(شاهد): شركات دولية كبرى تساهم في انتهاكات حقوق الأسرى الفلسطينيين ودعوة إلى مقاطعتها

شركات دولية كبرى تساهم في انتهاكات حقوق الأسرى الفلسطينيين ودعوة إلى مقاطعتها

(تقرير حقوقي)

مقدمة:

يواصل الاحتلال سلسلة الانتهاكات الممنهجة تجاه الأسرى الفلسطينيين في معاملة لا تتناسب مع أدنى معايير الإنسانية. تتمثل سياسات الاحتلال بحرمان الأسرى من حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وتمارس بحقهم شتى أنواع الانتهاكات من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والاعتداء اللفظي والجسدي أثناء الاعتقال والتحقيق، ومنع الأسرى المرضى من الاستشفاء، ومن لقاء عائلاتهم أو التواصل معهم، فضلا عن الاعتقالات الإدارية التعسفية اللامتناهية. كما أنها تمارس سياسة تمييع مركزهم القانوني، كي تتهرب من التزاماتها الدولية.

ووفقا لمتابعات المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) لشؤون الأسرى، واعتمادا على منظمات حقوقية ذات صلة، فإنّ قوات الاحتلال الاسرائيلي اعتقلت في العام 2022 (7000) فلسطينيّ، تركزت في محافظة القدس التي وصل عدد المعتقلين فيها الى (3000). وشملت الاعتقالات (882) طفلاً، و(172) امرأة، فيما بلغت عدد أوامر الاعتقال الإداري التي صدرت (ما بين أوامر جديدة وأوامر بالتجديد) أكثر من (2409) حالة، كما وتم اعتقال (40) جريحاً.

وعن الاعداد المتواجدة في السجون حالياً، فقد بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية عام 2022، (4700) أسير/ة ؛ بينهم (29) أسيرة، و(150) طفلا/ة. ومن ضمن المتواجدين في السجون الاسرائيلية قرابة (850) معتقلا إداريا، بينهم (7) أطفال، وأسيرتان، و(15) صحفيا/ة، وخمسة نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني. ويذكر أن من بين الأسرى (330) مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاما.

تؤكد (شاهد) أن هذا الواقع الصعب الذين يعاني منه الأسرى، من انتهاكات الاحتلال المختلفة، وسياساته القمعية المتكررة، يتم تحت أنظار المجتمع الدولي وفي صمت لافت دون أي تحرك من شأنه أن يرفع الظلم عنهم. والأمر اللافت الذي توصلت إليه (شاهد)، ليس فقط غض طرف المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات، بل مساهمته بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى.

توثق المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) في هذا التقرير مساهمة شركات تجارية دولية في الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى، وذلك من خلال تعاونها من الاحتلال الاسرائيلي في أطر متنوعة، وفيما يلي سنبين أبرز هذه الشركات وكيفية مساهمتها في تلك الانتهاكات:

شركة (HP) الأمريكية:

انقسمت شركة (HP) – وهي شركة أمريكية تنشط في قطاع التكنولوجيا – في العام 2015 إلى شركتين: (HP Inc.)للأجهزة الشخصية الخاصة بالمستهلكين، مثل أجهزة الحاسوب الشخصية والطابعات، وشركة(HPE) لأنظمة الشركات والخدمات الحكومية، التي تركز على البنية التحتية والبرمجيات والخدمات. ومن المهم ملاحظة أن كلا الشركتين تواصلان الحفاظ على علامة HP التجارية ومشاركتها[1].

توفر شركة (HP) التجارية تكنولوجيا تستخدمها دولة الاحتلال في الكثير من الانتهاكات تجاه الشعب الفلسطيني، أهمها الحفاظ على الفصل العنصري والاحتلال والاستيطان الاستعماري، وذلك من خلال توفير خدمات التكنولوجيا لجيش وشرطة الاحتلال للحفاظ على الاحتلال الاسرائيلي غير القانوني بل ويطيل أمده. وتشمل مشاركة HP في الاحتلال التطوير والتركيب والصيانة والدعم الميداني المستمر لنظام تحديد الهوية بالقياسات الحيوية "بازل"، والذي يتم تثبيته في نقاط التفتيش في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.

كما تزود شركة (HPE) لسلطة السكان والهجرة الاسرائيلية خوادم "إيتانيوم" حصرية لنظام "أفيف"، حيث يمكن هذا النظام الحكومة من السيطرة على نظام التمييز العرقي والفصل العنصري الممارس ضد الفلسطينيين، ويرتبط بشكل مباشر بالاستيطان من خلال قاعدة بيانات "ييشع"، والتي تجمع المعلومات بشأن المستوطنين الاسرائيليين في المستعمرات غير الشرعية في الضفة الغربية.[2]

يعد نظام السجون الاسرائيلي جزءً لا يتجزأ من سياسة القمع الممنهج تجاه الفلسطينيين، وتعتبر شركةHP ضالعة في تواطؤها في الانتهاكات المختلفة. وقد قدمت ((HPخدمات وتقنيات للجيش الاسرائيلي ولمصلحة السجون الاسرائيلية، بما في ذلك توفير خادم الشبكة المركزي وصيانته. توفر أيضا شركة HPE الخوادم وتخزين البيانات وخدمات أمن البيانات لوزارة الداخلية الاسرائيلية، إضافة إلى صيانة معدات مركز البيانات في وزارة الداخلية وأيضا صيانة أجهزة الكمبيوتر والاتصالات لمصلحة السجون الاسرائيلية. ويذكر أنه في عام 2021، تم التعاقد مع الشركة لصيانة خوادم لشرطة الاحتلال حتى عام 2023، بمبلغ 4 ملايين شيكل (حوالي مليون دولار اميريكي).

ووفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "يشكل الحصول على الاعترافات بالإكراه وقبولها كدليل، العمود الفقري للنظام القضائي العسكري الاسرائيلي." حيث تعتقل إسرائيل حوالي 500-700 طفل فلسطيني سنويا وتقوم بتوقيفهم ومحاكمتهم".

شركة (G4S) البريطانية:

هي شركة رائدة في مجال خدمات الأمن والمرافق التي تقدم خدمات أمنية وتكنولوجيا ذكية متطورة لتقديم حلول أمنية متكاملة ومخصصة. من خلال قوة عاملة عالمية تضم ما يقارب 800000 شخص، مع عائدات تبلغ حوالي 18 مليار دولار.[3]

استمرت هذه الشركة بتقديم خدماتها إلى دولة الاحتلال حتى انتهاء عقودها معها عام 2017، لا سيما لمصلحة السجون الاسرائيلية التي استفادت من أنظمة الأمن الخاصة المقدمة من الشركة، مما يجعلها تساهم في ترسيخ انتهاكات حقوق الأسرى بشكل صارخ. [4]

أعلنت شركة G4S، أنها توصلت إلى اتفاق بشأن بيع G4S Israel – وهو فرع الشركة في دولة الاحتلال – إلى FIMI Opportunity Funds (FIMI) – هو صندوق أسهم إسرائيلي خاص – مقابل مبلغ يقدر بـ 425 مليون شيكل (حوالي 100 مليون دولار اميريكي).

إلا أن شركة G4Sستحتفظ بوجودها في دولة الاحتلال من خلال الملكية والاستثمار المستمر في مركز تدريب الشرطة الوطنية "بوليسيتي" بالشراكة مع FIMI و Shikun & Binui ، وهي مجموعة عقارية وبنية تحتية إسرائيلية كبرى.

وتعليقا على الصفقة، قالت أشلي المنزا Ashley Almanza الرئيس التنفيذي لمجموعة G4S: "يعتبر بيع أعمالنا في إسرائيل جزء من برنامج إدارة المحافظ النشطة الذي تم الإعلان عنه في عام 2013 لتحسين تركيزنا الاستراتيجي وانضباط رأس المال". وصرحت أيضا: "G4S Israel هي شركة تدار بشكل جيد وستنمو وتزدهر كجزء من مجموعة FIMI وتوفر مستقبلا إيجابيا لزملائنا البالغ عددهم 6000 في إسرائيل وخدمة ودعم عالي الجودة على المدى الطويل للعملاء العاملين في السوق الإسرائيلية."[5]

تشير (شاهد) إلى أن هذه التصريحات تؤكد على الإرادة التامة للشركة في الاستثمار في دولة الاحتلال والتعاون معها، غير آبهة بالانتهاكات التي تساهم فيها تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

مخالفة الشركات لمبادئ الأمم المتحدة:

تخالف هذه الشركات مبادئ الأمم المتّحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي صادق عليها مجلس حقوق الإنسان في العام 2011، والتي تشكل مجموعة من المبادئ التوجيهية الخاصة بالدول والشركات لمنع انتهاكات حقوق الإنسان في إطار الأعمال التجارية.

أكدت هذه المبادئ أنه ينبغي أن تحترم المؤسسات التجارية حقوق الإنسان. وهذا يعني أن تتجنب انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بالآخرين وأن تعالج ما تقع فيه من آثار ضارة بهذه الحقوق. ونصت أيضا تلك المبادئ أن المسؤولية عن احترام حقوق الإنسان تتطلب أن تقوم المؤسسات التجارية بالسعي إلى منع الآثار الضارة بحقوق الإنسان التي ترتبط ارتباطا مباشرا بعملياتها أو منتجاتها أو خدماتها في إطار علاقاتها التجارية، حتى عندما لا تسهم هي في تلك الآثار. [6]

عند مراجعة الانتهاكات المترتبة عن علاقة الشركات السابق ذكرها في التقرير مع الاحتلال الاسرائيلي، يتضح تماما خرق هذه الشركات لمبادئ الأمم المتّحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي ذكرناها.

ومن الجدير بالذكر أن خطورة تجاهل هذه الشركات لتلك المبادئ تكمن في كونها سبباً رئيسياً في خروقات الاحتلال للمواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يخص المعاملة الإنسانية للأسرى، وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة الخامسة منهعلى أنه " لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة"، وأيضا المادة التاسعة منه والتي نصت على "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا".

وكرست أيضا كرست خرق الاحتلال لاتفاقية جنيف الثالثة 1949 وما ورد فيها من وجوب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، وأيضا لأسرى الحرب حق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال. كما أكدت على حماية الأسرى وعدم التعرض لهم بكافة أشكال التعذيب، وغيرها من البنود الكثيرة التي تؤكد على حماية حقوق الأسرى.

يذكر أن المؤسسة قد تواصلت مع إدارة كلتا الشركتين للاستيضاح حول أمور متعلقة بتزويد الاحتلال بمعدات وتقنيات ساهمت في انتهاك حقوق الفلسطينيين على نطاق واسع.

التوصيات:

تحمل المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) المجتمع الدولي وسلطات الاحتلال الاسرائيلي جميع العواقب الناتجة عن سياسات الاحتلال تجاه الأسرى الفلسطينيين وتطالب بما يلي:

1.دعوة للامم المتحدة للاعلان عن قائمة سوداء وتوفير "قاعدة بيانات" تتضمن أنشطة للشركات التي تساهم في أعمال تنتهك حقوق الأسرى في سجون الاحتلال.

2.دعوةالدول العربية التي لها علاقات مع هذه الشركات إلى توجيه إنذار رسمي إلى هذه الشركات ومطالبتها بضرورة إغلاق مقارها وفروعها وشراكاتها مع الاحتلال .

3.دعوة المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان إلى التحرك قانونياً وحقوقياً لمساءلة هذه الشركات أمام الجهات القضائية المختصة .

4. تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الشركات المتعاونة مع الاحتلال الاسرائيلي لإنهاء عقودها التجارية معه.

5. تدعو المجتمعات الحرة إلى مقاطعة الشركات المساهمة في حرمان الأسرى الفلسطينيين من حقوقهم.

6. تدعو لتشكيل لجنة دولية للوقوف على الآثار الناجمة عن السياسات المتبعة من قبل الاحتلال الاسرائيلي تجاه الأسرى.

7. تدعو الوسائل الإعلامية لبذل المزيد من الجهود في إظهار الانتهاكات الحقوقية المنظمة التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي بحق الأسرى.

8. تدعو جميع المعنيين الى العمل الدؤوب لتحرير الأسرى ونيلهم كافة حقوقهم.

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)

بيروت، 17/4/2023



[3] G4S, Our employees, part of Allied Universal, For more see the link, https://www.g4s.com/who-we-are/our-people/our-employees

[4] Samidoun, G4S pledges to pull out of Israeli market entirely following sustained BDS campaign, , For more see the link , https://samidoun.net/2016/03/g4s-pledges-to-pull-out-of-israeli-market-entirely-following-sustained-bds-campaign/

[5] الموقع الرسمي لشركة G4S ، Agreement reached on sale of G4S Israel,