شهادات نازحين الى مخيم برج البراجنة: رحمة المدنيية ضرورة انسانية

شهادات من نازحين الى مخيم برج البراجنة

إياد: وضعنا القتلى في الكراج

راني: قذيفة انتزعت جثة من القبر

 

تنظر المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) بقلق شديد على حياة المدنيين المتبقين في مخيم نهر البارد، كما تنظر ايضا بقلق شديد الى المعاملة القاسية التي يتعرض لها النازحون على نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني على تخوم مخيم نهر البارد.

 

((نحن نسعى للحفاظ على أرواح المدنيين))، عبارة يطلقها المسؤولون اللبنانيون، لكنها تخفي الكثير من التضليل إذا ما قمتَ بجولة سريعة على بعض نازحي مخيم نهر البارد، ممن عايشوا جزءاً من معاناته.

إياد أبو صيام (21 عاماً)، طالب يدرس المحاسبة في أحد معاهد نهر البارد، تحوّل إلى مسعف أثناء المعارك والقصف الذي يستهدف المخيم. يسكن في منطقة التعاونية، القريبة من أحد مواقع فتح الإسلام. يقول إن القصف كان شديداً في الأيام الأول، ولم تُوجّه أية إنذارات للمدنيين بالابتعاد عن أماكن القصف. أضاف ((تضرّر بيتنا كثيراً، لكن بعض البيوت تهدّم تماماً، وتطوّعت لإسعاف الجرحى، حيث كانوا يسقطون بالعشرات، وليس هناك سوى مستوصف واحد، وغير مجهّز لمثل هكذا حالات)).

يروي أبو صيام بعضاً من مشاهداته، فعند تنقّله بين البيوت والأنقاض، رأى رجلاً مدنياً اسمه محمود سعيد وقد قُطعت يده، حين سقطت قذيفة على منزله، وبصعوبة استطاع أحد الأطباء وقف النزيف الذي استمرّ لساعات، ولم يكن ليستمرّ النزيف هذه المدة لو كان هناك جراح متخصص، كما يؤكد إياد، الذي رأى أطفالاً عديدين، وهم ينزفون، وبعضهم لم يتجاوز السنتين من عمره. وفي أحيان كثيرة لم يتمكن الصليب الأحمر من دخول المخيم، مما اضطرّ إياد ورفاقه المتطوعين لنقل الجرحى إلى أطراف المخيم لإيصالهم إلى سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر، مجازفين بحياتهم.

يعتقد الشاب أن هناك العديد من الجثث ما زالت تحت الردم، مستدلاً بحادثة قدوم أحد الأولاد إليه، قائلاً أنه شاهد يداً ممدودة من تحت ركام منزل، ولما هرع إياد والمسعفون الآخرون إلى المكان، استطاعوا إخراج صاحبة اليد التي كانت فتاة لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، غير عدم توفر الآلات الضرورية، لم يسمح بالتأكّد إن كان هناك أشخاص آخرون في البيت المدمّر.

كما يذكر أن جارهم أبو سمير السعدي أُصيب بخاصرته حوالي الساعة التاسعة مساء، فقام المسعف بالاتصال بالصليب الأحمر ولكن عوائق لم تُمكن المنظمة الإنسانية من القدوم إلى أن بزغ الفجر، وطوال هذه المدة ظل السعدي ينزف، ويصف إياد حالة الجريح بالمقلقة، نتيجة غياب العلاج العاجل.

يحدّث إياد عن العدد الكبير من القتلى بين المدنيين، ويقول بأنهم اضطروا إلى أن يضعوا الأموات في كاراج مقابل لمستوصف الدكتور فتح الله، وهو المستوصف الوحيد بالمخيم الذي ما زال يعمل.

شاب آخر، رفض ذكر اسمه، ظهرت على يديه بقعاً زرقاء، قال إنه تعرّض لبعض الصدمات الكهربائية لمدة عشر دقائق، أثناء التحقيق معه على حاجز عسكري بالقرب من المخيم أثناء نزوحه، ثم اقتيد إلى ((القبة)) حيث جرى التحقيق معه لمدة أربع ساعات دون ممارسة التعذيب بحقه، ثم أُطلق سراحه. أما والد إياد، فقد خرج بعد التهاب عينيه نتيجة الغبار، فاعتُقل لأربعة أيام قبل إطلاق سراحه.

راني محمود سعيد (21 عاماً)، طالب يدرس هندسة الكمبيوتر في الجامعة العربية، سنة ثانية. خرج في اليوم الخامس من القصف على المخيم، وكان يسكن في شارع المدارس في مخيم نهر البارد. يقول بأنه شاهد جثة متناثرة في مقبرة المخيم، نتيجة سقوط قذيفة من عيار 155 ملم على أحد القبور، وشاهد صحفياً فرنسياً يبكي لهذا المشهد، وهو كلام يؤكده زميل له كان حاضراً معه.

يتابع راني، في اليوم الرابع عندما دخلت شاحنات الأنروا سقطت قذيفة على إحداها فقتل خمسة أشخاص عرفتُ منهم: جهاد أبو العز، رائد الشنص، عدي ناصر إسماعيل (15 عاماً). وبعد ذلك الحادث صارت شاحنات المساعدات ترمي المساعدات في الطرقات دون انتظار توزيعها على المستحقين.

راني الذي تفوّق في امتحانات الشهادات الرسمية، منذ اليوم الثاني لنزوحه إلى مخيم برج البراجنة، جمع 12 طالباً من صف الرابع متوسط، وهم من نازحي مخيم نهر البارد، وتطوّع لتدريسهم. ورغم الحالة النفسية للطلاب، إلا أن راني يحاول تجاوز تلك الحالة من خلال البسمة وطمأنة الطلاب، كما يقول.

راني، واحد من ستة طلاب جامعيين نازحين مخيم نهر البارد ويسكنون مخيم برج البراجنة، وبعضهم، كما يؤكد راني، ترك كتبه في البارد، ممّا تسبب له بالعديد من المشاكل، من حيث شراء الكتب أو تصوير بعض المستندات المطلوبة، بالإضافة إلى فقدانهم الملاحظات الخاصة الموجودة على دفاتره وكتبه. الطوابق الثلاث التي تسكنها عائلة راني دمّرت تماماً، ولكن راني يقول بأنه يحاول النسيان، ولو مؤقتاً، حتى يستمرّ ويتخطى عامه الدراسي.

وائل محمد ربيع، مصاب بالربو، مكث سبعة أيام في المخيم والقذائف تتساقط مما زاد في تأزم وضعه الصحي، وعند خروجه نسي، نتيجة الفزع، الدواء الذي يجب أن يتناوله يومياً. ومنذ نزوحه عن المخيم لم يتناول حقنة واحدة، بسبب العجز المادي، فهو أب لثلاثة أولاد، وكان لا يتقاضى إلا عشرة آلاف ليرة يومياً مقابل قيامه ببعض الأعمال الزراعية. ويتحسّر كثيراً على بيته الذي دُمّر تماماً، بعد أن بناه بكدّ رغم راتبه المتواضع.

ما تقدّم ليس إلا نماذج، قد لا تكون فريدة في معاناتها، فهناك كثيرون لم يحظوا بالكتابة عنهم، وربما بعضهم تحت التراب ينتظر من يكتب رثاءه. ان المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) تكرر دعوتها الى ضرورة احترام قوانين الحرب، ويصبح الامر اكثر من واجب اذا تعلق الامر بمخيم فلسطيني، وما يختزله من معاناة.

 

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد)

بيروت في 14\6\2007