بيانات صحفية

الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدود قطاع غزة انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني

الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدود قطاع غزة انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني
 
أثار الجدار الفولاذي الذي تبنيه جمهورية مصر العربية حول حدودها مع قطاع غزة جدلا قانونيا وسياسيا، وتزامن هذا الجدل الواسع مع مرور عام على الحرب الإسرائيلية على غزة واستمرار الحصار الإسرائيلي وعدم البدء بإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية. وينظر حقوقيون الى بناء مصر جداراً فولاذياّ تحت الأرض لمنع تمرير المواد الغذائية والدوائية والتي يتم إدخالها عبر الأنفاق لسكان قطاع غزة المحاصرين من قبل الإحتلال الإسرائيلي، تحت دواعي الحفاظ على الأمن القومي، بمثابة جريمة ضد الإنسانية، أو جريمة إبادة. ومع أن السلطات المصرية كانت قد أبدت تحفظا شديدا في بداية الأمر على تقارير اشارت الى أنها بدأت فعلا ببناء الجدار الفولاذي بدعم من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، إلا أنها عادت وأكدت صحة هذه التقارير تحت حجة أن ذلك يتم بموجب التمتع بالسيادة المصرية.
 
وحيال هذا الجدل الواسع حول بناء الجدار الفولاذي ، لا بد من ذكر ملاحظتين أساسيتين:
 
الملاحظة الأولى
قطاع غزة لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي: عملت اسرائيل على إعادة انتشار جيشها حول قطاع غزة في ايلول 2005، وقد قامت بهذه الخطوة بشكل منفرد ومن دون شروط. واعتبرت حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة هذه الخطوة حينها بمثابة انتصار وتحرير لقطاع غزة من احتلال استمر قرابة 38 عاما. ومع أن هذه الخطوة اعتبرت تجسيدا لنجاح المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف منذ الاحتلال عام 1967، إلا أنها لم تعف اسرائيل من اعتبارها دولة احتلال. وهناك خلط كبير على المستوى القانوني وحتى السياسي والإعلامي بين مصطلحين: إعادة انتشار وانسحاب. اذ تستخدم الخطة الإسرائيلية مصطلح إعادة انتشار، في حين تستخدم الأوساط العربية والفلسطينية مصطلح الإنسحاب. وقد ترك إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي جدلا سياسيا كبيرا، لكنه لم يغير من طبيعة الوجود الإسرائيلي باعتباره دولة احتلال. والمادة 42 من اللائحة الملحقة بـ"اتفاقيات لاهاي" الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907 عرفت الاحتلال الحربي بأنه "الإقليم الذي يصبح واقعيا خاضعا لسلطة الجيش المعتدي.." . وكل عناصر السلطة واقعة هنا: فدولة الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على المعابر البرية بشكل مباشر وغير مباشر، وتسيطر على المياه الإقليمية لقطاع غزة، وتسيطر على المجال الجوي، وهي بهذه السيطرة فإنها تؤثر على حياة السكان المدنيين. خاصة أن معظم حدود قطاع غزة مرتبط بدولة الاحتلال.
وفي خطوة خطيرة أخرى، اعتبرت دولة الاحتلال الإسرائيلي في أيلول 2007، أن قطاع غزة كيانا معاديا. وهذا القرار ليس له ما يبرره من الناحية القانونية.
 
وبناءً على ما تقدّم، يعتبر القانون الدولي الإنساني اسرائيل دولة احتلال، وهو ما يرتب عليها بالضرورة مسؤوليات قانونية بموجب "اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة" لعام 1949. واسرائيل مسؤولة من الناحية القانونية عن حياة المدنيين في القطاع. في المقابل، فإن مقاومة الاحتلال أمر يقره القانون الدولي، بما فيها المقاومة المسلحة. وما دامت المقاومة أمرا شرعيا وفق القانون الدولي، فإن على جميع الدول ان تتعامل بشكل إيجابي مع هذه الحق، بما فيها التعاون في دعم المقاومة بالسلاح، فالتحركات العسكرية الغربية بما فيها مراقبة مياه غزة الإقليمية لمنع "تهريب الأسلحة" هو أمر مخالف للقانون الدولي.
 
الملاحظة الثانية
جمهورية مصر العربية شريكة في حصار قطاع غزة، وعليها مسؤولية قانونية:أكدنا في الملاحظة الأولى أن اسرائيل دولة احتلال، وهي مسؤولة بشكل كبير عن حياة السكان المدنيين في قطاع غزة. في المقابل تتحمل جمهورية مصر العربية مسؤولية واضحة بهذا الخصوص لجهة مساهمتها الفعالة في حصار قطاع غزة عبر إغلاقها معبر رفح. وتعتبر أحكام "اتفاقية جنيف الرابعة" والتي وقعت عليها جمهورية مصر العربية مبكرا، ذات طبيعة آمرة ولا يجوز إبرام اتفاقية تناقضها. وقواعد القانون الدولي الإنساني خصوصا اتفاقية جنيف الرابعة تستند الى مصادر عرفية، وبات واجب تطبيقها. وترجع المسؤولية المصرية الى عدم تحركها الواضح لوقف جريمة الحرب المتمثلة بالحصار الإسرائيلي والذي تسبب بوفاة أكثر من 350 مدني فلسطيني. إذ كان من الممكن عندما تجد مصر ان انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي الإنساني كونها احد الأطراف المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 أن تتحرك لوقف جريمة الحرب هذه. إن التبريرات المصرية لا تستند الى أي قاعدة قانونية، بل إن الموقف المصري هو موقف سياسي لا يتطابق مع القانون الدولي.
 
لقد انتهكت الحكومة المصرية القانون الدولي الإنساني عندما أغلقت معبر رفح خصوصا أحكام اتفاقيات جنيف الأربعة، المادة (146) المشتركة وبروتوكولها الإضافي الأول ، الذي يفرض على كافة الدول المتعاقدة التزاما ً دولياً بوضع حد للمخالفات الجسيمة التي يخرق بها طرف ما أحكام الاتفاقية وبنودها، ويتجلى انتهاك الحكومة المصرية في:
 
أولا: إن مصر بامتناعها عن فك الحصار عن الفلسطينيين، فإنها بذلك تكون قد ساعدت طرفاً دولياً هو إسرائيل على تهديد حياة مدنيين أبرياء بما يتناقض مع بنود الاتفاقية التي تلزمها بالتصدي لكل طرف يقوم بانتهاك أحكامها.
ثانيا: تقاعس الحكومة المصرية عن نجدة طرف دولي وقع عليه الانتهاك.
ثالثا: التهرب من مسؤولياتها إزاء قطاع محاصر لا يمتلك منفذا غير الأراضي المصرية.
  • إن قطاع غزة هو أراضي محتلة بموجب القانون الدولي الإنساني وبموجب قرارات دولية عديدة وعليه فإن على المجتمع الدولي أن يساعد سكان هذا القطاع المحتل من التخلص من الإحتلال بشتى الوسائل الممكنة. إن على جميع دول العالم بما فيها مصر، بمُـوجب القرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3103) المؤرخ في 12 ديسمبر 1973، أن تمدّ فصائل المقاومة الفلسطينية بالغذاء والدواء والسلاح اللازم، لمقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلي.
  • إن المعبر الوحيد بين قطاع غزة ومصر هو معبر رفح، وهو يعمل حسب ما تقرر السلطات المصرية ذلك. ونتيجة لهذا الواقع الصعب، تنشط عمليات إدخال المواد الغذائية والأدوية وحتى السلاح للمقاومة الفلسطينية من خلال الأنفاق المنتشرة تحت الحدود. وتكاد تكون هذه الأنفاق الشريان الوحيد الذي يبقي المدنيين في قطاع غزة قيد الحياة. إن بناء الجدار الفولاذي يعني أن حياة المدنيين في قطاع غزة في ظل الحصار الإسرائيلي باتت في خطر حقيقي.
  • إن بناء الأنفاق بين الحدود المصرية والفلسطينية هو نتيجة حتمية للحصار الإسرئيلي أولا، ونتيجة لعدم فتح معبر رفح بشكل دوري ثانيا.
وإزاء ما سبق فإن مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان توصي السلطات المصرية بما يلي:
 
أولا: ان تتحمل السلطات المصرية مسؤولياتها تجاه الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة قانونيا وسياسيا، كون جمهورية مصر العربية هي الدولة الوحيدة التي تجاور قطاع غزة المحتل.
ثانيا: أن تفتح معبر رفح بشكل فوري وبانتظام لتمكين السكان المدنيين من التنقل للطبابة والتعلم، ولإدخال المواد الغذائية والطبية اللازمة.
ثالثا: أن تسهل السلطات المصرية مرور قوافل الإغاثة الى قطاع غزة.
 
بيروت في 05/01/2010
مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان.