أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم شاتيلا

اوضاع الاجئين الفلسطينيين في مخيم شاتيلا

 
 المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) 25 كانون الثاني – يناير – 2005
 
دراسة اجتماعية من إعداد أزماتٌ إنسانية وحياتية ونقصٌ هائل في الخدمات تهدّد بمضاعفات اجتماعية وأمنية مقدمـة يعيش اللاجئون الفلسطينيون في مخيم شاتيلا أوضاعاً إنسانية صعبة للغاية، ناتجة عن الأزمات التي يعاني منها المخيم في النواحي الخدماتية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تعود أسبابها إلى افتقار المخيم لمياه الشرب وانقطاع الكهرباء بشكل دائم، وتردّي أوضاع شبكة الصرف الصحي، وارتفاع نسبة البطالة بين الفئة القادرة على العمل إلى أكثر من 45%، والتراجع الهائل في مستوى الخدمات التي تقدّمها الجهات المشرفة على شؤون حياة اللاجئين، وبالأخص الأونروا واللجنة الشعبية. النقص الكبير في الخدمات أنتج تردياً في الواقعين الصحي والبيئي، وخلق واقعاً تعليمياً ضعيفاً يهدد مستقبل الطلاب، وأدى إلى نشوء حالات اضطراب اجتماعي برزت ملامحها في الإشكالات ذات الطابع العنفي بين بعض المجموعات، وفي انتشار مجموعة من الآفات الاجتماعية والأخلاقية، زاد من مخاطرها غياب السلطات المختصة ودخول فئات أجنبية مختلفة للإقامة أو للعمل في المخيم.
 
أولاً: أسباب الدراسة
 
 وُضعت هذه الدراسة الميدانية واختص بها مخيم شاتيلا للأسباب التالية: تفاقم الأزمة الحياتية في المخيم مقارنة بغيره من المخيمات، ما يهدد بكارثة إنسانية لأكثر من عشرة آلاف نسمة. تأثير الأزمة بشكل واضح على النسيج الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين. صعوبة واقع المخيم في ظل شبكة العلاقات والمصالح المتداخلة عند أكثر من طرف. وجود المخيم قرب العاصمة اللبنانية. اعتبار الفلسطينيين المخيم نموذجاً لتاريخ من الكفاح الفلسطيني، وبالأخص بعد مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982. ازدياد معاناة الأهالي في الأشهر الثلاثة الماضية ما أدى إلى إرهاصات اجتماعية وأمنية يُخشى من تطورها. موقع المخيم يقع مخيم شاتيلا جنوبي مدينة بيروت، ويتبع إدارياً لمحافظة جبل لبنان وبلدياً لبلدية الغبيري. أنشأته اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1949، لإيواء مئات اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا على المنطقة من الجليل الأعلى شمال فلسطين عام 1948. تضرر المخيم كثيراً بفعل الأحداث اللبنانية والاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة في السبعينات. ودمرت معظم مبانيه. خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ارتكب الاحتلال والميليشيات المتعاونة معه في أيلول/سبتمبر من العام نفسه مجزرة سقط فيها ما يقارب من 2500 شهيد حسب بعض التقديرات. تبلغ مساحة مخيم شاتيلا 39567 متراً مربعاً، ويقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه بحوالي 12335 نسمة وفقاً لإحصائية الأونروا عام 2003. قسم من أراضي المخيم استُأجر لصالح وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) لمدة 99 عاماً، وقسم آخر أراضي يملكها فلسطينيون. وتعود ملكية الأرض بالأصل إلى اللبناني عبد الله صعب من بلدة شويفات الذي كان مغترباً في البرازيل في ذلك الوقت. وكان وكيله في لبنان سعد الدين باشا شاتيلا، الذي سمّي المخيم نسبة إليه. ومخيم شاتيلا واحد من 15 مخيماً فلسطينياً أنشأتها الأونروا في لبنان لإيواء اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة عام 1948، ولم يبق منها اليوم إلا 12 مخيماً. ومثل كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، يعاني مخيم شاتيلا من نقص في الخدمات ومن ارتفاع البطالة وانتشار ظاهرة فوضى البناء ورداءة شبكة الصرف الصحي.
 
 ثانياً: أبرز المشكلات
 
انقطاع دائم للكهرباء
انقطعت الكهرباء بالكامل عن مخيم شاتيلا منذ عام 1985، وقت اشتعال ما سمّي بـ((حرب المخيمات)). وظلت الكهرباء مقطوعة حتى عام 1996، حين عادت بعد اتصالات قام بها أبناء المخيم مع الجهات الحكومية والمتخصصة في بيروت. وكانت المنظمات الدولية المشرفة على شؤون اللاجئين الفلسطينيين وبالأخص الأونروا واليونيسيف قد وفّرتا مولّدين كهربائيين لحاجة الأهالي، لكن تدخّل بعض الجهات المتنفّذة في المخيم وتسلّط ما يسمّيه الأهالي بـ((مافيا الكهرباء)) عاد وعطّل وصول الكهرباء إلى المخيم من خلال تحكّمه بغرفة الكهرباء الرئيسة، وسيطرته على المولّدات وبيعه الكهرباء للأهالي والأحياء اللبنانية المجاورة والتي يسكنها عمال سوريون وسريلانكيون وحبشيون، بمعدل 40$ لكل 5A (أمبير). السيد محمود كلم (كاتب) من أبناء المخيم، يرى أن ((الأموال التي دفعت لإصلاح الكهرباء تكفي لبناء قرية نموذجية))، بينما يرى السيد خالد فريجة (صاحب محل سمانة) ((إن التجار يتلاعبون بأوضاع الكهرباء)). هذا الوضع أدى إلى نقص وصول الكهرباء إلى الأهالي بسبب عمليات البيع والتحويل، فحمّلت الشبكة الكهربائية بأكثر من قدرتها، ما أدى إلى تعطّل المحوّل الرئيسي في المخيم عدة مرات، كان آخرها انفجار واحتراق غرفة الكهرباء في المخيم في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2004، ولا تزال الكهرباء مقطوعة عن المخيم حتى إعداد هذا التقرير، ما يرتّب على الأهالي الاشتراك في مولّدات التجار، وهو ما يحمّلهم عبئاً مادياً كبيراً لا يتناسب مع أوضاعهم الاقتصادية الصعبة. 
 
احتكار المياه
 يصعب على اللاجئين الفلسطينيين في مخيم شاتيلا، الحصول على المياه، فالمخيم كان يتزود بالمياه عبر شبكة المياه اللبنانية. لكن الأحداث والحروب قطعت هذه الشبكة، فتحوّل الأهالي إلى المصادر المحلية القائمة على سبع آبار منتشرة في المخيم، لكن بعض هذه الآبار لحق به الجفاف، وسيطر بعض الأفراد المتنفذون على المصادر الأخرى، فصاروا يبيعون المياه للأهالي بواقع اشتراك شهري قيمته سبعة دولارات أمريكية تذهب إلى الجيوب الخاصة. وصارت الآبار الصالحة تستغل أيضاً لتعبئة الشاحنات المحملة بالصهاريج التي تأتي من خارج المخيم، مما أضعف وصول المياه إلى الأهالي. السيد محمود صالح هاشم (من أبناء المخيم) يقول: "إن المياه تباع في المزاد العلني، عطلوا مضخّة المياه التابعة للمخيم، لفتح الطريق أمام بيع الماء بسبعة دولارات للمنزل". السيد أحمد البشير (من أبناء المخيم) يقول: "مياه المخيم كانت مشاعاً للناس من دون مقابل، أصبحت اليوم تباع بالمزاد العلني، الكل يعرف والكل يتألم.. لكن بدون نتيجة". 
 
 ضعف بنية الصرف الصحي
في الشتاء تتحوّل شوارع وأزقّة مخيم شاتيلا إلى بحيرات صغيرة، فالمخيم يقع في منطقة منخفضة، فتندفع المياه من المناطق المجاورة باتجاه المخيم.ومع ضعف بُنية شبكة الصرف الصحي وازدياد عدد السكان في الأحياء المجاورة وفوضى البناء وغياب الرقابة البلدية تزداد مشكلة الأهالي، وتتفاقم معاناتهم، وينتج عن هذه الأزمة دخول المياه إلى المنازل وتدفّقها إلى المحلات التجارية والمخازن، وانتشار المياه الآسنة في الشوارع العامة، وإلحاق الضرر الصحي بالتلاميذ المتّجهين إلى المدارس. § غياب الرقابة البيئية والصحية يعاني أهالي مخيم شاتيلا المشاكل البيئة والصحية التالية:
  1. غياب الرقابة الصحية الرسمية.
  2. ضعف العناية الصحية التي هي من مهمة الأونروا.
  3. انتشار النفايات بين المنازل.
  4. غياب الرقابة على محلات اللحوم والمطاعم.
  5. التصاق المنازل ببعضها وافتقارها للأنظمة الصحية وافتقارها للتهوئة وانتشار الرطوبة.
  6. عدم وجود رعاية صحية حقيقية للاجئين، حيث تنتشر بينهم أمراض خطيرة، وتكثر فيهم الأمراض الموسمية بسبب أوضاعهم السكنية والصحية.
 
البناء العشوائي
أهالي المخيم هجّروا أكثر من مرّة كان آخرها في حرب المخيمات 1985-1987، وبسبب الدمار الهائل الذي أصاب المخيم ظل معظم ساكنيه في الخارج. لكن مع أوائل التسعينيات عاد الأهالي إليه بعد قيام الأونروا ببناء وترميم عشرات المنازل. لكن المخيم اضطر لاستيعاب مئات العائلات الفلسطينية التي كانت مقيمة في بيروت، والتي تركت المنازل المؤقتة التي كانت تقيم فيها بعد توجّه الحكومة اللبنانية لحلّ أزمة المهجرين. وهو ما فتح الباب أمام البناء العشوائي في المخيم وشجّع المتاجرة ببيع الشقق، فقامت الأبنية على أساسات ضعيفة وأدى الإقبال على شراء الشقق بسبب رخص أسعارها إلى بناء المزيد منها، وهو ما عمّق الأزمة الحالية في الخدمات، وهدّد بأزمات مغلفة لم تظهر إلى الآن، ناتجة عن احتمالات الانهيار.
 
ثالثا: أهم مسبّبات الأزمة في شاتيلا
 
 بعد الجولات والزيارات الميدانية التي قامت بها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) داخل مخيم شاتيلا، تبيّن أن أسباب تفاقم الأزمات في المخيم ترجع إلى العوامل التالية: غياب المرجعية السياسية والأمنية. ضعف دور الجهات المشرفة على شؤون اللاجئين، أونروا – يونيسيف – منظمات إنسانية دولية، وضعف دور اللجنة الشعبية وعدم تخصّص أفرادها في الشؤون الخدماتية والتنموية. غياب أي دور للسلطات الرسمية اللبنانية وأجهزتها الرسمية والبلدية وهيئاتها الاجتماعية والصحية. تضاعف عدد اللاجئين الفلسطينيين في مساحة محدد طوال أكثر من 56 عاماً من اللجوء. تقاطع الجهات النافذة في المخيم في مصالح مشتركة، ومعارضتهم لمحاولات تحسين الأوضاع في المخيم إذا لم تؤخذ مصالحهم بعين الاعتبار عبر منافع مختلفة. تعمُّد بعد الجهات الدولية التنسيق في شؤون المخيم مع أشخاص عُرِفوا بفسادهم الإداري والمالي. ضعف المبادرة لدى أبناء المخيم وعائلاته وإحساسهم بالعجز عن التصدي للمنتفعين. تعدّد الجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات للاجئين، (سلطات لبنانية - أونروا – بلديات – لجنة شعبية..) دون التنسيق بينها، ويؤدي ذلك بعد العجز في المهام إلى إلقاء المسؤوليات على الآخرين.
 رابعاً: المضاعفات
 
 يُخشى أن تؤدي الأزمات الإنسانية في مخيم شاتيلا إلى المضاعفات التالية: اتساع دائرة الفقر وارتفاع معدّل البطالة، ارتفاع حالات الهجرة بين الشباب، ازدياد معدّل التسرّب من المدرسة وتراجع المستوى العلمي لدى الطلاب، ضعف الالتزام بالقانون وتغييب دور المرجعيات الدينية والاجتماعية، اللجوء إلى العنف لحلّ المشاكل، انتشار الآفات الاجتماعية في صفوف المراهقين، تشجيع الأفراد على التعدّي على الممتلكات الخاصة والعامة، انتشار الأمراض وتردّي مستوى الخدمات.
 
 
 خامساً: الحلول
مع صعوبة إيجاد حلّ مباشر لأزمة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم شاتيلا، فإن ذلك لا يمنع من المسارعة إلى إيجاد حلول سريعة، منها: التزام الجهات الرسمية اللبنانية برفع مستوى الخدمات في مخيم شاتيلا وبالأخص المياه والكهرباء، عبر العمل على تزويد المخيم بهما بشكل عاجل. كفّ يد الجهات النافذة في المخيم، والتي تتعدى على الأملاك العامة وحقوق اللاجئين. توافق شامل بين الجهات الفلسطينية على معالجة أوضاع المخيم. عقد لقاء تنسيقي دائم بين الحكومة اللبنانية وبلدية الغبيري والأونروا لوضع روزنامة عمل لحلّ أبرز المشاكل يعقبها تشكيل لجنة متابعة مشتركة. قيام الأونروا بشكل عاجل بتنظيم حملة لإغاثة اللاجئين في شاتيلا. تعهّد المنظمات الدولية برفع مستوى تقديماتها للمخيم. اختيار ممثلين عن اللاجئين في المخيم، للعائلات والأحياء، يديرون الشأن اليومي، شرط تمتّعهم بالخبرة والكفاءة والأهلية الأخلاقية.