نازحون فلسطينيون لا يجدون من يعترف بهم

نازحون فلسطينيون في لبنان يعانون من عدم الاعتراف بهم

 

 

تعاني شريحة كبيرة من النازحين الفلسطينيين في لبنان، من عدم اعتراف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بهم، ومن عدم تقديم أية أوراق ثبوتية لهم للتعريف بهم، وبالتالي حجب جميع الخدمات التي تقدمها للاجئين.
وكانت النكسة التي حدثت في العام 1967 واحتلت فيها إسرائيل باقي فلسطين وبعض أجزاء من الأراضي العربية المجاورة لها، أدت إلى خروج الفلسطينيين وتشردهم من أرضهم طلباً للأمن والنجاة بالحياة لهم ولأولادهم وصوناً للعرض والشرف، بعد أن أمعنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في القتل والتنكيل بهم، وارتكبت بحقهم المجازر، التي ساهمت في بث حالة من الرعب بين المواطنين.
 
ولجأ الفلسطينيون إلى الدول العربية المجاورة ومنها لبنان، بالإضافة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي مارست سياسة الإبعاد والطرد على من تبقى من الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم فطردت العشرات إلى لبنان ومصر والأردن.
وأتت العديد من العائلات الفلسطينية ما بين الأعوام 1968 إلى 1976، من الأردن وفلسطين إلى لبنان مع المقاومة والثورة الفلسطينية وبالأخص في العام 1970 بعد أحداث الأردن، وكان دخولها إلى لبنان بطريقة شرعية وبموافقة من الدولة اللبنانية، حيث أبرمت في العام 1969 اتفاقية القاهرة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات اللبنانية، والتي نصّت على تنظيم الوجود الفلسطيني بشكل عام، والفلسطيني المسلح في لبنان بشكل خاص.
 
وبموجب هذه الاتفاقية، سمح للفدائي الفلسطيني بمقاومة الاحتلال انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وبموجب اتفاقية القاهرة دخل المئات من الفدائيين إلى لبنان وأقاموا فيه، حيث تكونت الكثير من العائلات والأسر، ولم يقتصر هذا الوجود في بدايته على العائلات والتي كانت قليلة أي لا تتجاوز العشرات.
 
وانقطعت بهؤلاء المواطنين السبل بعد ضياع الأوراق أو جواز السفر نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية، أو القصف الإسرائيلي للمخيمات، ولم يتمكنوا من استخراج أوراق جديدة بسبب منع ورفض الدولة التي كانوا يحملون أوراقها كالأردن ومصر، مما اضطرهم إلى ترتيب حياتهم على هذا الوضع بعد فقدان الأمل في عودتهم إلى وطنهم أو إلى الدولة التي أتوا منها وكانوا يحملون وثيقة سفر منها.
 

ولم يقتصر وجود اللاجئ الفلسطيني على نفسه فقط، خاصةً بعد أن تزوج من فلسطينية مقيمة في لبنان أو لبنانية وكون عائلة وأسرة وأولاداً.

ويواجه هؤلاء الفلسطينيون مشاكل صعبة ومعقدة ومصيرية تتهدد حياتهم ومستقبل أولادهم أهمها: فقدانهم للأوراق الثبوتية، من شهادة ولادة مصدقة من دائرة النفوس اللبنانية أو من شؤون اللاجئين أو بطاقة هوية أو وثيقة سفر.
وحول فقدانهم لهذه الأوراق حياتهم إلى جحيم، حيث أنهم باتوا عرضة للسجن أو الاعتقال من قبل السلطات اللبنانية، كمال لا يستطيعون التنقل أو الخروج من المخيمات أو العمل أو الزواج أو إكمال تعليمهم الجامعي وغيرها من الأمور.

وأصبح الكثير من اللاجئين بسبب هذا الوضع المأساوي عرضة للأمراض العصبية والنفسية، وللعديد من محاولات الانتحار أو الموت على أبواب المستشفيات لعدم الاعتراف بهم من "الأونروا" ولا يملكون حتى الأوراق التي تمكنهم من الدخول إلى المجانية منها إن توفرت.

أما فيما يتعلق بتعدادهم السكاني فيوجد هناك إحصائيات متضاربة حول عدد هذه الحالات، بعضها يشير إلى 25000 نسمة، وأخرى تقول إن عددهم 20000 نسمة، ينتمي غالبية كبار السن منهم إلى فصائل الثورة الفلسطينية.
أما الصغار منهم فهم عاطلون عن العمل أو يعملون في العمل البسيط داخل المخيمات التي يتقوقعون بداخلها هرباً من الإجحاف الرسمي كالاعتقال والسجن لا لشيء سوى أنهم لا يملكون الأوراق الثبوتية.
وتقع مسؤولية مشكلة هؤلاء المواطنين على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والدولة اللبنانية، التي رفضت التعامل والتعاطي مع مشكلاتهم، وفي مقدمتها عدم حيازتهم الأوراق الثبوتية.

ويعيش هؤلاء اللاجئون ظروفاً اجتماعية واقتصادية وتعليمية صعبة جداً، أكثر من إخوتهم اللاجئين الذين يحملون بطاقة هوية أو وثائق سفر لبنانية خاصة باللاجئين الفلسطينيين.

ويعاني الكثير من الأفراد بسبب هذه المشكلة من ضمنهم الشابة رانية محمد يوسف دعمس (25 عاماً)، ووالدها فلسطيني قدم عام 1969 إلى لبنان مع المقاومة الفلسطينية، ووالدتها نوال الباشا فلسطينية مقيمة مع ذويها في عين الحلوة، وتحمل وثيقة سفر فلسطينية صادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية.
 
وتفرقت عن والدها مجهول الإقامة عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي، فيما توفيت والدتها عام 1996، ولم تكمل رانية دراستها بسبب عدم وجود الأوراق الثبوتية، كما تقدم الكثير من الشبان لخطبتهاـ ولكن لم تكتمل مراسيم الخطبة بسبب عدم وجود الأوراق الثبوتية معها، فلا عقد قران بدون أوراق ثبوتية.
وبلغت دعمس من العمر (25 عاماً) وهي في حالة ضياع، حيث توجهت إلى الهيئات الدولية، كالصليب الأحمر الدولي وإلى مكتب الأمم المتحدة في بيروت، ولكن بدون فائدة.
 
ولم تظهر بارقة أمل في حل مشاكل هؤلاء اللاجئين وتخفيف معاناتهم وإعادة الاعتبار لهم ولو جزئياً، ليعودوا إلى الإنسانية من الناحية الثبوتية والقانونية، وإذا كان الاحتلال سبب المعاناة والشقاء لهم، فمن يعينهم على تخطي هذا الشقاء وهذه المعاناة الصعبة، وعلى من نضع مسؤولية حل مشاكلهم القانونية والحصول على الأوراق الثبوتية، هل هي منظمة التحرير الفلسطينية، أم الدولة اللبنانية، أم " الأونروا "؟.

يذكر، أن منظمة التحرير الفلسطينية، أولت مؤخراً، هذه الشريحة من الشعب الفلسطيني العناية، وقادت تحركاً باتجاه "الأونروا" والدولة اللبنانية لحل مشكلتهم القانونية، ومنحهم بطاقات مؤقتة لحين حل مشكلتهم الأساسية والمتمثلة بحقهم في العودة إلى أرضهم ووطنهم فلسطين، الذي طردوا منه كباقي الفلسطينيين بالقوة وبفعل المجازر الإسرائيلية.

 

وفا -  بيروت 26-3-2006