توترات أمنية في مخيمات لبنان - منطقة صور نموذجاً

توترات إجتماعية في مخيمات لبنان
(منطقة صور نموذجاً)
الضغط الإقتصادي أبرز الأسباب وانعكاسات أمنية وأخرى سياسية متوقّعة
 
مقدمة:
 
يقيم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان قسراً منذ 1948؛ ذلك أن الاحتلال الإسرئيلي لم يحترم القانون الدولي ولم يحترم قرارات الأمم المتحدة، تقاعس المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته وازدواجية المعايير في القضية الفلسطينية بالإضافة إلى العنجهية الإسرائيلية ورفضها تنفيذ القرارات الدولية هي أحد أهم الأسباب استمرار معاناة اللاجئين. ويعدُّ اللجوء بحد ذاته مصدراً رئيساً للمعاناة خصوصاً في حالة اللجوء الفلسطيني الجماعي.
 
ومع مرور أكثر من 63 سنة على محنة النكبة لا يزال اللاجئون الفسطينيون داخل مخيمات وتجمعات الشتات يشعرون بالألم والمعاناة؛ كونهم يعيشون خارج أرضهم ويموتون خارجها وأحياناً لا يجدون مكاناً ليدفنوا فيه. ويزداد الألم مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فهم محرومون من الحقوق الأساسية التي أقرتها شرعة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة. وتعتبر المخيمات الفلسطينية بظروفها السكنية والإقتصادية والسياسية والأمنية مصدراً للقلق والتوتر الإجتماعي. وقد لاحظت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) خلال الأشهر الأخيرة الماضية ازدياد التوترات الإجتماعية بشكل ملحوظ، فقامت بدراستها بشكل هادئ، فوصفتها وشرحت وأطلعت على أسبابها ونتائجها، وعرضت نماذج منها، ثم خلصت إلى تقديم خلاصات وتوصيات:
 
أولا: معلومات أساسية عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان:
  • يشكل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ما نسبته 10% من مجموع اللاجئين المسجلين لدى الأونروا وحوالي 11% من سكان لبنان.
  • إن مجموع اللاجئين المسجلين في لبنان 455000 لاجئ. والمقيمين فعلاً على أرض لبنان حسب دراسة الأونروا مع الجامعة الأميركية في بيروت يترواحون بين 260000 و 280000.
  • إن مجموع المقيمين داخل المخيمات يتجاوز الـ53% من اللاجئين المسجلين لدى الأونروا.
وعلى الرغم من أن هذه الأرقام صادرة عن المكتب الإعلامي للأونروا حتى نهاية كانون أول 2010، إلا أنها لا تعتبر دقيقة لأنها تعتمد على المعلومات التي يتقدم بها اللاجئون الفلسطينيون فقط دون الأخذ بعين الاعتبار امتناع البعض عن تقديم معلومات حول الوفيات أو تجاهل أعداد المغتربين والمهاجرين إلى الدول الأوروبية والخليج العربي.
 
يقيم أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً به لدى الأونروا ومن الدولة اللبنانية ومن ضمنها ثلاث مخيمات في منطقة صور الساحلية وهي:
  1. مخيم الرشيدية: يقع جنوب مدينة صور، وقد أسّس عام 1948 وتبلغ مساحته 228 دونماً، ويبلغ عدد المسجلين في سجلات الأونروا حوالي 27 ألف لاجئ فلسطيني.
  2. مخيم البرج الشمالي: يقع شرق مدينة صور وقد أسس عام 1955، وتبلغ مساحته 134 دونماً، فيما يبلغ عدد سكانه المسجلين حوالي 19500 لاجئ فلسطيني.
  3. مخيم البص: يقع عند مدخل صور وقد أنشئ عام 1949 وتبلغ مساحته 80 دونماً فيما يبلغ عدد سكانه 9500 لاجئ فلسطيني.
ثانيا: الأسباب الجوهرية لازدياد التوترات الإجتماعية:
يعيش الفلسطيني في لبنان حرماناً شديداً بسبب تقاعس المجتمع الدولي عن تقديم المزيد من الدعم للأونروا فضلا عن القوانين والقرارات اللبنانية التي لم تعط اللاجئ الفلسطيني أبسط حقوقه.
  1. حرمان الفلسطيني من حقه في التملك: اللاجئ في لبنان محروم من التملك بحجة أن التملك سوف يؤدي الى التوطين. قانون تملك الأجانب رقم 296 والصادر في نيسان 2001 جعل المخيمات تضيق بساكنيها، فلا منازل واسعة تتسع لأصحابها ولا منازل تستوعب الشباب المقبلين على الزواج، والدولة تمنعهم من أن يتملكوا منزلاً صغيراً.. ومساحة المخيمات تضاءلت كثيراً أمام الزيادة السكانية الطبيعية للسكانوليس في الأفق أي بادرة من الحكومة اللبنانية بالسماح بزيادة مساحة المخيمات لكي تناسب الزيادة السكانية هذه. تحولت المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى أكوام من الأسمنت فوق بعضها البعض، ومصدراً للضغط النفسي والأمراض الأخرى.
  2. حرمان الفلسطيني من حقه في العمل خصوصاً في المهن الحرة: تحرم الدولة اللبنانية اللاجئ الفلسطيني من العمل في الكثير من المهن خصوصاً مهنة الطب والهندسة والصيدلة والمحاماة وسواها. وعلى الرغم من تعديل قانوني العمل اللبناني الذي جرى في حزيران 2010، إلا أنه كان تعديلاً جزئياً وطفيفاً ولم يعالج جوهر المشكلة. مما أثر على استمرار معاناة طبقة مهمة في المجتمع الفلسطيني؛ حيث تجد طبيباً أو مهندساً أو غيرهم من حملة الشهادات العلمية يعملون في أعمال مختلفة عن اختصاصهم وبأجور متدنية. وحسب دراسة أجرتها الأونروا بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت فإن نسبة البطالة في الوسط الفلسطيني بمختلف فئاته المهنية تصل إلى أكثر من 56%، كما تبلغ نسبة من هم دون خط الفقر حوالي 66%.
  3. التراكمات الأمنية والسياسية: شهدت المخيمات الفلسطينية عمليات تدمير جزئي أو كلّي خلال الحرب الأهلية اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي للبنان. ومع انتهاء الحرب الأهلية خضعت المخيمات الفلسطينية لحصار أمني مشدد خصوصاً في مخيمات الجنوب، كما أن أحداث مخيم نهر البارد في أيار/ مايو 2007 خلّفت آثاراً انسانية باهظة، مما أثرت على شعور اللاجئ الفلسطيني بانعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي. بل وتركت لديه شعورا متواصلاً من عدم الاستقرار والأمان، انعكس ذلك على سلوكه الفردي.
  4. غياب المرجعية السياسية والأمنية داخل المخيمات: لا تزال المخيمات الفلسطينية تدار من قبل هيئات مختلفة؛ واحدة تتبع منظمة التحرير الفلسطينية وأخرى تتبع قوى التحالف الفلسطيني. ولا توجد مرجعية سياسية وأمنية موحدة تتعاطى بشكل جدي وقوي مع التحديات المختلفة التي تواجه سكان المخيمات، الأمر الذي يؤثر في السلوك الإجتماعي العام، حيث لا يوجد قرار سياسي وأمني واحد يتعاطى مع التحديات الأمنية والمشاكل الإجتماعية بكل حكمة وحسم. إن شيوع شريعة أخذ الحق باليد هو نتاج حتمي لغياب المرجعية السياسة والأمنية داخل المخيمات.إن عدم جدية أصحاب القرار السياسي في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات ينعكس بشكل مباشر على الحياة الإجتماعية في المخيمات.
ثالثا: بعض التوترات الإجتماعية كنموذج:
 
إن الأسباب الواردة أعلاه كفيلة بأن تولّد ضغط إجتماعي ونفسي، وأن تنتج توترات اجتماعية متنوعة. وقد لاحظت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) ازدياد ظاهرة المشاكل الشبابية والتصادم بين الأفراد في الأشهر الأخيرة الماضية (حزيران، تموز، آب، أيلول) وتنوعت أسبابها وأساليبها، وأخذت أشكال مختلفة بين إطلاق النار في الهواء وبين رمي الحجارة واستعمال أدوات حادة.
 
وكان من أخطر نتائجها عملية القتل التي حصلت في مخيم برج الشمالي في 20 أيلول. ففي مخيم البص حصلت عدة مشاكل فردية تخللها إطلاق نار سقط خلالها عدد من الجرحى، فضلاً عن مشاكل كثيرة تحصل وتنتهي في نفس الوقت. أما في مخيم برج الشمالي فقد كان له النصيب الأكبر من التوترات الإجتماعية حيث حصلت عدة مشاكل تنوعت أسبابها وأساليبها من إطلاق النار الى استعمال الأدوات الحادة (السكاكين) الى رشق الحجارة الى استعمال مواد حارقة مثل (مياه النار)، وهذه المشاكل أدت الى سقوط بعض الجرحى، تنوعت حالتها بين طفيفة ومتوسطة. وفي 20 أيلول وقع إشكال بين شقيقين فلسطينيين داخل مخيم برج الشمالي، حيث أقدم ح. خ على طعن شقيقه ك.خ (34 عاما) عدة طعنات بسكين أدت الى وفاته على الفور. ونقلت الجثة الى مستشفى جبل عامل. أما مخيم الرشيدية فقد حصلت عدة مشاكل أيضا تخللها إطلاق نار على خلفيات مختلفة.
رابعاً: توصيف المشاكل التي تحصل:
لاحظت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) أن معظم المشاكل التي تقع تتصف بما يلي:
  1. لم تصل هذه المشاكل إلى حد يمكن وصفها بالظاهرة، فهي وإن كثرت إلا أنها تقع ضمن الإطار العام لأي بيئة إجتماعية، لكنها إن استمرت بهذا الازدياد فقد تتحول إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة.
  2. باستثناء حالة القتل التي حصلت في مخيم برج الشمالي في 20 أيلول، لم تسجل هذه التوترات حالات قتل أخرى في أي مخيم من المخيمات الثلاثة خلال فترة الأشهر الأربعة الماضية.
  3. المشاكل معظمها ذات طابع إجتماعي وليست لها علاقة بأية خلفية سياسية أو حتى أمنية.
  4. معظم المشاكل كانت تحصل بين فئات شبابية.
  5. معظم المشاكل كانت تعالج بالعنف في المراحل الأولى، ثم يتدخل الوجهاء في المرحلة الثانية، وغالباً ما ترفع الأطراف المتنازعة دعاوى قضائية ضد بعضها البعض لتسوية الخلاف في وقت لاحق.
  6. تستخدم الأدوات الحادة بشكل كبير في هذه المشاكل كما يستخدم السلاح في بعض الأحيان.
  7. معظم المشاكل كانت تحصل بين فئات شبابية عاطلة عن العمل.
  8. لم تتدخل القوى السياسية والكفاح المسلح لمعالجة هذه المشاكل وتوقيف الفاعلين إلا في مراحل متأخرة جداً وفي حالات محددة.
خامساً: الآثار السلبية للتوترات الإجتماعية:
تترك التوترات الإجتماعية آثاراً سلبية على مختلف الصعد فهي:
  1. تُوجِد حالة من القلق والتوتر عند سكان المخيمات، تزيد من المعاناة الموجودة أصلا، وتسهم في تفكيك الروابط الأسرية وتضعف العلاقات اجتماعية بين سكان المخيم. وتضغط سلباً على الواقع الإقتصادي المتردّي أصلا، وقد تؤسس لتوترات أمنية سياسية، يصعب التحكم بها أو السيطرة عليها.
  2. تُوجِد حالة من التمرد على القوى السياسية المحلية والوجهاء وعلى القواعد الاجتماعية المعمول بها.
  3. تنشر ثقافة العنف الجسدي واللفظي في بيئة اجتماعية محافظة.
  4. تؤثر سلباً على الحياة التعليمية وتضعف القيمة الرمزية للكادر التعليمي والمؤسسات التعليمية على حد سواء.
  5. تجعل من المخيمات مكاناً للذعر والخوف، وتضعف فيها معاني الرمزية الوطنية وتخرّب القيم الوطنية والإجتماعية التي ورثها اللاجئون الفلسطينيون عن آبائهم وأجدادهم.
سادساً وأخيراً:
خلاصات وتوصيات: لا شك أن هذه التوترات تحتاج إلى معالجة حكيمة واعية ومسؤولة، كما تحتاج إلى جدية كبيرة في التعامل مع أسبابها ونتائجها على حد سواء. ومن التوصيات التي يمكن ذكرها هنا:
  • إيجاد البيئة الإنسانية السليمة للإنسان الفلسطيني وتوفير الأرضية القانونية الصحيحة التي تحترم مبادئ حقوق الإنسان وقواعده المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وهنا تترتب على الدولة اللبنانية مسؤولية قانونية ووطنية كبيرة. ولا بد أن تتخذ الدولة اللبنانية إجراءات وقائية حقيقية تنزع عن المخيمات أي توترات إجتماعية وتزيل كل أسباب الغبن والحرمان. إن حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقوق الإنسان له تداعيات كبيرة اجتماعياً وسياسياً وحتى أمنياً.
  • إن وجود مرجعية سياسية وأمنية فلسطينية مطلب إنساني ملح وضروري، على أن تنبثق هذه المرجعية من رحم المجتمع الفلسطيني عبر اختيار ديمقراطي سليم. تتابع بشكل كثيف ويومي حاجات السكان، وتجترح الحلول الخلاقة وتتعامل بكل حزم وحسم مع أي إخلال بالاستقرار الاجتماعي، وتؤسس مع الدولة اللبنانية علاقة احترام متبادل قائمة على المصالح المشتركة من الأمن والأمان والرفاهية الاقتصادية.
  • كما يوصي التقرير منظمات المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني على حد سواء العمل على تأسيس بيئة حوار وتسامح خالية من العنف الجسدي واللفظي. ويوصي التقرير أيضاً بالتدخل بشكل قوي في قلب التوترات الاجتماعية لمعالجة أسبابها ونتائجها، من خلال لجان متخصّصة تعرف ماهية مشاكل الشباب، فتملأ الفراغ لديه وتسعى لإيجاد فرص عمل مناسبة له. كما تطالب السلطات المسؤولة بالوقوف عند مسؤولياتهم.
بيروت في 13/10/2011
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)