تصاعد الاحتجاجات المطلبية ضد الأونروا من المسؤول عنها، ولماذا تتجه نحو العنف؟

تقرير

تصاعد الاحتجاجات المطلبية ضد الأونروا

من المسؤول عنها، ولماذا تتجه نحو العنف؟

مخيم برج الشمالي نموذجا

ارتفعت الاحتجاجات ضد الأونروا مؤخراً في كل المخيمات، وباتت ظاهرة تستحق الدراسة جيدا، خصوصا عندما يأخذ بعضها طابعا عنفيا. ومع غياب أي أفق لتحسين أوضاع الفلسطينيين في المخيمات، ومع عدم قدرة الأونروا على تأمين حاجات الفلسطينيين المتزايدة، ومع عدم جدية الحكومات اللبنانية بتعديل القوانين والقرارات المتعلقة بالفلسطينيين لكي تتوافق مع حقوق الإنسان، تصبح المخيمات الفلسطينية فريسة للفقر والحرمان، ويجعل منها بيئة خصبة لانتشار الأمراض، الأمر الذي يغير الأولويات لديهم، فيصبح البحث عن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية من طعام، ومسكن، مقدما على القضايا الوطنية العليا، وعلى رأسها حق العودة. مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان رصدت عن كثب ظاهرة تزايد الاحتجاجات وأصدرت تقريرا حول الموضوع، اتخذت من مخيم برج الشمالي نموذجا له.

أولا: مخيم برج الشمالي، مخيم الشهداء، وعنوان الفقر والحرمان أيضا.

مخيم برج الشمالي هو من المخيمات الكبيرة في منطقة صور يبعد عن مدينة صور الجنوبية 3 كلم تقريبا. يبلغ عدد سكانه 20 ألف نسمة حسب تقديرالأونروا. وتقوم وكالة الأونروا بتقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والنظافة العامة والصحة، والبنية التحتية وبعض عمليات الإغاثة، وتقدر وكالة الأونروا أن الذين يستفيدون من برنامج الشؤون الإجتماعية (حالات العسر الشديد)، ما بين 12ــ 18% من الفلسطينيين. تقوم الأنروا مؤخرا ببناء وترميم حوالي 350 منزلا بدعم من الهلال الأحمر الإماراتي، ورغم ذلك هناك فجوة كبيرة جداً بين ما تقدمه الأونروا وما يحتاجه السكان فعلاً، ورغم أنها عملية هامة جدا لسكان المخيم، إلا أنها كانت سببا لاشتعال مشاكل عديدة مع الأنروا، خصوصا الذين يقولون أنهم يستحقون بناء منازلهم، والأنروا لم تشملهم في المرحلة الأولى. ويوصف مخيم برج الشمالي على أنه مخيم الشهداء بسبب ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر مروعة فيه، خصوصا مجزرة الحولة. لكنه في المقابل أيضا، يوصف بأنه مخيم التلاسيميا، ومخيم الفقر المدقع.

وبما أن اللاجئين الفلسطينين في لبنان يعانون من ارتفاع نسبة البطالة بسبب الحرمان من الحقوق المدنية في لبنان، فهذا أدى الى ارتفاع عدد العائلات التي تعيش دون خط الفقر وبالتالي ازدياد الحالات المطلبية والتي تعجز الأونروا عن تغطيتها بشكل فوري، فضلا عن ذلك هناك اعتقاد واسع لدى الفلسطينيين بأن الأونروا لا تتمتع بالشفافية المطلوبة، وان النفوذ السياسي والمحسوبيات تلعب دورا في أدائها. هذا الوضع دفع بالعديد من الأشخاص إلى القيام بالإعتداء على بعض مؤسسات الأونروا وإغلاقها وأحياناً بالإعتداء على موظفيها واستخدام أساليب تتسم بالعنف والتهديد مما يؤدي أحياناً الى وقف تقديم الخدمات في المستوصفات الطبية ووقف منح التحويلات للمستشفيات المتعاقدة معها الأونروا وبالتالي زيادة معاناة اللاجئين بدلاً من تخفيف مشاكلهم وزيادة الخدمات المقدمة.

وفي زيارة ميدانية لمدير مكتب خدمات الأونروا في مخيم برج الشمالي بالوكالة، لمعرفة هذه الظاهرة عن قرب أفاد المدير بالوكالة والموظف المكلف بالاستماع الى شكاوى الناس من أن الأونروا تتلقى يوميا عشرات الاحتجاجات الفردية وأحيانا الجماعية وبأنهم يتعرضون يومياً لعشرات المطالب التي يتسم معظمها بطابع عنفي، وبطريقة تؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسات العاملة، وتجعل الموظفين في حالة اضطراب وقلق وبعض هذه المطالب ليست عادلة. وبحسب الأونروا في مخيم برج الشمالي، فإن الكثير من الأشخاص يتردَّدون الى مكتب مدير المخيم متهكمين تارةً وتارةً أخرى مهددين بأنهم يريدون إعمار منازلهم ويطلبون من الأونروا أن تعمل على زواجهم وتارة ً يطالبون بمواد إغاثية الى ذويهم، وأحياناُ يجمعون العديد من النسوة، الذين يندفعون الى مكتب الأنروا ويقومون باحتلاله وطرد موظفيه خارجاً والتعدي أحياناً على الفتيات اللواتي يعملن في قسم الشؤون الإجتماعية وإسماعهن شتائم ووصفهن بالخيانة وبالعمالة، هذا الواقع دفع بموظفي الأونروا إلى رفع دعاوى قضائية ضد البعض منهم وهددت الأونروا بسحب موظفيها خارج المخيم ووقف تقديم الخدمات حتى تتوقف هذه الإعتداءات. وبحسب الأنروا في المخيم فإن الأمر بات يتعلق بالأمن الشخصي للموظفين الذين يعجزون عن الدفاع عن أنفسهم في غياب المرجعية التي تحمي مؤسسات الأونروا وموظفيها.

أما السيد أبو نبيل بحر أمين سر اللجنة الأهلية في المخيم، فقد أوضح" بأن بعض الناس تستحق الخدمات والأونروا ليس لديها أي مانع من أن يقدم هذا الشخص طلباً ويملأ نموذجاً تستخدمه الأونروا لدراسة حالة الشخص وتحديد مدى أحقيته سواء من ناحية إعادة إعمار المنازل أو تقديم مساعدات إغاثية .. إلا أن هناك بعض الأشخاص الموتورين الذين ينظرون الى مؤسسات الأونروا وموظفيها نظرة عداء ويطالب بتوفير الخدمة بشكل فوري، وهذا سلوك غير منطقي وهدفه فقط إثارة الشغب وتعطيل تقديم الخدمات".

أضاف السيد أبو نبيل بحر " أن هذه المشاكل دائمة، وتجعلهم دائماً في حالة إرباك، وتتطلب منهم مجهودات كبيرة كي يتمكنوا من التفاهم مع هؤلاء الأشخاص والحفاظ بالمقابل على مؤسسات الأونروا وموظفيها.

ثانيا: على أي الخدمات تتركز الاحتجاجات؟

تقدم الأنروا خدمات الصحة والتعليم وغيرها للفلسطينيين وتقوم الاحتجاجات سواء بسبب النقص، أو المنع.

1. تتركز الاحتجاجات على خدمات الصحة، حيث يطالب سكان المخيم بتحويلات الى مستشفيات خاصة لإجراء عمليات. وتقدم الأنروا جزءا من تكاليف العلاج، ضمن معايير معينة. تثور المشاكل بشكل خاص على تكييف المعايير على هذه الحالة أو تلك. وتضع الانروا المعايير تماشيا مع الموازنة المرصودة وليس تمايشا مع الحاجات الفعلية للسكان. كما تنشأ احتجاجات بسبب تقصير مركز صحي للأنروا، أو بسبب عدم تمكن الكادر الطبي من معالجة حالة معينة.

2. تتركز الاجتجاجات أيضا على بناء المنازل أو ترميمها ضمن معايير خاصة. وتنشأ الاحتجاجات على عدم شمول عمليات البناء والترميم لهذا المنزل أو ذاك. علما أن منازل السكان في المخيم لا تتناسب مع المعايير الهندسية والصحية المطلوبة، وهي مكدسة فوق بعضها البعض.

3. تتركز الاحتجاجات أيضا على برنامج الشؤون الإجتماعية خصوصا لحالات العسر الشديد (SHC). وتضع الأونروا معايير خاصة لحالات العسر الشديد، بحيث توزع لهم مساعدات دورية، تراجعت دورية هذه التوزيعات مؤخرا لتصبح كل ثلاثة أشهر، ثم قدم مؤخرا بعض المساعدات المالية. وحول برنامج الشؤون الاجتماعية تتركز الاحتجاجات بشكل متواصل وأحيانا عنيف، حيث يترتب على ادراج أي فلسطيني ضمن حالات العسر الشديد خدمات أخرى لاحقة. يذكر أن معظم الفلسطينيين يصنفون ضمن حالات الفقر، لكن بسبب محدودية الموازنة تحدد الأنروا منهم فقط حالات العسر الشديد.

4. كما تنشأ بعض الاحتجاجات الخفيفة على خدمات أخرى خصوصا التعليم، وجمع النفايات، وتوصيل خدمة مياه الاستعمال الى المنازل، بالإضافة إلى المنح الجامعية.

ثالثا: أسباب احتجاج الفلسطينيين بطرق مختلفة:

إننا في مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان من خلال البحث الميداني استطعنا أن نحدد إلى حد بعيد الأسباب التي تجعل الناس يحتجون بطريقة تتسم بالعنف أحيانا.

1. ارتفاع نسب الفقر في الأوساط الفلسطينية بسبب تفشي البطالة، وارتفاع عدد السكان في بقعة جغرافية محدودة جدا، الأمر الذي يوفر بيئة خصبة للعنف والتمرد على الوضع اللاانساني. وتكون الأنروا أولى الجهات التي يغضب الفلسطينيون باتجاهها لاعتقادهم الجازم أنها مسؤولة عنهم.

2. عدم قدرة الأنروا على الوفاء بالالتزامات تجاه مجتمع اللاجئين وتحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة، بسبب ما تقول عنه الأونروا أنه يعود لعجز الموازنات.

3. غياب الشفافية في مؤسسات الأنروا وقبولها بالضغوط السياسية السلبية، يدفع العديد من الأشخاص لممارسة العنف لتحقيق المطالب، وغالبا ما ترضخ الأونروا لمثل هذه الأساليب، الأمر الذي يشجع آخرين لممارسة نفس الطريقة.

4. ضعف المرجعية السياسية الفلسطينية في لبنان عامة وفي المخيمات بشكل خاص، والتي تجعل العلاقة مباشرة بين الأونروا وبين الناس، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان الى عدم تفهم مطالب المحتجين. وعندما تقوم جهة سياسية ما بمحاولة ثني المحتجين عن الأونروا، تُتهم هذه الجهة بأنها لا تملك الصلاحية القانونية ولا السياسية على المخيم، وأنها هي ذاتها متهمة بممارسة العنف في حالات كثيرة لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، مما ينقل المخيم من حالة التوتر الإجتماعي الى حالة التوتر السياسي.

5. نظرة عامة سلبية من مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الى الأنروا على أنها تعمل ضد مصالحهم، وأن هذه النظرة جاءت نتيجة خبرة طويلة مع الأونروا.

رابعا: خلاصات وتوصيات:

إننا في مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان نؤكد على التالي:

رفض استخدام العنف للتعبيرعن المطالب، والإكتفاء بالطرق السلمية الحضارية. بالإضافة الى رفض أي عنف من أي طرف سياسي كان.

إن إغلاق مؤسسات الأونروا خصوصاً التعليمية والصحية يضر بمصلحة الفلسطينيين .

ضعف المرجعية الفلسطينية في لبنان يؤدي الى أن يعالج الناس أمورهم بأيديهم، الأمر الذي له نتائج خطيرة على بنية المجتمع ذاته.

أن ترفض الأونروا بشكل واضح وقاطع أي تدخل سياسي من أي طرف كان.

أن تبحث الأنروا عن مصادر لزيادة موازنتها، وأن تتفهم مطالب الناس، وفق الطرق السلمية. مع التأكيد على أن كل من يتعرض لموظفي الأنروا ومؤسساتها بالضرب، والتخريب يجب أن يخضع للقضاء، لا أن يتم ذلك على هذا الشخص دون ذاك.

أن تدرس الحالات الإنسانية المعروضة أمامها بطريقة فعالة تحاشياً لردات فعل الناس.

مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان

بيروت في 26/1/2010