(تقرير) الطالب الفلسطيني في لبنان بين الحق النوعي في التعليم واكتظاظ الغرف الصفية

أصدرت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تقريراً حول جودة التعليم في مدارس الأونروا في ظل السياسة التعليمية الجديدة القاضية بدمج الصفوف وزيادة عدد الطلاب إلى 50 طالب في الصف الواحد. واستعرضت (شاهد) في تقريرها الواقع الحالي للطلاب الفلسطينيين من خلال عمل ميداني قامت به، ثم استعرضت النصوص القانونية التي تؤكد على حق الإنسان في التعليم النوعي، وخلص التقرير إلى أن ثمّة بوناً شاسعاً بين الواقع السيء الذي يعيشه الطالب الفلسطيني مقارنة بالحقوق التي كفلته له الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

(تقرير)

الطالب الفلسطيني في لبنان

بين الحق النوعي في التعليم واكتظاظ الغرف الصفية

دمج الصفوف وزيادة عدد الطلاب إلى 50 في الصف الواحد، سياسة تعليمية تتعارض مع أبجديات حقوق الإنسان الخاصة بالتعليم.

وكالة الأونروا وتنمية مجتمع اللاجئين الفلسطينيين:

أُنشأت الأمم المتحدة منظمة دولية أسمتها (الأونروا) في8 كانون الأول من عام1949وذلكبموجب قرارالجمعية العامةرقم 302. الهدف الرئيس لهذه المنظمة الدولية هو إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة ومناطق الشتات الأخرى. ولقد تم تفويض (الأونروا) بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين من لاجئي فلسطين المسجلين لديها. وتقتضي مهمتها هذه بتقديم المساعدة للاجئي فلسطين في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة ليتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم في مجال التنمية البشرية وذلك إلى أن يتم التوصل لحل عادل لمحنتهم. وتشتمل خدمات الأونروا على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والإقراض الصغير.

ومنذ ذلك الوقت توفر الأونروا خدمات التعليم الأساسي للطلاب الفلسطينيين، من خلال مدارس أنشأتها في تلك المناطق. في حين أن بعض الدول المضيفة وفرت التعليم الثانوي للاجئين، بينما اضطر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إلى دفع نفقات التعليم الثانوي حتى عام 1993 حيث قررت بعض الدول المانحة دعم الأونروا وفتح مدارس ثانوية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

حوالي 32 ألف طالب فلسطيني في لبنان ينتظرون التعليم النوعي:

إن السمة البارزة لمدارس الأونروا في لبنان والتي يستفيدمنها 31,753 طالب في 68 مدرسة منتشرة على الاراضي اللبنانية[i]، هو ارتفاع عدد الطلاب في الغرف الصفيّة وصولاً إلى 45 طالباً وما يزيد. إن لهذه الأعداد الكبيرة في الصف الواحد تأثير سلبي على التحصيل العلمي وجودة التعليم. بحسب تقارير المتابعين لنسب النجاح في مدارس الأونروا تبين أن نسبة الرسوب ترتفع من عام الى آخر دون إيجاد خطط تربوية علاجية لتخفيضها.

في صيف 2015 صدمت وكالة الأونروا مجتمع اللاجئين الفلسطينيين بقرارات خطيرة تقضي بتقليص خدماتها الأساسية بشكل كبير للعام 2015- 2016 وذلك بسبب العجز المالي الذي وصل إلى 101 مليون دولار (حسب خطاب المفوض العام للأونروا أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة)[ii]. وأن الأونروا لن تتمكن من فتح مدارسها في مناطق عملها الخمسة وهي لبنان، سوريا، الأردن، قطاع غزة والضفة الغربية، بل ستضطر إلى تأجيله إلى بداية العام 2016 وهناك مخاوف من إلغائه نهائياً هذا العام إن استمرت الدول المانحة في إحجامها عن تقديم التمويل المطلوب. إلا أن اللاجئين الفلسطينيين المتمثلين بالقوى السياسية، والمجتمع المدني والطلاب وذويهم، وحتى وزارة التربية والتعليم اللبنانية، رفضوا بشكل قاطع هذه القرارات المجحفة من خلال الاحتجاجات والتي تمثلت بالاعتصامات والاضرابات واستمرت عدة شهور.

احتجاجات اللاجئين تدفع دول للتبرع وأمل بعام دراسي لسنة واحدة فقط:

تحت ضغط هذه الاحتجاجات والمطالبات المتكررة، قامت بعض الدول المانحة بسد العجز كي ينطلق العام الدراسي. وكانت مساهمات الدول على الشكل التالي[iii]:

اسم الدولة

قيمة المساهمة المالية (بالمليون دولار)

تاريخ الإعلان عن المساهمة

الممكلة العربية السعودية

19

12/8/2015

دولة الكويت

15

17/8/2015

دولة الإمارات العربية المتحدة

15

18/8/2015

الولايات المتحدة الأميركية

15

18/8/2015

سويسرا

5.15

30/7/2015

المملكة المتحدة

4.68

12/8/2015

النرويج

2.44

6/8/2015

السويد

1.7

19/8/2015

جمهورية سلوفاكيا

0.05

25/7/2015

المجموع

78.12

بعد هذه المساهمات تراجعت الأونروا عن قرارالتأجيل وبدأ العام الدراسي بالتوقيت السنوي المعتاد[iv].

عام دراسي جديد وآلية تعليم تتعارض والتعليم النوعي:

قررت وكالة الأونروا خلق آلية جديدة تتعارض مع المبادئ الأساسية لتوفير التعليم النوعي للطلاب، حيث قررت تعيين مدرس واحد لكل 50 تلميذاً بدلاً من الآلية السابقة والتي كانت تعمل على تعيين مدرس لكل 35 طالباً، فضلاً عن وضع 50 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة تحت مبرر النقص في التمويل، متجاهلة مدى انعكاس ذلك على مستويات الطلاب وتحصيلهم العلمي، محاولة إجبار اللاجئين على القبول مرغمين بمقولة "شيء خير من لا شيء".

ومن الجدير بالذكر أن نية الأونروا كانت تتجه نحو إلغاء عدد من المدارس المستأجرة[v] ووضع تلاميذها في نفس المباني المدرسية المتواجدة داخل المخيمات وبنظام الفترتين الصباحية والمسائية دون تأمين النقل للطلاب، إلا أن هذا القرار تم إلغائه بسبب رفض مجتمع اللاجئين الفلسطينيين إضافة إلى وجود ضغوط سياسية لبنانية.

وبالفعل فقد انطلق العام الدراسي الجديد بهذه الآلية، وبدأت عملية الدمج بين الطلاب وصولاً إلى سقف 50 طالباً. ونتيجة الدمج وارتفاع عدد الطلاب لم يعد باستطاعة المدرسين السيطرة والتحكم بالصفوف، ولا الطلاب الجلوس والكتابة بحرية على المقعد الذي يجلس عليه على الأقل ثلاثة تلاميذ، مما يشغلهم عن الانتباه والمتابعة لمدرسيهم أثناء شرح الدروس إن تمكنوا من القيام بذلك بسهولة، بالإضافة إلى الجو في الغرفة الصفية المزدحمة من حيث التهوئة والأوكسجين والروائح التي تنبعث نتيجة الاكتظاظ التي تؤثر على مدرسيهم، مما يجعل الواقع معقداً وصعباً.

أمام هذا الواقع المأزوم وما يسببه من مشاكل يومية بين المدرسين والطلاب ومدراء المدارس الذين تحوّل دورهم مُجبرين من موجهين تربويين مهمتهم الإشراف والسهر على سير العملية التربوية بشكل منتظم، إلى "شرطة طلاب" لحل المشاكل التي تتنقل من غرفة إلى غرفة ومن مدرسة إلى مدرسة وليس لهذه المعضلة من نهاية أو حل، بل النتيجة المتوقعة إن استمرت هذه الآلية في التطبيق إلى ارتفاع نسبة الرسوب والتسرب المدرسي. وما لهذا الواقع من انعكاس اجتماعي واقتصادي على الطلاب وعائلاتهم.

ما هو التعليم النوعي وأين وكالة الأونروا منه؟

وفقا للمادة 26 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان "التعليم يجب أن يوجه نحو التنمية الكاملة لشخصية الإنسان مع تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ..."

وتم تأكيد هذا الحق وتطويره في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( المادة 13.1) واتفاقية حقوق الطفل (المادة 29.1) كما ترجمتها لجنة حقوق الطفل في تعليقها العام رقم (1) : غايات التعليم.

بناء على هذا الإطار الحقوقي الدولي، يجب أن يحصل الطلاب على خدمة تعليم جيدة تمكنهم من بناء شخصياتهم ومواهبهم وقدراتهم وعيش حياة غير ناقصة ومرضية داخل مجتمعاتهم..

غايات التعليم تتجاوز اكتساب طرق الحساب و مهارات القراءة الى المهارات الأساسية كالقدرة على اتخاذ قرارات متوازنة، والقدرة على تحمل المسؤولية، وبناء التفكير النقدي والمواهب الإبداعية .. وغيرها من القدرات التي تعطي الأطفال الأدوات اللازمة لتحقيق آرائهم في مسيرة حياتهم.

ويعتبر الأستاذ في قلب نوعية التعليم. وبحسب الفقرة الثانية من المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن "الشروط المادية لطاقم التدريس يجب أن تتحسن بشكل مستمر ". وكذلك المدارس يجب أن تتوفر على عدد كاف من الأساتذة الذين تلقوا تكويناً جيداً قبل الخدمة وكذلك خدمة تدريب جيدة، كما تلقوا في مكونات التكوين مقاربة النوع وعدم التمييز وحقوق الإنسان.

يجب أن يتقاضى جميع الأساتذة محليا ًرواتب تحفيزية (التعليق العام رقم (13)،العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية،التعلق العام رقم ( ( 1 اتفاقية حقوق الطفل الدولية)[vi].

إن الواقع الذي أشرنا إليه في الفقرات السابقة يتعارض بشكل كبير مع المقررات الدولية الخاصة بالتعليم وجودته.

إننا في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان"شاهد " نطالب بالتالي:

-التراجع عن سياسة دمج الطلاب في الغرف الصفية بهذا الشكل والعودة إلى وضع 35 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة التزاماً بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. والتزاماً بالقيم الإنسانية العليا التي تحملها وكالة الأونروا في برامجها.

-العمل على تأمين مدرسين للمدارس والتراجع عن وقف التوظيف الجديد للمدرسين في مدارس الأونروا.

-استمرار الدول المانحة للأونروا بتقديم التمويل المطلوب كي تستمر الأونروا في تأمين مستلزمات العملية التعليمية من مدرسين وكتب وبناء وصيانة المباني المدرسية.

-تحمل فصائل العمل الوطني الفلسطيني في لبنان بالضغط على الأونروا للاستمرار في تقديم الخدمات الرئيسية من تعليم وصحة وغيرها وعدم التراخي في هذا المضمار.

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان(شاهد)

بيروت في 7-12-2015



[i] انظر: http://www.unrwa.org/ar/activity/%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86

[ii]انظر في مضمون خطاب المفوض العام للأونروا: http://www.unrwa.org/ar/newsroom/official-statements/%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%86%D8%B1%D9%88%D8%A7-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9

[iii]انظر في موقع الأونروا www.unrwa.org

[iv]انظر بيان الإعلان عن افتتاح العام الدراسي: http://www.unrwa.org/ar/newsroom/official-statements/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%86%D8%B1%D9%88%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%A8%D8%AF%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%8A

[v]من هذه المدارس المستأجرة: "العوجا، قيساريا، الطنطورة، والمدية".

[vi]انظر:http://taalim-tarbiya.blogspot.com/2015/08/blog-post.html#sthash.L2JMXWlv.dpuf