الفئة الثالثة من اللاجئين الفلسطينيين فاقد الهوية انتهاك صارخ لحقوقهم

الفئة الثانية من الاجئين الفلسطينيين فاقد الهوية انتهاك صارخ لحقوقهم

 
السلطات الأردنية والمصرية ترفض تجديد وثائقهم ...
 ثلاثة آلاف فلسطيني جاؤوا إلى لبنان أثناء محنته ...
 ومحنتهم ضياع أوراقهم الثبوتية بيروت – علي ضاحي الحياة
الحياة 8/1/2006
  
أوقف الشاب حسني غزال للفحص الاعتيادي على نقطة تفتيش للجيش اللبناني عند مدخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين وسئل الخروج من سيارته. اضطرب حسني وبادر الى الهرب نحو المخيم فأرداه الجنود. وعند التحقيق حول سبب هروبه، اكتشفت السلطات ان هويته مزورة. ومنذ ذلك اليوم سلّط الضوء على وجود لاجئين فلسطينيين فاقدي الاوراق الثبوتية في لبنان. وتزامن تشكل هذه الفئة مع سقوط الضفة الغربية (الأردن) وقطاع غزة (مصر) تحت الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 ونهوض حركة المقاومة الفلسطينية، التي وصل عدد من كادراتها الى الجنوب اللبناني (العرقوب)، وتزايد هذا العدد بعد انفجار الصراع في الأردن ووقوع معارك ايلول الاسود (1970) وجرش (1971) لتنتهي بخروج المقاومة الفلسطينية من الاردن لاجئة الى لبنان.
  
 وتفيد دراسة اجراها المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) بالتعاون مع منظمة حقوق الانسان الفلسطيني (PHRO) بتمويل من الاتحاد الاوروبي العام 2004، ان عدد الفلسطينيين فاقدي الاوراق بلغ 3000 يتوزعون على المخيمات الفلسطينية في لبنان (الجنوب 64 في المئة، البقاع 16 في المئة، الشمال 16 في المئة، وبيروت 5 في المئة). ويعيش هؤلاء داخل المخيمات في ظروف عيش رديء، فهم معرضون للجوع والمرض والبطالة والأمية، ومعرضون للملاحقة القانونية والسجن، ناهيك بعدم جواز تسجيل معاملاتهم في الدوائر الحكومية والتعامل مع المؤسسات الرسمية. ويحمل هؤلاء وثائق سفر أردنية ومصرية ترفض السلطات الاردنية والمصرية تجديدها متذرعة بعدم الموافقة الاسرائيلية (إذ يمنع اتفاق اوسلو السلطة الفلسطينية من حق التسجيل). وعليه، كلما أثيرت قضية تنظيم العلاقات الفلسطينية – اللبنانية يتم الحديث عن نـــقلهم الى غــزة والضفة الغربية، ما يحتاج تعاوناً بين السلطة الفلسطينية ولبنان من جهة والسلطة ومصر والاردن واسرائيل من جهة اخرى، كما يؤكد سهيل الناطور عضو المجلس الوطني الفلسطيني ومدير مركز التنمية الانسانية (الحمائي). ويذكر ان هذه الفئة ليست مسجلة في سجلات «الأونروا» (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين) ولا في كشوفات مديرية شؤون اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية، وبالتالي لا تخضع لشروط المرسوم الاشتراعي 42 تاريخ 31 آذار (مارس) 1959، الذي ينظم وضع اللاجئين في لبنان.
 
 شهادات
 
هرب أبو حسان (45 عاماً - اسم مستعار) من بلدته طولكرم (الضفة الغربية) الى الاردن مع عائلته، لم يتسجلوا كلاجئين لكنهم اعتبروا مرحّلين ويحملون وثائق اردنية. عام 1979 هُرّب ابو حسان الى لبنان من قبل مجموعة مسلحة فلسطينية وشارك في الحرب. استردت السلطات الاردنية جواز سفره ومنعته من الدخول الى بلاد لجوئه الاولى. ومانعت الاونروا والسلطات اللبنانية في اعطائه أي نوع من الوثائق الثبوتية. وأبو حسان متزوج من لاجئة مسجلة من قبل الاونروا في لبنان، ويعمل في متجر بقالة في مخيم برج البراجنة، ولا يتطلب منه ذلك الاستحصال على اقامة او اجازة عمل طالما لا يتخطى حدود المخيم.
  
ظروف معيشته مشابهة للاجئين الآخرين لكنه وزوجته يواجهان مصاعب اكبر في ما يتعلق بمصير أولادهما الثلاثة: حسان 16 عاماً، وسامر 15 عاماً وحسام 12 عاماً. هم ورثوا وضع أبيهم القانوني، لا يمكن التعلم والوصول الى سوق العمل والتنقل الآمن خارج المخيم. قريباً ستلاحقهم الشرطة اللبنانية التي تدقق في سجلات الشباب وتوقفهم خارج المخيم. ويبدو وضع علي محمد علي (55 عاماً) مشابهاً لوضع أبو حسان. فعائلته تركت بيتها في نابلس عام 1960 وذهبت الى الاردن. وبعد بضع سنوات في بلاد منفاه الاول سافر الى لبنان بطريقة غير شرعية. اليوم هو متزوج من مواطنة لبنانية ولديه طفلان. وعلى رغم ان أمه لبنانية فإن ابنه محمد لاجئ فاقد الاوراق الثبوتية بسبب وضع والده القانوني وبالتالي فإنه لا يستفيد من خدمات الرعاية الصحية المقدمة للاجئين. تاريخياً، بدأت موجات الهجرة من فلسطين الى لبنان بعد صدور قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية و «الهاغاناه» (المنظمات الصهيونية) التي نجحت في 15 أيار (مايو) عام 1948 بتشريد الفلسطينيين (750 ألف نسمة الى الضفة الغربية وقطاع غزة، وسورية، ولبنان، والضفة الشرقية لنهر الاردن). وفي الهجرة الاولى وصل ما لا يقل عن المئة ألف فلسطيني الى الجنوب اللبناني وتجمع معظمهم في منطقة صور.
  
هذه الفئة شملها إحصاء اللجنة الدولية للصليب الاحمر العام 1948، وإحصاء الأونروا (1952) وهي مسجلة في سجلات المديرية العامة للأمن العام اللبناني، ومديرية شؤون اللاجئين، ولا خلاف على شرعية اقامة افرادها في لبنان. فهم يمنحون هوية خاصة ووثائق سفر للاجئين الفلسطينيين وهؤلاء يسمون بالفئة (R) أي المسجلين. والفئة الثانية هربت الى لبنان ومصر وسورية بعد العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، ووصل منهم 5 آلاف الى لبنان منحتهم السلطة حق الاقامة بموجب بطاقة بيضاء تصدر عن الامن العام اللبناني وسوّيت اوضاعهم لاحقاً بالمرسوم رقم 309 العام 1962 والمرسوم رقم 136 العام 1969 وحصل هؤلاء على وثائق مرور ليتمكنوا من السفر، ولم تعترف بهم الأونروا إلا بتاريخ 31/12/1993 ويسمون بالفئة (N). وتزامن تشكل الفئة الثالثة من اللاجئين (فاقدي الاوراق الثبوتية او (NID) مع سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الاسرائيلي العام 1967، ونهوض حركة المقاومة الفلسطينية التي وصل عدد من كادراتها الى الجنوب اللبناني (العرقوب)، وتزايد هذا العدد بعد انفجار الصراع في الاردن ووقوع معارك ايلول الاسود (1970) وجرش (1971). ويقدر عددهم في لبنان حالياً بثلاثة آلاف (وزارة الداخلية)، وهؤلاء ليسوا مسجلين في كشوفاتها ولا في كشوفات الاونروا اذ ترفض تسجيلهم كلاجئين في لبنان لعدم تطابق شروط اللجوء عليهم. وتُعرّف الاونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه «أي شخص كانت فلسطين مكان اقامته خلال الفترة الممتدة من حزيران (يونيو) 1946 حتى ايار (مايو) 1948، وفقد منزله ومقومات عيشه نتيجة الصراع العربي الاسرائيلي».
  
 علماً ان مشكلة فاقدي الاوراق الثبوتية لم تعد تنحصر بالآباء بل تعدت لتشمل الابناء ايضاً. مأساة الجيل الثاني وعن مأساة ولديها، تحكي جميلة وهي أرملة شابة، لديها ولدان: خديجة (16 عاماً) وعلي (11 عاماً)، والاب كان مقاتلاً فلسطينياً في احد التنظيمات الفلسطينية وهو لاجئ فاقد للاوراق الثبوتية. وعلى رغم كونها لاجئة مسجلة فإن ولديها لاجئان فاقدان الاوراق الثبوتية. وتقول: «يتابع علي وخديجة التعليم في مدرسة الاونروا لكنهما يرسلان بانتظام الى البيت ويتوجب عليّ التكلم مع المدير في كل مرة للسماح لهما بالدخول ثانية واحاول الحصول على وثائق لهما كي يتخرجا بشهادة صالحة». وتعيش جميلة في تجمع غير رسمي، حيث لا توجد عيادة للاونروا، وككل اللاجئين غير المسجلين ليس لولديها الحق في الاستفادة من خدمات العيادات، وفي حال مرضهما تأخذهما الى مستشفى جمعية الهلال الاحمر وتدفع جزءاً من تكاليف الطبابة والدواء.
  
 أما زياد (14 عاماً) الذي يعيش مع أمه وثلاث اخوات في مخيم غير رسمي، فأمه مسجلة في الاونروا كعزباء تحت ملف ابويها. تزوجت من لاجئ فاقد للاوراق الثبوتية. لذا لا زواجها ولا ولادة اطفالها معترف بهما من قبل الاونروا. وهذا يعني ان العائلة لا تستطيع الحصول على العناية الطبية اللازمة. ويذهب زياد الى المدرسة في الوقت الحاضر، لكن يستوجب عليه ان يتوقف في سن الخامسة عشرة، «لأنه يجب على التلاميذ ابراز اوراقهم الثبوتية للحصول على شهادتهم الاولى». ويعاني 95 في المئة من فاقدي الاوراق الثبوتية، بحسب دراسة DRC، من صعوبة التنقل خارج المخيم الذي يقطنون فيه، ويستفيد 6 في المئة منهم فقط من خدمات الهلال الاحمر الفلسطيني، و58 في المئة منهم عاطلون من العمل في حين ينال 31 في المئة اجوراً من منظمة التحرير الفلسطينية.
  بتريغ: لتطبيق توصيات التقرير
 
عن ماهية عمل المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) وهو منظمة انسانية خاصة تأسس العام 1956 تقول المديرة سنتيا بتريغ «إن المجلس اتحاد مكون من 31 منظمة عضواً، تعمل للحلول الفعالة التي يمكن ان تساعد اللاجئ في الدنمارك والعالم، كذلك يعمد المجلس الى توزيع المواد الغذائية والمساعدات غير الغذائية، وحلول لوجيستية واعادة بناء البيوت والمدارس، امدادات للمياه وازالة ألغام ارضية ودعم منظمات انسانية محلية وتطوير الديموقراطية وحقوق الانسان». وفي لبنان افتتح المجلس مكتبه رسمياً في ايلول (سبتمبر) 2004، ويعمل حالياً على تحديد اللاجئين فاقدي الاوراق الثبوتية، والضغط من اجلهم ودعمهم اضافة الى تقويم وضع مجموعة اللاجئين الآخرين. وعن توصيات التقرير (المسح) الذي اجراه المجلس توضح بتريغ ان ابرزها يتمثل بالآتي: 1- استمرار التوعية حول وضع اللاجئين فاقدي الاوراق الثبوتية، 2- ان تعمد الاونروا الى تسجيلهم في لبنان أسوة باللاجئين الآخرين ليتمكنوا من الحصول على كامل خدماتها، 3- ان يتم الاعتراف بهم وحمايتهم كأشخاص موضع اهتمام من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (NHCR)، 4- ان يتم قبول طلبات اللاجئين الذين يتطوعون للعودة الى الدولة المضيفة السابقة، 5- ان تصدر السلطة الفلسطينية الاوراق الثبوتية لهم، 6- حصول الاطفال على جنسية، 7- تسجيلهم لدى السلطات اللبنانية. وتجدر الاشارة الى ان الاونروا نشرت في 30 أيلول 2005 دراسة تفيد بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يبلغ 402873 لاجئاً يعيش 212581 منهم داخل المخيمات.
  
الناطور: للحوار مع الحكومة اللبنانية وحق العودة
بدوره يعتبر سهيل الناطور عضو المجلس الوطني الفلسطيني ومدير «مركز التنمية الانسانية» (الحمائي) ان الدور الرسمي للمرجعيات الفلسطينية في لبنان «أثمر على صعيدين: الاول يتمثل بفتح صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية – الفلسطينية والثاني عبر وقف السلبيات التي حصلت في السابق في مجال حقوق الانسان الفلسطيني الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية وخصوصاً بدء الحوار الرسمي بين الطرفين عبر لجنة شكلتها الحكومة اللبنانية برئاسة السفير خليل مكاوي والتي تضم ممثلين عن وزارات التربية، العمل، والصحة، الخارجية، الشؤون الاجتماعية والداخلية يقابلها لجنة فلسطينية موحدة تجمع بين فصائل منظمة التحرير والتحالف الوطني، وبالتالي يجرى حوار داخلي لتشكيل لجان فلسطينية متابعة، واللجنة السياسية أنجزت اوراق العمل ويرأسها مسؤول ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عباس زكي». ويضيف الناطور ان جدية الحوار «تتمثل أولاً وأيضاً في التوجه الى اعادة فتح سفارة فلسطينية او مكتب تمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي أغلق العام 1982 (بعد الاجتياح الاسرائيلي)، وبالتالي التعامل الرسمي مع مرجعية سياسية قانونية في لبنان سيكون مثمراً من جهة التمثيل السياسي وثانياً رعاية مصالح اللاجئين الفلسطينيين ضمن السيادة اللبنانية، وهذا أول مدماك لنسف نظرية التوطين وضمان حق العودة وتطبيق القرارات الدولية لا سيما القرار 194، خصوصاً بعد افتتاح معبر غزة الذي يشكل متنفساً لأبناء غزة وان كان منقوص السيادة».
  
 التعامل الرسمي
 
ولكن كيف تتعامل الدولة اللبنانية مع ملف اللاجئين الفلسطينيين من الناحية القانونية؟ يقول عطاالله غشام مدير عام وزارة الداخلية ومديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، ان «المراسيم الأولى لجهة التعامل مع قضية اللاجئين كانت في العام 1950 عندما أنشأت الدولة اللبنانية «اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين» برئاسة جورج حيمري، وبتاريخ 31 آذار (مارس) 1959 صدر المرسوم الاشتراعي رقم 42 القاضي باحداث ادارة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين، ونظمت أحكامه بالمرسوم 927 الصادر بالتاريخ ذاته والقاضي بتحديد مهام ادارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في وزارة الداخلية في المادة الاولى والتي تتمثل بالاتصال بوكالة الاغـاثة الدوليـة في لبنان بغـيـة تأمين اعانة اللاجئين وايوائهم وتثقيفهم والعناية بشؤونهم الصحية والاجتماعية كذلك استلام طلبات الحصول على جوازات السفر ودرسها وابـداء الرأي فيها وإحـالتـها الى الدوائر المختـصة في الأمن العام، وقـيـد وثائق الاحوال الشخصية المتعلقة بالولادة والزواج والطلاق وبطلان الزواج والوفاة وتغيير محل الإقامة وتعديل المذهب والديـن وذلك بعد التثبت من صحتها وحسب الاصول المرعية في قانون قيد الاحوال الشخصية الصادر بتاريخ 4/12/1951.
 وبتاريخ 26 نيسان (أبريل) 1960 صدر المرسوم 3909 الذي قضى بانشاء هيئة عليا لشؤون اللاجئين الفلسطينيين تحت اشراف وزير الخارجية والمغتربين». وتفيد سجلات وزارة الداخلية اللبنانية بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها يبلغ 409 آلاف لاجئ شُطب منهم 22 ألفاً بسبب الوفاة او للحصول على جنسيات اخرى في دول المهجر. اضافة الى 16 ألف لاجئ مسجلين في وزارة الداخلية وليسوا مسجلين في الأونروا. اما عدد اللاجئين في لبنان من غير الفلسطينيين والذين يحملون جنسيات مختلفة (العراق، السودان) فيبلغ 3000 لاجئ.
 وتجدر الاشارة اخيراً الى ان لبنان ملتزم بالعـديد من الاتفاقات الدولية حول اللاجئين الفلسطينيين ابرزها اتفاقية جنيف (28 تموز 1951) وبروتوكول الدار البيضاء الصادر عن مؤتمر وزراء الخارجية العرب المعقود في 13/9/1965، واتفاقية القاهرة التي وقعها لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية العام 1969 والتي نصت على اعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان. مما لا شك فيه ان اعادة تفعيل الحوار السياسي بين الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية (فتح وفصائل التحالف الوطني) يعيد الاعتبار الى هذه العلاقة المتأرجحة منذ العام 1948، وبالتالي يؤمن للاجئ الفلسطيني في لبنان بعضاً من حقوقه الانسانية والاجتماعية والاقتصادية المشروعة لتمكينه من الصمود امام مشاريع التوطين والتهجير وتمسكه بحق العودة الى الوطن الأم فلسطين