطينية وطرد أهلها الاصليين
•دعوة الجهات الرسمية الفلسطينية والعربية الى الوقوف على الإعتداءات الإسرائيلية وإحالة الانتهاكات إلى الجهات القضائية المختصة
•دعوة المملكة الأردنية الهاشمية باعتبارها الوصية على الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة الى اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة للحؤول دون تفاقم الانتهاكات