إبادة العملية التعليمية في قطاع غزة


الوضع الحالي في قطاع غزة وتعطيل نظام التعليم

تؤكد الأمم المتحدة أن الحرب في غزة تختلف عن أي حرب أخرى. لم يشهد السياق الحالي أزمة مشابهة من حيث حجم النزوح، وفقدان الأرواح، والدمار الواسع في البنية التحتية، بما في ذلك المنشآت التعليمية. وإلى جانب الأضرار المادية، فقد تم حرمان حوالي 625,000 طالب من التعليم، كما تم تعطيل عمل 23,000 معلم بسبب الأوضاع الراهنة. وتعتبر عملية إعادة إعمار قطاع التعليم في غزة ضرورة ملحة لا تقتصر على بناء المباني المدمرة، بل تتطلب تمكين الفلسطينيين من قيادة عملية إعادة بناء نظامهم التعليمي[1].

الدمار المباشر للمدارس والمنشآت التعليمية

أدى الهجوم الإسرائيلي المستمر إلى تدمير واسع النطاق في قطاع التعليم في غزة، حيث تم تدمير أكثر من 93% من المباني المدرسية.العديد من هذه المدارس تم تحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين. وبحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإن العمليات العسكرية أسفرت عن استشهاد 2000 طالب وأكثر من 70 من الكوادر التعليمية. هذا يشير إلى أن الحرب لا تضر بالمدارس فقط، بل تؤثر بشكل مباشر على حياة المعلمين والطلاب على حد سواء[2].

الانتهاكات القانونية تجاه المنشآت التعليمية

تستمر إسرائيل في استهداف المنشآت المدنية، بما في ذلك المدارس، رغم أن اتفاقية جنيف الرابعة تحظر استهداف هذه المنشآت. خلال شهر واحد فقط )شهرأغسطس)، استهدفت القوات الإسرائيلية خمس مدارس في غزة، مما أسفر عن استشهاد 179 شخصًا وإصابة العشرات. هذه الهجمات تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ما يضيف معاناة جديدة إلى الشعب الفلسطيني في ظل هذه الحرب المستمرة[3].

الأثر النفسي على الأطفال والمجتمع

تسببت الحرب في آثار نفسية مدمرة على الأطفال الفلسطينيين، حيث فقد العديد منهم حياتهم أو أصيبوا. كما أجبر العديد من الأطفال على النزوح من منازلهم الى اماكن تعتبر أكثر أمانا، وذلك مع العلم أنه لا يوجد مكان آمن بشكل تام لهم في ظل تواجد الإحتلال. وبالإضافة إلى الخسائر البشرية، فإن البنية التحتية التعليمية والصحية تعرضت لتدمير هائل، مما زاد من معاناة الأطفال الذين يعيشون في هذه الظروف الصعبة والغير إنسانية. تتفاقم هذه المعاناة بشكل كبير نظرًا للآثار النفسية التي يخلفها هذا النزاع على الجيل الشاب في القطاع وخصوصا بعد حرمانهم من أبسط حقوقهم، كحقهم في التعلم. إن هذا الحرمان من الحق بالتعليم يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية وأمنهم وتطورهم، ويهدد مستقبلهم وفرصهم في الحياة.

وهذا يؤكد لنا بشدة ما اشارت اليه منظمة "أنقذوا الأطفال" أن الأطفال في غزة لا يتعلمون ليصبحوا الجيل القادم من العلماء والفنانين، بل يجبرون على تعلم كيفية البقاء على قيد الحياة في واحدة من أكثر حملات القصف في التاريخ، بالإضافة إلى واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية في العالم.[4]

كيف يعيش الأطفال في ظل تدمير مدارسهم

يعيش الأطفال في فلسطين يومًا بيوم، حيث كل يوم يحمل مأساة جديدة. لقد شاهد الأطفال منازلهم وذكرياتهم تدمر على يد قوات الاحتلال، وفقدوا أقرب الناس إليهم من أفراد عائلة وأصدقاء. والآن، يستهدف الاحتلال آخر ما تبقى لهم من أمل، مدارسهم ومعلميهم. وحتى إذا توفرت أماكن بديلة للدراسة، فإن الآثار النفسية والاجتماعية طويلة الأمد الناتجة عن الحرب، وما يعانونه من زيادة في القلق والخوف ومشاكل في التعلم بسبب الصدمات، تحول دون حصولهم على تعليم سليم.

حظر عمل الوكالة وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على المسيرة التعليمية

صادقت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست على مشروع قانون يلغي الاتفاق مع وكالة الأونروا بشأن أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. ينص القانون على حظر تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الأونروا، بما في ذلك تعليق الخدمات الأساسية التي تقدمها الوكالة، والتي تشمل التعليم والصحة والإغاثة. هذا القرار سيؤدي إلى خنق جهود تخفيف المعاناة في غزة ويزيد من التوترات في المنطقة. وقد شدد المفوض العام للأونرواعلى أن تفكيك الوكالة سيعرض جيل كامل من الأطفال للخطر، خاصة في قطاع غزة الذي يعاني من أوضاع كارثية.

يعتبر التعليم أحد أبرز المجالات التي تؤثر فيها الأونروا بشكل كبير، حيث تدير الوكالة 380مدرسة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة 284 في غزة و96 في الضفة الغربية، وتوفر التعليم لنحو 340,108 طالب في فلسطين. وبسبب حظر عمل الوكالة سيواجه الأطفال الفلسطينيون صعوبة كبيرة في الوصول إلى التعليم، مما سيؤثر سلباً على مستواهم الأكاديمي ومستقبلهم المهني. إن تدمير خدمات الأونروا التعليمية سيزيد من الأمية والفقر، ويجعل من الصعب على هؤلاء الأطفال بناء مستقبل أفضل.

أسباب اسرائيلية واهية لاستهداف المدارس:

تواصل إسرائيل تبرير استهدافها للمدارس في غزة والضفة الغربية بالادعاء بأن بعض هذه المؤسسات التعليمية تستخدم من قبل "عناصر ارهابية" لأغراض عسكرية، مما يجعلها أهدافًا مشروعة للهجمات. قوبلت هذه التبريرات بانتقادات شديدة من المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان. أعربت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن صدمتها إزاء النمط المتكرر للغارات الإسرائيلية التي تستهدف المدارس، مشيرة إلى أنها تستهدف المدنيين الفلسطينيين النازحين الذين يبحثون عن ملاذ آمن.

في بيان صدر عن المفوضية، أكدت أن المدارس تعرضت بشكل متكرر للقصف، مما أدى إلى وقوع ضحايا بين المدنيين، بمن فيهم العديد من الأطفال والنساء. وشددت المفوضية على أن هذه الهجمات تظهر فشلًا في الامتثال لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالتمييز والتناسب والاحتياط. كما ذكرت أن الاحتلال استهدف مدارس كانت جميعها تؤوي نازحين، بما في ذلك مدارس تستخدم كملاذات ومستشفيات ميدانية.

فيما يتعلق بالاتهامات باستخدام المدارس لأغراض عسكرية، أوضح مكتب حقوق الإنسان أنه حتى لو صحت هذه الادعاءات، فإن ذلك لا يعفي إسرائيل من التزامها بالقانون الإنساني الدولي. يتطلب هذا القانون الامتثال الصارم لمبادئ التناسب والتمييز والحذر، مع ضرورة توفير المأوى الآمن للمدنيين بوصفها القوة القائمة بالاحتلال.[5]

القوانين الدولية التي تكفل الحق في التعليم

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 من أهم الوثائق التي تضمن الحق في التعليم لجميع الأفراد، بما في ذلك الفلسطينيين. تنص المادة 26 من الإعلان على حق الجميع في الحصول على التعليم، وتؤكد ضرورة أن يكون التعليم موجهًا نحو تنمية الشخصية الإنسانية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وبموجب اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي تشدد على حق الأطفال في التعليم، يعتبر هذا الحق أساسًا من حقوق الطفل التي يجب أن تحظى بحماية خاصة. كما تلتزم الدول الأطراف في الاتفاقية بتوفير التعليم الابتدائي الإلزامي لجميع الأطفال، وضمان التعليم الثانوي في متناول الجميع.

إضافة إلى ذلك، يعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 ضمانًا دوليًا إضافيًا، حيث ينص على الحق في التعليم ويشدد على أن التعليم يجب أن يكون متاحًا للجميع دون تمييز، ويجب أن يكون موجهًا نحو تنمية الأفراد وتعزيز احترام حقوق الإنسان. كما ينص العهد على أن التعليم الابتدائي يجب أن يكون إلزاميًا ومجانيًا لجميع الأطفال، ويجب أن تكون الفرص التعليمية متاحة للجميع في جميع مراحل التعليم.

وفي إطار النزاعات المسلحة، تبرز التزامات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحماية التعليم في النزاعات، التي تركز على ضرورة حماية المؤسسات التعليمية أثناء النزاعات المسلحة. وقد أكدت إعلان المدارس الآمنة لعام 2015 على أهمية حماية المدارس من الهجمات أثناء الصراعات، وضمان أن تبقى بيئة تعليمية آمنة للأطفال.

ورغم تواجد هذه القوانين الدولية، تستمر إسرائيل في تجاهل هذه المبادئ وتستهدف المدارس والكادر التعليمي بشكل ممنهج، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. إن تدمير المدارس وتعطيل النظام التعليمي في غزة يشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الأجيال القادمة. لا يقتصر تأثير الحرب على حرمان الأطفال من التعليم فحسب، بل يؤثر أيضًا على صحتهم النفسية، مما يهدد إمكانياتهم في بناء حياة أفضل.

تتطلب هذه الأزمة استجابة عاجلة من المجتمع الدولي لضمان حماية حقوق الأطفال الفلسطينيين في التعليم، وتوفير الدعم لإعادة بناء النظام التعليمي في غزة، وفقًا للمبادئ التي تكفلها الاتفاقيات والقوانين الدولية.

إزاء المخاطر التي تواجه النظام التعليمي في غزة بسبب الحرب والمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وحقه في التعلم ، وفي ظل الصمت والعجز الدولي لحل هذه الأزمة، فان المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تؤكد على:

1. الوقف الفوري للهجمات على المنشآت التعليمية:

على إسرائيل الالتزام بوقف فوري وكامل للهجمات التي تستهدف المدارس والمنشآت التعليمية في قطاع غزة. إن حماية حق الأطفال في التعليم يتطلب وقف جميع الأعمال العدائية وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بشكل آمن، بما في ذلك المساعدات التعليمية.

2. التحقيق الدولي في الانتهاكات ضد الأطفال:

ندعو المحكمة الجنائية الدولية والجهات المختصة إلى بدء تحقيقات عاجلة في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال الفلسطينيين، بما في ذلك تدمير المدارس واستهداف الطلاب والمعلمين.

3. إعادة بناء البنية التحتية التعليمية:

يتعين على المجتمع الدولي تخصيص موارد مستدامة لدعم إعادة بناء وتأهيل المدارس والمنشآت التعليمية في غزة، بما يضمن استئناف العملية التعليمية بأسرع وقت ممكن. يجب أن تشمل هذه الجهود تقديم المعدات التعليمية الضرورية وتدريب الكوادر التعليمية لتلبية احتياجات الطلاب في ظل الظروف الحالية.

4. حماية حقوق الأطفال في التعليم وفق المعايير الدولية:

نطالب المجتمع الدولي بفرض ضغوط مستمرة على إسرائيل لضمان التزامها بالمعاهدات الدولية التي تحمي حق الأطفال في التعليم، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل واتفاقيات جنيف. ينبغي أن تتضمن هذه الجهود ضمانات بعدم استهداف المدارس والطاقم التعليمي.

5. تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين:

نظرًا للتداعيات النفسية الخطيرة التي تركتها الحرب على الأطفال، يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهود توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم. يشمل ذلك إنشاء برامج علاجية متكاملة لتعزيز الصحة النفسية للأطفال ومساعدتهم على تجاوز الصدمات الناجمة عن النزاع (صدمات الحرب).

6. تعزيز التنسيق بين المنظمات الدولية والمحلية:

ندعو إلى تنسيق أكبر بين الجهات الفاعلة مثل اليونيسف والمنظمات الإنسانية الأخرى لضمان فعالية جهود الإغاثة.ونؤكد على أهمية اعادة عمل وكالة الأونروا . ينبغي أن تهدف هذه الجهود إلى توفير بيئة تعليمية آمنة ومستدامة للأطفال في غزة، مع ضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعليم الجيد.

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)

بيروت، 16 نوفمبر 2024



[1] Defending the Right to Learn: Education in the Face of War, 09 September 2024 (link)

[2] المتحدث باسم وزارة التربية الفلسطينية لـ «الاتحاد»: 90% من الأبنية التعليمية في غزة تعرضت للدمار,(الرابط)

[3]Francesca Albanese, UN Special Rapporteur oPt,(link)

[4] Save the children, Children in Gaza are not learning. They are just forced to survive one of the most destructive bombing campaigns in history, (link)

[5], مفوضية حقوق الإنسان تعرب عن الفزع إزاء استهداف الجيش الإسرائيلي للمدارس في غزة أخبار الأمم المتحدة